رؤوف الشهواني ..الجيش والسياسة والدور الوطني
مقال بقلم :ا.د.ابراهيم خليل العلاف
الموصل -العراق
لاأعرف رجلا ربط بين مسؤولية الجيش ودوره في
الحركة الوطنية المعاصرة مثل الضابط –السياسي القومي العربي، الوطني العراقي، رؤوف
الشهواني .أدرك الرجل منذ كان طالبا في الكلية الحربية في اسطنبول –شأنه شأن
زملائه نوري السعيد، وعلي جودت الايوبي ،وطه الهاشمي ،وعزيز علي المصري، وياسين
الهاشمي، وغيرهم –أن الجيش، بحكم تكوينه الاجتماعي ،والطبقي ،مرتبط بالناس والفقراء وهو معني أكثر
من غيره بهموم الوطن وآلامه وآماله. وللشهواني أعمال مجيدة في العهد العثماني، وخاصة في سنوات
هذا العهد الأخيرة ، حيث سيطر الاتحاديون على السلطة بعد خلعهم السلطان عبد الحميد
الثاني سنة 1909 ، ووجهوها وجهة عنصرية .كما كان له دور فاعل في الثورة العربية
الكبرى التي قادها الشريف حسين ،شريف مكة في سنة 1916 مستهدفا إقامة الدولة
العربية المستقلة. وكانت للشهواني علاقة وثيقة مع قادة الثورة العربية وخاصة الأمير
فيصل بين الحسين ،والأمير عبد الله بن الحسين وقد عمل تحت إمرتهما في سنوات الحرب
العالمية الأولى وما بعدها .وكما هو معروف ، فأن الشهواني عمل مرافقا للأمير عبد
الله في مدينتي معان وعمان بالأردن .
ويتضح
من الوثائق المتوفرة لدينا أن الأمير عبد الله (الملك فيما بعد )تحدث عن دور
الشهواني عندما زار الموصل في نيسان –ابريل 1944 قائلا : أن للشهواني أعمال وخدمات مشكورة مع إخوانه
دفاعا عن القضية العربية.وقد قدم الشهواني للأمير عبد الله هدية ثمينة هي عبارة عن
مصحف مخطوط باليد مع سيف اثري مزركش بالنقوش
وذو قبضة مطعمة بالذهب كان محتفظا به ويعود لأحد قادة الحروب الصليبية .وقد
أشاد الأمير عبد الله أمام الأمير عبد الإله الوصي على عرش العراق قائلا أن
الشهواني احد مؤسسي إمارة شرقي الأردن وقال مشيرا للشهواني : " هذا الرجل يرمز
للجندي المجهول " ثم قرأ الآية الكريمة : " من المؤمنين رجال صدقوا
ماعاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه ،ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا " وأضاف : " أن هذا من المنتظرين
،وانه من أولئك الذين أسسوا حكومة شرقي الأردن ،واعرفه ،وأذكر عنه انه لم يكن
ينتظر أجرا على خدماته ،بل كان جل همه موجها إلى تأدية الواجب في نصرة المبدأ ،وإحقاق
الحق " .
تضيف الوثائق المتوفرة أن الأمير عبد الله بن
الشريف الحسين وصل إلى منطقة شرقي الأردن في الحادي والعشرين من تشرين الثاني سنة
1920 قادما من الحجاز ، ومعه قوة صغيرة من العشائر وثلاثة ضباط عراقيين هم رؤوف
الشهواني، وحامد الوادي (أصبح فيما بعد وزيرا للدفاع في العراق ) ،وسعيد ألكلاك
.وقد أعلن الأمير عبد الله انه جاء ممثلا لأبيه واستجابة لاستغاثة زعماء الشام
فأنه سيسعى لتحريرهم من الفرنسيين ونشر بيانا قال فيه : " كيف ترضون أن تكون
العاصمة الأموية مستعمرة فرنسية ...إن غايتنا الوحيدة هي ...نصرتكم وإجلاء
المعتدين عن بلادكم ..." .وكما هو معروف فأنه لم تكن هناك حكومة في منطقة
شرقي الأردن .وفي آذار-مارس 1921 استقر الأمير عبد الله في عمان وبدأ –بمساعدة
الضباط العراقيين ومنهم الشهواني –في إرساء أسس إمارة شرقي الأردن (المملكة الأردنية
الهاشمية فيما بعد ) .كما كان للشهواني دور ملموس في نصرة القضية الفلسطينية ومد
المجاهدين الفلسطينيين بالأموال والمستلزمات الأخرى .
الحاج
رؤوف بن الحاج أحمد الخياط الشهواني ودوره القومي والوطني يحتاج إلى عمل كبير .
وفي كتاب الأستاذ المرحوم عبد المنعم الغلامي "أسرار الكفاح الوطني في الموصل
"بجزأيه الأول والثاني معلومات كثيرة عنه ،وعن نشاطاته السياسية، والوطنية
يمكن الرجوع إليها لمن يريد .وقد تسنح الفرصة لأكلف أحد طلبة الدراسات العليا
بكتابة أطروحة عنه ،ولكن حيزنا المحدود هذا يسمح لنا أن نقول بأسطر قليلة أن رؤوف
الشهواني ينتمي إلى عشيرة الشهوان الحمدانية الشهيرة ،وقد ولد في مدينة الموصل سنة
1899 كما جاء ذلك في سجلات وزارة الدفاع العراقية . وتلقى فيها دراساته الابتدائية
والإعدادية .وكان الشهواني من الطلبة الموصليين الأوائل الذين عملوا من اجل إثارة
الوعي القومي العربي ،خاصة بعد أن استجابت السلطات العثمانية إلى طلب العراقيين والعرب، بجعل التدريس في المدارس وخاصة
الابتدائية باللغة العربية. وقد شجع الشهواني ،وكان طالبا في دار المعلمين
الابتدائية في الموصل ،عددا من الشعراء الموصليين على نظم الأناشيد الوطنية باللغة
العربية وقد سادت تلك الأناشيد وانتشرت بين الطلبة ، وجمعها الأستاذ محمد سعيد ألجليلي
في كتابه الأناشيد الموصلية للمدارس العربية
وطبع أكثر من مرة أولها سنة 1915 ،وفيه قصائد تدعو إلى الثورة وإنهاض الأمة
العربية ومنها على سبيل المثال قصيدة :
"شبوا على الخصم اللدود ....نار الوغى ذات الوقود ....يأيها العرب الكرام
....إلى متى انتم نيام ؟....قوموا إلى الموت الزؤام ....وأمشوا له مشي الأسود
...ما بالكم عدتم بلا ....عز ألستم في الوجود ؟! .
وعندما سمع الموصليون
بأخبار احتلال البصرة سنة 1914 ،تحمس الطلبة في الموصل للذهاب إلى البصرة للجهاد
ضد المحتلين الانكليز ووصل عدد الطلبة إلى 60 طالبا وكان معهم عدد من المعلمين
منهم عثمان بك وكاشف أفندي وداؤد سليم ووصلوا البصرة وعانوا ما عانوا وعاد بعضهم
إلى الموصل في حال يرثى لها كما اسر بعضهم واستشهد البعض الآخر .وفي سنة 1917 تم
الاتفاق مع السلطات التعليمية في الموصل على اختيار عدد من الطلبة المتقدمين في السن للدراسة في الكلية الحربية في اسطنبول
وكان من هؤلاء رؤوف الشهواني ،ومحمد شوقي الحسيني ،ومحمد نوري ال ملا يوسف، وعبد
الله النعساني، وقاسم الشماع.
سافر الشهواني إلى اسطنبول، ودخل الكلية
الحربية وتخرج فيها ، وعمل في بعض وحدات الجيش العثماني وقد ترك الجيش العثماني والتحق
بالثورة العربية الكبرى سنة 1914 وصدر حكم غيابي بأعدامه بسبب ذلك وقد وصل حلب
والتحق بالجيش العربي بقيادة الأمير عبد الله بن الحسين الذي عينه مرافقا له عندما
كان في معان بالأردن . عاد إلى العراق ،والتحق بتشكيلات الجيش العراقي الفتي عند
تأسيسه .وبشأن نشاطه القومي والوطني ، فأن الشهواني كان من مؤسسي جمعية العلم
السرية في الموصل التي تأسست سنة 1914 واستهدفت الكفاح ضد العثمانيين ثم ضد
الانكليز فيما بعد الاحتلال البريطاني (1914 -1921 ) . وجمعية العلم السرية تشكلت
من هيئتين مركزية وفرعية وكانت الهيئة المركزية مؤلفة من خمسة أشخاص لهم أسماء
حركية مستعارة وكان رؤوف الشهواني يحمل اسم " المغيرة " أما محمد رؤوف
الغلامي فكان له اسم وهو نادب الحق وهكذا
حمل ثابت عبد النور اسم حسان.أما مكي ألشربتي فأسمه طارق وكان اسم مصطفى أمين أغا الصائغ :الأشعري .وقد
اشترطت الهيئة المؤسسة للجمعية على من يريد الانتماء للجمعية أن يكون "متشربا
بالروح القومية والوطنية " .وقد قامت الجمعية بنشاطات كبيرة وخاصة في مجال
"تنفير الناس من الأتراك وإشهار مظالمهم وتنبيه الأذهان لها " .كما
استطاعت التغلغل بين أفراد الجيش العثماني من أبناء الموصل وتحريضهم على الفرار
والالتحاق بالحركة القومية والثورة العربية على قدر المستطاع " .وقد أشار
المؤرخ الروسي لوتسكي إلى أن لجمعية العلم يد "في الانتفاضة التي قامت بها
حامية مدينة الموصل في نيسان –ابريل سنة 1916 .وكانت الحامية مكونة من الجنود
العرب . كان الشهواني كذلك عضوا في جمعية العهد العسكرية السرية التي تشكلت في سنة
1913 بزعامة عزيز علي المصري وضمت ضباطا عرب وعملت من اجل استقلال العرب .شارك
الشهواني في حركة تلعفر 4 حزيران 1920 واتسعت الحركة لتشمل العراق كله وأصبحت بحق ثورة عراقية كبرى .وكان
الشهواني في بعض الفترات ضابط ارتباط مع قادة ثورة 1920 الوطنية التحررية .وقد قام
بدور مهم في تحريض الناس للالتحاق بالثورة ودعمها ماديا .
تحدث المؤرخ الكبير الأستاذ عبد المنعم الغلامي في كتابه "أسرار
الكفاح الوطني في الموصل " عن رؤوف الشهواني ودوره خلال سنوات الحرب العالمية الأولى فقال ان رؤوف
الشهواني قبل في دار المعلمين بالموصل في العام الدراسي 1915-1916 إلى جانب احمد
شوقي الحسيني وتوفيق الدباغ وعلي احمد النحاس وضياء يونس . وما كاد الشهواني يأخذ
مكانه في الدار إلا وبدأ يسعى إلى إذكاء الشعور العربي القومي على نطاق واسع
وتنميته بين الطلاب .وسرعان ما تألفت كتلة قوية متراصة من الطلاب أمثال محمد نوري آل
ملا يوسف وابن عمه محمد شريف وعبد المنعم الغلامي وقاسم يحيى الشماع وعبد الله النعساني
وبدري النوري . وقد اخذت هذه الكتلة تجاهر بأرائها وتبث الدعاية وتعاكس خطط الأساتذة
الاتحاديين .وكانت المتلة الملتفة حول زعيم حركتها رؤوف الشهواني تجاهر على
المكشوف بقوميتها وتشيد بأمجادها في كل فرصة ومناسبة .ولم تتأخر عن استظهار الأناشيد
الحماسية العربية .
بعد تشكيل الدولة العراقية وتتويج الأمير فيصل ملكا على العراق في آب-أغسطس
1921 التحق رؤوف الشهواني بالجيش العراقي الفتي وأحرز رتبة ضابط في 1 كانون الثاني
–يناير 1922 .وقد جاء في وثائق وزارة الدفاع "ان رؤوف بن احمد الشهواني عين في الجيش العراقي في 16 تشرين
الثاني –نوفمبر 1921 وحمل رتبة ملازم ثان –الكتيبة الثانية في 1 كانون الثاني –يناير
1922 إلى جانب مجموعة من الضباط الذين عملوا في الجيش العثماني وتخرجوا من مؤسساته
العسكرية منهم محمود نديم بن فياض وطاهر بن محمد الزبيدي ونور الدين بن محمود (أصبح
فيما بعد رئيسا للوزراء ) ،وحسين وصفي بن أمين، ومكي بن سعيد، ومحمد شاكر بن علي،
وجميل رمزي بن محمد، ومحمد علي بن سعيد " .ويعد الحاج رؤوف الشهواني ،على هذا
الأساس، من أوائل الضباط الذين خدموا في الجيش العثماني- والتحقوا بالجيش العراقي .ومن
الضباط الذين التحقوا معه وكانوا من رتب عسكرية متقدمة :طه الهاشمي (عقيد ) وعبد
الوهاب عبد الرزاق (عقيد ) ومصطفى عاصم بن محمد (مقدم )ومحمد أمين بن احمد العمري
(رئيس أول أي رائد ) وحسين فوزي بن حسن (رئيس أول ) ومحمد شريف بن يحيى الرفاعي
(رئيس إي نقيب ) ومحمود بن حسين الشهواني (ملازم أول )وعبد الرحمن بن عبد الرزاق
(ملازم أول ) وموشي بن يعقوب زلوف (ملازم أول ) واحمد حمدي بن زينل (ملازم أول ) .
وعندما
أحيل الشهواني على التقاعد وكان برتبة رئيس (نقيب ) ، انشغل بالمجهودات الإنسانية ،وكان
له دوره في إنشاء دار للأيتام ، ودار للعجزة في مدينة الموصل .كما ترأس لسنوات
جمعية المحاربين القدماء والتي تأسست في 16 تشرين الثاني –نوفمبر سنة 1951 من اجل
"جمع شمل الضباط المتقاعدين وخدمة مصالح العاجزين منهم ولتقديم الخدمات
والمساعدات للمستحقين ...من عوائل الشهداء والمتوفين ...والمطالبة بحقوقهم
...كمواطنين لهم ماض مجيد في خدمة الوطن ... " .
وكان الشهواني يعطف على الفقراء وخاصة
التلاميذ فيهيئ لهم مع عدد من زملائه في
الجمعية الملابس والمستلزمات الأخرى فيما
كان يعرف بأسابيع معونة الشتاء .وكان يلجأ إلى أصدقائه الأثرياء لمعاونته في هذا
الميدان ومن هؤلاء مصطفى جلبي الصابونجي .
كما دافع رؤوف الشهواني عن عروبة الموصل
وتأكيد بقائها ضمن الدولة العراقية في مواجهة أطماع تركيا بها خلال منتصف
العشرينات من القرن الماضي. وكانت له مواقف محسوسة من قضايا النضال القومي مثل
قضية فلسطين. ولايتسع المجال لمتابعة مواقفه تلك، ولكن لابد من الإشارة إلى دوره
في (لجنة إنقاذ فلسطين) التي تشكلت في كانون الأول 1947 وضمت في صفوفها عدد من
الموصليين (مدنيين وعسكريين) منهم إبراهيم ألجلبي (سكرتير اللجنة) ،والحاج رؤوف
الشهواني ،والعقيد الركن محمد علي سعيد (رئيس اللجنة) وإسماعيل عباوي وغيرهم.
أصدر
"جريدة الذكرى" وتضمنت ترويستها
عبارة ان الذكرى "جريدة يومية سياسية لسان حال جمعية المحاربين القدماء
" .وقد عوضت قراء جريدة فتى العراق عندما سدت من قبل الحكومة في مطلع الخمسينات من القرن الماضي . يقول
الأستاذ احمد سامي ألجلبي في كتابه : " صفحات مطوية من تاريخ الصحافة
الموصلية " المنشور عن دار الفتى بالموصل سنة 2006 أن جريدة الذكرى
"جريدة سياسية أسبوعية أصدرتها جمعية المحاربين القدماء في الموصل بتاريخ 28
تموز –يوليو 1954 صاحب امتيازها رؤوف الشهواني ومديرها المسؤول احمد إسماعيل ومدير
إدارتها إبراهيم ألجلبي وقد صدرت تعويضا عن جريدة فتى العراق المعطلة .
عرفت
الشهواني شخصيا وكنت معجبا به فهو يتمتع بهيبة كبيرة بسبب طول قامته،وجمال صورته،
وطيبته وصوته الخفيض وقوة حجته .وكانت
داره في اقليعات –وهي أعلى محلة في الموصل حيث قلعة الموصل الحصينة – القريبة من
محلتي رأس الكور .وكثيرا ما كنت اسمع الأستاذ احمد سامي ألجلبي الصحفي الكبير
يمتدحه ويمتدح دوره ومساهماته الإنسانية وكان يقول انه صديق والده الأستاذ إبراهيم
ألجلبي الحميم .كان الشهواني يتمتع بأحترام
الجميع وعند وفاته سنة 1972 أقيمت له جنازة تليق به رحمه الله وجزاه خيرا على
ماقدم لوطنه وأمته .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق