ذكريات ( 23 )
***************
قصة كتاب المجلات العراقية الريادية ، ودورها في تحديث الأدب والفن 1945 – 1958 )
كتب الاستاذ سامي مهدي :
كان ذلك في ربيع عام 1994 وكنت يومها بلا عمل تقريباً ، ولكنني كنت أصحو مبكراً كل صباح ، وأتناول فطوري كالمعتاد ، وأحلق لحيتي ، ثم أحمل حقيبتي وأمضي في طريقي بهمة موظف نشيط يحرص على أن يصل إلى دائرته قبل بدء الدوام الرسمي . كنت أذهب إلى المكتبة الوطنية في باب المعظم ، لأراجع أعداد المجلات العراقية ، الثقافية والأدبية والفنية ، التي صدرت بين عام 1945 وهو العام الذي انتهت فيه الحرب العالمية الثانية ، والعام 1958 وهو العام الذي وقعت فيه ثورة 14 تموز ، وكان هدفي من هذه المراجعة البحث عن الإرهاصات المبكرة والتباشير الأولى لحركة تحديث الأدب والفن في العراق كما تجسدت على صفحات هذه المجلات ، وتأليف كتاب عنها .
مجلات كثيرة ، شهرية وأسبوعية ، صدرت خلال تلك الحقبة ، وكان نصيبها من إجراءات الغلق والتعطيل والمصادرة والمضايقة والحرمان من الإعلانات الرسمية وتقليل حصة الورق أو إلغائها كنصيب الصحف السياسية ، ولهذا ، ولأن أغلبها مشروعات فردية محدودة الإمكانات كانت ما تكاد تظهر حتى تختفي ، فهي إن لم يُلغَ امتيازها لأسباب سياسية أفلست لقلة مبيعاتها وشحة إعلاناتها واضطر صاحبها إلى إيقاف صدورها ، وهذا ما جعل إصدار أية مجلة مغامرة أقدم عليها كثيرون وتحاشاها كثيرون .
مجلات كثيرة ، قلت ، وهي : المجلة ، والرابطة ، وعالم الغد ، والفكر الحديث ، والبيان ، والجزيرة ، والرحاب ، والفنان ، والهاتف ، والأسبوع ، والثقافة الجديدة ، والملحق الأدبي لصوت الأهالي ، والقلم ، والفن الحديث ، والرسالة الجديدة ، والكاتب العربي ، والفصول الأربعة ، والمثقف ( وهي غير مجلة جمعية الخريجين ) والملحق الأسبوعي لجريدة الشعب ، والسينما ، والفنون ، وكان علي أن أراجعها كلها ، وأتصفح كلاً منها صفحة فصفحة بحثاً عن بغيتي ، ولم تكن بغيتي سوى اكتشاف الإرهاصات المبكرة والتباشير الأولى لتحديث الأدب والفن في بلادنا ، فلم أجدها إلا في ستّ منها هي : الفكر الحديث ، والوقت الضائع ، والأسبوع ، والثقافة الجديدة ، والكاتب العربي ، والفصول الأربعة .
كانت هناك مجلات أخرى مهمة دون ريب كالرابطة ، وعالم الغد ، والبيان ، والجزيرة ، والهاتف ، وملحق جريدة صوت الأهالي ، ولكنها لم تكن تنطوي على ما كنت أبحث عنه ، لم تكن ريادية في ما قدمته من فكر وأدب وفن ، بل كانت تجتر القيم والأفكار والمفهومات التي سادت قبل الحرب العالمية الثانية في الشعر والقصة والنقد والفن وغيرها ، ولذلك لم أدرسها في كتابي هي الأخرى ، بل اكتفيت بالإشارة إليها ، والتنويه بما يستحق التنويه منها .
أما المجلات الست فقد قرأتها كلها ، حرفاً فحرفاً ، حتى توصلت إلى ما أبتغيه ، وخرجت من كل ذلك بحصيلة كتابي ( المجلات العراقية الريادية ، ودورها في تحديث الأدب والفن 1945 – 1958 ) . ولم أكتف في تأليف هذا الكتاب بحصيلة قراءاتي ، بل قصدت من بقي على قيد الحياة من أصحاب تلك المجلات وهما : الفنان جميل حمودي صاحب مجلة " الفكر الحديث " والإعلامي الأستاذ خالص عزمي صاحب مجلة " الأسبوع " وأجريت مع كل منهما حواراً مباشراً حول مجلته ، واستحصلت منه شهادة مكتوبة عنها ، وكان كلاهما غاية في اللطف والكرم والود ، وعززت ذلك كله بثلاث وثائق هن ثلاث دراسات قصيرة .
وقد كان تصفح كل هذه المجلات وقراءتها ، ودراسة ما درسته منها وتأليف كتاب عنها ، رحلة ممتعة في حقبة مهمة من تاريخنا الأدبي والفني ، اكتشفت خلالها شخصيات مهمة وطموحة ، وريادية حقاً ، كان لكل منها دور طليعي مرموق في تلك الحقبة ، يوم كانت كلها ما تزال في أوج شبابها ، ومن أبرز هذه الشخصيات : الفنان جميل حمودي ، والناقد نهاد التكرلي ، والأكلديمي الدكتور صلاح خالص ، والشاعر بلند الحيدري ، والإعلامي خالص عزمي ، والكاتب عدنان رؤوف ، والكاتب ( اليهودي ) نعيم قطان .
صدرت الطبعة الأولى من هذا الكتاب عام 1995 ولكنها نفدت في حينها ، ورأت دار ميزوبوتاميا للطباعة والنشر إصدار طبعة ثانية منه تلبي حاجة الأجيال الجديدة إلى التعرف على تلك الحقبة من تاريخنا الأدبي والفني ، وعلى الإرهاصات المبكرة والتباشير الأولى من حركة تحديث الأدب والفن في بلادنا ، انسجاماً مع دورها المشهود في خدمة ثقافتنا الوطنية ، والكتاب الآن تحت الطبع .
***************
قصة كتاب المجلات العراقية الريادية ، ودورها في تحديث الأدب والفن 1945 – 1958 )
كتب الاستاذ سامي مهدي :
كان ذلك في ربيع عام 1994 وكنت يومها بلا عمل تقريباً ، ولكنني كنت أصحو مبكراً كل صباح ، وأتناول فطوري كالمعتاد ، وأحلق لحيتي ، ثم أحمل حقيبتي وأمضي في طريقي بهمة موظف نشيط يحرص على أن يصل إلى دائرته قبل بدء الدوام الرسمي . كنت أذهب إلى المكتبة الوطنية في باب المعظم ، لأراجع أعداد المجلات العراقية ، الثقافية والأدبية والفنية ، التي صدرت بين عام 1945 وهو العام الذي انتهت فيه الحرب العالمية الثانية ، والعام 1958 وهو العام الذي وقعت فيه ثورة 14 تموز ، وكان هدفي من هذه المراجعة البحث عن الإرهاصات المبكرة والتباشير الأولى لحركة تحديث الأدب والفن في العراق كما تجسدت على صفحات هذه المجلات ، وتأليف كتاب عنها .
مجلات كثيرة ، شهرية وأسبوعية ، صدرت خلال تلك الحقبة ، وكان نصيبها من إجراءات الغلق والتعطيل والمصادرة والمضايقة والحرمان من الإعلانات الرسمية وتقليل حصة الورق أو إلغائها كنصيب الصحف السياسية ، ولهذا ، ولأن أغلبها مشروعات فردية محدودة الإمكانات كانت ما تكاد تظهر حتى تختفي ، فهي إن لم يُلغَ امتيازها لأسباب سياسية أفلست لقلة مبيعاتها وشحة إعلاناتها واضطر صاحبها إلى إيقاف صدورها ، وهذا ما جعل إصدار أية مجلة مغامرة أقدم عليها كثيرون وتحاشاها كثيرون .
مجلات كثيرة ، قلت ، وهي : المجلة ، والرابطة ، وعالم الغد ، والفكر الحديث ، والبيان ، والجزيرة ، والرحاب ، والفنان ، والهاتف ، والأسبوع ، والثقافة الجديدة ، والملحق الأدبي لصوت الأهالي ، والقلم ، والفن الحديث ، والرسالة الجديدة ، والكاتب العربي ، والفصول الأربعة ، والمثقف ( وهي غير مجلة جمعية الخريجين ) والملحق الأسبوعي لجريدة الشعب ، والسينما ، والفنون ، وكان علي أن أراجعها كلها ، وأتصفح كلاً منها صفحة فصفحة بحثاً عن بغيتي ، ولم تكن بغيتي سوى اكتشاف الإرهاصات المبكرة والتباشير الأولى لتحديث الأدب والفن في بلادنا ، فلم أجدها إلا في ستّ منها هي : الفكر الحديث ، والوقت الضائع ، والأسبوع ، والثقافة الجديدة ، والكاتب العربي ، والفصول الأربعة .
كانت هناك مجلات أخرى مهمة دون ريب كالرابطة ، وعالم الغد ، والبيان ، والجزيرة ، والهاتف ، وملحق جريدة صوت الأهالي ، ولكنها لم تكن تنطوي على ما كنت أبحث عنه ، لم تكن ريادية في ما قدمته من فكر وأدب وفن ، بل كانت تجتر القيم والأفكار والمفهومات التي سادت قبل الحرب العالمية الثانية في الشعر والقصة والنقد والفن وغيرها ، ولذلك لم أدرسها في كتابي هي الأخرى ، بل اكتفيت بالإشارة إليها ، والتنويه بما يستحق التنويه منها .
أما المجلات الست فقد قرأتها كلها ، حرفاً فحرفاً ، حتى توصلت إلى ما أبتغيه ، وخرجت من كل ذلك بحصيلة كتابي ( المجلات العراقية الريادية ، ودورها في تحديث الأدب والفن 1945 – 1958 ) . ولم أكتف في تأليف هذا الكتاب بحصيلة قراءاتي ، بل قصدت من بقي على قيد الحياة من أصحاب تلك المجلات وهما : الفنان جميل حمودي صاحب مجلة " الفكر الحديث " والإعلامي الأستاذ خالص عزمي صاحب مجلة " الأسبوع " وأجريت مع كل منهما حواراً مباشراً حول مجلته ، واستحصلت منه شهادة مكتوبة عنها ، وكان كلاهما غاية في اللطف والكرم والود ، وعززت ذلك كله بثلاث وثائق هن ثلاث دراسات قصيرة .
وقد كان تصفح كل هذه المجلات وقراءتها ، ودراسة ما درسته منها وتأليف كتاب عنها ، رحلة ممتعة في حقبة مهمة من تاريخنا الأدبي والفني ، اكتشفت خلالها شخصيات مهمة وطموحة ، وريادية حقاً ، كان لكل منها دور طليعي مرموق في تلك الحقبة ، يوم كانت كلها ما تزال في أوج شبابها ، ومن أبرز هذه الشخصيات : الفنان جميل حمودي ، والناقد نهاد التكرلي ، والأكلديمي الدكتور صلاح خالص ، والشاعر بلند الحيدري ، والإعلامي خالص عزمي ، والكاتب عدنان رؤوف ، والكاتب ( اليهودي ) نعيم قطان .
صدرت الطبعة الأولى من هذا الكتاب عام 1995 ولكنها نفدت في حينها ، ورأت دار ميزوبوتاميا للطباعة والنشر إصدار طبعة ثانية منه تلبي حاجة الأجيال الجديدة إلى التعرف على تلك الحقبة من تاريخنا الأدبي والفني ، وعلى الإرهاصات المبكرة والتباشير الأولى من حركة تحديث الأدب والفن في بلادنا ، انسجاماً مع دورها المشهود في خدمة ثقافتنا الوطنية ، والكتاب الآن تحت الطبع .

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق