الأربعاء، 30 مارس 2022

نادي الحرية في الموصل بقلم : ا.د. ابراهيم خليل العلاف




 نادي الحرية في الموصل

ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس –جامعة الموصل
وأنا اتحدث عن ( المعهد الثقافي البريطاني ) في الموصل ، والذي افتتح أبوابه سنة 1942 ، وخلال الحرب العالمية الثانية لكسب الرأي العام الموصلي ، وتأييده لبريطانيا ، ومواجهة الدعاية الالمانية النازية ، كان هناك الى جانب المعهد الثقافي البريطاني (نادي الحرية ) و( مكتب الارتباط والارشاد البريطاني) . وقد قام نادي الحرية ومكتب الارتباط والارشاد بدور كبير في الدعاية للانكليز والتبشير بإنتصارهم على قوى المحور وانتهاء الحرب لصالح الحلفاء وجاء ذلك بعد النكسة الكبيرة التي مني بها التيار القومي العربي والحركة العربية القومية بفشل ثورة مايس 1941 المعروفة بثورة أو حركة رشيد عالي الكيلاني .
وحتى اضع الجيل الجديد من الشابات والشباب اليوم بصورة الماضي القريب وما كان عليه الأمر في سنوات الحرب العالمية الثانية في الموصل لابد ان اتحدث عن ( نادي الحرية ) البريطاني في الموصل والذي أسسته الناشطة الانكليزية (فريا ستارك)
Freya Stark
1893- 1993 والمرتبطة بالمخابرات البريطانية مباشرة .
تحدث عن نادي الحرية عدد ممن رأوه وشاهدوا نشاطاته ومنهم المؤرخ الاستاذ عبد المنعم الغلامي .. كما كتب عنه الاخ الدكتور نوري احمد عبد القادر قي اطروحته للدكتوراه والتي قدمها الى كلية الاداب بجامعة الموصل سنة 1996 وبعنوان ( تطور الحركة القومية العربية في الموصل 1941-1958 ) بإشراف المرحوم الاستاذ غانم الحفو.
ويقينا ان نشاطات نادي الحرية تقع ضمن اطار الدعاية البريطانية في الموصل ، وضد الاتجاه القومي العربي لذلك ، فسحت السلطات الحكومية في الموصل المجال لنشاطات المعهد الثقافي البريطاني ولنادي الحرية ولمكتب الارشاد والارتباط البريطاني .وكان ذلك بعد موافقة وزارة الداخلية العراقية في كتابها الذي ارسلته الى متصرفية لواء الموصل في 23-28 كانون الثاني سنة 1943 على فتح فرع لنادي الحرية في الموصل .
كان لنادي الحرية ، نظام داخلي اساسي مكون من ( 11 ) مادة ، وكان للنادي فروع في بعض الاقضية ومنها قضاء تلعفر . ومما يجب ان اقوله في هذا المجال ان فريا ستارك مهدت لانشاء النادي من خلال زيارتها لمدينة الموصل قبل انشاءه وكانت تلقي المحاضرات في المعهد الثقافي البريطاني وكل هدفها هو ان تكسب عددا من مثقفي مدينة الموصل وقد اشرت الى واحدة من محاضراتها التي القتها في الموصل يوم 9 مايس سنة 1943 عندما تحدثت عن المعهد الثقافي البريطاني في حلقة سابقة من برنامجي هذا برنامج (موصليات ) .
وبعد ان تأسس نادي الحرية واخذ بالعمل ، كانت فريا ستارك هي من تحرك كل النشاطات التي قام بها من قبيل تنظيم حفلات التعارف ، وعلى شرفها ومن هذه الحفلات تلك التي اقامها صاحب جريدة (صوت الامة ) ابراهيم حداد وحضرها جمع من المثقفين منهم رئيس فرع الموصل لنادي اخوان الحرية عبد الله محي الدين النوري ، وقد نشرت جريدة (فتى العراق ) الموصلية اخبار تلك الحفلة في عددها الصادر في 16 مايس سنة 1943 .
كما اقيمت في نادي اخوان الحرية حفلة اخرى نظمها ابراهيم الخوري مدير مدرسة مار توما وكان انذاك يشغل رئاسة احدى لجان النادي .
وكان من الطبيعي والحرب العالمية الثانية ، قائمة ان تتسع نشاطات هذا النادي ، وبحماية مباشرة من القوات البريطانية التي اعادت احتلال العراق مرة ثانية بعد فشل حركة مايس حركة رشيد عالي الكيلاني 1941 وبما عرف في التاريخ الحديث ب(الاحتلال البريطاني الثاني للعراق ) .
وقد استهوت الدعاية البريطانية عددا من الشباب والمثقفين الموصليين .. كما انساق البعض وراء مصالحهم المادية والشخصية ، لكن الشباب القومي سرعان ما انتبه الى خطورة الدعاية البريطانية ومعاداتها للتيار القومي وعرف ان الامر مخطط له وللاسف وجد البعض في نشاطات النادي غطاءَ لنشاطاتهم ، وممن استفاد من نشاطات نادي اخوان الحرية وفي اطار التحالف بين الاتحاد السوفيتي والدول الغربية ضد الالمان الشيوعيين ، لكن ما ان انتهت الحرب واتضحت الاهداف حتى بدأت الحكومة في بغداد تلاحق الشيوعيون وتعتقلهم ومن ذلك مثلا انها اعتقلت سعيد السيد احمد صاحب مكتبة الشعب في شارع النجفي بعد ان عثرت في مكتبته على مؤلفات للقادة الشيوعيين ومنها مؤلفات القيادي الشيوعي السوري خالد بكداش.
كانت الدعاية البريطانية ضد الالمان خلال الحرب ، لاتتقاطع مع الدعاية السوفيتية والتي كان الحزب الشيوعي في الموصل مواليا لها .ولكن بعد الحرب بدأ التقاطع .
الشيء الذي اريد ان اقوله ، وانا اتحدث عن نادي الحرية في الموصل ، ان عددا من المثقفين القوميين والاسلاميين والوطنيين الموصليين ومنهم الشيخ احمد الجوادي والاستاذ نوري الفخري والاستاذ محمد رؤوف الغلامي والشيخ عبد الله النعمة والاستاذ احمد الجليلي والسيد عبد الرحمن السيد محمود والاستاذ اسماعيل مصطفى الكتبي والاستاذ عبد الرحمن الارحيم والاستاذ سعيد احمد جودت واخرون تصدوا لنشاطات نادي اخوان الحرية وارسلوا برقية احتجاج على واحدة من المعلمات القت محاضرة تطاولت فيها على الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وهي ( نورية فتوحي ) ، وارسلوا برقيات احتجاج للوصي الامير عبد الاله واحتجوا على نشاطات النادي وكان ذلك كما ذكرت جريدة فتى العراق بين نيسان ومايس سنة 1946 .
بقي ان اقول ان الانكليز ، وقد اعادوا احتلال العراق ثانية خلال الحرب العالمية الثانية ركزوا نشاطهم في الموصل بإعتبارها مدينة محافظة توجهاتها عربية اسلامية معادية لتوجهاتهم الاستعمارية ، ومن هنا انشأوا المعهد الثقافي البريطاني ، وأسسوا نادي اخوان الحرية ، وفتحوا مكتبا استخباريا تحت اسم مكتب الارشاد والارتباط ، وهذا المكتب كان يبث الدعاية للانكليز خلال الحرب واستمر المكتب بالعمل بعد انتهاء الحرب وهذا مما دفع نواب الموصل في البرلمان اي في مجلس النواب العراقي الى الاحتجاج واعتبروا استمرار هذا المكتب بالعمل من قبيل الاعمال المريبة والمشبوهة ومحاولة لتخريب العمل الوطني والقومي وقد نقل الدكتور عدنان سامي نذير في اطروحته للدكتوراه غير المنشورة عن (دور نواب الموصل في البرلمان العراقي خلال العهد الملكي ) والتي قدمها الى كلية الاداب سنة 1993 بإشراف المرحوم الدكتور غانم الحفو عن ان نواب الموصل وهم جمال المفتي ، وحازم المفتي ، ونجيب الصائغ ، واحمد الجليلي ، وسامي باشعالم إحتجوا على نشاطات هذا المكتب الاستخباري البريطاني .
وللعلم ان المعهد الثقافي البريطاني ونادي اخوان الحرية ومكتب الارشاد والارتباط ، كانوا يعملون تحت مظلة السفارة البريطانية في بغداد ومن خلال القنصلية البريطانية في الموصل حتى ان السفير البريطاني في بغداد كينهان كورنواليس K.Cornwallis إعترف في اخر تقرير له سنة 1945 ، بأن كل المجهودات التي قامت بها كل هذه الهيئات كانت بهدف الابقاء على النفوذ البريطاني وان من احدى ما كانت تهدف اليه هذه الهيئات هو القضاء على الاتجاه القومي العربي المناؤئ للانكليز ويقول بالنص :" ان اقتلاع جذور مؤيدي النازية ويقصد القوميين من العرب ، واحداث تغيير في شعور الجماهير ، ومن ثم التطلع الى المستقبل حيث نقوي موقفنا في المستقبل هو ما كنا نعمل عليه " . ويمكن الاطلاع على نص هذا التقرير في كتاب الاخ الدكتور مؤيد ابراهيم الونداوي والموسوم ( العراق في التقارير السنوية للسفارة البريطانية 1944-1958 ) والذي نشرته دار الشؤون الثقافية العامة ببغداد سنة 1992.
واخيرا لابد ان انوه الى ان السلطات البريطانية في الموصل دعمت عددا من الصحف الموصلية ماديا لكي تؤيد الانكليز في ماتنشره من مقالات واخبار ، وتهاجم رجال حركة رشيد عالي الكيلاني ، والى الترويج لفكرة انضمام العراق في الحرب الى جانب الحلفاء ، واعتبار ذلك من المكاسب الوطنية ومن هذه الصحف جريدة (نصير الحق ) وجريدة (الهلال ) وجريدة (الامة ) .
تلك هي قصة المؤسسات البريطانية الدعائية التي عملت في الموصل خلال الحرب العالمية الثانية 1939-1945 ، وما بعدها رويتها لكم لكن اقول ان التوجه ضد الانكليز ، وانتقاد سياستهم تجاه العراق وتجاه البلدان العربية وموقفهم من القضية الفلسطينية ظل قويا في الموصل وكان له رجاله الذين لازلنا نذكرهم بكل آيات الفخر والاعتزاز .
*2017 وقدمت عن الموضوع حلقة من برنامجي التلفزيوني -موصليات- من قناة الموصلية الفضائية


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق