الأحد، 8 فبراير 2015

قضية الاميرة عزة وزواجها من الجرسون الايطالي وانقلاب الفريق بكر صدقي في العراق 1936 ا.د.ابراهيم خليل العلاف




قضية الاميرة عزة وزواجها من الجرسون الايطالي وانقلاب الفريق بكر صدقي في العراق 1936
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس –جامعة الموصل
في تاريخ الاسرة الهاشمية المالكة في العراق 1921-1958 قصص وحكايات منها : " قصة الاميرة عزة وزواجها من (الجرسون ) الايطالي أنستاس خرالامبوس " ، والذي تعرفتْ عليه في جزيرة رودس مع اختها الاميرة راجحة ، والتي كان لها أثر كبير في قيام اول انقلاب عسكري في العراق والشرق الاوسط وهو انقلاب الفريق بكر صدقي في 29 تشرين الثاني 1936 .
وفي الحقيقة فأنني ومنذ 1975 لم أقرأ مثل ماقرأته في مجلة "المؤرخ العربي " العدد الاول 1975 تلك المجلة التي يصدرها اتحاد المؤرخين العرب ؛ ففي هذا العدد ، قرأت دراسة طريفة وجميلة لاستاذنا الكبير المؤرخ المصري الاستاذ الدكتور محمد أنيس والدراسة بعنوان :" حادثة الاميرة عزة وأثرها في إنقلاب بكر صدقي عام 1936 " ، وتستغرق الدراسة الصفحات من 143 الى 166 .ومما يزيد في قيمة الدراسة انه الحق بها نصوص البرقيات والرسائل المتبادلة بين الخارجية العراقية والمفوضية في انقرة عام 1936 حول حادثة الاميرة عزة . كما الحق بالدراسة صورة نادرة تجمع بين الاميرة عزة (التي اعطت لنفسها بعد ان تنصرت أسم انستاسيا ) وزوجها انستاس عقب زواجهما مباشرة والصورة سبق ان نشرت في صحيفة " جمهوريت (التركية ) العدد 4328 بتاريخ 2 حزيران 1936 .
يقول المؤرخ المصري الاستاذ الدكتور محمد أنيس انه من الامور التي تدعو للدهشة حقا ان الكثيرين من المهتمين بتاريخ العراق الحديث والذين قدر له ان يلقاهم لايعرفون حادثة الاميرة عزة وحتى اولئك الذين سمعوا عن هذه الحادثة وقت وقوعها يترددون كثيرا في الافصاح عن أثر هذه الحادثة على انقلاب بكر صدقي عام 1936 .
ومما ينبغي ذكره ان الاستاذ الدكتور محمد أنيس جاء بغداد بعد توجه الرئيس المصري الاسبق محمد انور السادات لاعتقال القوى الناصرية والتمهيد لعقد اتفاقية كامب –ديفيد مع اسرائيل .وقد درس الدكتور محمد أنيس في قسم التاريخ بكلية الاداب –جامعة بغداد ومن حسن الحظ انني التقيته مرات عديدة وكنت معجبا بدراساته ومؤلفاته وتوجهاته التقدمية القومية في كتابة التاريخ .
كتب الاستاذ الدكتور محمد أنيس ان كل من كتب عن انقلاب الفريق بكر صدقي لم يتطرق الى حادثة الاميرة عزة وانه بعد دراسته لملابسات الانقلاب وحيثياته وجد ان للحادثة أثر عليه وهو يقصد اثارة النقاش امام المجتهدين في تاريخ العراق الحديث ويقف عند نقاط عديدة منها ان الاحداث الصعبة في تاريخ العراق الحديث وقعت بعد وفاة الملك فيصل الاول 1921-1933وان الملك لم يكن متفرغا لتربية اولاده وترك ذلك لخدم القصر .
ويقف عند الملك غازي ويقول انه تولى العرش بعد وفاة ابيه وعلى الرغم مما كان يتمتع به من محبة لدى غالبية العراقيين وعلى الرغم من انه كان يعادي السياسة البريطانية في العراق الا ان كافة المصادر تكاد تجمع على انه كان عابثا في حياته الخاصة .
المهم ان الملك غازي كان اكبر ابناء فيصل الذكور ولكن يسبقه من اولاد فيصل كل من الاميرات الاميرة عزة والاميرة راجحة وكان من الضروري ان يشيع جو  الاهمال والتسيب  على كافة افراد الاسرة بمافي ذلك الاميرة عزة وكان هذا الافلاس الخلقي حادا لدى الاميرة عزة بالذات . ويشير فكتور باحوش ملاحظ الديوان الملكي وكان مرافقا للاميرتين عزة وراجحة في سفرهما ان الاميرة عزة كانت ناقمة على الاسرة الهاشمية وقد تطرقت في بعض احاديثا الى شؤون العائلة وقضية زواج الاميرة سارة وهرب اختها وامور اخرى تخص الامير (الملك فيما بعد )عبد الله ثم نزلت تقريعا عليه وعلى بقية الشرفاء متمنية تفسخ تلك العائلة .وكانت تتكلم بصوت عال وتقول لي :"لايهمني ذلك ولايهمني لقب أميرة "  .وفي صبيحة الاربعاء الموافق 27 مايس 1936 جاءت الوصيفة طليعة عمر وقالت ان الاميرة عزة ليست في غرفتها وكانت قبل يوم قد صرفت صكا من صكوك شركة كوك يبلغ 1000 دينار ووجدت الاميرة راجحة رسالة من عزة على المنضدة باللغة الانكليزية والرسالة بتوقيع الاميرة عزة وفيها تقول انها بالنظر لفقدانها والدها لم يكن امامها خيار الا ان تلتحق بالرجل الذي تحبه وقد تزوجت منه وكانت الرسالة مكتوبة على ورق فندق اطلانتك .وقد ذهبت الاميرة راجحة الى الفندق ووجدت الاميرة عزة وزوجها تتحدث الى الصحفيين وبعد ذلك تحدثت معها الاميرة راجحة واستذكرت معها والدها ومجده وشرف الملك غازي والوطن والعائلة ونصحتها بالرجوع عن ما فعلته والعودة الى العراق ولكن الاميرة عزة لم تستجب لكل ذلك وكانت عنيدة .
ويشير الاستاذ الدكتور محمد أنيس الى الوثائق البريطانية المحفوظة في دائرة السجلات العامة P.R.O تشير الى ان الاميرة عزة كانت اكبر بنات فيصل الاول تذمرا من حياتها .. وطبقا للرواية البريطانية فإن الاميرة عزة طلبت ان تعالج في النمسا وفي الطريق تعرفت على جرسون ايطالي يعمل في احدى الفنادق في رودس ويدعى (انستاس خارالامبوس ) وقد نشأت علاقة حب بينهما :انستاس كانت تستهويه فكرة الزواج من اميرة عراقية والاميرة العراقية –وقد كانت قبيحة المنظر –استهواها جمال هذا الشاب الذي كان اصغر منها سنا فقد كانت في الثلاثين من عمرها وقد تواعدا على الزواج على ان يتم ذلك في العام التالي ويبدو ان الاميرة عزة بعد ان بقيت في رودس بضعة اسابيع عادت الى بغداد لكنها ظلت تراسل انستاس من بغداد .وبالفعل في عام 1936 طلبت ان تذهب الى اوربا للعلاج مع اختها راجحة (كانت زوجة لاحد الضباط المقربين من بكر صدقي ) .
يقول الاستاذ الدكتور محمد أنيس :"عند هذه النقطة يحسن ان نترك المجال لفكتور باحوش ملاحظ الديوان الملكي والذي كان مرافقا للوفد الذي يضم الاميرتين والوصيفات ذلك الوفد الذي كان حتى وقوع الحادثة الى رودس وقد رفع فكتور باحوش تقريره الى رستم حيدر رئيس الديوان الملكي انذاك " .
وفي التقرير السري والشخصي المؤرخ في 14 حزيران 1936 مايشير الى قضية هرب الاميرة عزة وزواجها من الرجل المدعو انستاس خر الامبوس وقد تنصرت وتم زواجها في الكنيسةكنيسة صغيرة تقع في احدى ضواحي اثينا على الطريقة المسيحية وقالت لاختها في فندق اطلانطيك في اثينا بعد ظهر الجمعة الموافق 29 ايار 1936 :"ليس عندي لااخ ولااخت ولااقارب ولاوطن اعتبروني ميتة هذا هو نصيبي فهو لي الكل في الكل وقد تزوجت منه وانا احبه ولن اعود الى العراق واذا ما جبرت على ذلك انتحرت " .ولم تتمالك اختها الاميرة راجحة نفسها عند سماعها هذا الكلام وتركت الغرفة وهكذا سافرت الاميرة عزة وزوجها الى رودس على متن طائرة ايطالية .
حاولت الحكومة العراقية (لملمة ) الخبر وكتبت وزارة الخارجية الى السيد ناجي شوكت رئيس المفوضية العراقية في انقرة برقية في 30 مايس 1936 تقول ان الصحف الاوربية نشرت خبر زواج الاميرة عزة التي تشكو من الاعصاب وكانت قد ذهبت الى اثينا للاستشفاء وهناك اشتدت عليها النوبات ، وان الذي تزوجها اعتنق الاسلام ، وان تحسين قدري رئيس التشريفات الملكية سافر الى اثينا لاستطلاع الامر والسعي لابطال الزواج .. ونرجو ان تراقبوا الصحف ، وتوضحوا الامر كما بينا لكم .وقد اجاب السيد ناجي شوكت بأنه راجع وكيل الخارجية التركية ليوعز الى الصحف ان تكف عن نشر اخبار الحادثة وقد حصل الايعاز .
هز الحادث العالم العربي والاسلامي بعد ان اخذت الصحف تنشر اخبار الاميرة وزوجها وقد طلب رستم حيدر رئيس الديوان الملكي من الطبيب الخاص للعائلة المالكة تقريرا عن وضعها النفسي والصحي لمعرفة سبب قيامها بهذا الفعل فكتب الدكتور هاري سندرسن تقريرا في 13 حزيران 1936قال فيه ان الاميرة عزة كانت عصبية المزاج دائما وسبق ان واجهت هزات عقلية أثرت على اعصابها وقد سببت وفاة والدها المفاجئ قبل ثلاث سنوات لها اضطرابا نفسيا لازمها وجعلها طريحة الفراش لعدة اسابيع وكانت تعاودها هجمات هستيرية بصفة عامة ولاشك ان زواجها هذا ماهو الا برهان اضافي على اصابتها بشذوذ عقلي وهو حالة تلازم اكثرية الاشخاص المصابين بالهستيريا .
يقول الاستاذ الدكتور محمد انيس في دراسته ان الذي يهمنا من كل هذا ان رئيس الوزراء ياسين الهاشمي فكر في امور كثيرة لحماية سمعة العراق والاسرة المالكية منها تدبير محاولة لقتل الاميرة عزة ومنها اصدار قانون الاسرة المالكة رقم 75 لسنة 1936 ومن الواضح ان القانون ينص على تأليف مجلس خاص من رئيس الوزراء ومن كل من رئيسي مجلس الاعيان والنواب ووزيري العدل والداخلية ورئيس الديوان الملكي وينعقد برئاسة الملك وينظر في الامور التأديبية التي لها علاقة بأفراد الاسرة المالكة .وقد كان ياسين الهاشمي يقصد من القانون كذلك الحد من تصرفات المالك غازي 1933-1939 الذي أثرت عليه الحادثة فبدأ يفرط في السهر والشراب واخذ ياسين الهاشمي يزيد من محاصرة الملك غازي وافراد الاسرة المالكة ويد من تصرفاتهم واغلب الظن –يقول الاستاذ الدكتور محمد أنيس –ان هذا الموقف دفع الملك غازي الى التفكير في التخلص من ياسين الهاشمي وكان مما فكر به القيام بإنقلاب عسكري يطيح بوزارة ياسين الهاشمي ويكون هذا الانقلاب برئاسة الفريق بكر صدقي رئيس اركان الجيش وكان مقربا للملك غازي .وتدل الوثائق البريطانية ان الملك غازي كان على علم كامل بالانقلاب قبل حدوثه وان الدكتور هاري سندرسن طبيب العائلة المالكة نوه الى ذلك في " مذكرات سندرسن الموسومة :" عشرة آلاف ليلة وليلة " نشره عام 1973 قائلا انه شاهد الملك غازي صباح 29 تشرين الثاني 1936 بزيه العسكري ويحمل مسدسا على احد جانبيه وانه بعد ان فحصه فحصا روتينيا وجده مضطربا وينظر الى السماء بمنظار مكبر حيث كانت بعض الطائرات تلقي القنابل .
وهكذا حدث الانقلاب واطيح بياسين الهاشمي ووزارته وتحقق للملك غازي ما كان يريده .
بعد الحرب العالمية الثانية زار لامير عبد الاله ولي العهد ايطاليا وطلبت الاميرة عزة مقابلته في روما بسعي من السفارة البريطانية وقد رفض الامير عبد الاله مقابلتها وطلب من الدكتور هاري سندرسون ان يتولى مقابلتها ليعرف ماذا تريد وقابلها الدكتور سندرسن وعرف بأنها قد انفصلت عن زوجها وعاشت سنوات في غرفة بمدينة نابولي وانها افرطت في التدخين والشراب واعتمدت في معيشتها على راتب ضئيل خصصته لها الحكومة الايطالية ورغم التماس الدكتور سندرسن من الامير عبد الاله اللقاء بها الا انه رفض رفضا باتا وقال له انها جلبت العار على الاسرة المالكة ومع هذا لم ييأس الدكتور سندرسن فأستمر بالضغط على الامير عبد الاله فوافق شريطة ان يحضر الدكتور سندرسن اللقاء ويقول الدكتور سندرسن ما ان دخلت الاميرة عزة على الامير عبد الاله حتى بكيا الاثنان معا وانسحب الدكتور سندرسن من الغرفة وكانت عزة تريد الذهاب الى مصر لتقضي بقية حياتها ولكن الدكتور سندرسن رأى ان ذهابها الى مصر قد يفتح بابا جديدا للدعاية ضد الاسرة المالكة العراقية بسبب فضول الصحفيين واستقر الرأي ان تذهب الى عمان .
تلك هي قصة الاميرة عزة التي اضرت بسمعة الاسرة المالكة العراقية وصارت لها ذيول من قبيل ان ايطاليا لم تكن بعيدة عن ما يجري ؛ فلقد سهلت امر زواج الاميرة عزة ، وارادت من ذلك الاضرار بسمعة الاسرة المالكة العراقية بإعتبارها حليفة للحكومة البريطانية . وقد اشار الاستاذ ناجي شوكت رئيس الوزراء العراقي الاسبق وكان يشغل وقت وقوع الحادثة منصب "رئيس المفوضية العراقية في انقرة " الى انه ارسل مذكرة الى الحكومة العراقية حول موضوع الاميرة عزة وانعكاساتها في الصحف التركية وقال ان صحيفة "جمهوريت " التركية نشرت مقالا في 31 مايس 1936 اتهمت اناستاس زوج الاميرة عزة بأنه كان يعمل في الجاسوسية الايطالية في رودس .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حركة الشواف المسلحة في الموصل 8 من آذار 1959 وتداعياتها

  حركة الشواف المسلحة  في الموصل  8 من آذار 1959 وتداعياتها  أ.د. إبراهيم خليل العلاف أستاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل ليس القصد ...