المؤرخ المصري الاستاذ محمد عبدالله عنان ...رائد الدراسات الاندلسية
ميدل ايست أونلاين
بقلم: عمر مصطفى لطف
منذ عدة أسابيع مرت ذكرى وفاة محمد عبدالله عنان (20 يناير)، كما مرت عدة أسابيع قلائل على ذكرى سقوط الأندلس (يناير 1492)، وكان عنان رائد الدراسات الأندلسية في العالم العربى ... والآن ينشغل الناس بالسياسة، وكان من المشتغلين بها لعدة عقود. إنه المؤرخ المصرى محمد عبدالله عنان الذي رغم عمله بالمحاماة لسنوات كثيرة، ولكنه تركها ليتفرغ لعشقه الكبير وهو الكتابة والتأريخ للعالم الإسلامي عامة، الأندلسي خاصةً. ولكن ممارسته للمحاماة أكسبته صفة مهمة للمؤرخ، وهي التحقق وتقصي الأدلة والمقارنة، قبل أن يصدر حكما ما، وهو ما جعل كتاباته محل ثقة دارسي التاريخ في أنحاء العالم.
ولد محمد عبدالله عنان بقرية بشلا بميت غمر بمحافظة الدقهلية في (7 يوليو/تموز 1896)، حصل على البكالوريا من المدرسة الخديوية بالقاهرة في عام (1914)، كما حصل على الاجازة من مدرسة الحقوق السلطانية في عام (1918). وعمل محاميا بجانب الصحافة، إلى أن التحق بالوظيفة الحكومية في عام 1935، وظل بها إلى أن أحيل إلى المعاش في عام 1955.
كان يجيد عدة لغات (الانجليزية – الفرنسية – الالمانية - الاسبانية) وعلى دراية باللغة اللاتينية، مما جعله يترجم كتبا في عدة فنون، ففي التاريخ ترجم كتاب يوسف أشباخ (تاريخ الأندلس في عصر المرابطين والموحدين)، وفي الأدب ترجم بعض قصص ديماس الصغيرة من مجموعة "الجرائم الشهيرة"، وقصة "قلنسوة الذهب" للكاتب الفرنسي زافييه دى مونتبان، ولكنه اشتهر بترجمته لأطروحة الأديب الكبير طه حسين لدرجة الدكتوراه "فلسفة ابن خلدون الاجتماعية، تحليل ونقد".
كان عنان أحد أربعة من مؤسسي الحزب الاشتراكى عام (1921)، ولكنه تركه بعد ذلك، وجمعته الصداقة مع الكاتب الكبير محمد حسين هيكل وابراهيم عبدالقادر المازنى، واشترك معهما في تأليف كتاب سياسي بعنوان "السياسة المصرية والانقلاب الدستوري". هذا بالإضافة إلى عشرات المقالات السياسية في جريدتي "السياسة" و"السياسة الأسبوعية". وله كتب في التعريف بالمذاهب الاشتراكية، منها كتابه "المذاهب الاجتماعية الحديثة".
وله عدة كتب يمتزج فيها الأدب بالتاريخ، وأهمها "المآسي والصور والغوامض"، وهو مجموع من الصور التاريخية الشائقة. وكتاب ""مأساة مايرلنج" والذي أصدره باللغتين العربية والانجليزية.
ولإدراكه بقيمة وعظمة التاريخ المصري، كانت له عدة رائعة فيه، مثل كتابه "الحاكم بأمر الله وأسرار الدعوة الفاطمية"، والذي حاول فيه تفنيد المزاعم المحيطة بشخصية الخليفة الفاطمي بأمر الله، وكتابه عن الخطط المصرية "مصر الإسلامية"، وكتابه عن المؤرخين المصريين "مؤرخو مصر الإسلامية"، بالإضافة إلى عدة كتب أخرى.
ولم يكتف مؤرخنا بهذه العلوم، بل دخل إلى مجال التحقيق، في مطلع السبعنييات، فأخرج كتابين مهمين للأديب الأندلسي المشهور لسان الدين بن الخطيب "الاحاطة في أخبار غرناطة"، و"ريحانة الكتاب ونجعة المنتاب"، بجانب فهرسته للقسم التاريخي للخزانة الملكية بالرباط.
وله كتاب جليل (صدر بعد وفاته في عام 1988)، سرد فيه سيرته العطرة بعنوان "ثلثا قرن من الزمان".
ولكن ما اشتهر به حقا العلامة محمد عبدالله عنان، هو كتاباته عن الأندلس، التي عشقها وارتحل إليها عشرات المرات (وهو ما جعله يستخدم المصادر المحفوطة في الأرشيفات الاسبانية)، فظل يبحث في تاريخها وحضارتها عدة قرون، قدم لنا فيها أعظم موسوعة تاريخية عن الأندلس، وهي موسوعة "دولة الاسلام في الأندلس"، وهي من 7 أجزاء، تغطي تاريخ دولة الإسلام في الأندلس منذ الفتح حتى السقوط، بالإضافة إلى تمهيد رائع لأحوالها قبل الفتح الإسلامي، مع خاتمة عن أحوال مسلمي الأندلس بعد سقوطها، بالإضافة إلى جزء أخير (السابع) عن الآثار الإسلامية الباقية في الأندلس. ولا يزال دارسو التاريخ الأندلسي في الشرق والغرب يعتمدون عليها – رغم مرور عدة سنوات على اصدارها - ويثقون في المعلومات الواردة فيها. وكان رائد المدرسة التاريخية المشتغلة بالتاريخ الأندلسي.
وبعد هذا العطاء الضخم العظيم المتنوع في جميع الفنون، توفى العلامة الكبير محمد عبدالله عنان في العشرين من يناير/كانون الثاني من عام 1986، بعد أن كرمته الدولة بحصوله على جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية في عام (1977)، ووسام الجمهورية من الطبقة الأولى في عام 1978، ووسام الكفاءة الفكرية من الملك المغربى الحسن في عام 1981، واختير عضوا بمجمع اللغة العربية ونادي القلم الدولي.
وفي النهاية فإن أفضل تكريم لهذا الرجل هو أن كتبه لا تزال تنشر حتى الآن، ويعتمد عليها الكثير في أبحاثهم، ولا يزال آلاف الناس يتذكرون ريادته للمدرسة التاريخية المصرية والأندلسية، ولم ينسه التاريخ كما نسي مؤرخين آخرين، كتبوا من أجل الشهرة أو من أجل النفاق.
*http://www.middle-east-online.com/?id=149061
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق