نواعير الموصل
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس -جامعة الموصل
نواعير الموصل ... وقد يستغرب البعض ويقول وهل هناك نواعير كنواعير راوة وعانة وهيت والبغدادي وحماة ..؟ واقول انني ادركت في صباي عددا كبيرا من النواعير المنتشرة في مناطق مختلفة في الموصل واقصد المدينة ....نعم وكانت النواعير تنصب على آبار وعلى مساحة واسعة تتحول المنطقة الى ما نسميه في الموصل ب"البقجة " رأيت ُ بقجة في محلة الخاتونية قرب مدرستي ابي تمام الابتدائية .
نواعير الموصل ... وقد يستغرب البعض ويقول وهل هناك نواعير كنواعير راوة وعانة وهيت والبغدادي وحماة ..؟ واقول انني ادركت في صباي عددا كبيرا من النواعير المنتشرة في مناطق مختلفة في الموصل واقصد المدينة ....نعم وكانت النواعير تنصب على آبار وعلى مساحة واسعة تتحول المنطقة الى ما نسميه في الموصل ب"البقجة " رأيت ُ بقجة في محلة الخاتونية قرب مدرستي ابي تمام الابتدائية .
ورأيت بقجة في
منطقة القادسية الثانية قرب اقدم قرية زراعية في العالم اكتشفت فيها الزراعة وهي الاربجية
التي لاتبعد الان عن داري التي اسكنها في
حي النور اكثر من كيلومتر وعندما كنت في الابتدائية في الخمسينات قام المعلم
بأستصحابنا في سفرة مدرسية الى اليها أي الى الاربجية وكانت بالنسبة الينا في ذلك
الوقت منطقة بعيدة جدا .
يقول
الصديق الدكتور عادل البكري في مقال له نشر في جريدة فتى العراق ان منطقة القادسية
الثانية هذه ... كانت تسمى الحشمية ...كانت هناك بقجة ، وناعور ولم تعد هناك اليوم
لابقجة ولاناعور .
والناعور هو وسيلة قديمة للري ينقل الماء من النهر او البئر الى الاعلى ، يسمى
في العراق بالناعور وفي مصر بالساقية .
والناعور
هو الالة الاوسع انتشارا للري في الموصل وقد سمي الناعور ناعورا لما يصدره من صوت خاص اثناء الدوران . والنَّعْرَةُ صوتٌ في الخَيْشُوم ..وناعور ، ساقية ، دولاب ذو
دلاء أو نحوها يدور بدفع الماء أو جر الماشية فيخرج الماء من البئر أو النهر إلى
الحقل.
وترون
الى جانب هذا الكلام صورة النّاعور كان موجوداً حتى ستينات القرن الماضي ،
وهي الوسيلة الوحيدة لاستخراج الماء من الآبار لسقي البساتين ، وتظهر في الجانب
الأيمن العتلة التي تُركّب عليها الگرادل (الصطل) متصلة مع بعضها كالمسبحة ، حينما
تدور مع العتلة تغرف من
ماء البئر وإذا وصلت إلى القمة أفرغت الماء إلى حوض داخلةً في بطن العتلة ، وأنت
ترى إنتقال الحركة بقوّة الدّابة من العتلة التي تجرّها الدّابة إلى العتلة التي
تحتها مباشرة والتي تتصل بدورها بواسطة عمود خشبي يُوصل بينهما ، علماً أنّ هنالك ( الداگور ) الذي يمنع الحركة العكسية ، ولو ألغينا ( الداگور ) لرجعت العتلات عكسياً حيث لا تستطيع
إيقافها ، وإن كان هنالك شخصٌ جالسٌ على الخشبة لرميَ بقوة كما يرمي المنجنيق
الحجر لإنّ ثقل الماء يعيد العتلة بقوة إلى الأسفل.
وتعتبر
النواعير وكذلك الطواحين المائية من اهم
الوسائل التي استخدمها اهل الموصل بإستغلالهم قوة جريان الماء كطاقة متجددة من اجل
الارتقاء بالحياة الاقتصادية وخاصة في الجانب الزراعي .
كانت
الموصل من اكثر المدن العراقية استفادة من دجلة وقد اشار عدد من المؤرخين والكتاب
والمهندسين ومنهم الاستاذ سعد الديوجي والاستاذ عباس فاضل داؤد في مقال لهما عن
الطواحين المائية الى ان الموصل استفادت من العروب وهي الالة ذوات الدواليب
الكبيرة التي تدور بتأثير الماء المسلط عليها حيث تعمل على تحريك دواليب ثانوية
فهي متصلة بأحجار الطواحين فتدور هذه الاحجار وتطحن الحبوب وتستمر في دورانها ليلا
ونهارا وقد وصف ابن حوقل في كتابه (صورة الارض )
عروب الموصل في القرن العاشر الميلادي وقال :كانت العروب وسط دجلة وهي مطاحن موثقة
بالسلاسل الحديدية في كل عربة منها اربعة احجار ويطحن كل حجرين منها في اليوم
خمسين وقرا وقد ادرك عدد من المسنين في الموصل هذه الطواحين وكان مكان بعضها تحت
التل الذي تقع عليه المستشفى الجمهوري في الوقت الحاضر وتقابل عين كبريت .
اما
الرحى او بيت الرحى فكان مكانا يطحن الحبوب وفوق الحجر الملهاة ويسمونها في الموصل
دلو الرحى يتخذونه من الخشب ويثبت اعلى الحجر وهو على شكل دائري يبلغ قطر فوهته
حوالي 70 سم ويضيق الى الاسفل فينزل منه الحب الى قطب الرحى فتدور الرحى على الحب
فتطحنه وتكثر الرحى في القرى التي فيها عيون
ذات ماء وفير يمكنه ان يدور دولاب الرحى .وكانت على نهر الخوصر وقرب قرية
العرموشية رحى تسمى رحى العرموشية وفي قرية الجيلة كانت هناك اكثر من رحى وكان
اعتماد اهل القرى في طحن الحبوب على الرحى لكن هذه الرحى اندثرت بعد دخول مكائن
الطحين التي تشتغل بالديزل او الكهرباء .
ويشير
الدكتور محمد نزار الدباغ في مقال له في مجلة (موصليات ) العدد 8 في حزيران 2004
الى ان فائدة النواعير تكمن في امرين اثنين :
اولهما طحن الحبوب اثناء الدوران . وثانيهما سحب المياه وسقي المزروعات
وماء البئر يصب عند الدوران على دولاب خشبي دونه فيدوره ويدور هذا حجر الرحى التي
تكون فوقه وهكذا تدور الرحى فتطحن الحبوب .
ويشير
القزويني في كتابه ( اثار البلاد واخبار العباد ) الى ان " اهل الموصل
انتفعوا بدجلة انتفاعا كبيرا مثل شق القناة منها ، ونصب النواعير على الماء يديرها
الماء بنفسه " .وكانت احجار الطواحين كبيرة الحجم وهي نوع خاص يجلب من ناحية
بسومة بين اسكي كلك والموصل .كذلك كانت تستورد من جزيرة ابن عمر في ديار بكر وتنقل
الى الموصل بواسطة الاكلاك .
كتب
الاستاذ محمد توفيق الفخري عن (الرحى والمياه الجارية في بعض مناطق الموصل : ذاكرة
ومشاهدات ) مقالا في مجلة (موصليات ) التي يصدرها مركز دراسات الموصل عدد تشرين
الثاني 2006 فأشار الى عدد من رحى قرى الموصل القائمة على روبار باندوايا والتي
تعود في ملكيتها لال الفخري الحاج توفيق بن يونس واخيه الحاج جميل وقال ان هذه
الرحى كانت تعمل بالطواحين المائية وهي رحى العميري والباورسان والبقاق ومشرفة
وجكان وقال ان اهلنا في الموصل استطاعوا وعبر سنوات ان يستخدموا مجاري المياه والعيون لغرض انشاء
مطاحن الحبوب وتحدث عن مجرى روبار باندويا والروبار نهر صغير الذي يأتي من جبل
القوش حيث يخترق هذا الجبل بقطع هو ( كلي باندوايا ) عند قرية باندوايا العائدة
لناحية القوش ويتجه مجرى الماء غربا ويمر بقرى عديدة منها باندوايا وبدرية وعين
حلوة والعميري والباورسان والبقاق ومشرفة وجكان حيث يصب في نهر دجلة وفي حوض سد
الموصل حاليا .
ويتحدث
الاستاذ عبد الله عمر خطاب في مقال له عن الابار والنواعير في الموصل منشور في
مجلة (موصليات ) التي كان مركز دراسات الموصل يصدرها (العدد 2 في ايار 2002 )
فيقول :" ولاننسى ناعور محل وضوء جامع النبي يونس " وقد وثقه الشاعر عبد
الباقي الفاروقي العمري بعدة أبيات يقول فيها :
أسبغ
وضوءا ، وصلِ الخمس وأدع وزرْ
قبر إبن
متى فمنه يُطلب المددُِ
واسمع
أذانا به ناعورة نطقت
على
منار هدى للحائر الرشد ِ
والان
لاوجود للناعور .
ولابد
من استذكار ( بئر العدس ) الكائن في شارع امام النبي يونس قبل قرن وكان بئرا واطئا
يمتلئ ايام المطر .وكانت العجائز في زمن الحرب العظمى 1914 بتحدثن عن ان النسوة
اللواتي ذهب ازاجهن الى الحرب ولم يعودوا يقلن :
يابير
العدس غايبنا طمس
نهلل لو
نحرب
فيأتي
الجواب من داخل البئر زغاريد او بكاء اي ان غائبنا سافر الى الحرب ونريد الجواب ، فإما
زغاريد واما بكاء وعويل لعدم العودة .
ومن
الابار التي اندثرت ( بئر البنات) مقابل
جامع محمد نجيب الجادر في الفيصلية ولاننسى ( بئر الدملماجة) وكانت الناس تزور هذا البئر وتتبرك بمياهه .
وكان هناك ناعور في منطقة الدواسة بالقرب من
محلة الطيران في بستان تسمى ( بستان غزال النجم ) .
وهناك ناعور قرب المستشفى العسكرى .
وكان
هناك ناعور في محلة الفيصلية (النصر حاليا ) ويقول الاستاذ ياسين الحسيني وعمره
الان ( 80 ) سنة
وهو من سكان محلة الفيصلية سابقا :" الناعور الذي كان في محلة الفيصلية
منصوب على ما يسمى بير البنات وكنا نشرب منه ماء عذبا والزراعة فيه قائمة يومها والبستان
يملكه شخص اسمه امهيدي وشقيقه زيدان وابنهم العطار حاليا ابراهيم "
وكان
هناك ناعور في الطريق الى مستشفى السلام وقريبا من حي الوحدة .
اين
هذه النواعير الان ؟ واين البقج اي البساتين ؟ فقد كانت بساتين الفستق في منطقة
النبي يونس عليه السلام -على سبيل المثال - تمتد من تل النبي يونس حتى قرية يارمجة
اي تمتد لبضعة كيلومترات فجاءت الشوارع والجسور والدور السكنية لتعتدي على الطبيعة
وتجرفها .
ولم تعد النواعير والبقج سوى ذكرى تحكي اعتداء
الانسان على الطبيعة .
والله في الخمسينات لم اشعر بأن يوما مغبرا واحدا شهدته الموصل .
والله في الخمسينات لم اشعر بأن يوما مغبرا واحدا شهدته الموصل .
اما
اليوم فثمة اشهر لايفارقنا فيها التراب (الطوز ) ...ازداد تجريف الارض ... واتسعت
حركة التصحر على حساب الاراضي الخضراء .
ولايسعنا
سوى ان ندعو الى ان نزرع ، ونعود لتثبيت التربة خاصة خارج المدن واذا لم نفعل ما
اقول فسيأتي يوم لانرى فيه الجو صافيا وانما مغبرا ولات ساعة مندم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق