صديق الدملوجي 1880-1958 اداريا
وكاتبا ومؤرخا
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث –جامعة الموصل
إداري وسياسي ومؤرخ عراقي ، شغل مكانة متميزة بين الرجال الذين خدموا
العراق والأمة العربية . ولد صديق سعيد عبد الرحمن الدملوجي في الموصل 7 مارس 1880
من أصل يمني ، فدملوج قرية تقع قرب مدينة تعز في اليمن ، وقد انتقل أجداده إلى
الموصل منذ أواسط القرن السابع عشر الميلادي ، والأسرة الدملوجية ،أسرة دينية ،
عرفت في مدينة الموصل بـ (بيت المدير) ،حيث كان عميدها مصطفى يشغل منصب مدير أوقاف
الموصل ، وقد توفي سنة 1879 .
أكمل صديق الدملوجي دراستـه الابتدائية والمتوسطة والإعدادية في مدارس الموصل ، وقد استفاد من والده سعيد ، وكان رئيسـاً لعلماء الموصل ، في التوجه نحو دراسة العلوم الدينية والأدبية،وحينما لاحظ والده أن ابنه صديق لا يحب السلطة العثمانية منعه من السفر إلى استانبول لإكمال دراسته وصرّح بذلك ، لكن هذا لم يحل دون اتجاه الدملوجي إلى تثقيف نفسه بنفسه ، فشرع يقرأ الكتب باللغتين العربية والتركية حتى أصبح له أسلوب متميز في الكتابة وخاصة بالتركية .
دخل الدملوجي سلك الوظيفة ، وعيّن في بداية الأمر كاتب ومحصل للضرائب ، وفي سنة 1905أصبح مديراً لناحية مزوري (أتروش) وبعد ذلك صار قائمقاماً ومديراً للناحية في الكثير من المدن العراقية أمثال: العمادية ومانكيش وتلعفر وسنجار والسماوة والشطرة والقرنة والنجف . وفي سنة 1927 اصطدم بأحد المفتشين الإداريين الإنكليز حينما كان قائمقاماً على القرنة فعزل من الوظيفة ، وعاش حتى وفاته في 15 أبريل 1958 بعيداً عنها متفرغاً لإنجاز كتبه التاريخية .
كان صديق الدملوجي محباً للعلم والبحث ، ويبدو أن لأسرته الدينية والعلمية دوراً في ذلك ، وخلال فترة قصيرة من الدراسة أتقن لغات عدة ، منها الفارسية والكردية ، فضلاً عن إجادته اللغة التركية . وقد أحب الصحافة ، وعمل (محرراً دائما) في جريدة النجاح الموصلية التي صدر عددها الأول في 12 نوفمبر 1910 باللغتين العربية والتركية ، وكانت لسان حال حزب الحرية والائتلاف المعارض للاتحاديين، وقد لاقى الدملوجي الكثير من العنت والاضطهاد بسبب مقالاته المناوئة للاتحاديين ، لذلك أحيل إلى الديوان العرفي العسكري في الموصل سنة1914وطرد من الوظيفة، فاضطر إلى الاختفاء أثر ذلك ولم يعد إلى الموصل إلاّ بعد سقوطها بيد الإنكليز سنة 1918 .
قضى الدملوجي جانباً من فترة اختفائه بين اليزيديين ، وكانت له علاقات مع زعمائهم ، وقد ساعده ذلك على تأليف كتابه (اليزيدية) الذي أصدره سنة 1949 . وقيمة هذا الكتاب تنبع من الأسلوب الذي استخدمه في تأليفه ، حيث أنه لم يقتصر على ما حصل عليه من مصادر ومعلومات مدونة ، وإنما صرف مدة تتجاوز العشرين سنة بينهم .
وفي سنة 1952 ، أصـدر الدملوجي كتابه الثاني الذي يتعلق بتاريخ الأكراد ، وحياتهم السياسية والاجتماعية . وقد اختار ( أمارة بهدينان ) الكردية في العمادية لتكون مدخلاً يـدرس من خلالها الأكـراد وما يتعلق بهم من أخبـار وحوادث ، وفي الكتاب معلومات قيمة عن تاريخ الموصل الحديث ، وعلاقـة ولاة الموصـل الجليليين بحكام بهدينان . وفي الكتاب كذلك معلومات مهمة عن الإدارة والضرائب العثمانية وأساليب جبايتها .
ويبدو أن النزعة الحرة التي كان يتميز بها الدملوجي ، قادته إلى الاهتمام بمدحت باشا الوالي العثماني الذي تولى ولاية بغداد خلال المدة الواقعة بين سنتي 1869و1872وكانت له فيما بعد مواقف مشهودة في مجال الدعوة إلى الحكم الدستوري في الدولة العثمانية ، وإجبار السلطان عبد الحميد الثاني (1876 ـ 1909) إلى إصدار الدستور سنة 1876، وفي سنة 1952 أصدر الدملوجي كتابه ( مدحت باشا ) ، ويبحث الكتاب في تاريخ الدولة العثمانية ، وحياة مدحت باشا ، وعلاقته بالسلطان عبد الحميد . وفي الكتاب كذلـك معلومات جمّـة عن وضع الأقليـات القومية والدينيـة في الدولة العثمانية . وكتاب مدحت باشا ، ليس عرضاً لسيرة رجل مصلح ، وإنما دراسـة موثقة عن حركة الإصلاحات التي شهدتها الدولة العثمانية منذ أواخر القرن التاسع عشر.
وللدملوجي كتاب باسم (الأنقاض) وهو عبارة عن خواطر ومقالات في التاريخ والاجتماع والأدب ، ويميط فيه اللثام عن بعض الحقائق المتصلة بالأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية السائدة في عصره .
ويفضح الدملوجي في هذا الكتاب النظام العثماني ويبين مساوئه وآثاره المدمـرة على المجتمع العربي ، ومما يلفت النظـر أن الدملوجي ضمـن هذا الكتاب مسرحيتان ألفهما ، الأولى بعنوان (جماعة من الزبائن حاملي الحراب والنبال يحرسون جماعة من الموتى) . والثانية بعنوان : (جرائم السلطانات في قصور بني عثمان) .
كان للدملوجي منهـج متميز في كتابة التاريخ ، يقتـرب كثيراً من المنهج العلمي المعروف لدى المؤرخين ، ففضلاً عن الحرص على الرجوع إلى المصادر الأصلية ، فإنه كان لا يتوانى " عن أن ينتقل من بلدة إلى أخرى ، ومن قرية إلى قرية ويجتمع بهذا وذاك ، وإذا ما طرق سمعه خبراً أو حادثة شد الرحال غير مبالٍ بجميع العقبات التي تقف أمامه ،وكم من مرة تعرض للموت في سبيل تحقيق أمنيته هذه ، وقد توصل إليها ، غير مكترث ، ولا مبالٍ بما لاقاه من أتعاب ، وما بذله من مال " ، وكتاباه عن اليزيدية والأكراد ، خير دليل على ذلك . كما كان الدملوجي ينتقد المصادر والروايات التي يطلع عليها ، ويحـاول مقابلتها واستقراءها للوصول إلى الحقيقة ويقدم بعد ذلك مادته للقرّاء بأسلوب لغوي سلـس . وكان يحرص على أن يضع بين يدي قرائه الأسباب التي دعته إلى تأليف كتبـه ويردد باستمرار أنه يروم من خـلال التأليف حل بعض المشكلات والمسائل التاريخية والاجتماعية التي يعاني منها بلـده ، لذلك اكتسبت مؤلفاته شهرة شعبية .. إذ تداولها الناس ، وفي الوقت نفسه ، جلبت مؤلفاته له الكثير من المشكلات ، بسبب الموقف السلبي الذي وقفته السلطات الحكومية من هـذه المؤلفات .. إذ أنّ معظم كتبه منع من التداول ، وتعرض للمصادرة ، وقد حدث هذا بالنسبة لكتابيه : اليزيدية ، والأنقاض .
كان الدملوجي ، سواء في مقالاته التي نشرها بإسمه الصريح ، أو بأسماء مستعارة من قبيل (مؤرخ فاضل) ، و (الثائر المنفي) ، يحث الشباب على التوجه نحو طريق العلم والتحـرر من القيم والتقاليد الباليـة ، وكان حسّه النقدي واضحاً ، لذلك دخل في حوار ونقاشات حادة مع بعض معاصريه من الكتّاب أمثال : مصطفى جواد ، وسليمان صايغ ، حول بعض القضايا التاريخية والفكرية والإجتماعية ، وقد دللت تلك النشاطات على مقدرة هذا الرجل ، وحيويته وأكدت ريادته لفرع من فروع التاريخ ، وهو التاريخ المحلي.
أكمل صديق الدملوجي دراستـه الابتدائية والمتوسطة والإعدادية في مدارس الموصل ، وقد استفاد من والده سعيد ، وكان رئيسـاً لعلماء الموصل ، في التوجه نحو دراسة العلوم الدينية والأدبية،وحينما لاحظ والده أن ابنه صديق لا يحب السلطة العثمانية منعه من السفر إلى استانبول لإكمال دراسته وصرّح بذلك ، لكن هذا لم يحل دون اتجاه الدملوجي إلى تثقيف نفسه بنفسه ، فشرع يقرأ الكتب باللغتين العربية والتركية حتى أصبح له أسلوب متميز في الكتابة وخاصة بالتركية .
دخل الدملوجي سلك الوظيفة ، وعيّن في بداية الأمر كاتب ومحصل للضرائب ، وفي سنة 1905أصبح مديراً لناحية مزوري (أتروش) وبعد ذلك صار قائمقاماً ومديراً للناحية في الكثير من المدن العراقية أمثال: العمادية ومانكيش وتلعفر وسنجار والسماوة والشطرة والقرنة والنجف . وفي سنة 1927 اصطدم بأحد المفتشين الإداريين الإنكليز حينما كان قائمقاماً على القرنة فعزل من الوظيفة ، وعاش حتى وفاته في 15 أبريل 1958 بعيداً عنها متفرغاً لإنجاز كتبه التاريخية .
كان صديق الدملوجي محباً للعلم والبحث ، ويبدو أن لأسرته الدينية والعلمية دوراً في ذلك ، وخلال فترة قصيرة من الدراسة أتقن لغات عدة ، منها الفارسية والكردية ، فضلاً عن إجادته اللغة التركية . وقد أحب الصحافة ، وعمل (محرراً دائما) في جريدة النجاح الموصلية التي صدر عددها الأول في 12 نوفمبر 1910 باللغتين العربية والتركية ، وكانت لسان حال حزب الحرية والائتلاف المعارض للاتحاديين، وقد لاقى الدملوجي الكثير من العنت والاضطهاد بسبب مقالاته المناوئة للاتحاديين ، لذلك أحيل إلى الديوان العرفي العسكري في الموصل سنة1914وطرد من الوظيفة، فاضطر إلى الاختفاء أثر ذلك ولم يعد إلى الموصل إلاّ بعد سقوطها بيد الإنكليز سنة 1918 .
قضى الدملوجي جانباً من فترة اختفائه بين اليزيديين ، وكانت له علاقات مع زعمائهم ، وقد ساعده ذلك على تأليف كتابه (اليزيدية) الذي أصدره سنة 1949 . وقيمة هذا الكتاب تنبع من الأسلوب الذي استخدمه في تأليفه ، حيث أنه لم يقتصر على ما حصل عليه من مصادر ومعلومات مدونة ، وإنما صرف مدة تتجاوز العشرين سنة بينهم .
وفي سنة 1952 ، أصـدر الدملوجي كتابه الثاني الذي يتعلق بتاريخ الأكراد ، وحياتهم السياسية والاجتماعية . وقد اختار ( أمارة بهدينان ) الكردية في العمادية لتكون مدخلاً يـدرس من خلالها الأكـراد وما يتعلق بهم من أخبـار وحوادث ، وفي الكتاب معلومات قيمة عن تاريخ الموصل الحديث ، وعلاقـة ولاة الموصـل الجليليين بحكام بهدينان . وفي الكتاب كذلك معلومات مهمة عن الإدارة والضرائب العثمانية وأساليب جبايتها .
ويبدو أن النزعة الحرة التي كان يتميز بها الدملوجي ، قادته إلى الاهتمام بمدحت باشا الوالي العثماني الذي تولى ولاية بغداد خلال المدة الواقعة بين سنتي 1869و1872وكانت له فيما بعد مواقف مشهودة في مجال الدعوة إلى الحكم الدستوري في الدولة العثمانية ، وإجبار السلطان عبد الحميد الثاني (1876 ـ 1909) إلى إصدار الدستور سنة 1876، وفي سنة 1952 أصدر الدملوجي كتابه ( مدحت باشا ) ، ويبحث الكتاب في تاريخ الدولة العثمانية ، وحياة مدحت باشا ، وعلاقته بالسلطان عبد الحميد . وفي الكتاب كذلـك معلومات جمّـة عن وضع الأقليـات القومية والدينيـة في الدولة العثمانية . وكتاب مدحت باشا ، ليس عرضاً لسيرة رجل مصلح ، وإنما دراسـة موثقة عن حركة الإصلاحات التي شهدتها الدولة العثمانية منذ أواخر القرن التاسع عشر.
وللدملوجي كتاب باسم (الأنقاض) وهو عبارة عن خواطر ومقالات في التاريخ والاجتماع والأدب ، ويميط فيه اللثام عن بعض الحقائق المتصلة بالأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية السائدة في عصره .
ويفضح الدملوجي في هذا الكتاب النظام العثماني ويبين مساوئه وآثاره المدمـرة على المجتمع العربي ، ومما يلفت النظـر أن الدملوجي ضمـن هذا الكتاب مسرحيتان ألفهما ، الأولى بعنوان (جماعة من الزبائن حاملي الحراب والنبال يحرسون جماعة من الموتى) . والثانية بعنوان : (جرائم السلطانات في قصور بني عثمان) .
كان للدملوجي منهـج متميز في كتابة التاريخ ، يقتـرب كثيراً من المنهج العلمي المعروف لدى المؤرخين ، ففضلاً عن الحرص على الرجوع إلى المصادر الأصلية ، فإنه كان لا يتوانى " عن أن ينتقل من بلدة إلى أخرى ، ومن قرية إلى قرية ويجتمع بهذا وذاك ، وإذا ما طرق سمعه خبراً أو حادثة شد الرحال غير مبالٍ بجميع العقبات التي تقف أمامه ،وكم من مرة تعرض للموت في سبيل تحقيق أمنيته هذه ، وقد توصل إليها ، غير مكترث ، ولا مبالٍ بما لاقاه من أتعاب ، وما بذله من مال " ، وكتاباه عن اليزيدية والأكراد ، خير دليل على ذلك . كما كان الدملوجي ينتقد المصادر والروايات التي يطلع عليها ، ويحـاول مقابلتها واستقراءها للوصول إلى الحقيقة ويقدم بعد ذلك مادته للقرّاء بأسلوب لغوي سلـس . وكان يحرص على أن يضع بين يدي قرائه الأسباب التي دعته إلى تأليف كتبـه ويردد باستمرار أنه يروم من خـلال التأليف حل بعض المشكلات والمسائل التاريخية والاجتماعية التي يعاني منها بلـده ، لذلك اكتسبت مؤلفاته شهرة شعبية .. إذ تداولها الناس ، وفي الوقت نفسه ، جلبت مؤلفاته له الكثير من المشكلات ، بسبب الموقف السلبي الذي وقفته السلطات الحكومية من هـذه المؤلفات .. إذ أنّ معظم كتبه منع من التداول ، وتعرض للمصادرة ، وقد حدث هذا بالنسبة لكتابيه : اليزيدية ، والأنقاض .
كان الدملوجي ، سواء في مقالاته التي نشرها بإسمه الصريح ، أو بأسماء مستعارة من قبيل (مؤرخ فاضل) ، و (الثائر المنفي) ، يحث الشباب على التوجه نحو طريق العلم والتحـرر من القيم والتقاليد الباليـة ، وكان حسّه النقدي واضحاً ، لذلك دخل في حوار ونقاشات حادة مع بعض معاصريه من الكتّاب أمثال : مصطفى جواد ، وسليمان صايغ ، حول بعض القضايا التاريخية والفكرية والإجتماعية ، وقد دللت تلك النشاطات على مقدرة هذا الرجل ، وحيويته وأكدت ريادته لفرع من فروع التاريخ ، وهو التاريخ المحلي.
*منشور في:" موسوعة
المؤرخين العراقيين المعاصرين"
للدكتور ابراهيم خليل العلاف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق