الخميس، 2 مايو 2013

اللغة العربية ليست عاجزة والعيب في أهلها!




د. يوسف عز الدين: اللغة العربية ليست عاجزة والعيب في أهلها!
المصدر: الأهرام -الطبعة العربية

بقلم: الاستاذ عادل الالفي 
   http://digital.ahram.org.eg


ا.د . يوسف عز الدين

أثار تحقيق "اللغة العربية في خطر" الذي نشرناه قبل شهر ردود أفعال واسعة بين محبي اللغة العربية ودارسيها, ومن بين الذين اهتموا بالموضوع, الاكاديمي والناقد العراقي الكبير الدكتور يوسف عز الدين الذي يقيم حاليا في مقاطعة "ويلز" بانجلترا حيث يقوم بالتدريس في الجامعات البريطانية, ولأهمية وموضوعية ما طرحه من آراء حاورناه هاتفيا لنقل رؤاه للقراء لما يمتلكه من مقومات يزكيها ما كتب عنه من دراسات وكتب باللغات الانجليزية, والفرنسية, والأسبانية, والبولونية تجاوزت 16 كتابا ودراسة, فضلاً عن إثرائه للمكتبة العربية بما يزيد علي ستين كتابا في اللغة والنقد وتاريخ الأدب الحديث, بالاضافة إلي إبداعاته الشعرية والمسرحية والقصصية, وكونه عضوا في: مجامع اللغة العربية في مصر وسوريا والأردن, وبيت الحكمة في تونس, وجمعية الأدب المقارن في كندا, ورابطة الأدب الحديث في مصر, والجمعية الملكية البريطانية, وجمعية اللغة الحديثة في أمريكا, وجماعة أبوللو الشعرية الجديدة في مصر.
قلت: انتهي منذ أيام معرض "فرانكفورت" الدولي للكتاب.. فكيف تري استغلالنا لهذا المعرض الأشهر والأكبر في العالم في التعريف بالأدب والثقافة العربية؟
لم يحدث ذلك بالشكل الذي نتمناه أو يفترض أن يكون.. لأن الذين يمثلون العرب في هذا المعرض كل عام أكثرهم من الموظفين الذين لا يملكون فكراً أو ثقافة وإنما يعتبرون مشاركتهم نزهة يحصلون مقابلها علي مبلغ مادي, وبجانبهم سنجد قلة من المفكرين والمثقفين والأدباء الذين يشاركون في الوفود الرسمية, فكيف يمكن أن نتحدث عن وسيلة لتقديم أدبنا وثقافتنا إلي الآخرين بينما أصحاب المصلحة الحقيقيون ـ أعني المبدعين ـ وجودهم هامشي غير مؤثر.
ومن في رأيك المسئول عن هذا الركود في الحركة الثقافية والأدبية العربية؟
الكل مسئول.. الكاتب والناشر والأنظمة, فالكتاب لم يعودوا ينشغلون بالبحث مثلما انشغل به السابقون, والناشرون يبتزون الكتاب دائما فضلاً عن سوء التوزيع, فالكتب تخزن حتي تتلف ولا تصل إلي القاريء, والكتاب الجيدون المتمسكون بكرامتهم وحقوقهم يعانون حتي تطبع كتبهم ثم يعانون حتي توزع, أما الأنظمة فغالبا ماتقف من هذا موقف المتفرج ولا تتدخل لاصلاح الأمور.
إذن.. ما الذي يحتاجه المشهد الثقافي والإبداعي العربي ليرتقي؟
نحن عموما لدينا تطور مستمر في واقعنا.. والمسألة تكمن في معاناتنا من أزمة نفسية ثقافية علمية بعدما داهمنا الغرب بما لديه من آراء وأفكار ومخترعات أخذ بها بعض المثقفين العرب, لينقسموا لفريقين: الفريق الأول منهم, استطاع استيعاب هذه الحضارة والاستفادة منها وعمل علي تطويرها بما يخدم الأمة العربية, والفريق الآخر انبهر بهذه الثقافة ولم يعد قادرا علي السير في ثقافته الأصلية والاسلامية.
هل تعتبر ذلك خطراً يهدد مجتمعنا ثقافيا؟
لا.. هذا شيء طبيعي لأن كل جديد لابد وأن يكون له تأثير علي الأمة مهما كان هذا الأثر سلبياً أو إيجابياً.
علي ذلك.. لا يوجد ما يعيب في اعتماد الغالبية علي أسس المناهج الغربية في النقد؟!
بالتأكيد.. ولكن العيب هو ما يحدث علي الساحة في أخذ بعض النقاد الأدب والفلسفة الغربية دون أن يطوروها أو يستفيدوا منها, فهؤلاء يريدون تطبيق آراء "جوته" و"راسين" و"كولرج" و"وردز ورث" مثلا كما هي علي أديب عربي أو كاتب من كتاب المشرق, لذا نحن نحتاج إلي مزيد من الوقت كي نتمكن من استيعاب الثقافات الجديدة التي جاءتنا من الغرب للاستفادة منها بالشكل الأمثل في ظل مقارنتها بالثقافة العربية, لأن النظريات لا تأتي في يوم وليلة ولكننا في طريقنا للوصول لذلك عبر الأجيال المتعاقبة والتجارب المستمرة.
مع هذا تشهد الساحة الثقافية العربية الكثير من الجدل حول عدم قدرتنا علي تطوير اللغة العربية والنهوض بها لتحتل مكانتها بين باقي اللغات.. ففي رأيك هل هؤلاء محقون فيما يثيرونه من أقوال؟
أعتقد أن غالب من يتحدثون في هذا المسلك من ذوي النوايا الحسنة في طلب التطوير من منطلق الغيرة علي اللغة العربية, لكننا لو قرأنا جريدة "الأهرام" المصرية قبل مائة عام, وجريدة "الزوراء" العراقية, لوجدنا أن اللغة العربية قد تطورت, ولو عادوا إلي شعراء القرن التاسع عشر وقارنوا شعرهم مع شعر "محمود سامي البارودي" و"أحمد شوقي" مع الشعراء المعاصرين لوجدوا أيضا التطور واضحا في كيفية استخدام الأساليب والمعالجة بجانب تنوع الموضوعات التي لم تعالج في شعر السابقين.
ويبدو لي أن أغلب من يتحدثون بهذا المنطق لم يقرأوا قرارات مجمع اللغة العربية منذ عام 1944م بعدما أثار ودرس مشكلة صعوبة النحو وكيفية تطوير اللغة العربية, وكيف واصل المجمع متابعة اللغة العربية في قراراته التي يخرج بها سنويا.
وما هي أهم القرارات التي أقرها مجمع اللغة العربية ونفذت مؤخراً؟
للأسف.. هذه القرارات السنوية توضع علي الأرفف!!.. ولا ينفذ ما يقرره مجمع اللغة العربية من تطوير!.
ألهذا تتهم اللغة العربية بأن صعوبتها سوف تؤدي إلي انهيارها؟
هذا اتهام قديم يتكرر كل يوم بمناسبة أو بأخري.. فقد استهدفت اللغة العربية منذ أن وطأ الاستعمار الوطن العربي, لإدراكه أنها أقوي رابطة تربط أبناء أقطار العروبة وتوحدهم, لهذا حرص المستعمر علي الترويج لفكرة صعوبة اللغة العربية, حتي يباعد بين الأقطار العربية ويسهل لشباب كل قطر استعمال اللهجات العامية, وقد سبق لي أن ألقيت محاضرة في مجمع اللغة العربية نشرتها مجلة "الفيصل" الثقافية السعودية حذرت فيها من دعوات إحلال العامية محل الفصحي, والتي بدأها "وليم سبيتا" الموظف في دار الكتب المصرية في القرن التاسع عشر حين أصدر كتابه "قواعد اللغة العامية في مصر", وقد روج للفكرة بدهاء "يعقوب صنوع", كما كان المستشرق "وليم ويلكوكس" ـ أحد أكبر أعداء الفصحي ـ يلقي محاضراته باللهجة العامية, تحت دعوي عجز الفصحي عن الوفاء بما يريد طرحه من معان, وهو إدعاء باطل لأن اللغة العربية أثري اللغات بألفاظها ومعانيها, وأكثرها مرونة.
عفوا.. ولكن الهجوم لا يتركز حول استعمال الفصحي فقط, وإنما يمتد ليشمل القواعد النحوية والصرفية, وإتهام اللغة العربية بأنها لغة جامدة لا تتطور؟
اللغة العربية لغة حية, ومن سمات اللغات الحية قدرتها علي تطوير نفسها, فهي ليست جامدة كما يقولون, لكنها لغة مرنة متصرفة, والعيب ليس في قواعد النحو, وإنما في أساليب ومناهج التدريس, وغياب الوعي بها وأسلوب تعلمها, وهناك قرارات لمجمع اللغة العربية تتناول هذه المسألة وتضع النقاط علي الحروف, والمطلوب الأخذ بها بدلاً من الدعوة إلي إلغاء القواعد التي تكسب اللغة العربية دقة لا تتوافر لأية لغة أخري, مثلا هناك من دعا قبل عدة سنوات إلي إلغاء المثني ونون النسوة وتذكير الأرقام وإلغاء التشكيل, وفي تسرعه في طرح رأيه نسي أن جميع ما طالب بإلغائه ما هو إلا وسيلة لتحري الدقة, وهو ما يميز العربية الفصحي عن غيرها من اللغات.
هناك اتهام آخر يوجه للغة العربية وهي أنها لم تعد صالحة لمواكبة العصر أو بعبارة أخري لا تصلح لإكتساب العلوم والمعارف؟
من قال ذلك وهي ذاتها اللغة التي وضعت بها أسس المعارف بل نبغ مستعربون في شتي الأمصار الاسلامية وأبدعوا للانسانية تراثاً يندر أن يجود الزمان بمثله, منهم "البخاري" و"مسلم" في الحديث الشريف, و"سيبويه" في النحو و"عبد الله ابن المقفع" في الترجمة, و"ابن سينا" في الطب, وجميعهم كتبوا مؤلفاتهم باللغة العربية, وكانت الأساس الذي أقام عليه الغرب نهضته الصناعية والعلمية.
إن مثل هذا الكلام من أبناء اللغة العربية يؤلمني, لأنه يعني جحوداً منهم تجاه لغتهم التي هي لغة كتابهم المقدس, واللغة التي أختارها المولي جلت قدرته لتكون لغة أهل الجنة, ومن الغريب أن يحدث هذا الكلام في وقت استطاع فيه "الصهاينة" في فلسطين المحتلة أن يحيوا اللغة العبرية بعد موتها, وأن يعيدوا لها حيويتها, ويجعلونها لغة علوم وتقنية بعد إندثار دام قروناً. وهذا دليل حي علي أن العيب ليس في اللغة العربية نفسها وإنما العيب في أهلها الذين أهملوا تعلمها وتعليمها.
إذن.. ما السبيل الذي ترونه لعودة اللغة العربية إلي سابق مجدها؟
أحب أن أقول العربية لاتزال قوية لم تسقط أو تنهار, ذلك أنها ليست لغة تخاطب فقط, ولكنها لغة دين, نزل كتاب الله بألفاظها وكلماتها, فهي باقية بقاء القرآن الكريم في القلوب, وقد تكفل المولي ـ جلت قدرته ـ بحفظها حين أنزل كتابه بلسانها, فلا خوف من إنهيارها أو إندثارها, فمثل هذا الادعاء كلام مرسل بلا أسانيد تدل علي صحته.
والأصوب أن نقول إن ألسن أهل اللغة العربية ضعفت وواجب النهوض بها تقع مسئوليته علي وزارات المعارف والتربية والتعليم والثقافة والإعلام في البلدان العربية, ولتكن البداية بالارتقاء بمستوي المدرس فالكثير من المدرسين ـ للأسف ـ يدرس مادته باللهجة العامية, والأدهي أن بعض مدرسي اللغة العربية يفعل ذلك أيضا.. والحيلولة دون انتشار الفضائيات والصحف الرديئة التي أسهمت في إفساد اللسان العربي وعلينا إن أردنا فعلا تحسين اللسان العربي وتقويته في لغته أن نعالج أسباب هذا التدهور, لا أن نلقيها علي عاتق اللغة التي هي صورة لواقع المجتمع لا أكثر, فكلما نهض المجتمع وارتقي ارتقت لغته, والعكس.
تخرجتم في جامعة الاسكندرية, ونلتم درجة الماجستير منها, ثم ارتحلتم لنيل الدكتوراة من جامعة لندن, فماذا تبقي من الاسكندرية في ذاكرتكم؟
تسألني ماذا تبقي.. كيف؟!.. هل يمكن للمرء أن ينسي أيام شبابه وذكرياته وأحلامه, أن الاسكندرية في قلبي دائماً, لم أنسها يوماً حتي يمكن أن تسألني هل بقي شيء منها في ذاكرتي, لقد عشت فيها أجمل أيامي, وكونت صداقات عمر خلال فترة إقامتي بمصر, وهي صداقات لاتزال تتجدد مع الأحياء منهم كلما زرت المحروسة لحضور مؤتمرات مجمع اللغة العربية بالقاهرة الذي أتشرف بعضويته وكلما نزلت مصر وشربت من نيلها زاد حبي لها.. فقط يؤلمني سماع أن أحداً من أحبابي بها قد رحل عن الدنيا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض

  النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة ال...