الاستاذ منهل جبر ونشاطه الاثاري
ا.د.إبراهيم خليل العلاف
أستاذ التاريخ الحديث-جامعة الموصل
منذ سنوات وأنا أريد الكتابة عن الأستاذ منهل جبر 1942-2003 ، وكثيرا ما تحدثنا عنه أنا والأستاذ احمد سامي ألجلبي رحمه الله، فقد كان يذكره دائما ، ويقول انه من الرجال الذين خدموا الحركة الاثارية العراقية في الموصل . ولم يقف عند هذا الحد بل فاجئني مرة بالكتابة عنه في جريدة فتى العراق (العدد 64 السنة الثانية 2005 ) ضمن سلسلة المقالات التي كان يكتبها بعنوان : " رجال في ذاكرتي " .ومن الطريف انه نشر صورة جميلة لهما في إحدى المناسبات، وقال بأنه عرف الأستاذ منهل جبر إسماعيل منذ الستينات من القرن الماضي .وكان من أوائل الشباب الذين اشتركوا في عضوية نادي الفتوة الرياضي الذي أداره ألجلبي في بدء تأسيسه سنة 1960 .
ولد منهل جبر إسماعيل الحمداني في مدينة الموصل في 25 كانون الأول سنة 1942 وأكمل دراسته الابتدائية في بغداد1953 والمتوسطة في" المتوسطة المركزية" 1956 في الموصل ثم "الإعدادية الشرقية "في الموصل أيضا 1960 .وقد سافر إلى بغداد والتحق بقسم الآثار بكلية الآداب –جامعة بغداد ، وتخرج فيه بتاريخ 22 حزيران سنة 1965 . وقد التحق بخدمة الاحتياط ضابطا واستمر في الخدمة بين 1 أيلول 1965 ولغاية 20 تشرين الأول سنة 1966
وعاد إلى الموصل ليعين في 18 شباط سنة 1967 مدرسا للتاريخ في الإعدادية الغربية ، وقد ظل كذلك حتى 31 آذار سنة 1967 . ففي هذا التاريخ نقلت خدماته إلى مديرية الآثار ، وباشر في دائرة مفتشية آثار نينوى في 6 نيسان سنة 1967 وفي 8 تموز سنة 1968 نسب إلى هيئة تنقيب جامعة الموصل ممثلا لآثار نينوى وسرعان ماعين مفتشا لآثار نينوى في 16 مايس سنة 1970 .
تحدث الأستاذ احمد سامي ألجلبي عن الأستاذ منهل جبر، فقال بأنه عرفه شابا رزينا يحمل في جنباته كل مشاعر الحب لبلده وأمته، وخلال سني عمله في الآثار جمعت الاثنان لجان مشتركة فوجد فيه حرصا على سمعة الموصل ومصلحتها وكان يعد ما يكلف به من مهام أمانة في عنقه . وقد اندفع كل الاندفاع للقيام بواجبه ،وكان حريصا على آثار الموصل وله وقفات بهذا الصدد يذكرها له الجميع وخاصة من الذين عرفوه أوعملوا معه .لقد كان غيورا على آثار مدينته وبلده ولم يتوان عن قول الحقيقة إزاء إهمالها من قبل المسؤولين ،وظل يتابع قضايا صيانتها ،والحيلولة دون إهمالها والعبث فيها من أية جهة كانت .ومما يشهد على ذلك سلسلة التقارير التي كان يكتبها عن واقع الآثار ويرفعها إلى مراجعه العليا .
من خلال مراجعة ملفه الشخصي ومعرفتي الدقيقة به لاشتغالنا سوية في جمعية المؤرخين والاثاريين العراقيين فرع نينوى ومن خلال الهيئة الادارية للجمعية التي ترأستها لفترة، يتضح بأن الأستاذ منهل جبر كان دؤوبا في عمله ..أحب الآثار بل عشقها . وقد شارك في دورات فنية كثيرة تتعلق بصيانة الأبنية الاثارية داخل العراق وخارجه ومن ذلك إيفاده لاكثر من مرة إلى بلدان عديدة للتدريب والاطلاع .ومن البلدان التي أوفد إليها بولونيا (لمدة تسعة أشهر منذ 5 ايلول 1972 ) والأردن (1974 ) وبريطانيا( 1990-2002-2003 ) .كما شارك في مهام علمية واثارية كثيرة منها انه كان ممثلا لدائرة الآثار لدى "البعثة التنقيبية البريطانية " في تل الرماح (1968 ) .كما شغل منصب رئيس تنقيب هيئة نينوى الاثارية (1975 ) وعضوية مركز إدارة مركز البحوث الاثارية والحضارية في جامعة الموصل (1979 ) ورئيس هيئة تنقيب نينوى (1977-1978 ) وعضوية دائرة تخطيط المدن (1978 ) وعضوية مجلس إدارة" مركز دراسات الموصل " في جامعة الموصل منذ أواخر التسعينات من القرن الماضي .
له إسهامات عديدة في هيئات صيانة آثار نينوى وأبنية الموصل القديمة ومن ذلك ترأسه لهيئة الصيانة في دير مار متي 1981 ، وهيئة الصيانة لمنارة الحدباء 1980 ، وهيئة الصيانة لدير السيدة في القوش 1981 وهيئة صيانة يحيى بن القاسم 1981 ، وهيئة آثار سد بادوش 1991 ، وهيئة تنقيب منطقة النبي يونس 1991 ،وهيئة افراز الاراضي الزراعية في الموصل 1992 ،وهيئة صيانة بوابة نركال 1998
في سنة 1981 عين معاونا للمدير العام لآثار المنطقة الشمالية وكان المدير العام هو الاثاري الكبير الأستاذ الدكتور بهنام أبو الصوف .وخلال هذه السنة شغل منصب رئيس هيئة تنقيبات سد الموصل . كما أصبح نائبا لرئيس مشروع حوض سد الموصل سنة 1982 ، ورئيسا لهيئة صيانة دير مار متي 1983 ،ومديرا لمشروع التنقيب في الحضر 1989 .وقد أسهم في تطوير متاحف كردستان العراق . ففي سنة 1989 كان عضوا في لجنة عرض آثار متحف دهوك ثم رئيسا للهيئة نفسها سنة 1991 .وكان له دوره في كل النشاطات المتعلقة بتطوير مدينة الموصل ومن ذلك انه شارك في عملية المسح ضمن التصميم الأساسي لمدينة الموصل سنة 1979 ، وكان عضوا في المجلس البلدي لمدينة الموصل، وعضوا في هيئة تطوير مدينة الموصل 1996 وعضو في مجلس إدارة المدينة السياحية 1996 . وفي 6 حزيران سنة 1994 تم تغيير عنوانه الوظيفي من مفتش آثار إلى اختصاص آثار عام .
خدم الاستاذ منهل جبر، مدينته ،ووطنه في حقل الآثار والتاريخ ، ولم يكل ولم يمل وهو يتابع مسألة الحفاظ على الآثار والمتاحف والاهتمام بها وصيانتها .وكانت له علاقات واسعة مع رجالات الآثار العراقيين والعرب والأجانب، وكنت اشاهده وهو ممتلئ بالحماس والحيوية والغيرة على آثار الموصل ومبانيها . كما وجدته ملتزما بحضور اجتماعات جمعية المؤرخين والاثاريين فرع نينوى ومشاركا فاعلا في كل أنشطتها الثقافية والمهنية .
لقد جذبت نشاطاته الاثارية تلك ،جهات علمية وإدارية كثيرة فوجهت له كتب الشكر والتقدير . كما حظي بالتكريم أكثر من مرة وكان محط أنظار المسؤولين والمهتمين بآثار وتراث نينوى والموصل ومن الجهات التي كرمته محافظة نينوى ،ودائرة الآثاروالتراث ، ونقابة الصحفيين، وجمعية المؤرخين والاثاريين، وجامعة الموصل، ومديرية البلديات العامة ،ووزارة الصحة، ووزارة الثقافة .
في 24 كانون الأول سنة 2003 توقف قلب الأستاذ منهل جبر، وتأثر أصدقاءه ومحبيه وزملائه كثيرا لفقده . فالرجل كان على قدر كبير من الخبرة والقدرة على خدمة آثار الموصل وتراثها. ولكن أمر الله أتى ولامفر . ويقينا آن ذكر الإنسان حياة ثانية له وسيظل رحمه الله في ذاكرة الأجيال.
بارك الله فيك تقرير جميل لرجل عظيم نسال الله أن يتغمدهُ برحمتهِ ويدخلهٌ فسيح جناته الاستاذ منهل جبر (أبو مناهل).
ردحذف