الأربعاء، 15 مايو 2013

جماعة الأهالي و بدايات الفكر الديمقراطي الاجتماعي في العراق

عادل حسن الملا ـ الحوار المتمدن


*http://www.nbraas.com/inp/view.asp?ID=196

 
 الصورةالأولى : شارع الرشيد عام 1937                         طلاب الجامعات في انتفاضة عام 1948                                 
يزخر  تاريخ العـراق السـياسي المعاصر بالكثيـر من الأسـماء اللامعة (شـخصيات ومنظمات و صحف و أحزاب) ممن تركت بصماتها الواضحة على مسار الأحداث السياسية في بلادنا وأضحت نجوما في سماء العراق و تأريخ شعبه المعاصر.
فلا يمكن لأي متابع لمسيرة النضال الوطني و الديمقراطي في العراق المعاصر أن يتجاهل أسـماء من قبيـل (جعفر أبو التـمن) و( كامل الجادرجي) و(يوسـف سـلمان يوسـف) أو أن يغفل الـدور المتميـز الذي اضطلـع به (الحزب الوطنـي) و(الحزب الوطني الديمقراطي) و(عصبة مكافحة الصهيونية) و(جماعة الأهالي).

إن إلقاء الضوء على هذه العلامات البارزة في تأريخ شعبنا يكتسب أهمية كبيرة من أجل تعريف الأجـيال الجديـدة من أبنائنا بالمستوى الذي وصل إليـه الفكر السـياسي آنـذاك والتضحـيات الكبيـرة التـي قدمتـها الأجـيال السـابـقة علـى طريـق التحـرر والديمقراطية ومن أجل الإسهام في إشاعة ثقافة وطنية ديمقراطية.

وفي هذه المقـالة سـنحاول إلقاء الضوء على (جماعة الأهالي) التي كانت من أوائـل من ربط النضال الوطني من أجل الاستقلال مع النضال من أجل الديمقراطية بشقيها السـياسـي المتمثـل بحـرّية الأحـزاب و الصحافـة والانتخـابات، وشـقها الاجتماعي المتمثل بإزالة كافة أشكال الاضطهاد الاجتماعي و إنصاف الطبقات الفقيرة وتوفير وسائل العيش الكريم لها.

صدرت جريدة (الأهالي) في أوائل عام 1932 وكان مؤسسـها(كما يشـير إلى ذلك زكي خيري) عبد القـادر إسـماعيل وهو الزعيـم الروحي لثـلة من الشـباب المثـقف الراديكالي من خريجي الكـليات،وهو أيضا شـقيق يوسـف إسـماعيل أحد مؤسسـي الحزب الشـيوعي الـعراقي. فيـما يشـير عبد الرزاق الحسـني إنّ صاحب الجريدة ومديرها المسـؤول هو(حسـين جميل) الذي أصبح فيما بعد قياديا بارزا في الحزب الوطني الديمقراطي.

ويعزي فاضل حسـين نشـوء جماعة الأهـالي " إلى الصداقة الوثيقة التي نشـأت بين حسين جميل و عبد القادر إسـماعيل عندما كانا طالبين بالمدرسـة الثانوية في بغـداد،حيث إنهمـا فكرا في العمـل السـياسي وتوصلا إلى إنّ معنى الوطـنية لا يقتصر على المطالبة بالاستقلال التـام بالأسـاليب التي درج عليها السـاسـة القدامى بل إنّ الوطنية تعـني ، بالإضافـة إلى المطالبة بالاسـتقلال التام ، العناية الوافيـة بمصالح الشـعب أو (الأهالي) و أوضاعهم الاجتماعية و الاقتصادية و هذا يتطلب نشر الوعي السـياسـي بأسـاليب علمية عصرية بين الأهالي ". أي إنّ الشـعب (الأهـالي) وفق هـذا المنظور هو الغاية وهو الوسيلة أيضا في إحداث التحولات المطلوبة.

لم يكن تيار الأهالي متجانسا وقد ازداد اختلاطا بانضمام عبد الفتاح إبراهيم (مؤسـس حـزب الاتحاد الوطني عـام 1946 ) و كامـل الجادرجي (مؤسـس الحـزب الوطنـي الديمقراطي عام 1946 ). ففي حين كان عبد القادر إسماعيل يساريا ماركسيا وكذلك العديد من أعضاء الجمعية الآخرين الـذين كانوا على صلة مع حسـين الرحال ( أول ماركسي معروف في العراق) وكذلك مـع محمود أحمد السـيد مؤلف روايـة ( جلال خالد) التي تعتبر من بواكير الواقعية الاشتراكية في الأدب العراقي. على خلاف ذلك كان كامـل الجادرجي ،الذي ينحدر من عـائلة أرسـتقراطية ،ديمـقراطيا ليبراليا خاب أمله بالسياسيين التقليديين و عميدهم ياسين الهاشمي فتزعّم جماعة الأهالي و استطاع أن يحولها إلى الطريق الليبرالي ( بعد إبعاد السلطة لعبد القادر إسماعيل من العراق) و أن يشق طريقا وسطا بين المحافظين و اليساريين.

وفي عـام 1934 أصدرت جماعـة الأهالـي برنامجها الموسـوم (الشـعبية) الـذي قـام بصياغته عبـد الفتاح إبراهـيم و قـد تضمن البـرنامج انتقادا للفكر الشـيوعي مما حدا بيوسـف متي الرد على هـذا البرنامج في مقـالة نشـرها في مجـلة (عطارد) بعنـوان (الشـعبية في الميزان) و رغم كل ذلك فأن السـفارة البريطانية و السـلطات العـراقيـة كانت تعتبر جماعة الأهالي منظمة شيوعية.
إنّ من أبرز نشـاطات جريـدة الأهـالي قيامها بنشـر مناقشـات مجلس النـواب للائحة ( قانون حقـوق و واجبـات الزرّاع ) حيث كان النقاش محتدمـا بين معارض و مـؤيـد للقـانون ، فلقـد أقتـرح أحد المعـارضين إطلاق تسـمية (حقوق الملاك و واجبـات الفلاحيـن) على تلك اللائحة و كانت الجـريدة تلمّح إلى أن الموقف من هـذا القـانون تنطلق من الوضع الاجتماعي لهذا النائب أو ذاك.

كما نشرت الجريدة أيضا سـلسـلة مقالات بعنـوان ( أربعـون يوما في الأهـوار بيـن المعـدان) بقلم عبـد القـادر إسـماعيل ، وصف فيه الحيـاة المأسـاوية لفلاحي العمارة.
إنّ مقالات الأهالي ( حسب رأي زكي خيري) هي انعكاس للوضع الاجتماعي السائد آنذاك و الذي تمثل في نشـوء طبقة جديدة من كبار ملاكي الأرض على أسـاس قانون اللزمة و قانون تسـوية حقوق الأراضي حيث تحولت الأراضي الأميريـة التي كانت مشـاعة للعشـائر إلى مقاطعات للإقطاعيين الجدد من شـيوخ العشـائر و تجار المدن و كبار البيروقراطيين. أي إنّ الطـبقة الجديدة اسـتولت على الأراضي من الفلاحين ، و كذلك حرمت الـدولة من الريع الـذي كانت تدفـعـه العشـائر كخراج مقابل حيازتها للأرض.

بعد تعطيل جريدة الأهالي حصل كامل الجادرجي على امتياز إصدار جريدة (صوت الأهالي) و وضع هذه الجريدة تحت تصرف جماعة الأهالي. فعندما صدرت (صوت الأهالي) في آذار عــام 1934 نهجـت نهج (الأهالي) و كتب عليـها نفـس عناوين الأهالي فهي جريدة يومية سـياسـية جامعة يصدرها فريق من الشـباب و اتخذت قول الخليفة عمر الفاروق (متى استعبدتم الناس و قد ولدتهم أمهاتهم أحرارا).

يقـول روفائيـل بطـي " إنّ جريـدة صوت الأهـالي أخـذت تأدية واجبـها الوطـني الصحافي في الدفـاع عن حقوق الشـعب و إفهـام الجمهور مصلحته و تنبيهـه إلى ما يراد به ، و طابعها الانتصار للطبقة الكادحة. و كانت الجريـدة تنهج نهجا تقدميـا في سياساتها ، فقد انتصرت لزعامة جعفر أبو التمن و أيدته و آمنت بإخلاصه".
وقد عملـت الجريـدة على مقارعة مشـروع تعـديل قـانون المطبـوعات فكتبت مقالا عنوانه (خنق جديد للحريات في لائحة قانون المطبوعات).
وما لبثت أن ضاقت الحكومـة ذرعا بجريدة ( صوت الأهالي) فعطلتها يوم 21 أيـار 1934 ولم يصدر منها أكثر من 54 عددا.

لقد رفعت جماعة الأهالي آنذاك الوعي الديمقراطي بيـن المثقفيـن العراقييـن و كانت عونا للحركة اليسـارية كما إنها رفدت القوى السـياسـية الوطنية بالعديـد من الأسـماء البارزة مثل عزيز شـريف ( مؤسـس حزب الشـعب ) و حسـين جميل و محمد حديـد
( من قيـاديّ الحزب الوطني الديمقراطي )، و أخيـرا نشـير إلى أن يوسـف سـلمـان يوسف الزعيم اليساري البارز كان مراسل جريـدة الأهالي في البصرة و الناصريـة.
 
عادل حسن الملا
المصادر:
1- سامي رفائيل بطي ( صحافة العراق )- بغداد – 1985
2- حنا بطاطو ( العراق- ج2 )- 1977
3- زكي خيري ( صدى السنين )- 1995
4- عبد الرزاق الحسني ( الجبهة الوطنية في العراق )- 1983
( نبراس الذاكرة : ماينشر يعبر عن رأي صاحبه .. اضف او صحح الموضوع )

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حركة الشواف المسلحة في الموصل 8 من آذار 1959 وتداعياتها

  حركة الشواف المسلحة  في الموصل  8 من آذار 1959 وتداعياتها  أ.د. إبراهيم خليل العلاف أستاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل ليس القصد ...