الثلاثاء، 14 نوفمبر 2017

أربع دراسات في تاريخ الموصل في القرنين التاسع عشر والعشرين* سامر الياس سعيد


أربع دراسات في تاريخ الموصل في القرنين التاسع عشر والعشرين*
سامر الياس سعيد
عن مكتبة الطليعة العلمية  في الأردن  صدرت حديثا الطبعة الأولى من كتاب (دراسات في تاريخ الموصل  في القرنين  التاسع عشر والعشرين ) ترجمة المترجم والكاتب يحيى صديق يحيى ومراجعة  الأستاذ الدكتور جزيل عبد الجبار الجومرد  .
ويضم الكتاب الذي يؤرخ بناء على أبحاث ودراسات لأكاديميين غربيين  تلك الحقب المهمة من تاريخ مدينة الموصل حيث ياتي الكتاب في  (205  ) صفحة من القطع الكبير وتستهله مقولة منسوبة  لرحالة القرن  الثالث عشر ياقوت الحموي يبين فيها أهمية موقع مدينة الموصل فيضعها في مصاف المدن العظيمة الثلاث فيشير الى نيسابور بكونها بوابة الشرق ودمشق بوصفها بوابة الغرب والموصل  حيث ان القاصد الى هاتين  الجهتين  قل ما لايمر بها .
اما المترجم فأشار في مقدمته الى تلك الأهمية التي تستأثر بها مدينة الموصل فيقول عنها بأنها تمثل الجسر او المعبر مضيفا بان المدينة تعد إحدى  أهم المدن  القديمة التي نشأت على ضاف دجلة  في بلاد الرافدين وكانت ثرية بمواردها الطبيعية  وتربتها الخصبة  وجودة مناخها وموقعها الحيوي الذي منحها ستراتيجية الأطلال على (خطوط التجارة وقوافلها  ) فضلا عن اغتنائها  بتنوع أناسها وثقافاتهم كما عاشت في ظل الإمبراطورية الآشورية  أقوى إمبراطوريات الشرق القديم  وأسهمت بعطائها الحضاري.
ويتابع الكاتب والمترجم يحيى صديق يحيى في مقدمته الحديث عن الرغبة التي دفعته بترجمة تلك الدراسات والأبحاث الأكاديمية العلمية الرصينة التي تحدثت عن مدينة الموصل خلال القرنين المشار اليهما مضيفا بان هذه الترجمة جاءت  ثمرة رغبة معرفية  وحوارات ثقافية عميقة  جمعته بالأستاذ الدكتور  جزيل عبد الجبار الجومرد  أستاذ التاريخ الإسلامي  في كلية التربية بجامعة الموصل حيث تلخصت تلك الرغبة  بتقديم ما هو مميز واستثنائي  في تناول تاريخ مدينة الموصل بما يرفد المكتبة  الموصلية ويطور  الذائقة ويحرك الثقافة  في ميدان الدراسات التاريخية بما يجعلها متواصلة مع ما هو جديد في كتابات  المستشرقين  عن الموصل ويختتم يحيى مقدمته بالاعتراف ببذله الجهد الوافي  في سبيل الإخلاص للنص الأصلي .
ويضم الكتاب أربعة دراسات اثنان منهما  ل (الدكتورة سارة شيلدز)  أستاذة التاريخ  في جامعة  نورث كارولينا  والتي سبق لها ان قدمت كتابا مهما عن الموصل جاءت ترجمته العربية بعنوان ( الموصل  قبل الحكم  الوطني في العراق خلية  نحل تصنع بيوتا مخمسة الأضلاع)  نقلته الى العربية السيدة باحثة الجومرد وصدر عام 2008اما شيلدز فقد كتبت في المبحث الاول للكتاب  الذي نحن بصدد عرضه  عن (موصل القرن التاسع عشر  والتجارة الإقليمية  ومراجعة دور أوربا  في اقتصاد الشرق الأوسط) ، وأشارت من خلال بحثها الى ان  الموصل العثمانية في تلك الحقبة  كانت تعيش تغييرا تدريجيا اتسم بالانتقالات أكثر من التحولات وتجسدت تلك التغييرات عبر مناطق غير متوقعة حيث كانت الموصل  تمثل العاصمة الاقتصادية  والإدارية لولاية عثمانية  كبيرة ومتنوعة حيث كان يبلغ سكان مدينة الموصل  أبان الحرب العالمية الأولى ما يقارب ال ( 70   ) الف نسمة .
اما  اقتصاد مدينة الموصل فتركز في تلك الحقبة  على ( الزراعة )  حيث خدمت هذه المهن منطقة واسعة الامتداد مع الموصل  بوصفها مركزا لحلقات مركزية  عريضة على نحو متزايد حيث ضمت ولاية الموصل منطقة زراعية  خصبة تمتد بين نهري دجلة  والفرات  حيث يمكن زراعة  محاصيل الحبوب  ، بالاعتماد على  الأمطار فقط وخلال القرن التاسع عشر  وفر إنتاج الموصل  الزراعي من الغذاء والمواد الأولية  للسكان المحليين ، فصدرت فوائضه الى بغداد والبصرة وديار بكر  ويسرت سهولة الوصول  الى نهر دجلة تصدير  تلك المنتجات  من الموصل  التي كانت تشحن عبر النهر باستخدام  الطوافة التقليدية المعروفة ب( الكلك ) .
كما لم تغفل شيلدز في سياق البحث  دور الصناعة في الولاية العثمانية  ، فأشارت الى ان  التصنيع خدم حاجات المنطقة اكبر من الزراعة  من خلال
 الدباغة  والاشتغال على الجلود فوظفت هذه المهن عددا كبيرا  من عمال الموصل حيث كانت الدباغة  صناعة المدينة الرئيسية ووظفت ما يقارب ال100 حرفي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وبالإضافة للدباغة تم التطرق الى عدد من المهن التي اشتهرت بها مدينة الموصل كالمنتجات النسيجية  التي تمتعت باستهلاك واسع النطاق وكانت تنسج من أقطان بأنماط تقليدية  تلبي رغبة السكان الإقليميين فضلا عن التطرق الى عمال التعدين  والمشتغلون بالأغذية  وعمال البناء  الذين قدموا أكثر من  سوق محددة  وفي عنوان فرعي تمت الإشارة  الى الإنتاج الرعوي حيث واجهت الموصل  تغيرا هاما ونموا  في هذا المضمار  من خلال إسهام البدو في القرن التاسع عشر  بتقديم الحيوانات  وإنتاج منتجات حيوانية  لاقت طلبا  خارج الولاية  مقارنة بالسلع الزراعية  التي نمت على أيدي السكان المقيمين كما تم إضاءة  جانب التجارة العالمية في هذا الشأن من خلال مكانتها  في اقتصاد الموصل حيث صنفت  المنتجات الحيوانية  المصدرة الى أوربا  بوصفها أكثر  صادرات الموصل المهمة . واختتم المبحث الاول بالعديد من مصادر الهوامش التي اقترنت بالحديث عن علاقة الموصل  بالتجارة الإقليمية خلال القرن التاسع عشر..
 بينما تناولت الأكاديمية شيلدز  مبحثا أخر عنيت من خلاله  بتسليط الضوء على  البدو والتجار  والأغنام  في موصل  القرن التاسع عشر  مشيرة بإسهام هذا الأمر بخلق تحولات في مجتمع عثماني حيث تناولت هذا الموضوع   حول تجربة  الموصل العثمانية  التي أسهمت باندماج الموصل في الاقتصاد العالمي الذي تبعه مسار مختلف بعض الشي عن المسارات التي تناولته في مستهل بحثها  حيث عزت ذلك الى ان الموصل  ركزت  على شبكات تجارية إقليمية تجنبت من خلالها تشويشات كبيرة عانت منها مناطق أخرى ضمن الإمبراطورية العثمانية  لذلك فقد ازدهرت  صناعات الموصل خلال القرن التاسع عشر  من خلال  النمو البارز الذي أبرزه الإنتاج الرعوي  مقارنة بالزيادة المتوقعة جراء استقرار القطاع الزراعي حيث أضحت الحيوانات والمنتجات الحيوانية  من أكثر الصادرات أهمية  لولاية الموصل في الإمبراطورية العثمانية خلال  هذا القرن وتطرقت الدراسة الى دور  البدو كمنتجين بالإضافة الى تجارة الصوف  ونمو علاقات بين حضر  وجماعات بدوية  بناءا على الدور الاقتصادي الذي لعبه البدو خلال تلك الفترة  في منطقة الموصل واختتم المبحث الثاني بإبراز العديد من مصادر الهوامش التي تركز عليها المبحث ..
 بينما  ركز المبحث الثالث على دراسة  ( ادوارد بيتر فيتزجيرالد )  أستاذ التاريخ في جامعة كارلتون الكندية  الذي تركزت اهتماماته الأكاديمية  على دبلوماسية السلام  خلال الحرب العالمية  الأولى وصناعة  النفط العالمية  ، وخاصة  عن دور النفط في التقسيم  الفرنسي الانكليزي  لمنطقة الشرق الأوسط خلال الفترة ما بين 1914-1923 اما دراسته التي تصدرت المبحث الثالث للكتاب فحملت عنوان :  (طموحات فرنسا في الشرق الأوسط،مفاوضات سايكس -بيكو وحقول النفط في الموصل ،1915-1918)مركزا من خلال البحث المذكورعلى احد العوامل التي أعطيت  للموصل أهميتها  الدبلوماسية  الخاطفة للنفط الخام  مؤكدا  بان عامل النفط ووفق بحث أجراه علماء بريطانيون وألمان  أسهم بالتأثير  في سياسة  بريطانيا  في الشرق الأوسط وبعد هذه المقدمة التعريفية يشير فيتزجيرالد الى معرفة فرنسا  قبل عام 1914 بالقيمة الكامنة  في نفط الموصل  وبناءا على هذا الواقع يتحدث عن  المقاربة الأولية في فرنسا  لموضوع التقسيم كما يشير  في سياق البحث الى  عامل النفط في نظرة بريطانيا  الى الموصل  ويجيب على سؤال يتمحور حول  سعي لندن لإجراء  محادثات ثنائية  حول التقسيم  والموقف الفرنسي الأولي من تلك  الدوافع البريطانية وللبحث خاتمة تتنوع عناوينها الفرعية بالإشارة الى مطالبات  فرنسا بالموصل  وأهمية عامل النفط بالنسبة الى الفرنسيين وقبول لندن  بمطالبة فرنسا بالموصل  على ان المبحث الثالث يختتم بمصادر الهوامش التي تزامنت مع  متن الدراسة ..
فيما يعالج المبحث الرابع والأخير من الكتاب دور بريطانيا  وتسوية  مشكلة الموصل 1918-1926 واصفا  ذلك بالسجال المحتدم الممل والخطر ويضيئ ( بيتر جي .بيك ) الأستاذ الفخري في التاريخ  العالمي  في جامعة كنجستون بلندن  وزميل  الجمعية  التاريخية  الملكية هذا الأمر  من خلال  سعيه عبر الكشف عن حيثيات النزاع بين بريطانيا  وتركيا حول حسم قضية الموصل  في إعقاب  الحرب العالمية الأولى 1914-1918 والتي نجم عنها واقعا دوليا جديدا  فكان اما تنسب الى العراق او تركيا  حيث كانت الموصل في تلك الفترة واقعة تحت الانتداب البريطاني  والمصالح البريطانية  أسهمت بتشكيل موضوع  نقاش كبير حول هذه القضية  التي أصبحت جزءا رئيسيا  من أي تحليل  يتعلق بدور  النفط في السياسة الخارجية  البريطانية وقد أسهم هذا المبحث بالإشارة الى كواليس القرارات التي تعلقت بحسم قضية الموصل من خلال الإشارة لكلا الموقفين الصادرين عن تركيا او بريطانيا  وقدرة كل طرف على الإتيان بالأسانيد والإثباتات التي من شانها البت بالقضية قبل الاحتكام  لتدخل عصبة الأمم المتحدة  في القضية  المذكورة  عبر دورة المجلس  في كانون الاول عام 1925.
الكتاب  الذي يرتكز على أربعة دراسات مهمة توضح  الموقف الحيوي للموصل خلال أهم حقبة كانت حبلى بالأحداث والمواقف الجسام فما من شك ان تستأثر تلك الأحداث  على تفكير الباحثين والاكاديمين للتصدي لها بالكثير من التفاصيل التي تعرف بالأدوار التي لعبتها القوى العظمة والدول الغربية في  الموصل  في القرنين التاسع عشر والعشرين واللذان تزامنا مع  انبثاق الدولة العراقية  ويعد الكتاب  الذي يعتبر وثيقة تاريخية  حري على الباحثين والمتابعين للتاريخ المعاصر الاستناد على معلوماته التي تعد مصدرا رصينا والاستزادة منها  حيث يمثل هذا الإصدار الجهد الثاني للمترجم يحيى صديق يحيى الذي رفد المكتبات  في وقت سابق بجهد مهم اخر  ترجم من خلاله كتاب الدكتورة دينا خوري والذي تمحور  في الحديث عن مدينة الموصل من خلال الدولة  والمجتمع الإقليمي في الإمبراطورية العثمانية 1540-1834والمترجم من  مواليد الموصل  له فضلا عن الترجمة كتابات متنوعة في القصة  والمقالة ..
*https://www.azzaman.com/?p=57703 January 13, 2014



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الطبقة البرجوازية في العراق حتى سنة 1964 ...............أ.د إبراهيم خليل العلاف

                                                            الاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف الطبقة البرجوازية في العراق حتى سنة 1964 أ....