أنا عندي حنين
*الاستاذ سامي مهدي
كلنا يشعر اليوم بالحنين .وكلنا يشعر اليوم بالفقدان ، وبعضنا صار يتحدث عن ( زمن جميل ) مضى كما
يفعل المصريون ، ويستعيد أغاني وذكريات ، وينشر صوراً عن الماضي ، عن بغداد
القديمة وعن الموصل والبصرة وغيرها ، وعن ملوك العراق وحكامه وساسته
ورجالاته ، ولكن هل في ذلك ما يستحق الحنين ؟
أنا لا أتحدث هنا عن المؤرخين ، كالصديق الدكتور إبراهيم العلاف ، بل عمن لم تدركهم حرفة المؤرخ . وأتساءل : إلى
ماذا يحن هؤلاء ؟ إلى أيام الفقر والجوع والمرض والجهل والتخلف ؟ أكان
ملوكنا وحكامنا وساستنا عادلين ومنصفين حتى نحن إلى عهودهم ؟ أكان ثمة يسر
وبحبوحة فقدناهما في غيابهم ؟ أكانت ثمة حرية وديمقراطية واحترام للكرامة
الإنسانية ؟ أكانت عامة الناس تنال حقوقها بالقسطاس المستقيم ؟
إذن لم هذا الحنين ؟
لهذا الحنين سبب واحد في ما أظن هو : الشعور بالخوف من الحاضر والمستقبل ،
والدليل على ذلك كثرة ما ينشرونه أيضاً من أدعية وصلوات وتضرعات . ففي
الماضي كان ثمة أمن ، ولم تكن ثمة مليشيات وعصابات إرهابية وسيارات مفخخة
وعبوات ناسفة وكواتم صوت وخطف وقتل عشوائي ، وكان في وسع المرء أن يأمن على
نفسه ، وعلى أهله وبيته ، ويجد مسوغاً للتفكير بمستقبله ، فيخطط له
ولأبنائه بقدر غير قليل من الثقة واليقين . أما اليوم فهو ليس واثقاً من
شيء ، ولا آمناً على شيء ، مواطناً عادياً كان أم مسؤولاً . نعم ..
المسؤولون أيضاً خائفون برغم ما لديهم من جنسيات وملاذات أخرى . ولكن
المواطن العادي لا يدري على أي رصيف سيقتل ، وفي أية قمامة ستلقى جثته .
ولذا صار يحن إلى الماضي ويجد فيه شيئاً من عزاء ، أو يختنق ويفكر بالهجرة
إلى أقاصي العالم .
الهجرة ؟ ولكن إلى أين ؟ الذين هاجروا إلى أميركا
وبريطانيا وكندا واستراليا ونيوزيلندا وفنلندا وهولندا والسويد والنرويج
وغيرها من بلاد الله هم أيضاً يشعرون بالحنين ، والغريب أنهم يحنون إلينا ،
إلى شوارعنا ومقاهينا ، إلى حياتهم معنا ، وماضيهم بيننا ، وكأنهم لا
يشعرون بوجودهم إلا بوجودنا ، ولا يعثرون على مصداقيتهم إلا عندنا ، حتى
إبداعاتهم الأدبية والفنية لا تكاد تجد جمهورها خارجنا ، رغم أنهم تجنسوا
بجنسيات أخرى وصارت لهم أوطان أخرى . وهم قد يتعالون علينا ، ويباهوننا
بحياتهم الجديدة ، أو يشفقون علينا مما نحن فيه ، ويقدمون لنا نصائح
وحلولاً ، ولكنهم ليسوا أقل حيرة وعذاباً منا ، والله وحده يعلم متى
يندمجون بمجتمعاتهم الجديدة وينسوننا وينشغلون بحياتهم بدل انشغالهم بنا .
أظن أن علينا أن نتخلص من هذا الحنين ، ونفكر بالمستقبل ونعمل من أجله .
وللعمل من أجل المستقبل متطلبات كثيرة واستحقاقات كثيرة ، وهو مضمون للشعوب
وليس للحكام .
*****************************************
*اثار الاستاذ سامي مهدي هذا الموضوع في الفيسبوك وعقبت عليه بالقول :"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق