حمدي جليميران
مصطفى الصابونجي
محمد نجيب الجادر
ال السلو من تجار الخيول بين الموصل والهند
تجارة الموصل
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس –جامعة الموصل
تحدثنا في حلقات سابقة عن زراعة الموصل ، وصناعة
الموصل . واليوم نقف عند تجارة الموصل ؛ فالموصل
مدينة تجارية معروفة اقترنت بحلب في بلاد الشام . وفي المأثور الشعبي هناك ما يؤكد
ذلك (وأبوها تاجر حلب جياب الحمالا ) ، فالتباهى بالتجارة مع حلب كان الى وقت قريب هو ما يما يدفع الموصليين الى ان يؤكدو ان
مدينتهم تجارية شأنها شأن حلب .
وعندما نتحدث عن التجارة في الموصل ، تتبادر
الى اذهاننا جملة أمور اهمها ان الموصل تتمتع بموقع جغرافي ستراتيجي بين العراق
والشام ، وبين العراق وتركيا ، وبين الخليج العربي والبحر المتوسط .
كانت الموصل
محطة من محطات طريق الحرير . وكانت الموصل تمتلك علاقات تجارية واسعة خلال
العهد العثماني وقد سبقت كل المدن العراقية في ان تكون فيها غرفة للتجارة وقد كتبت
عن ذلك في كتابي (أوراق تاريخية موصلية ) .كما اشرفت على رسالة ماجستير في جامعة
الموصل قدمها الدكتور صلاح عريبي العبيدي عن (غرفة تجارة الموصل ) .
لقد شهدت الموصل خلال النصف الثاني من القرن
التاسع عشر والعقد الاول من القرن العشرين ، تحولات اقتصادية كان من ابرزها إتجاه
الاقتصاد الموصلي على العموم من اقتصاد طبيعي قائم على الانتاج لسد الحاجة المحلية
، الى اقتصاد السوق القائم على الربح وهو ما يعرف ب ( إقتصاد السوق ) .
وكانت الموصل أسرع من باقي مدن العراق الاخرى
في تطور العلاقات الاقتصادية والاجتماعية الجديدة ،فقد كثر مثلا الاقبال على زيادة
المساحات المزروعة . ولعل ذلك يرجع الى اهمية موقع الموصل وكونها سوقا للمنتجات
الزراعية والحيوانية فهي ملتقى طرق وتضم اسواقا تجارية مهمة ، وكذلك لظروفها
المتميزة في وفرة امطارها وخصوبة تربتها .
كما ساعدت التطورات العالمية الجديدة على
احداث تغيير في علاقات الانتاج ، وخاصة بعد ظهور فئات من الملاكين الذين اخذوا
يشددون على الفلاحين من اجل زيادة الانتاج الزراعي، وايجاد روابط قوية بالسوق الخارجية .
وقد أسهمت عوامل داخلية وخارجية في ذلك من ابرزها تقوية السلطة المركزية ، وانهاء استقلال بعض الولايات ، ودخول
طرق المواصلات الحديثة الرخيصة وخاصة السكك الحديد وافتتاح قناة السويس سنة 1869 ،
وبروز ظاهرة نشوء واتساع تجارة التصدير الى اوربا .
وفي الوقت الذي اصبح فيه مستوى الصادرات ؛ أقصد
صادرات الموصل عبر الطريق البري شمالا الى تركيا وغربا الى سوريا وشرقا الى ايران
في تدهور مستمر في الفترة ما بين سنتي 1874 -1875 حيث لم تكن صادرات الموصل تزيد
على 39 الف جنيه استريني بلغت في الفترة 1884-1885 251539 جنيه استرليني صدر منها
ما قيمته 172602 جنيه استرليني الى اوربا ومنها ما قيمته 75864 جنيه استرليني الى
بريطانيا وحدها .
اما في سنة 1910 ؛ فقد بلغت قيمة الصادرات
الى بريطانيا 176500 جنيه استرليني اي بنسبة 200 % عن سنة الاساس 1884 .
ان من الامور التي يجب ان نركز عليها ، هي ان
صادرات الموصل كانت تتألف من الحبوب ، وخاصة الحنطة والشعير ومواد الدباغة ، والمصارين،
والعفص ، والجلود والحيوانات الحية ومنها
الماشية والخيول .
ولم تقف تجارة التصدير عند هذا الحد اذ سرعان
ما لبثت في الزيادة ، وتوجهت صادرات الموصل الى الاسواق الاوربية الى درجة اصبحت
معها هذه الاسواق تشتري قبل الحرب العالمية الاولى اكثر من ثلث صادرات الموصل .
ومما يجب علينا ذكره ، اننا نمتلك تقارير
تفصيلية بما كانت تصدره الموصل كان يكتبها القنصل البريطاني . وقد رأيت الكثير من هذه التقاري في دور الارشيف البريطاني في لندن وخاصة في مكتبة
الهند وسجلاتها .
كما كان من علامات ازدهار تجارة التصدير
والاستيراد في الموصل ، إهتمام الاوربيين
بفتح قنصليات لهم في الموصل، فقد
كانت في الموصل قنصليات بريطانية وفرنسية والمانية وروسية فضلا عن القنصلية
الايرانية .
وكان من آثار ازدهار التجارة في الموصل ، ان
تدفقت رؤوس الاموال الاجنبية على الموصل خلال القرن التاسع عشر ، واتجه التجار
الاوربيون الى جعل ولاية الموصل منتجا للخدمات وسوقا لمصنوعاتهم وذلك في محاولة
جادة منهم لربط الاقتصاد الموصلي بالاقتصاد العالمي .
ومن خلال الاطلاع على الدليل الرسمي العراقي
الذي صدر في سنة 1936 ، يتضح ان الموصل شهدت بروز
فئة تجارية واسعة اصبحت لها تجربة ناجحة في اقامة العلاقات الاقتصادية
مع الشركات التجارية الاوربية والامريكية
، حتى اننا بدأنا نتلمس ظهور نوع من التنافس التجاري بين التجار والصناعيين
الاوربيين والاميركان الى درجة ان شركة اميركية تأسست في الموصل سنة 1911 لكبس
وتصدير عرق السوس .
هذا فضلا عن التنافس في مجال استيراد الصوف
والشعير والعفص والجلود والمصارين من
الموصل ولاننسى تجارة الخيول الموصلية التي ازدهرت في الموصل وقد تحدثنا عنها في
حلقة خاصة .
ايضا لابد ان نؤشر حقيقة اخرى مهمة ، وهي ان
الموصل شهدت في هذه الفترة تأسيس العديد من البنوك والمصارف والتي ساهمت في تسهيل
التعامل المصرفي . ومما يجلب الانتباه ان معظم تلك البنوك كانت قد اسست برؤوس
اموال انكليزية وفرنسية منها مثلا ( البنك الامبراطوري العثماني ) الذي اسس سنة
1863 و( البنك الشرقي ) المسمى (ايسترن بانك ) وكان رأسماله مؤلف من اسهم انكليزية
وادارته المركزية في لندن ولديه فرع في الموصل . هذا فضلا عن ان البنك العربي الذي
اسسه عبد الحميد شومان في فلسطين وجد له طريقا الى الموصل منذ الاربعينات من القرن الماضي .
ان مما يجب التأكيد عليه انه كان لتجار
الموصل ، وهم كثيرون لايتسع المجال لذكرهم جميعا ، كان لهم دور كبير في مجال التصدير
والاستيراد .
وتشير التقارير القنصلية البريطانية للسنوات
1909-1911 ، وقد اطلعت عليها في لندن واستخدمتها في كثير من دراساتي ، تشير الى
تزايد استيرادات التجار الموصليين للبضائع والسلع البريطانية واهمها الاقمشة
القطنية والاجواخ والسكر والشاي والانية الزجاجية والنحاسية ، وقد بلغت مستوردات
الموصل للسنوات 1909-1911 حوالي 150000 جنيها استرلينيا جاءت كلها من بريطانيا
والدول الاوربية .
كانت الموصل ، ومنذ القرن التاسع عشر سوقا
للمصنوعات والبضائع الاوربية وفي المقابل اتسعت صادرات الموصل لتشمل التبغ والصوف
والعفص والماشية والجمال والجلود والخيول . وعى سبيل المثال بلغت قيمة صادرات
الموصل من الجلود في سنة 1909 4000 جنيه استرليني وفي سنة 1910 5000 جنيه استرليني
ومن العفص سنة 1909 5000 جنيه استرليني ومن الماشية سنة 1909 25000 جنيه استرليني
.
كما قدر عدد ما صدر من الجمال اواخر القرن 19
بحوالي (2000 ) رأس سنويا .
وكانت تجارة الخيول رائجة وبرز من اهالي
الموصل من تخصص فيها ومن هولاء ال الطالب وال السلو وال النجيفي .
ومما يجدر بنا ذكره ان تجار الموصل نظموا
انفسهم سنة 1884 في غرفة التجارة وكان
رئيسها محمد باشا الصابونجي وبعد صدور قانون غرف التجارة العراقية رقم 41 لسنة
1926 اعيدت هيكلة غرفة تجارة الموصل وتولى رئاستها لسنوات محمد نجيب الجادر
ولاتزال الغرفة تواصل اعمالها حتى كتابة هذه السطور .
من مراجعة السجلات المتوفرة لدينا نستطيع ان
نذكر اسماء عدد كبير من تجار الموصل الذين برعوا في عمليات التصدير والاستيراد
منهم مصطفى الصابونجي وحمدي جليميران وعبد القادر جلبي زكريا وقسطنطين بيو وعبد
المجيد جلبي زكريا وابراهيم افندي عقراوي وسعيد جلبي الدباغ وابراهيم الساعاتي
وابراهيم شنشل وسعيد عبوش وصالح هارون وحميد اخوان واسماعيل عبد الله وبشير هنودي
وجبرائيل غزول وعبد القادر سيد محمود وحسن خير الدين العمري وفالح حسن العثمان
وموشي روبين ومتي سمعان وعبد الفتاح زكريا وحامد مصطفى المحروق ويوسف الملاح
ويعقوب سيمح ويوسف موشي ويونس سليمان وداؤد ثابت وابراهيم وحي العزاوي واحمد عبد
الله جليميران والملا احمد الدرزي ومحمد علي اليوزبكي واحمد السلو الشاكر وانطوان
زبوني وحنا بللو وتوما سرسم وعبد الاحد مراد وعبد المجيد دبدوب ويوسف سنبل ويوسف
الرضواني ومحمد فريد الجادر ومحمد داؤد الصفار وطه الحاج حسون
وغيرهم .
ومما ذكره دليل العراق الرسمي لسنة 1936 ان
صادرات الموصل في الثلاثينات من القرن الماضي ، كانت تتجاوز الواردات بثلاثة او
اربعة اضعاف دائما ، وكانت قيمتها ما بين التصف مليون جنيه استرليني الى الثلاثة
اراع مليون جنيه استرليني .وكان مما يستورد الاقمشة والشاي والسكر والصابون
والاخشاب والقهوة والمشروبات الكحولية والورق والمكائن والالات المتنوعة والسيارات
والحاصدات والتراكتورات .
هذه هي قصة التجارة في الموصل ونطمح من
الحكومة المركزية والمسؤولين في الحكومة المحلية الاهتمام بتنشيط التجارة ورعاية
التجار وافساح المجال لهم للتميز في مجال اقامة علاقات وثيقة مع نظرائهم من تجار
العالم والسعي بإتجاه جلب الاستثمارات لاعادة تنشيط التجارة في الموصل واعادتها
الى ما كانت عليه وافضل .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق