الدكتور حكمت علي الأوسي والأدب الأندلسي في العراق
ا.د.إبراهيم
خليل العلاف
أستاذ التاريخ الحديث
–جامعة الموصل
حين كتبت عن الصديق "الأستاذ
الدكتور حازم عبد الله خضر والدراسات الاندلسية في العراق" ، قلت انه أسهم إلى
جانب نخبة من الباحثين والكتاب والمؤرخين العراقيين في ترسيخ أسس الدراسات الأندلسية
سواء في الجوانب الأدبية أو في الجوانب الأدبية .وقلت كذلك أن الأستاذ حكمت علي الأوسي
يعد الرائد الأول في هذا الميدان المهم ، ومن خلال دراساته ومقالاته والرسائل التي أشرف
عليها أسهم في خلق الوعي بأهمية الأدب الأندلسي وتوضيح الكثير من مفاصله التاريخية
والإبداعية .وكان إلى جانبه عدد من المهتمين منهم الأستاذ الدكتور عبد الواحد ذنون طه في التاريخ والدكتورة بتول سعيد العلاف في الأدب وغيرهما من
الأساتذة المتخصصين بالأدب الأندلسي . وعلى
هذا الأساس يمكن القول أن ما قدمه أولئك كلهم شكل ركنا مهما من أركان الدعامة
الأندلسية في المدرسة التاريخية والأدبية العراقية والعربية .
كتب عنه الأستاذ حميد المطبعي في موسوعته : " موسوعة أعلام وعلماء
العراق " فقال أن الأستاذ الدكتور حكمت علي الأوسي من مواليد بغداد سنة 1928.
وقد درس في مدارسها ثم دخل قسم اللغة العربية بكلية الآداب –جامعة بغداد وحصل على
البكالوريوس سنة 1954وبعدها حصل على بعثة علمية فسافر الى اسبانيا ودخل جامعة
مدريد المركزية ونال شهادة الدكتوراه .عاد الى الوطن وعين في وظائف إدارية –علمية
منها : عميد معهد السكرتارية العالي بجامعة بغداد ومدير عام دائرة الدراسات الإنسانية
في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي .
الأستاذ
الدكتور حكمت الأوسي غزير في إنتاجه العلمي حتى أن مؤلفاته زادت على ال40 كتابا
منشورا إلى جانب كم كبير من البحوث والدراسات والمقالات .كان الرجل معروفا ليس
بعلميته وإنما بوطنيته وحبه للعراق وللأمة . وكان يرى بأن ما يحلم به هو قيام وطن
عربي موحد بنظام ديمقراطي اشتراكي يضمن الحرية للإنسان، ولحقوقه ،وكرامته .وقد أشاد
به وبكتاباته عدد كبير من النقاد والمتتبعين منهم الأستاذ الدكتور حسين مؤنس أستاذ
التاريخ الأندلسي المصري الرائد كما أن الأستاذ الدكتور إحسان عباس أستاذ النقد
اللبناني كان معجبا به .
من
مؤلفاته الأولى المنشورة كتابه :" فصول في الأدب الأندلسي في القرنين الثاني
والثالث للهجرة " وهو أطروحته للدكتوراه وقد نشر سنة 1971 .كما طبعت له
القاهرة سنة 1978 كتابه : " مفاهيم
في الأدب والنقد " .وقد أعيد طبع الكتاب ببغداد سنة 1984 .شارك في مؤتمرات
وندوات كثيرة وقد دعوته عندما كنت رئيسا لقسم التاريخ – بكلية التربية - جامعة الموصل
للمدة من 5-6 كانون الأول –ديسمبر سنة 1992
لحضور "ندوة الوجود العربي في الاندلس : تاريخا وحضارة وتأثيرا " والتي
أقمناها لمناسبة الذكرى 500 لسقوط غرناطة . وأتذكر بأن عنوان البحث الذي ألقاه في
الندوة كان " الشعر والسياسة في الأندلس في القرن الثالث الهجري التاسع
الميلادي " .ومن الندوات والمؤتمرات التي كان له حضور فيها " مؤتمر
الحضارة الإنسانية " الذي عقدته كلية الآداب بجامعة القاهرة للمدة من 20-23 آذار
–مارس 1هذا فضلا عن مؤتمرات وزراء ورؤساء
مجالس البحث العلمي والتي كانت تعقد في عواصم عربية مختلفة .
عرفته شخصيا ، وكثيرا ما التقيته في بغداد والموصل ووجدته عالما فاضلا ، ورجلا
متواضعا ، وصديقا وفيا ، ومربيا كبيرا .حرص على أن يكون طلبته وزملائه ملتفين حوله
يسمع منهم ويسمعون منه وتلك – بحق –من صفات العلماء الكبار .واعتقد أن طلبته يعتزون
به وبمجهوداته العلمية الرائدة في مجال كشف مكنونات الأدب الأندلسي عبر عصوره
التاريخية ومما يفرح أن كتبه اليوم قد أصبحت متاحة ومنشورة ولها طبعات كثيرة .
