الخميس، 6 يونيو 2013

الحنين الى الماضي

أنا عندي حنين
*الاستاذ سامي مهدي
كلنا يشعر اليوم بالحنين .وكلنا يشعر اليوم بالفقدان ، وبعضنا صار يتحدث عن ( زمن جميل ) مضى كما يفعل المصريون ، ويستعيد أغاني وذكريات ، وينشر صوراً عن الماضي ، عن بغداد القديمة وعن الموصل والبصرة وغيرها ، وعن ملوك العراق وحكامه وساسته ورجالاته ، ولكن هل في ذلك ما يستحق الحنين ؟
أنا لا أتحدث هنا عن المؤرخين ، كالصديق الدكتور إبراهيم العلاف ، بل عمن لم تدركهم حرفة المؤرخ . وأتساءل : إلى ماذا يحن هؤلاء ؟ إلى أيام الفقر والجوع والمرض والجهل والتخلف ؟ أكان ملوكنا وحكامنا وساستنا عادلين ومنصفين حتى نحن إلى عهودهم ؟ أكان ثمة يسر وبحبوحة فقدناهما في غيابهم ؟ أكانت ثمة حرية وديمقراطية واحترام للكرامة الإنسانية ؟ أكانت عامة الناس تنال حقوقها بالقسطاس المستقيم ؟
إذن لم هذا الحنين ؟
لهذا الحنين سبب واحد في ما أظن هو : الشعور بالخوف من الحاضر والمستقبل ، والدليل على ذلك كثرة ما ينشرونه أيضاً من أدعية وصلوات وتضرعات . ففي الماضي كان ثمة أمن ، ولم تكن ثمة مليشيات وعصابات إرهابية وسيارات مفخخة وعبوات ناسفة وكواتم صوت وخطف وقتل عشوائي ، وكان في وسع المرء أن يأمن على نفسه ، وعلى أهله وبيته ، ويجد مسوغاً للتفكير بمستقبله ، فيخطط له ولأبنائه بقدر غير قليل من الثقة واليقين . أما اليوم فهو ليس واثقاً من شيء ، ولا آمناً على شيء ، مواطناً عادياً كان أم مسؤولاً . نعم .. المسؤولون أيضاً خائفون برغم ما لديهم من جنسيات وملاذات أخرى . ولكن المواطن العادي لا يدري على أي رصيف سيقتل ، وفي أية قمامة ستلقى جثته . ولذا صار يحن إلى الماضي ويجد فيه شيئاً من عزاء ، أو يختنق ويفكر بالهجرة إلى أقاصي العالم .
الهجرة ؟ ولكن إلى أين ؟ الذين هاجروا إلى أميركا وبريطانيا وكندا واستراليا ونيوزيلندا وفنلندا وهولندا والسويد والنرويج وغيرها من بلاد الله هم أيضاً يشعرون بالحنين ، والغريب أنهم يحنون إلينا ، إلى شوارعنا ومقاهينا ، إلى حياتهم معنا ، وماضيهم بيننا ، وكأنهم لا يشعرون بوجودهم إلا بوجودنا ، ولا يعثرون على مصداقيتهم إلا عندنا ، حتى إبداعاتهم الأدبية والفنية لا تكاد تجد جمهورها خارجنا ، رغم أنهم تجنسوا بجنسيات أخرى وصارت لهم أوطان أخرى . وهم قد يتعالون علينا ، ويباهوننا بحياتهم الجديدة ، أو يشفقون علينا مما نحن فيه ، ويقدمون لنا نصائح وحلولاً ، ولكنهم ليسوا أقل حيرة وعذاباً منا ، والله وحده يعلم متى يندمجون بمجتمعاتهم الجديدة وينسوننا وينشغلون بحياتهم بدل انشغالهم بنا .
أظن أن علينا أن نتخلص من هذا الحنين ، ونفكر بالمستقبل ونعمل من أجله . وللعمل من أجل المستقبل متطلبات كثيرة واستحقاقات كثيرة ، وهو مضمون للشعوب وليس للحكام .
*****************************************
*اثار الاستاذ سامي مهدي هذا الموضوع في الفيسبوك وعقبت عليه بالقول :"
الحنين الى الماضي نوع من المرض او في احسن حالاته حالة من حالات الدفاع عن النفس ازاء الواقع وهو مايسمى في علم النفس بالنكوص حيث يرتاح الانسان نفسيا عندما يرجع الى الماضي ..لقد نبهت الاخوة سابقا الى خطورة الحنين الى الماضي ودعوتهم الى جعل الماضي مرتكزا للانطلاق الى المستقبل انا مع جون اوزبورن عندما قال في مسرحيته الشهيرة :"انظر الى الماضي بغضب " ...وثمة نقطة لابد ان نعرفها وهي ان الناس لم تجد في واقعها احسن مما مضى فبدأت بالحنين الى الماضي ..شكرا للصديق الاستاذ سامي مهدي على اثارة هذا الموضوع المهم ودام ذخرا لنا" .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض

  النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة ال...