الدكتور فوزي رشيد 1930-2011 ...العراقي
الكلكامشي في كل شيء
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث –جامعة الموصل
عملت
معه في معظم المشاريع الموسوعية لوزارة
الثقافة في العراق وخاصة كتاب "حضارة العراق " المؤلف من 13 مجلدا ..وتابعت
ملاحظاته وارائه بشأن ما سمي في
الثمانينات من القرن الماضي ب"المسألة السومرية " ..انسان عالم بكل ما
تدل عليه هذه الكلمة .. عالم بعلمه .. وعالم بتواضعه .. وعالم بأخلاقه ... وعالم
بأستعداده لمد يد العون لكل من يحتاجها ..تألمت لفقدانه وشعرت بأن المدرسة الاثارية
والتاريخية القديمة في العراق خسرت كثيرا ، ولكن مما يجعلنا نتحمل ما حدث انه ترك
بين ايدينا ارثا ..كتب وبحوث ودراسات وتقارير واراء في التاريخ السومري والحضارات
العراقية القديمة ...على ما أتذكر كتب في موسوعة "حضارة العراق " موادا عن "المعتقدات الدينية في العراق
القديم " .كما كتب عن "الجيش والسلاح في العراق القديم " .
كتب
عنه الدكتور جعفر عبد المهدي صاحب ، وكان قد زامله في احدى الجامعات الليبية سنة 1997 ، مقالا جميلا في " موقع الحوار
المتمدن " .كما كتب عنه وأبنه كثيرون
.
درس
الدكتور فوزي رشيد التاريخ في قسم التاريخ بكلية الاداب –جامعة
بغداد وحصل على البكالوريوس في التاريخ سنة 1960 ثم سافر في بعثة علمية الى
المانيا وحصل على الدكتوراه من جامعة هايدلبرك سنة 1966
في موضوع" الخط المسماري "
، وعاد الى الوطن، وعين في القسم نفسه الذي
تخرج فيه .في اواخر التسعينات من القرن الماضي ، وبسبب اوضاع العراق الاقتصادية
بتأثير الحصار ترك العراق وذهب الى ليبيا للعمل في جامعة السابع من ابريل في مدينة الزاوية ثم انتقل الى
تونس وعمل في جامعاتها حتى سنة 2010 .
كان
الاستاذ الدكتور فوزي رشيد يعتز كثيرا بالحضارات الرافدينية ، ويسعد كلما تحدث ، وحاضر
في انجازات العراقيين القدماء وكثيرا ما كان يربط بين ماضي العراق وحاضره ومستقبله
بفخر ...بين سنتي 1968 و1978 تولى ادارة المتحف العراقي وبعد ذلك عاد الى كلية
الاداب –جامعة بغداد قبل خروجه من العراق وعمله في جامعات يمنية وليبية وتونسية . وهو
عضو في جمعية الاثار الالمانية ، وفي اتحاد المؤرخين العرب ، وفي جمعية المؤرخين
والاثاريين العراقيين . وقد حصل على وسام
المؤرخ العربي من اتحاد المؤرخين العرب لجهوده في خدمة التاريخ العربي. أشرف على
طلبة الدراسات العليا في ميدان التاريخ القديم والحضارة السومرية .
ترك الاستاذ الدكتور فوزي رشيد كما كبيرا من
الدراسات والبحوث والمقالات في الصحف والمجلات ولعل ما كتبه في كل من مجلتي
"سومر " الاثارية و"كلية الاداب " من اكثر كتاباته شهرة . هذا
فضلا عن العديد من المقالات التي نشرها في مجلة "افاق عربية " البغدادية
.
من مؤلفاته
: " قواعد اللغة السومرية " و" قواعد اللغة الاكدية " و"
طه باقر : حياته واثاره" و" ظواهر
حضارية وجمالية من التاريخ القديم" و"
الشرائع العراقية القديمة " و" السياسة والدين في العراق القديم " و"
علم المتاحف" و " الفكر عبر
التاريخ " .ومن الطريف انه وضع سلسلة مبسطة في التاريخ القديم للاطفال بعنوان
"السلسلة الذهبية " منها عن سرجون ،وحمورابي ،واشور، وكوديا ،وابي سن .
كان
الاستاذ الدكتور فوزي رشيد شديد الاعتزاز بأستاذه طه باقر حتى انه الف كتابا عنه اشرنا اليه انفا . ومما قاله في المقدمة : " أن
أحترامي له يجب أن يكون أكبر من أحترام بقية الطلبة الذين درسوا على يديه.. ولهذا
فأن مكانة الأستاذ طه باقر بالنسبة لي لايكفيها أن يحل اسمه محل اسم والدي كما يفعل
القدماء.. لذلك أخترت الوصف الذي ذكره الامير السومري كوديا صاحب اقدم قلم مدون في
التاريخ ... قول الأمير كوديا... للآلهة وهو يؤدي الصلاة في محرابها :
"لااملك أٌما انت امي .. ولااملك أبا انت ابي "..تعاون الاستاذ الدكتور
فوزي رشيد مع الاستاذ طه باقر في قراءة
الكثير من النصوص السومرية ..كما اثبت بالدراسات الرصينة ان العراق القديم هو
الموطن الاول في العالم كله لاكتشاف النظم السياسية والتعليمية والادارية
والاقتصادية..
وقف كثيرا عند اكتشاف الخط المسماري ، وقواعد
الكتابة السومرية والمتغيرات الصوتية اللغوية للشعب السومري وابداعته الحضارية
الاولى ونشأة التقاويم وممارسات السحر والقوى الخفية وقراءة مواد شريعة حمورابي
وتحليلها قانونيا ، وملحمة كلكامش .كان
يرى بأن سرجون الاكدي ملك الجهات الاربع ، وامبراطور العالم القديم وان حمورابي
موحد العراق ومجدده ....كان ينتهج المنهج التاريخي نفسه الذي ينتهجه ممثلي المدرسة
التاريخية العراقية المعاصرة وخاصة من حيث العودة الى الاصول والتنصيص والتحليل
وعدم الالتزام برؤية احادية وانما الاخذ بتعددية الرؤى والنظريات التاريخية .
يقينا
اننا بحاجة الى الكثير من السطور لنفي هذا الاستاذ الكريم حقه ..واقول انه كان كلكامشي
في كل شيء .. كلكامشي في بحثه عن الخلود ...
وكلكامشي في تجديد نفسه بأستمرار .. وكلكامشي في صبره على الدنيا ومنغصاتها ... وكلكامشي
في حبه لوطنه بالرغم من غربته كان يتأوه في الغربة فيقول لصديقه :" الغربة داء طوعي لا دواء له الا العودة للوطن" .وقد عاد الى العراق قبل فترة قصيرة من رحيله ، عاد فقط
ليموت في يوم 26 اذار 2011 ويدفن
في الارض الرافدينية العريقة كما كان
يتمنى ويشتهي ..
· في الصورة مع زوجته السيدة راجحة وهي تحمل شهادة الماجستير في التاريخ
القديم .
نزلت دموعي عليك يا أستاذي واختنقنت بعبرتي وماتحملت اقراء لانك في الذاكرة ، طوبى لنفسك فيها من العلم والتواضع ، شهدت لك سومر وأكد وشهد سرجون وحمورابي وتشهد اجيال العراق ، سأزور قبرك وقبر استاذك ولربما يزور احد تلاميذي قبري .
ردحذفالحمد لله وشكرا لك اخي الاستاذ علي كمال
حذف