رصد
الزميل الأستاذ الدكتور صباح نوري المرزوك في "معجم المؤلفين والكتاب
العراقيين 1970-2000 " جانبا من إنتاج الدكتور حكمت الأوسي العلمي فقال بأنه
اصدر خلال هذه المدة كتبا عديدة منها كتبه " الأدب الأندلسي في عصر الموحدين
" 1976 و"التأثير العربي في الثقافة الاسبانية " 1984 . ومن
دراساته المنشورة دراسات دارت حول "أراء في الموشح " و" أقصوصة
عراقية شعبية في الأدب الاسباني الوسيط " و" جوانب من التأثير العربي في
الشعر الأدبي الاسباني " و" جوانب من التأثير العربي في اللغة الاسبانية
" و" مظهران من مظاهر الأصالة المبكرة في الفكر العربي الأندلسي "
و" يحيى بن الحكم سفير الأندلس وشاعرها الوفي " و"القواعد الأساسية
للغة الاسبانية " . وللدكتور الأوسي معالجات علمية لأعباء أعضاء هيئة التدريس
والمعيدين في جامعة بغداد .كما أن له آراء حول" الوصفات الطبية العربية"
و" الأبجدية العربية الصالحة " " وتطور المفاهيم والمقاييس النقدية
العربية في العصر الجاهلي " .وقد نشرت بحوثه ودراساته في مجلات علمية معتمدة
منها مجلة المؤرخ العربي ومجلة المجمع العلمي العراقي ومجلة كلية الآداب بجامعة
بغداد .كما طبعات كتبه ظهرت في بغداد والقاهرة والدار البيضاء وبيروت .
لازلت اذكر بحثه عن " الشعر والسياسة في الأندلس" الذي اشر تاليه
أنفا وألقاه عندنا في جامعة الموصل ، والذي عبر فيه عن بعض آراءه الأدبية
والتاريخية ومنها أن ابن خلدون العظيم حينما قرر" أن الماضي أشبه بالاتي من
الماء بالماء" ، لم يكن يعني ما يشيع بين عامة الناس من قولهم أن التاريخ
يعيد نفسه وإنما كان قصده أن أحداث التاريخ وأحوال الاجتماع الإنساني خاضعة
لقوانين تاريخية اجتماعية لها أسباب ومسببات ومتى ما توافرت أسباب معينة ونتجت
عنها أحوال ومتغيرات في زمن من الأزمان نتجت أحوال ومتغيرات مماثلة عن الأسباب
المماثلة في أي زمان وفي أي مكان . فإذا ما أفادنا استقراؤنا للتاريخ وأحداثه أن
انقسام الآمة فيما بينها في منازعات سياسية وقبلية ضيقة سبب مهم من أسباب تفرقها
وضعفها أمام الخصوم فان ذلك هو نفسه سبب من أسباب انهيار الأمة اليوم ولابد أن
يدرك الحكام قبل غيرهم ان الضعف والانقسام وما يستتبعه من ذل وهوان وخضوع للأجنبي
لاحق بهم وبمصلحتهم الشخصية قبل المصلحة الوطنية العامة والمصلحة القومية الأعم .وقال
أن هذه الحقيقة البسيطة الخطيرة التي تفيدنا من التاريخ تتمثل لنا من تاريخنا في أزمانه
المتعاقبة وهي تسطع أمامنا في الأندلس .ويأسف الدكتور الأوسي لان الحكام لايفيدوا أو
يتعظوا من هذه الحقيقة وهذا ما يدعوهم لتكرار استبدادهم وظلمهم وتفرقهم وضعفهم وأخيرا
انهيارهم وسقوطهم .ويضيف الدكتور الأوسي إلى ذلك قوله أن دراستنا للتاريخ الأندلسي
تقدم لنا عبرا ثمينة .ويقف الدكتور الأوسي عند الشعر الأندلسي وما أحدثه من تغيير
في السياسة الأندلسية وخاصة في التأكيد على أهمية الوحدة ورص الصفوف ويقول ان
الشاعر الاسدي الأندلسي أكد بان "إن السهام إذا ما فُرقتْ كُسرِتْ ** وإن تجمَّعنَ يومًا ليس تنكسرُ".ويعلق الدكتور الأوسي على ذلك قائلا : "ما أدق ما يعبر عنه بيت
الشاعر من حال العرب في الأندلس ..تتصارع القبائل ..ويختلف الحكام ..ويلجأ بعضهم للأجنبي
..المضمون واحد والأشكال مختلفة ...انه الماضي الذي هو أشبه بالحاضر، والأتي من
الماء بالماء .فهل نعي ذلك القانون التاريخي ؟ .
بوركت أيها الأستاذ الأوسي.. وبوركت كلماتك
التي مضى عليها قرابة ال20 سنة .نعم النصر مشروط بالوحدة، والقوة ،والإيمان،
والعلم، والرغبة بالتغيير .. وقبل هذا وذاك .. بالهمة والإرادة.. ذلك هو درس
التاريخ ويجب أن نعي الدرس .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق