مذكرات الفريق الأول الركن نزار عبدالكريم فيصل الخزرجي رئيس أركان الجيش العراقي الأسبق
| |||||
ذكريات جميلة علقت في ذهن الخزرجي تملأ مخيلته، وهو يرى والده ذاهباً لمعسكره صباحاً ممتطياً جواده العربي يتبعه حارسه في مشهد يأخذ بالألباب.
| |||||
ميدل ايست أونلاين
| |||||
بقلم: خالد وليد محمود
| |||||
لأهمية توثيق المفاصل المهمة من حياة الأمة، فقد تبنى المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات عملية توثيق الحرب العراقية الإيرانية بقلم أحد رجالها، والمسهمين بوضع حد لها بعد ثماني سنوات دموية كانت السمة التي اتسمت بها هذه الحرب التي غطت الفترة من 4 أيلول/ سبتمبر 80 ولغاية 8 آب/ أغسطس 1988.
لقد قدم الفريق الأول الركن نزار عبدالكريم فيصل الخزرجي رئيس أركان الجيش العراقي الأسبق رؤية نزيهة وحقيقية لما جريات الأوضاع في تلكم السنوات المليئة بالأحداث والتحديات، وعبر مراحلها المختلفة التي بدأت باشتباكات حدودية منذ الرابع من أيلول/ سبتمبر 1980، سرعان ما تصاعدت إلى استباق قام به العراق رداً على تلك الاشتباكات في الثاني والعشرين من نفس الشهر. شهدت هذه الحرب انتصارات وانتكاسات عانى منها الطرفان، وقد رصدها المؤلف منذ بدء التخطيط التحسبي لما يمكن أن يتطور إليه الوضع في العلاقة مع إيران بعد انتصار الثورة الإيرانية، وأبدى رأيه بشجاعة ومعرفة القائد الميداني في مدى ملائمة الوضع القتالي للتشكيلات القائمة بواجبات الأمن الداخلي في شمال العراق، حيث اقترح مقترحات عملية ومهنية ومفيدة لو تم الأخذ بها.
أشار المؤلف في كتابه الذي كتبه كمذكرات أسماها مذكرات مقاتل، إلى مراحل حياته التي قادته ليمتهن العسكرية، ويبرز فيها في كل المسؤوليات والمناصب التي تسنمها.
ومن المحطات المهمة التي أشار إليها المؤلف في سياق عرضه لمراحل حياته تحدره من عائلة عسكرية فقد كان والده ضابطاً أسهم بقتال البريطانيين في الحرب العراقية البريطانية 1941، و أسر ونفي إلى معسكر الهايكستب قرب القاهرة، وهو أمر جعله وهو الفتى ينظر للمستعمر البريطاني نظرة ازدراء بسبب كل ما عانت منه عائلته نتيجة أسر والده من قبل البريطانيين.
وقد علقت في ذهن الفتى ذكريات جميلة تملأ مخيلته، وهو يرى والده ذاهباً لمعسكره صباحاً ممتطياً جواده العربي يتبعه حارسه في مشهد يأخذ بالألباب، وهو يرسم لهذه المخيلة صورته هو نفسه بعد أن يشيب ويصبح ضابطاً هو الآخر.
وكان لعمه اللواء الركن ابراهيم فيصل الأنصاري الذي أصبح هو الآخر رئيساً لأركان الجيش العراقي أثره البليغ في عشقه للعسكرية وسعيه لاتخاذها مهنة، وقد انعكست هذه الرغبة في ميل كبير لقراءة كتب فن الحرب التي حفلت بها مكتبة عمه الذي دخل كلية الأركان وتخرج فيها. ومن هنا سرد لنا المؤلف ذكرياته كضابط حَدَث تدرج في الرتب والمناصب. وقد شهدناه وهو يسرد لنا كيف واتته الفرصة للانضمام إلى الفوج المظلي الذي كان باكورة تشكيلات المظليين في الجيش العراقي، وكان كاتب المذكرات بذلك من أوائل ضباط المظليين في العراق، حيث تابع دورات الإعداد الأساسي في المملكة المتحدة، ونرى في المذكرات صورته وهو يتقلد جناح المظليين من الزعيم الراحل عبدالكريم قاسم.
شهدت الأعوام اللاحقة تقدمه في الرتبة، ونقله إلى قيادة الفرقة الثانية في كركوك حيث كان عمه الأنصاري قائداً لها، وقد ألحقه إلى جانبه مرافقاً الأمر الذي فتح عينيه على كيفية التخطيط للمعارك وإدارتها.
وبعد دخوله إلى كلية الأركان وتخرجه فيها، بدأ يتقلد مهام الركن، والقيادة التي كانت تجد ميلاً في نفسه، فاستحضر خبرته السابقة وطبقها على القطعات التي قادها.
يقص علينا الفريق الخزرجي الصراع النفسي الذي عانى منه بعد إلقاء القبض على عمه الذي كان رئيساً لأركان الجيش في حقبة الرئيس عبدالرحمن عارف (1966- 1968) بعد سيطرة حزب البعث على السلطة في 17 تموز/يوليو 1968 ، وهو البعثي الشاب المؤمن بالفكر الثوري والقومي للبعث، وبين التزامه العائلي ودرجة قربه النفسي والروحي من عمه الذي يعتبره رائده في مهنة الجندية وفن القتال.
وقد ظل هذا الصراع النفسي بين كونه قائداً عسكرياً ملتزماً بأخلاق الجندية وانضباطها، وضابطاً بعثياً بدأ يتسلق سلم القيادة الحزبية نتيجة إخلاصه، وإيمانه، والتزامه بفكر البعث، و قوميته، إذ كان لتصرف بعض القيادات البعثية بما يتعارض مع قواعد الضبط العسكري وصفات الجندية العربية التي تمثلها الجيش العراقي.
أتاحت حرب تشرين التي استمعت إليها القيادة العراقية من المذياع رغم إسهام سرب معزز من طائرات القوة الجوية العراقية في الضربة الأولى في جبهة قنال السويس، الفرصة للخزرجي لكي يتحول من قائد كتيبة منهمكة في عمليات الأمن الداخلي وقمع العصيان في شمال القطر، إلى قائد قوات خاصة تتشرف بالاشتراك بقتال العدو الصهيوني في جبهة الجولان. ومن هنا نراه يسرد علينا تجربته في التخطيط وقتال القوات الصهيونية التي نجحت ف يخرق الجبهة السورية في تل عنتر.
استفاد الخزرجي من هذه الفرصة الإسهام المتاحة في قتال القوات العراقية للقوات الصهيونية في الجولان، والعمليات الجريئة التي قادها كقائد لفوج ( كتيبة) قوات خاصة في تل عنتر وتل المال، ووصف لنا بشكل لافت للنظر حالة القوات الصهيونية التي نجحت وحدته في اختراق دفاعاتها وتسللت إلى خلف مواضعها، وكانت متهيئة للانقضاض عليها لولا قبول سوريا بوقف إطلاق النار وفرضه عليه، والطلب إليه سحب القوة إلى ما وراء الخطوط، وهو أمر كان ينطوي على مخاطرة كبيرة لأمن القوة، ولكنه نجح في سحب القوة بأمان من خلال الخطوط الصهيونية دون أن تحس بها.
وينطلق في تضاعيف روايته ليلقي ضوءاً على شخصيته كبعثي منذ تقبل أفكار حزب البعث العربي الاشتراكي باعتبارها أفكاراً تلبي طموحاته وطموحات جيله الذي شب بعد النكبة العربية في فلسطين 1948، ويصف الظروف التي جعلته يتعرف على أهم شخصية أسهمت في توجيه مصير العراق في الثلث الأخير للقرن العشرين، وهي شخصية الرئيس العراقي الراحل صدام حسين. نلاحظ أمانة وموضوعية الخزرجي هنا واضحة في إعطاء الرئيس العراقي الراحل حقه وبموضوعية وحيادية، وإلقائه الضوء على جوانب إنسانية غير معروفة عنه، وبيانه لفكره وفلسفته القيادية مما وصل إلى علمه نتيجة احتكاكه المباشر مع الراحل طيلة مدة خدمته العسكرية على الرغم خلافه الأخير معه ،وهي نقاط تحسب لهذه المذكرات وتزيد في موضوعياتها.
كانت لغة المذكرات بمنتهى الدماثة وهي تتعامل مع الصفحات الصعبة والمعقدة التي عاشها هذا البلد العربي الكبير بكل شيء، بشعبه، وقدراته، وإمكاناته. نراه وهو يسرد الخلافات التي أودت إلى تمرد المنطقة الكردية، متعاملاً معها كمواطن عراقي يرى في الخصوم عراقيين وليسوا أعداءً، ويؤرخ لأكثر من مرحلة كانت الدولة العراقية تشرع الأبواب لقيادات الحركة الكردية للحوار والتفاهم، وحتى في أعقد صفحات الحرب العراقية الإيرانية، وأصعبها، في منتصف الثمانينات عندما كان الحوار جارياً بين فصيل جلال الطالباني، والحكومة العراقية، حيث كان الطالباني يمر من منطق الفيلق الأول الذي كان الخزرجي قائداً له.
عاصر الخزرجي الحرب العراقية الإيرانية منذ بدايتها، حتى رسم لها نهايتها بالعمليات التعرضية الخمسة الكبرى بين ليلة 16/17 نيسان/ أبريل و الثامن من آب/ أغسطس 1988 عندما وافقت إيران بعد عام من المماطلة على قبول قرار مجلس الأمن 598/1987 الذي فرض وقف اطلاق النار وانسحاب قوات الطرفين إلى الحدود الدولية، والشروع بمفاوضات لحل أسباب النزاع بإشراف الأمين العام.
لعل أهم ما يبرزه الكتاب المهارة العملياتية والاستراتيجية التي تم بها التخطيط بإشرافه على العمليات الخمسة التي رسمت نهاية الحرب العراقية الإيرانية والتي شكلت بحق فتحاً جديداً للعسكرية العربية جعلت أعين الأعداء تفتح على العراق، ولعل نتائج هذه العمليات كانت ستنهي التهديد الإيراني لفترة طويلة، ولأسهمت في تعزيز الأمن والاستقرار ليس بين العراق وإيران فحسب، بل وفي عموم منطقة الخليج العربي، ولمنعت التمدد الإيراني المتغول الذي نشهده حالياً في المشرق العربي، لو أحسنت القيادة السياسية العراقية التعاطي مع معطياتها.
لكن أداء القوات المسلحة العراقية في المرحلة الختامية للحرب العراقية الإيرانية، قد رفع درجة الخشية والتحسب من قبل الأعداء والخصوم وفي مقدمتهم العدو الصهيوني وهو ما أسهم في رسم مستقبل المواجهة بين هذا القطر المقاتل أبداً، وأعداءه والتي أدت إلى غزوه، واحتلاله في عام 2003.
سيجد القارئ الكريم في هذا الكتاب مادة علمية دسمة تفيد في صياغة أفكاره عما جرى ولماذا جرى، وتعطيه فكرة حقيقية عن جيش عربي مقاتل بحق، وعن شعب آمن بكل تنوعاته بشرف الجندية ودورها في الحفاظ على أمنه وسلامته. هيأت الملحمة القتالية للقوات المسلحة العراقية الأرضية لبناء نموذج عراقي تنموي يعتز بأبنائه ويوفر لهم سبل العيش الكريم، والكرامة، لو تم التعامل مع نتائج هذه الحرب بعقلانية وموضوعية وشفافية.
وقد ختم المؤلف مذكراته بعبارة بليغة، هي إنه وللمرة الأولى في تاريخ العراق المعاصر منذ تأسيس الدولة الحديثة أحكمت القوات المسلحة العراقية سيطرتها على أبعد نقطة في حدود العراق الدولية، وسلمت البلد لقيادته السياسية كاملاً محكماً.
قدم لهذا الكتاب، وأسهم في مراجعته وتحريره الدكتور عبدالوهاب القصاب، الباحث المشارك في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، والضابط السابق في القوات المسلحة العراقية، والذي رافق المؤلف وعمل تحت إمرته في رئاسة الأركان العامة للقوات المسلحة العراقية طيلة الفترة التي أشغل المؤلف فيها منصب رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة.
ولعل مما يحسب للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات جرأته في التعامل مع هذه المذكرات لهدف واحد هو إحياء نموذج للعسكرية العربية المقاتلة، وتذكير الجماهير العربية بها.
*عن http://www.middle-east-online.com/?id=170801
|
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين يسعدني أنا (الاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف )أن ارحب بكم في مدونتي الثانية مدونة الدكتور ابراهيم خليل العلاف ..واود القول بانني سأخصص هذه المدونة لكتاباتي التاريخية والثقافية العراقية والعربية عملا بالقول المأثور : " من نشر علما كلله الله بأكاليل الغار ومن كتم علما ألجمه الله بلجام من نار " .
الأحد، 16 فبراير 2014
مذكرات الفريق الأول الركن نزار عبدالكريم فيصل الخزرجي رئيس أركان الجيش العراقي الأسبق
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
زقورة عقرقوف من المعابد العراقية في العصور القديمة
زقورة عقرقوف من المعابد العراقية في العصور القديمة وهذه صورة للزقورة وفيها مكان للمعابد العراقية وترتفع بالانسان المتعبد الى الاعلى حيث السم...
-
مجلة (العربي) الكويتية الان بين يديك كل اعدادها PDF ومنذ صدورها سنة 1958الى سنة 1990 وعبر الرابط التالي : https://www.docdroid.net/.../aa...
-
(السسي) من جرزات الموصل المشهورة - ابراهيم العلاف * وعندما تحدثت عن جرزات او كرزات الموصل وقفت عند السسي ويبدو ان هناك من يحب السسي وسأل...
-
أهلا بنابتة البلاد ومرحبا جددتم العهد الذي قد أخلقا لاتيأسوا أن تستردوا مجدكم فلرب مغلوب هوى ثم إرتقى مدتْ له الامال من أفلاكها ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق