الجمعة، 10 نوفمبر 2017

بريد الموصل ا.د. ابراهيم خليل العلاف
















بريد الموصل
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس -  جامعة الموصل
وكلمة بريد ،  ليست كلمة فارسية كما يقول البعض ، وانما هي كلمة عربية  فصحى من برد أي ارسل .. وقد قال الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم :" إذا ابردتم اليَ بريدا فإجعلوه حسن الوجه والاسم " .وفي تاريخنا العربي الاسلامي  صفحات ناصعة عن البريد ودوائره وتشكيلاته وعبر كل الفترات .
وكلمة البريد وحدة قياس المسافة وتقدر ب ( 3 ) أميال .وساعي البريد او كما يسمى عند اهلنا في مصر (البوسطه جي ) ، هو ذلك الشخص المكلف بإيصال الرسائل الى اصحابها . وللاسف انقرضت هذه المهنة او تكاد وكثيرا ما كنا نقرأ على الرسائل التي تصلنا عبارات الشكر لساعي البريد وممن يرسل الرسالة  آملا ان تصل بسلام .
وكما تعرفون –احبتي الكرام – اننا في الموصل كنا محرومين من البريد ثلاث سنوات 2014-2017 ، بسبب سيطرة الظلاميين وما ان  تحررت الموصل على ايدي الابطال من جيشنا العراقي والقوات الامنية حتى فتحت للبريد دائرة في حي النور بأيسر الموصل ووصلت من بغداد الاكداس المكدسة من الرسائل والطرود وانا شخصيا اتصلوا بي ةاستلمت رسائلا  وطرودا تعود الى سنة 2013 و2014 .
اليوم يقول البعض ان البريد الالكتروني او ما يسمى بالايميل قد حل محل البريد الحقيقي.. لكن الايميل لايمكن ان يكون مثل البريد الحقيقي فثمة امور وطرود وارساليات لاتنقل بالبريد الالكتروني لذلك ؛ فالبريد حي لايموت ولاغنى لنا عن دائرة البريد .
اليوم اريد ان اتحدث عن بريد الموصل وكانت له  دائرة  جميلة ترون صورتها الى جانب هذه السطور تقع قبالة باب السراي  بالجانب الايمن من الموصل وقريبة من شارع النجفي وشارع غازي والمركز العام للشرطة ، لكنها هدمت للاسف الشديد اواخر الستينات من القرن الماضي وبناية بريد الموصل القديمة تشبه عشرات  من بنايات البريد التي كانت منتشرة في طول الامبراطورية العثمانية وعرضها .
كانت الموصل ولاية عثمانية ، وطوال اكثر من اربعة قرون منذ مطلع القرن السادس عشر الميلادي حتى مطلع القرن العشرين وكانت تطبق فيها كل التعليمات التي تصدر من العاصمة اسطنبول ومن ذلك التعليمات التي صدرت عقب حركة الاصلاحات والتنظيمات العثمانية التي استهدفت تحديث الانظمة الادارية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية . ومن هذه الانظمة خط شريف كلخانة 1839 وخط شريف همايون 1856 .
وقد تزامن صدور تلك الخطوط اي المراسيم الاصلاحية مع سعي السلطة العثمانية الى اعادة حكمها المباشر على الموصل  من خلال القضاء على حكم الجليليين الذي امتد من سنة 1726 الى سنة 1834 .
لقد كان من نتائج الاصلاحات العثمانية  ، الاهتمام بالبريد وتحديثه وادخال الخدمات البرقية والهاتفية اليه وكان نصيب ولاية الموصل ان تأسست فيها دائرة مركزية للبريد والبرق والهاتف ودوائر فرعية في الالوية والاقضية والنواحي .كما تطورت حركة المواصلات .. وكان لتطور حركة المواصلات اثر كبير في نمو وتوسع حركة التجارة الداخلية والخارجية وساعد على ذلك دخول شركات بريطانية والمانية وعثمانية على صعيد النشاط في حقل المواصلات البرية والنهرية سواء فيما يتعلق بالسكك الحديد او الملاحة في نهري دجلة والفرات او طرق السيارات البري .
وكان لافتتاح قناة السويس سنة 1869 ، أثر كبير في  تنامي حركة الاستيراد والتصدير . كما تدفقت رؤوس الاموال الاجنية على الولايات العراقية ومنها ولاية الموصل ، وبدأ الاستثمار الاجنبي ، وتأسست  البنوك  والمصارف وتحول الاقتصاد من اقتصاد طبيعي يسد الحاجة المحلية فقط الى اقتصاد السوق الذي يستهدف التصدير ، ونشأت طبقة برجوازية اخذت تريد السيطرة  على مقدرات  الامور وتشرع القوانين التي تساعدها في فرض سيطرتها الاقتصادية ومن ثم السياسية في الدولة والولايات ومنها ولاية الموصل .
اقترن حرص العثمانيين على الاهتمام بالمواصلات مع اهتمام الانكليز ، فمدت اسلاك البرق وجرى الاهتمام بدوائر البريد خاصة بعد ان ادرك الجميع اهمية الخدمات البرقية والبريدية وخاضة بعد حرب القرم سنة 1853-1856 وقد استفادت الولايات العراقية من كلا الخدمات البرقية والبريدية العثمانية والبريطانية .
وفيما يتعلق بالخدمات البرقية العثمانية وهو ما يهمنا  نقول ان سنة 1859 شهدت صدور نظام البرق او ما كان يعرف بالتلغراف في الدولة العثمانية والمصادر المتداولة والتي بين ايدينا تشير الى ان ولاية الموصل كانت في  مقدمة الولايات العثمانية التي حظيت بإنشاء خطوط برقية ربطتها ببغداد واستانبول وكان ذلك سنة 1861 .
وقد عمل في دائرة  البرق في الموصل عدد من الموظفين الذين ارسلتهم ( نظارة البريد والبرق والتلفون العثمانية في استانبول ) وكانت تسمى باللغة العثمانية وبالحروف العربية ( بوسته وتلغراف وتله فون نظارتي ) .
ومن هؤلاء الموظفين (عبد الله ) و(زولين ) و(كاستاراي ) و( نيقولا ايدس ) .
وفي عهد الوالي المصلح المتنور مدحت باشا والي بغداد 1869-1872 ، وكانت له صلاحيات الاشراف على الخطة العراقية اي ولايات الموصل والبصرة فضلا عن ولاية يغداد جرت محاولات لتطوير الخدمات البرقية والبريدية ومن ذلك انه جعل بغداد مقرا رئيسيا للادارة المركزية للبريد والبرق في العراق كله لذلك اتسعت الخدمات البرقية والبريدية بخيث وصلت الى الاقضية والنواحي والقصبات .
وعلى سبيل المثال كان في سنة 1917 خطوط تلغراف بين الموصل وبين سنجار والعمادية وبين الموصل والفاو وبين الموصل وكربلاء والقرنة والفلوجة وهيت وهكذا .
كانت دائرة بريد الموصل تعج بالموظفين يتقدمهم مأمور البريد ومعه عدد من الموظفين الذين صاروا معروفين للناس الذين شعروا بقيمة الخدمات البرقية والبريدية وصاروا يترددون على دائرة البريد لاسال رسائلهم وبرقياتهم وحتى شكاويهم على المسؤولين .وكان من الطبيعي ان يستفيد التجار اكثر من غيرهم من الخدمات البرقية والبريدية لقضاء مصالحهم والاتصال بأقرانهم التجار في استانبول ولندن وباريس والاتفاق على الصفقات التجارية .
ومن الطريف ان اشير هنا الى ان اجرة التلغراف في الموصل كانت (15 ) قرشا لكل عشرين كلمة وفي سنة 1915 صدر قانون (تنظيم نظارة البريد والتلغراف ) .
منذ سنة 1869 كانت هناك في الولايات العراقية ومنها ولاية الموصل خدمات بريدية رسمية وكان من يسمون (التتار او التتر او الططر ) اي سعاة البريد يتلقون رواتبهم من  الدولة وكانوا يستخدمون الهجن او الخيل في تنقلاتهم واداءهم لواجباتهم في نقل البريد وضمن مراحل محددة وكان يرأسهم (التتر اغا سي ) وله مكتب خاص   يسمى ( قوناق ططر اغا سي ) .
وفي الاول من شباط 1920 استعمل القطار لاول مرة في نقل الرسائل والطرود وفي 30 اب سنة 1923 اسست اول واسطة  نقل عبر الصحراء بين بغداد وحيفا لنقل البريد الخارجي الى اوربا عبر سيارات (نيرن ) وكان البريد ينقل من حيفا الى بور سعيد بمصر بالقطار ومن هناك الى لندن بالبواخر واصبحت مدة نقل البريد بين بغداد ولندن لاتستغرق اكثر من تسعة ايام ..وبعدها دخل البريد الجوي سنة 1930 .
وكان هناك بريد خاص ينقل بواسطة الخيل ثم حلت السيارات مطلع القرن العشرين محل الهجن والخيل ويسمى المسؤول الذي ينقل البريد مثلا بين الموصل وحلب (سروجي باشي ) وكانت دائرة بريد الموصل مرتبطة بدائرة البريد المركزية ببغداد .
خلال عهد الاحتلال البريطاني للعراق 1914-1918  تطورت دائرة البريد والبرق والتلفون في المدن العراقية ومنها الموصل وفي نيسان سنة 1920 تم تأسيس ادارة البريد والبرق العراقية وكان اول مدير لهذه الدائرة هو السيد حكمت سليمان والذي اصبح سنة 1936 رئيسل للوزراء .عين حكمت سليمان مديرا عاما للبريد والبرق سنة 1923 وظلت دائرة البريد والبرق العراقية لفترات طوية بإشراف دائرة البريد والبرق الهندية البريطانية وخاصة فيما يتعلق بالحوالات والمعاملات الحسابية والمعاملات الخارجية مع الدول الاجنبية .
وبعد قيام الدولة العراقية الحديثة اي المملكة العراقية سنة 1921 اصبحت ( مديرية البريد والبرق العامة ) مرتبطة بوزارة المواصلات والاشغال  ، وصدر نظام يحدد مهام هذه المديرية .كما صدر قانون البريد العراقي رقم 6 لسنة 1930.
الطوابع  كانت مرتبطة بالبريد . وكان الموصليون يستخدمون الطوابع العثمانية وبعدها  طوابع الاحتلال البريطاني ومن ثم الطوابع العراقية وفي الموصل ظل البريد يستحدم الطوابع العثمانية حتى سنة 1926 حين حسمت مشكل الموصل .ومن المنلسب ان نشير الى ان سنة 1923 شهدت ولاول مرة صدور طوابع عراقية حملت مناظر لاثار عراقية من قبيل الثور المجنح . وفي سنة 1927 صدرت طوابع تحمل صورة الملك فيصل الاول مؤسس الدولة العراقية 1921-1933 .وفي سنة 1942 صدر نظام  الطوابع  العراقية .
وكانت في بريد الموصل منذ عهد الوالي مدحت باشا 1869 - 1872 والي بغداد صناديق للتوفير وبد تأسيس الدول العراقية فتحت سنة  1935  صناديق  جديدة بإسم ( صندوق توفير البريد ) .
ودخل التلفون الموصل سنة 1920 ، وكان جهاز التلفون من النوع المغناطيسي القديم الذي كان يستخدم لاغراض عسكرية وبعد تشكيل الدولة العراقية  وصعت مديرية البريد مغريات لمن يقدم على نصب تلفون في بيته ويعطى  العامل مكافأة قدرها (750 ) فلسا عن كل مشترك يحملونه على نصب تلفون في بيته او محله او دكانه .ونصبت اول بدالة اوتومتيكية في الموصل سنة 1922وازداد عدد موظفي البريد والبرق والهاتف  في (مديرية بريد وبرق محافظة نينوى ) .
وخلال السنوات التالية توسعت الخدمات البريدية وتوسعت اعمال البريد ومد الكابل الضوئي ودخلت خدمات الانترنت ومن قبلها خدمات البرق من خلال اجهزة التلكس واجهزة تبادل البرقيات بين الموصل وبغداد والمدت الاخرى والمسمى ( البرق الطابع ) وقدرته طبع (66) كلمة في الدقيقة الواحدة

في الثلاثينات من القرن الماضي وبالتحديد في سنة 1936 كان (مدير البريد والبرق ) في الموصل الاستاذ عبد الحميد جزراوي وقد جاء ذلك في الدليل الرسمي العراقي لسنة 1936بينما كان مدير البريد والبرق العام انذاك هو جميل بك الوادي .
واليوم فإن دوائر البريد تتبع الشركة العامة للاتصالات والبريد التي تتبع  وزارة الاتصالات وللبريد اليوم بناية في محلة النبي شيت بالجانب الايمن وقد تعرضت لاضرار شديدة ولابد من الاسراع في اعادة اعمارها ليعود البريد الينا ونعود اليه .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الطبقة البرجوازية في العراق حتى سنة 1964 ...............أ.د إبراهيم خليل العلاف

                                                            الاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف الطبقة البرجوازية في العراق حتى سنة 1964 أ....