الخميس، 2 فبراير 2017

قصة خور عبد الله والعلاقات العراقية –الكويتية ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ متمرس –جامعة الموصل





قصة خور عبد الله والعلاقات العراقية –الكويتية
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس –جامعة الموصل
قصة خور عبد الله ،  والذي يقع في شمالي الخليج العربي بين شبه جزيرة الفاو العراقية وجزيرتي بوبيان ووربة  الكويتيتين ، هي كباقي قصص الحدود التي افتعلتها بريطانيا منذ سنوات طويلة كانت فيها بريطانيا تهيمن على الخليج العربي بإعتباره بحيرة  تابعة لها .ومن المؤكد ان الموضوع مرتبط ارتباطا وثيقا بالعلاقات العراقية –الكويتية ، والتي  شهدت الكثير من المشاكل والهزات كان منها ان اجتاحت القوات العراقية الكويت في 2 آب –اغسطس سنة 1990 ، والتي كان من مراحلها انسحاب العراق من الكويت تحت وطأة  قرارات الامم المتحدة  وبالاخص القرار ذو الرقم 833 لسنة 1993 الخاص بترسيم الحدود بين الدولتين ، واجبار النظام السابق على القبول بكل القرارات التي صدرت من مجلس الامن ومنها قرار التعويضات البالغة 5% من مبيعات النفط العراقي والتي مازال العراق يدفعها للكويت سنويا منذ سنة 2004 ولم يتبق منها سوى 7 مليارات دولار من أصل 45 مليارا من الدولارات الامريكية . ولم يكن للعراق خيار آخر ؛ فالقرارات صدرت ضمن الفصل السابع وهي مُلزمة وليس أمام العراق الا تنفيذها .
ولفهم ما يتعلق بخور عبد الله لابد من العودة الى سنة 1922 . إذ جرت  في هذه السنة أول محاولة لتخطيط الحدود بين العراق والكويت  - كما  يقول الاستاذ الدكتور مصطفى عبد القادر النجار في كتابه الموسوم (التاريخ السياسي لعلاقات العراق الدولية بالخليج العربي ) والذي طبع  في جامعة البصرة سنة 1975 . ومما ساعد على ذلك ايضا العلاقات الوثيقة التي ربطت بين الملك فيصل الاول ملك العراق الاسبق 1921-1933 والشيخ احمد الصباح حاكم الكويت .
وقد بنيت تلك المحاولة على اساس التعهد البريطاني بالحفاظ على حدود الكويت  ليس مع العراق فحسب وانما حتى مع السعودية . ففي مؤتمر العقير الذي انعقد في 28 تشرين الثاني سنة 1922 وضعت اسس الحدود بين العراق والكويت ، واقر مبدأ تخطيط الحدود . وتم الاعتراف ولاول مرة في التاريخ بكيان سياسي جديد هو  الكويت  والتي كانت تابعة كقضاء ضمن ولاية البصرة الى الدولة العثمانية . وقد رأس المؤتمر السير بيرسي كوكس ومثل العراق  صبيح نشأت وزيرالاشغال والمواصلات في حين مثل الكويت الميجر مور ومثل نجد (السعودية فيما بعد )   عبد العزيز بن سعود  نفسه . وفي هذا المؤتمر وضع  بيرسي كوكس  حلا لمشكلة الحدود العراقية مع الكويت وكانت محمية بريطانية على حساب العراق حيث اقر خط سنة 1913 اي الذي تضمنته الاتفاقية العثمانية –البريطانية لسنة 1913  وهو الذي يبدا من تقاطع وادي العوجة بالباطن الى جهة الشرق جنوبي آبار صفوان وجبل سنام وأم قصر الى ساحل بوبيان ووربة وحتى ساحل البحر شمالي الحدود النجدية –الكويتية ، وتدخل الجزر البحرية : مسيجان وفيلكة وعوة وكبر وقارورة وام المرادم في تلك الحدود .
يقينا أن سيطرة بريطانيا على العراق والكويت انذاك هو الذي سهل أمر إقرار  تلك الحدود .كما ان بريطانيا استغلت ظروف الحرب العالمية الاولى ودخول الدولة العثمانية الحرب الى جانب المانيا فإحتلت العراق وابتدأت بالبصرة سنة 1914 ومن قبل ذلك ارسل المقيم السياسي البريطاني في الخليج العربي كتابا الى الشيخ مبارك الصباح حاكم الكويت قي 2 تشرين الثاني 1914- نوفمبر  طلب منه :" أن  يقوم بمهاجمة أم قصر وصفوان وبوبيان واحتلالها والسعي بالتعاون مع الشيخ خزعل شيخ المحمرة وعبد العزيز بن سعود سلطان نجد والشيوخ المخلصين الاخرين في تحرير البصرة من الحكم التركي " .
ويشير الدكتور جعفر عباس حميدي والدكتور عبد الرحمن الدوري في كتابهما (كويت العراق )1990 الى ان الشيخ مبارك شكل قوة  حاصرت الحاميات العثمانية في صفوان وام قصر وجنوب جزيرة بوبيان وتوجه نحو البصرة لكنه فشل في اقتحامها .وعندما انتهت الحرب العالمية الاولى في 11 تشرين الثاني 1918 كانت بريطانيا قد احتلت العراق كله .
في سنة 1932 ، وعندما قررت بريطانيا منح الاستقلال للعراق،  ظهرت قضية الحدود مع الكويت مرة اخرى .. كان لابد من حسم القضية قبل  دخول العراق عصبة الامم .. وفي هذه المرة اتخذت  الحكومة البريطانية قرارا سريا في 18 نيسان – ابريل سنة 1932 بأن يتم الامر على اساس تبادل مذكرات يقدمها رئيس الوزراء العراقي  آنذاك  نوري السعيد  الى شيخ الكويت  الشيخ احمد الصباح ، وعليه اعتبرت بريطانيا خط الحدود بين العراق والكويت يبدأ من المدخل الغربي لخور عبد الله في شمال جزيرة بوبيان متوجها نحو الغرب قاطعا طريق ام قصر – الكويت مارا بجنوب ام قصر ويحافظ على الاتجاه نفسه حتى يلتقي بطريق البصرة –الكويت جنوب نقطة صفوان ثم ينعطف الى الجنوب الغربي محاذيا الطريق العام القادم من قصر بن ديهم –حليبة ثم يتجه الى الجنوب الغربي حتى وادي الباطن ثم يعقب اخفض نقطة من الوادي المذكور مارا من المحل المسمى جريشان الكائن في رأس منخقض وادي الباطن ثم يتجه نحو الجنوب محاذيا الطريق المسمى طريق البر   – الجفر داخل نجد وهكذا ينحدر من وسط الباطن تاركا تل إدعيبة من جهة الغرب الى ان يمر من خشم ابراك الحباري ثم ينعطف الى الجنوب الغربي حتى يتصل بنقطة ملتقى الحدود العراقية – النجدية برأس منطقة الحياد في نقطة تسمى العوجة أي ملتقى العوجة بالباطن .
وفي سنة 1935 عقدت سلسلة اجتماعات في لندن للنظر في وضع الاسس التي بموجبها يتم رسم الحدود ومنها :
1. يتبع خط الحدود مجرى التالوك  أي أعمق نقطة على طول وادي الباطن .
2. يسير بخط مستقيم شرقا من الباطن الى جنوب آخر نخلة تقع الى اقصى جنوب صفوان بميل واحد .
3. يكون امتداده من النقطة الواقعة جنوب صفوان حتى النقطة التي يلتقي فيها خور عبد الله بخور الزبير بخط مستقيم .
4. يسير على طول خط التالوك في خور عبد الله حتى البحر المفتوح .
وبقي رسم الحدود هذا على الخارطة فقط ، ولم تجر أية محاولة لتثبيته على الارض ، وظلت مشكلة الحدود على حالها ، وطالب الملك غازي  ملك العراق الاسبق بين سنتي 1933-1939 بضم الكويت ، وأثيرت بعد ذلك  مشكلة تثبيت الحدود على الارض ، ومنها ان الخط المستقيم بين الذي يسير شرقا من الباطن والتقاء خور عبد الله بخور الزبير في نقطة التالوك لايمكن تثبيته بسهولة ذلك انه سوف يقابل الضفة اليمنى من خور عبد الله قبل ان يصل الى التالوك ، ومعنى هذا ان العراق سيحرم من منفذ مناسب الى البحر وهو ما لايمكن قبوله . وعليه فقد ارتؤي من الحكومة العراقية وعلى لسان علي جودت الايوبي وزير الخارجية في مذكرة له موجهة الى السفارة  البريطانية في بغداد  سنة 1939 ، أن يتبع هذا الخط أقصر مسافة بين النقطتين حتى يصل الى ضفة خور الزبير اليمنى الذي يلتقي فيها خو الزبير بخور شيطانة ، واذا مد فإنه يتقابل مع ملتقى تالوك خور الزبير وخور عبد الله .
وقعت الحرب العرقية – البريطانية سنة 1941 ، وتعقدت مشكلة الحدود بين  العراق  والكويت ، وظهرت فكرة الحكومة العراقية القائمة على اساس انشاء ميناء جديد على خور عبد الله ، وعملت بريطانيا على منع العراق من تنفيذ فكرته ، والتزمت جانب الكويت بأعتبارها محمية بريطانية ، وكانت لاتريد إعطاء العراق منفذ الى البحر المفتوح .. وبدأت المشكلة تتفاقم وحولت بريطانيا أنظار العراق لأنشاء ميناء في أم قصر العراقية بدلا من انشاء ميناء على خور عبد الله ،  ثم استعيض عن ذلك كله  خلال العهد الملكي بإنشاء  ميناء  على الفاو ، ولم ينفذ مشروع ميناء أم قصر الا بعد ثورة 14 تموز- يوليو  1958  ؛ ففي 16 اذار- مارس  سنة 1961 وضع حجر الاساس له وتم افتتاحه رسميا في 14 تموز سنة 1967.
عملت بريطانيا وفي اطار توجهها الجديد بعد الحرب العالمية الثانية 1939-1945 على الخروج من المناطق التي تقع شرقي السويس . وكان لابد ان تنهي اتفاقية 23 كانون الثاني –يناير  سنة 1899 مع شيوخ الكويت بإعتبارها تتعارض مع رغبتها في اعلان استقلال دولة الكويت .وفي 19 حزيران  - يونيو سنة 1961 تم تبادل المذكرات بين الشيخ عبد الله السالم الصباح حاكم الكويت وبين المعتمد البريطاني في الخليج العربي وليم لوس،  وتناولت تلك المذكرات ان الحكومة الكويتية هي المسؤولة عن تصريف أمور البلاد الداخلية والخارجية وجرت محادثات انتهت بإعلان استقلال دزلة الكويت وفور اعلان الاستقلال دخلت الكويت في جامعة الدول العربية  والامم المتحدة . 
وفي 4 من  تشرين الاول – اكتوبر  سنة 1963 إعترفت جمهورية العراق بإستقلال الكويت . وقد اورد الدكتور محمود علي الداؤود في كتابه (الخليج العربي والعمل العربي المشترك ) المنشور ببغداد سنة 1980 ، نصوص  المحضر المتفق عليه بين العراق والكويت في 4 تشرين الاول 1963 وفيه " ان جمهورية العراق تعترف بإستقلال دولة الكويت وسيادتها التامة بحدودها المبينة بكتاب رئيس وزراء العراق بتاريخ 21 تموز 1932 والذي وافق عليه حاكم الكويت بكتابه المؤرخ في 10 آب – اغسطس 1932 " . وتم تبادل التمثيل الدبلوماسي بين البلدين على مستوى السفراء ، واستمر الوضع على هذا المنوال حتى يوم 2 اب سنة 1990 حين تم اجتياح الجيش العراقي للاراضي الكويتية ، وما نجم عنه من مشاكل هددت كيان العراق السياسي وانتهت به الى قيام الولايات المتحدة الاميركية بعقد تحالف دولي أخرج العراق من الكويت وفرض عليه اتفاقيات لايزال العراق يئن تحتها .
وفي 9 نيسان 2003 غزت الولايات المتحدة الاميركية العراق ، وانهت النظام السياسي القائم فيه ، وتشكلت قيادة جديدة للعراق تعاملت بإيجابية مع دولة الكويت ، ونفذت التزامات العراق التي فرضتها الامم المتحدة عليه ومنها دفع التعويضات ، والموافقة على ترسيم الحدود الجديد .
الذي نريد ان نتحدث عنه هنا ، أن خور عبد الله كان موضوعا لأتفاقية  بين العراق والكويت  والتي  وافق مجلس الوزراء العراقي عليها  يوم 29 كانون الثاني  - يناير   سنة 2013  بقصد تنظيم الملاحة البحرية في خور عبد الله  وقرر إحالتها الى مجلس النواب للمصادقة عليها  . وكانت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الامة الكويتي قد وافقت في كانون  الاول – ديسمبر سنة 2012 على مشروع قانون الاتفاقية هذه .
 ومن بنود هذه الاتفاقية ان ادارة خور عبد الله تكون مشتركة بين العراق والكويت ، وأن أي   خلاف بين الطرفين يتم حله عن طريق المحكمة الدولية وفقا لقانون البحار .وتمت المصادقة عليها في 25 تشرين الثاني سنة 2013 تنفيذا للقرار رقم 833 الذي أصدره مجلس الامن في سنة 1993 بعد سلسلة من القرارات التي صدرت إثر اجتياح الجيش العراقي للكويت في اب سنة 1990 ، واستكمالا لأجراءات ترسيم الحدود بين البلدين ووضع تحديد دقيق لأحداثياتها على أساس الاتفاق الذي تم بين العراق والكويت   سنة 1963 .
والشيء المهم في هذه الاتفاقية انها قسمت خور عبد الله ،  الواقع في اقصى شمال الخليج العربي بين شبه جزيرة الفاو العراقية ، وجزيرة بوبيان الكويتية ،  بين  دولتي العراق والكويت  بنقطة التقاء القناة الملاحية في خور عبد الله بالحدود الدولية مابين النقطة البحرية الحدودية رقم 156 ورقم 157 بإتجاه الجنوب الى النقطة 1622 ومن ثم الى بداية مدخل القناة الملاحية عند مدخل خور عبد الله .
ظهرت وجهات نظر متباينة إزاء الاتفاقية  ؛ فذهب الفريق الاول الى ان التقسيم  كان تنازلا عن جزء من خور عبد الله ، وهو المنفذ  البحري الوحيد للعراق   حيث انه لم يتم حسب الاتفاقات السابقة القائمة على خط التالوك أي أعمق ممر يسمح للملاحة البحرية فيه .  هذا فضلا عن ان الاتفاق يعيق بناء ميناء الفاو الكبير ، ويمنح الكويت مساحة اضافية ، ويرفع أجور التأمين على السفن الداخلة للعراق  ، وذهب البعض الى ان خور عبد الله عراقي صرف ، وانه لم يكن داخلا ضمن القرار 833 ، وان الحكومة العراقية أوهمت الشارع العراقي بأنه ضمن القرار وان  الاتفاقية  أعادت ترسيم الحدود  في قناة عراقية صرفة.
في حين  قال الفريق الثاني ان الاتفاقية ليست إلا استكمالا لترسيم الحدود بناء على القرارات الدولية  . كما أن الاتفاقية هي لتنظيم الملاحة  وليس لترسيم الحدود ، واكد ذلك رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي   يوم الثلاثاء 31 كانون الثاني 2017   . وقد نفى وزير النقل الحالي كاظم فنجان الحمامي السبت 28 كانون الثاني 2017 وجود أية تنازلات بشأن خور عبد الله .
  ومما زاد المشكلة تعقيدا ، أن الكويت قامت بإنشاء ميناء مبارك الكبير على الشاطئ الغربي لخور عبد الله في جزيرة بوبيان الكويتية والذي من المخطط له ان يرتبط مع العراق بسكة حديد  مما سيسهل  عملية خنق العراق بحريا ويجعل من ميناء مبارك الكبير  أحد اكبر موانئ الخليج العربي من ناحية قدرته الاستيعابية وان التعامل البحري مع العراق سيكون من خلاله  .
من هنا إزدادت  الاصوات المعارضة لما قامت به الحكومة العراقية التي ردت بأن الاتفاق لايعدو ان يكون محاولة لتسهيل الملاحة بين البلدين وليس ترسيما للحدود ، وهذه الحجة مخالفة لما تم ومبررة لما قامت به الحكومة العراقية ومثلما كانت قضية جزيرتي صنافير وتيران  التي منحتها مصر للسعودية مؤججة للرأي العام المصري ، فإن قضية خور عبد الله أدت الى تأجيج مشاعر العراقيين وإعتراضا منهم على ما قامت به الحكومة .ومعنى هذا ان القضاء العراقي يمكن ان يحذو حذو القضاء المصري فيُبطل إجراءات الحكومة في العراق مثلما أبطل القضاء المصري اجراءات الحكومة المصرية بشأن جزيرتي صنافير وتيران ، ولكن الفارق هو ان ما قامت به الحكومة العراقية جاء تنفيذا لقرارات دولية ملزمة تخص ترسيم الحدود بين العراق والكويت مما يعقد قضية خور عبد الله موضوعة المقال .




هناك 5 تعليقات:

  1. أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.

    ردحذف
  2. أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.

    ردحذف
  3. أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.

    ردحذف
  4. أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.

    ردحذف
  5. أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.

    ردحذف

ويومكم مبارك ورمضانكم كريم

  ويومكم مبارك ورمضانكم كريم ونعود لنتواصل مع اليوم الجديد ............الجمعة 29-3-2024 ............جمعتكم مباركة واهلا بالاحبة والصورة من د...