الأحد، 16 يونيو 2013

منير القاضي ..حقوقيا ومجمعيا ووزيرا

الاستاذ منير القاضي ..حقوقيا ومجمعيا ووزيرا
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث-العراق
الاستاذ منير القاضي 1892-1969 ، من بٌناة العراق الحديث ..شَغل أكثر من موقع وترك بصمة واضحة فيه ..منذ زمن وأنا أريد ان اكتب عنه .. فأنا معجب بشخصيته ، وعلمه . ان ماقدمه لبلده يجعله في مكانة رفيعة بين الشخصيات العراقية المعاصرة ، وحبذا لو يتصدى لدراسته أحد طلبتنا في الدراسات العليا .
منير خضر يوسف القاضي البغدادي ، وهذا هو اسمه الكامل من اسرة عريقة ومعروفة ترجع في أصلها الى مدينة عانة في محافظة الانبار (الرمادي ) ،فوالده كان قاضيا ، وشقيقه نوري القاضي شارك الاستاذ عبد الرزاق السنهوري والاستاذ عبد الجبار التكرلي والاستاذ حسن سامي التتار في وضع القانون المدني العراقي .
من مواليد مدينة بغداد سنة 1892 ..وكمجايليه ، فقد ابتدأ بالدراسات الدينية على أيدي عدد من علماء الدين فضلا عن ابيه منهم الشيخ مصطفى الواعظ، والشيخ علي علاء الدين الالوسي ، والشيخ يحيى الوتري ، والشيخ محمد سعيد النقشبندي . ٍانتسب الى دورة خاصة للمعلمين سنة 1918 ،وتخرج ليعين معلما ثم مديرا للمدرسة البارودية ببغداد ثم نٌسب للتدريس في الثانوية المركزية ودار المعلمين.. ولسمعته الواسعة فقد أختير ليكون خطيبا لجامع الامام ابي حنيفة النعمان .لم يقف عند هذا الحد بل قرر ٍاكمال درسته في كلية الحقوق ببغداد ، وهكذا دخلها ليتخرج فيها سنة 1925 .

ذكره دليل الجمهورية العراقية لسنة 1960 ، وأشاد بفضله . ومما أورده ان الاستاذ منير القاضي عالم معروف ،درس العلوم الادبية والفقهية على مشاهير علماء بغداد والحلة .. عمل في المحاماة ، ومديرا لاوقاف بغداد 1929 فحاكما مدنيا سنة 1932واستاذا في كلية الحقوق فعميدا لها سنة 1940 . وقد بقي في منصبه هذا خمس سنوات القى خلالها ، فضلا عن العمادة، سلسلة من المحاضرات .كما نشر بحوثا في احكام المجلة العدلية ؛ وقانون الاحوال الشخصية والوصايا والفرائض والاجازة .
في سنة 1954 عين رئيسا
لديوان مجلس الوزراء سنة 1954 .كما انتخب رئيسا للمجمع العلمي العراقي ثم نيطت به وزارة المعارف سنة 1956 ثم اعيد رئيسا لديوان مجلس الوزراء ثانية في السنة ذاتها له عدة مؤلفات في القانون والادب والفقه ..
أرخ الدكتور عبد الله الجبوري الكاتب المعروف للاستاذ منير القاضي وأنجز عنه كتابا بعنوان :" منير القاضي :حياته واثاره " .من مؤلفاته :"شرح المجلة " و" أدب القصة في القران الكريم " و" شرح قانون أصول المرافعات " .وفي موسوعة ويكيبيديا ما يفيد ان وزارة العدل استعانت به سنة 1932 لحسم عدد كبير من الدعاوى الحقوقية فنهض بالمهمة على أفضل مايكون وأصدر قرارات اتسمت بالعدالة والموضوعية والحصافة والسبك القانوني الجلي المدعوم بالوقائع والاسانيد والتي كان يحتفظ بها في ارشيفه الخاص المنظم . ولو راجع الباحثون تلك القرارات لدهشوا من ارتفاع مستواها في المعنى والمبنى . اضافة الى الشرح المستفيض الوافي للنصوص التي كان يعتمدها سندالاصدار تلك القرارات .
وصفته ٍاحدى قريباته ، وهي السيدة سندس القاضي ، فقالت ان له وجها صبوحا يتدفق حيــــوية ونشاطا ، وعينان فقدت احداهما البصـــر، وظلت الثانية حـــادة تساعدها نظارات رقيقة على المشاهدة والقراءة . اما الرأس الضـــخم الممتلء فطنة وذكاءا فلم يتبق مـن شعيراته الا النزر اليسير ، حيث راحت تتجمع ببساطة وعفوية وعلى قلتها على الفودين والرقبة .جسمه متوسط الطول ؛ متين البنيان ؛ مع سمنة ظاهرة لاتعوق حركته او تجواله الدائم بين غرف الاساتذة وقاعات الطلبة . يحب الطرفة المهذبة و يبتسم لها ؛ والتأتأة التي تلاحق كلامه احيانا تذوب خجلا امام تعبيراته العربية المشرقة فتختفي وراء تدفق علمه الغزير وشرحه المستفيض وامثلته القانونية النادرة . حزمه الاداري التربوي تنقضه احيانا طيبته الابوية الحنونة .وهو
قانوني ضليع ، وأديب حجة في اللغة والبلاغة والتاريخ ؛ وشاعر له قصائد وفيرة تقف في مرتبة واحدة مع اقرانه من هواة النظم في تلك الفترة الادبية المعاصرة من امثال الراحلين طه الراوي ، والحاج حمدي الاعظمي ـ ومصطفى جواد .. ان تدريسه للادب والفقه لم يتوقف عند ذاك الحد بل امتد الى المدرسة(الكلية فيما بعد ) العسكرية حيث تخرج على يديه العشرات من الضباط الذين أجادوا اللغة العربية وجودوا فيها نثرا وشعرا .
في سنة 1929 عين مديرا لاوقاف بغداد ؛ حيث قدم خدمات جلى ادارية وثقافية وقانونية لموظفي ومستخدمي تلك الدائرة المتشعبة . كما نالت على عهده جميع مرافق الدائرة وتوابعها وبخاصة دور العبادة والمكتبات تطويرا كبيرا في مختلف المجالات ان كل تلك المسؤليات الجسام في العمادة والتعليم المضني والادارة ومشاكلها الكثر لم تحل دون قيامه بواجباته العلمية عضوا في المجمع العلمي العراقي ثم رئاسته له لمدة تقرب من العقد من الزمن . كما لم تمنعه من ان يكون عضوا مراسلا في المجمع العلمي في دمشق . ومساهما في كثير من المجلات الاكاديمية القانونية والادبية .

في سنة 1954 عين رئيسا لديوان مجلس الوزراء ثم اصبح وزيرا للمعارف (التربية ) سنة 1955 ؛ وقد ترك خلال هذين المنصبين تأثيرا كبيرا ليس من السهولة نسيانه . وخلال اشغاله لتلك المناصب ، فان صلته بكلية الحقوق لم تنقطع توجيها وبحثا ، واتصالا ثقافيا . وحتى بعد تقاعده سنة 1958 .
اضافت السيدة سندس القاضي الى ماذكرته قولها انه كان –رحمه الله - شخصية اجتماعية واسعة العلاقات داخل العراق وخارجه وبخاصة مع رجال القانون والادب البارزين وتحوي اضابيره الشخصية مراسلات واسعة مع وجوه المجتمع وعلمائه ومثقفيه.. . بل هناك مراسلات استشارية مع العديد من تلامذته الذين احتلوا مراكز بارزة على مختلف الاصعدة تستأهل ان تنشر في كتاب مستقل ومن بينها مراسلاته مع زملائه الدكتور عبد الرزاق السنهوري ، والدكتور جابر جاد عبد الرحمن ، والدكتور مصطفى كامل ، والدكتور قسطنطين زريق والدكتور صلاح الدين الٌمنجد ،والدكتور ابراهيم بيومي مدكور ، والدكتور حشمت ابو ستيت .
كما كان له مجلس ثقافي اسبوعي خاص في بيته في محلة الشيخ بشار أول الامر ثم انتقل به الى حيث كان مسكنه الجديد على ضفاف نهر دجلة في كورنيش محلة نجيب باشا . وكان في ذات الوقت يتردد على ابرز المجالس الثقافية التي كانت قائمة في بغداد آنذاك ، كمجلس صديقه الحميم الاستاذ طه الراوي في كرادة مريم ، والشيخ امجد الزهاوي في البقجة قرب النادي العسكري القديم ، ومحمود صبحي الدفتري في الشواكة ، وعبد العزيز القصاب ( ومن ثم ابنه الدكتور عبد المجيد القصاب ) على نهر دجلة في كرادة مريم ؛ والسيد محمد الصدر في الجعيفر ، وعبد العزيز المطير قرب مقاهي عكيل ، والشيخ رضا الشبيبي في رخيته ؛ والحاج حمدي الاعظمي ، في الاعظمية ، وعبد العزيز الشواف في شارع عمر بن عبد العزيز ، وسعيد مصطفى الخليل في الكرخ . وكان لحضوره اثر كبير فيما يطرح من قضايا ادبية وتاريخية وفقهية تغني المعلومات وتزيد من قيمة الحوار الجاد .
ترك الاستاذ القاضي للمكتبة العربية كثيرا من المؤلفات والبحوث والدراسات في القانون والادب والشعر ؛ ومنها على سبيل المثال لا الحصر : " الاظهار والنحو .. منظومة في علم وآداب البحث والمناظرة " و" نظم حروف المعاني " و " تسهيل الخط العربي " و " أدب القصة في القرآن الكريم " و" المثل في القرآن الكريم " و " شرح احكام المجلة العدلية " و " الاحوال الشخصية " و" الوصايا والفرائض والاجازة " و " محاضرات في القانون المدني " و " شرح قانون المرافعات المدنية والتجارية " و" ملتقى البحرين في القانون المدني " و " بعض نواح عن الاسلام " و " خزانة العتبة الحسينية المقدسة " و " مناظرات القرآن الكريم ومحاوراته" .

كان الاستاذ منير القاضي قانونيا عالما ؛ وأديبا بكل ما لهذه الكلمة من معنى ، نظما ونثرا وتقف دليلا على ذلك محاضراته في " القانون المدني " المطبوع عام 1954 ، ومقدمته الجميلة لديوان الشاعر العراقي الكبير حافظ جميل الموسوم : " نبض الوجدان " . وكان في معظم مؤلفاته القانونية يتوقف مليا أمام القواعد الفقهية والتعابير الشرعية ليوضح معالمها .
لقد كانت له مكتبة شخصية ضخمة في داره المطلة على دجلة تضم مئات المصادر والمراجع في القانون واللغة ودواوين الشعر والمعاجم والموسوعات . رحم الله الاستاذ منير القاضي وجزاه خيرا على ماقدم لوطنه وأمته .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض

  النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة ال...