الاستاذ احمد سامي الجلبي في الوسط ومن اليمين الاستاذ نزار المختار ومن اليسار الدكتور ابراهيم خليل العلاف
احمد سامي ألجلبي ووحدة الخدمات الاجتماعية في الموصل
ا.د.إبراهيم خليل العلاف
أستاذ التاريخ الحديث-جامعة الموصل
شهدت الموصل في سنوات الستينات من القرن الماضي وما بعدها ،اهتماما كبيرا بمؤسسات الخدمة الاجتماعية .وكان إلى جانب مكتب العمل لمحافظة نينوى مديرية قائمة بذاتها اسمها : "مديرية وحدة الخدمات الاجتماعية في نينوى " وكانت هذه المديرية تابعة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية وقد تأسست الوحدة في 26 كانون الأول سنة 1968 .وكان على رأس هذه الوحدة عند تأسيسها،الأستاذ احمد سامي ألجلبي ،والذي كان له دور كبير في تطويرها .
ولد احمد سامي ألجلبي في الموصل سنة 1932 وأكمل دراسته فيها ثم التحق بكلية التجارة سنة 1950 ،لكنه ترك الكلية بعد أن خير بين الكلية والتعيين موظفا في مديرية الحسابات العسكرية بوزارة الدفاع، وقد عمل في شعبة التدقيق وظل حتى سنة 1956 حين نقلت خدماته إلى مديرية الأوقاف العامة بالموصل .وفي سنة 1964 انتقل إلى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية وتدرج في الوظائف حتى أصبح مديرا لوحدة الخدمات الاجتماعية في الموصل سنة 1968 . وفي سنة 1983 طلب احالته على التقاعد ،وكان خلال عمله في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية قد كلف بمهمة مراسل وكالة الانباء العراقية في الموصل بين سنتي 1965 -1969 .
كان الأستاذ ألجلبي - رحمه الله -يرى بأن دائرته ابتعدت عن المفهوم السابق للخدمات الاجتماعية ،والذي كان يذهب باتجاه مفهوم الصدقة والعطف إلى مفهوم التعرف على الاحتياجات الإنسانية للإفراد، واعتبار الخدمة الاجتماعية عملية وقائية إنشائية .
لقد تشكلت مديرية وحدة الخدمات الاجتماعية في نينوى ،وهي إحدى المديريات التابعة لمديرية الخدمات الاجتماعية العامة ،لتتولى تنفيذ برنامج وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في إيصال الخدمة الاجتماعية إلى اكبر عدد ممكن من المواطنين ،وتأمين الرعاية الكاملة لهم عن طريق المؤسسات الاجتماعية العديدة التي تضمها هذه المديرية والتي تم فتحها في سنة 1968 .
كان يعمل في مديرية وحدة الخدمات الاجتماعية ،عدد من المتخصصين في مجالات علم النفس وعلم الاجتماع وتربية الأطفال والتدبير المنزلي والتدريب المهني والخدمة الاجتماعية ،ذلك أن الخدمات التي تقدمها الوحدة عن طريق مؤسساتها عديدة ومتنوعة، منها تأمين الحياة الكريمة للمحرومين منها كاليتامى والمسنين والمقعدين، ومنها إصلاحية وتوجيهيه وتربوية. فضلا عن تدريب المرأة في المناطق الفقيرة .
ارتبطت "بمديرية وحدة الخدمات الاجتماعية" المؤسسات التالية :
1.معهد رعاية البنات ،وهو مؤسسة اجتماعية تتولى تأمين الرعاية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للتلميذات اليتيمات، وصرف مخصصات يومية لهن وتعليمهن أنواع المهارات والحرف وإلحاقهن بالمدرسة لمختلف المراحل .
2. دار رعاية المسنين والمقعدين، وتتولى تأمين الرعاية للمسنين والمقعدين ومن ليس له وسيلة كريمة للعيش من الذكور والإناث .
3.دار الملاحظة وفيها يتم توقيف الأحداث الذين تقرر السلطات المختصة توقيفهم ريثما تتم عملية تقديمهم للمحاكم وخلال تواجدهم تجرى لهم الفحوصات الصحية والاجتماعية وتوجيههم إلى العمل وتقويمهم
4.المركز الاجتماعي ويهدف إلى رفع المستوى الاجتماعي والاقتصادي والصحي والثقافي عن طريق تنمية القابليات وتدريب النساء على الحرف والمهارات كالخياطة والتطريز والحياكة والضرب على الآلة الطابعة وأعمال المطبخ والهدف من هذا كله تنمية دخل الأسرة واستغلال أوقات الفراغ بما هو مفيد من الأعمال والهوايات .
5.دار رعاية الأحداث وتؤمن رعاية اليتامى وتقديم الرعاية الشاملة لهم وإعدادهم للحياة .
6.دار الحضانة وتتولى احتضان الأطفال، وتهيئة الظروف المناسبة لتنشأ تهم وبما يكفل نموهم وتقويم اتجاهات سلوكهم ومن خلال برامج اجتماعية وتربوية محددة .
7.مديرية سجن نينوى :كان في الموصل سجن قديم يقع في مكان قريب من مركز الشرطة العام وباب السراي وقد هدم وانشأ ت مكانه بناية مصرف الرافدين .أما بناية السجن الجديد فقد بنيت سنة 1934 في محلة قريبة من الباب الجديد وأصبحت تسمى بمحلة السجن . وقد هدمت البناية هذه كذلك وتأسس اليوم سجن جديد في بادوش .وكانت مديرية السجن منذ الانتقال إلى البناية الجديدة في محلة السجن ، تتولى تدريب السجناء على المهن .وقد ذكر الدكتور ذنون الطائي في كتابه : "الأوضاع الإدارية في الموصل خلال العهد الملكي 1921- 1958 " أن مديرية السجون العامة قررت سنة 1933 زيادة فروع الصناعات في سجن الموصل وشراء مطبعة صغيرة لتدريب السجناء على العمل فيها حتى أن إيرادات المصنوعات في السجن ازدادت كثيرا .وفي عهد إدارة الأستاذ ألجلبي كانت مديرية سجن نينوى تتولى السعي لتأهيل السجناء وإصلاحهم وتهذيبهم وتعليمهم من خلال برنامج محو الأمية وتدريبهم على المهارات كالخياطة والحياكة والنسيج والنجارة وتصليح المكائن وغير ذلك من المهن المفيدة وبما يؤهلهم على مواصلة الحياة بعد خروجهم من السجن وانتهاء مدة حبسهم .وقد دأبت المديرية على إنشاء مكتبة لهم وإمدادها بالكتب والصحف وتطبيق برنامج لمحو الأمية بينهم وقد نسقت المديرية مع مديرية التربية لتنسيب معلمين متخصصين لهذه الأغراض .
لقد قدمت المديرية في عهد مديرها الأستاذ احمد سامي ألجلبي، كثيرا من الخدمات أبرزها السعي باتجاه تطبيق الضمان الصحي وضمان التقاعد ، وضمان إصابات العمل وبحيث تتم العناية الصحية بالعامل المريض ،وصرف الإعانة للمرضى في حالة انقطاع أجورهم وبنسبة محددة وصرف الرواتب التقاعدية للعمال المحالين على التقاعد وشمولهم بالرعاية الصحية خلال إصابتهم أثناء العمل وصرف أجور العمال كاملة خلال فترة الإصابة والمعالجة .
ومن المناسب الإشارة إلى أنني سمعت الأستاذ احمد سامي ألجلبي يقول بأنه كان من مهام وحدته إدارة شؤون الفلسطينيين الذين كانوا يعيشون في الموصل وخاصة في مجال إسكانهم وإدارة شؤونهم المختلفة وصرف مخصصات مالية لهم تساعدهم على تمشية أمورهم . وقد أشار الأستاذ الحاج عبد الجبار الجرجيس في كتابه : دليل الموصل العام " المطبوع سنة 1975 إلى أن عدد العوائل الفلسطينية المسجلة في تلك الوحدة بلغ آنذاك 55 عائلة مجموع أفرادها 334 فردا في حين بلغت المخصصات الشهرية التي كانت تصرف لهم 283500 دينارا وكانوا موزعين على أربعة ملاجئ مؤجرة من قبل وحدة الخدمات الاجتماعية .وقد بلغت القيمة المالية للإيجارات 1550 دينار سنويا .
وكثيرا ما كانت مديرية وحدة الخدمات تقوم بعقد ندوات تثقيفية ،وسفرات وحفلات ترفيهية وكذلك إقامة أسواق خيرية خلال السنة .ويضيف الأستاذ الجرجيس أن الوحدة كانت سنة 1975 تضم إضافة إلى مقر الوحدة المركز الاجتماعي، ومعهد رعاية البنات ،ودار رعاية المسنين ،وإدارة شؤون الفلسطينيين .وان من أهدافها التي أضيفت لها تخليص المجتمع من ظاهرة التسول عن طريق القيام بحملات لجمع المتسولين من الشوارع وإيواءهم ورعايتهم، وان ثمة باحثات اجتماعيات يعملن في المركز الاجتماعي كن يقمن بزيارات ميدانية لدور المواطنين والإسهام بحل المشاكل الاجتماعية والعائلية ولبث التوعية الصحية والثقافية والاجتماعية .
وكثيرا ما حدثني الأستاذ احمد سامي ألجلبي عن نشاطاته في تلك المديرية وإسهاماته في حضور الندوات والمؤتمرات داخل العراق وخارجه حتى انه كان يمثل الوزارة في بعض الندوات والمؤتمرات ،ويلقي بحوثا كانت تنال اهتماما جادا من لدن منظمي تلك النشاطات .ومن المؤكد أن في ميراث ألجلبي الفكري والأدبي والصحفي يحوي نسخا من تلك البحوث وأعرف أن ملخصات بعضها وجدت لها طريقا إلى صفحات جريدة فتى العراق التي كان يرأس هيئة تحريرها .
خلال السنة 1979 قام الأستاذ عباس خضير عباس ،وهو من الكتاب المولعين بتسجيل نشاطات وانجازات وتاريخ المحافظات، بزيارة وحدة الخدمات الاجتماعية في الموصل واتصل بمدير الوحدة الذي تحدث له عن دائرته وأودع المؤلف ما حصل من معلومات في كتابه الموسوم : " نينوى بين الأمس واليوم " طبع ببغداد سنة 1979 .كما تضمن التحقيق صورة فوتوغرافية لمدير الوحدة الأستاذ احمد سامي ألجلبي ، مع صورة لنخبة من تلميذات معهد رعاية البنات في نينوى. وقد عدت تلك المعلومات قاعدة أساس للكتابة عن تلك الوحدة ومجهودات الأستاذ ألجلبي فيها . ومما ينبغي ذكره أن الأستاذ ألجلبي ترك مؤلفات مطبوعة ومخطوطة ومن المؤلفات المخطوطة كتابين اولهما بعنوان : "الخدمات الاجتماعية العمالية في الموصل " سجل فيه تجربته في مجال الخدمة والرعاية الاجتماعية .وثانيهما كتاب بعنوان : "تطور الخدمات الاجتماعية في العراق " .كما ان له كتاب بعنوان : "محطات على الطريق " .ومن مؤلفاته المنشورة كتابه : " صفحات مطوية من تاريخ الصحافة الموصلية " .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق