موقع العراق في الإستراتيجية الأمريكية المعاصرة
أ.د. إبراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث -جامعة الموصل
استاذ التاريخ الحديث -جامعة الموصل
مقدمــــة :
يخطي من يظن أن مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في العراق ، ترتبط بحقبة معينة ، أو حدث معين ، فأية عودة إلى ملفات التاريخ ، تكشف لنا حقيقة مهمة وهي أن هذه المصالح ، ترجع إلى أواخر القرن التاسع عشر ، ففي سنة 1889 ، قررت الحكومة الأمريكية تعيين قنصل لها في بغداد . ومنذ ذلك الوقت يحتل العراق مكانة متقدمة في الإستراتيجية الأمريكية حتى انه يعد في الأدبيات السياسية الأمريكية ، بلدا أساسيا ، ومفتاحا مهما ( Key Country ) من مفاتيح الشرق الأوسط . وقد تحقق للأمريكيين وحلفائهم من البريطانيين وغيرهم في التاسع من نيسان 2003 ، احتلال العراق ، وهذا البحث محاولة لتوضيح موقع العراق في الإستراتيجية الأمريكية المعاصرة ابتداء من أواخر القرن التاسع عشر ، ومرورا بسنوات الحربين العالميتين الأولى والثانية وما بعدهما حتى مطلع القرن الحادي والعشرين .
الجذور التاريخية للمصالح الأمريكية في العراق
أبدت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية اهتماما ملحوظا بالعراق منذ سنة 1889 ، حين قررت تعيين أول قنصل لها في ولاية بغداد أبان وجودها تحت السيطرة العثمانية ، بعد أن كانت القنصلية البريطانية في بغداد تتولى الإشراف على الرعايا الأمريكيين في العراق بصفة غير رسمية . وقد استندت الولايات المتحدة في تعيين قنصل لها في بغداد ، إلى معاهدة سنة1830بينها وبين الحكومة العثمانية
1. فتحت الإرسالية التبشيرية الأمريكية المعروفة بالإرســالية العربـيـة Arabian Mission في سنة1891 أول مركز لها في البصرة ، متخـذة منها قاعـدة لنشاطاتها التبشيرية والتجارية في منطقة الخليج العربي . وفي أواخر سنة 1895 بدأ بعض المبشرين الأمريكيين بالوصول إلى شمال العراق قبل هذا التاريخ بقليل . وقد اتجه المبشرون الامريكييون نحو الميدانين الطبي والتعليمي كوسيلتين مهمتين من وسائل التقرب من الاهالي . وخلال السنوات الأولى من القرن العشرين حققت الإرسالية الأمريكية توسعا ملحوظا في نشـاطها التبشيري خاصـة بعـد وصـول الدكتـور جون فان ايس John van Ess إلى البصرة في خريف سنة 1902 .
2. بعد الاحتلال البريطاني للبصرة في 22 تشرين الثاني 1914 نجحت سلطات الاحتلال في إزالة العقبات أمام المبشرين الاميركيين واستفادت من رجالهم ونسائهم في الإشراف على التعليم . وقد وقفت الحكومة الأمريكية موقفا مؤيدا لمبشريها ، وعنيت (جون فان ايس) قنصلا لها في البصرة ، وقد حمل هذا التعيين دلالات سياسية عديدة أبرزها أن الولايات المتحدة كانت تأمل من مبشريها الكثير من اجل تثبيت نفوذها والقيام بدور سياسي لصالحها .
3. فيما يتعلق بالمصالح التجارية الأمريكية ، فان الأسواق الأمريكية ، بعد أن رصدت صادرات العراق نحو الأسواق البريطانية ، حاولت قبيل الحرب العالمية الأولى السيطرة على صادرات ولاية الموصل من المصارين وعرق السوس ، فانشأ الأمريكيون على سبيل المثال شركة لاستخراج وكبس عرق السوس في الموصل وتصديره سنة 1911 ، إلا أن الأسواق الأمريكية لم تستوعب إلا نسبة قليلة من الصادرات العراقية ، والسبب في ذلك يرجع إلى هيمنة الإنكليز على الاقتصاد العراقي في هذه الحقبة . وبالنسبة للنفط ، كانت مصالح الأمريكيين واضحة ، وترجع محاولاتهم الأولى إلى سنة 1908 ، حين قدم الأدميرال جستر كولبي J.Colpy موفدا من قبل مجموعة من المستثمرين الأمريكيين ليقود مفاوضات الحصول على حقوق الأسبقية في نفط الموصل مع المسؤولين العثمانيين في استانبول ، وكذلك للحصول على امتياز مد سكة حديد . وفي 9 من آذار سنة 1910 منح كولبي امتياز البحث عن النفط في مسافة (20) كيلومتر على جانبي سكة الحديد المقترحة المارة بكركوك والموصل
4. بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى ، رفعت الولايات المتحدة شعار الباب المفتوح Open door polcyفي مجال اقتسام المصالح النفطية الأمريكية المتمثلة آنذاك بـ ( شركة إنماء الشرق الأدنى ) في تموز 1928 على 23,75%من أسهم شركة النفط التركية ، وهي شركة نفط العراق بعد سنة 1929
5. عارض العراقيون من خلال أحزابهم وصحفهم الوطنية آنذاك الاعتراف بشرعية امتياز شركة النفط التركية ، وأدركوا من خلال متابعتهم للصراعات الدولية على نفط الموصل ، حجم الأطماع الأجنبية ومخاطرها على ثروتهم وسيادة بلدهم
6. خلال السنوات 1926 ـ 1930 ، حاولت الولايات المتحدة ، تطوير علاقاتها التجارية مع العراق ، في محاولة منها لدمج الاقتصاد العراقي بالاقتصاد الرأسمالي . . لذلك بلغ معدل ما صدرته الولايات المتحدة إلى العراق للفترة هذه ما قيمته مليون و170 ألف دولار سنويا قبيل نشوب الحرب العالمية الثانية ، بلغت قيمة الصادرات الأمريكية إلى العراق خلال السنوات 1937 ـ 1938 قرابة 3,8 مليون دولار سنويا . وسرعان ما اتسعت حركة التبادل التجاري بين العراق والولايات المتحدة بعد ذلك .
7. بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى ، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية على لسان رئيسها ( وودرو ويلسون) انها تسعى من اجل ضمان حق الشعوب في تقرير مصيرها . وقد اقترح الرئيس الأمريكي ، بشأن القضية العراقية ، إرسال لجنة تحقيق دولية للإطلاع على رغبات السكان ، وقد عرفت اللجنة باسم لجنة كنك ـ كرين نسبة إلى المندوبين الأمريكيين الرئيسيين الذين تتألف منهما البعثة وهما الدكتور هنري كنكHenry King والمستر جارلس كرين Charles Crane . وقد زارت اللجنة العراق ، وقابلت وفودا منه . وفي آب 1919 تسلم الرئيس الأمريكي تقرير اللجنة الذي نص ، فيما يتعلق بالعراق ، على اقتراح بامكان إقامة انتداب أمريكي على العراق . وقد ظل نفوذ الولايات المتحدة خلال السنوات 1919 ـ 1920 ، ضعيفا وغير قادر على انتزاع العراق من بريطانيا التي تدخلت وبالتعاون مع فرنسا ، للحد من أي تأثير كان سيخلفه تقرير لجنة كنك ـ كرين . والجدير بالملاحظة أن المادة (22) من نظام الانتداب الذي اقره مؤتمر الصلح في باريس سنة 1919 كتطبيق مشوه لمبدأ حق تقرير المصير ، لم يكن إلا صورة أخرى لمبدأ الاستعمار الذي مارسه البريطانيون في العراق
8. بعد ظهور العراق ككيان سياسي سنة 1920 ، لم تعترف الولايات المتحدة الأمريكية رسميا به إلا بعد عشر سنوات . ففي 9 كانون الثاني 1930 تم التوقيع على الميثاق العراقي ـ البريطاني ـ الأمريكي الذي ضمن للرعايا الأمريكيين في العراق ، المصالح والامتيازات الممنوحة للدول الأعضاء في عصبة الأمم ، ومن ضمنها حقوق الملكية والنشاط الديني والثقافي والتربوي . وكما هو معروف فان المبشرين الأمريكيين قد أسسوا منذ سنة 1925 مدرسة ثانوية للبنين في بغداد باسم مدرسة الأمريكان كما حاولوا تأسيس جامعة أمريكية في الموصل ولكنهم لم ينجحوا في ذلك حيث أحبط الموصليون المشروع .
9. قبيل صدور قانون المعارف العامة رقم 28 لسنة 1929 ، أظهرت الحكومة الأمريكية قلقها على مؤسساتها التبشيرية والتعليمية خاصة بعد إصرار الحكومة العراقية على مبدأ تفتيش المدارس التبشيرية ، وإلزامها بتدريس اللغة العربية وتاريخ العراق وجغرافيته وقد أخر هذا الموقف الاعتراف الأمريكي بالدولة العراقية .
10. في مجال الآثار والتنقيب كان للأميركان نشاط واضح ، حيث شارك المنقبون الأمريكيون زملائهم الإنكليز والفرنسيين في الاستحواذ على الكثير من آثار العراق .
11. بعد دخول العراق عصبة الأمم في 3 تشرين الأول 1932 ، أنشأت الحكومة الأمريكية مفوضية لها في بغداد ، وأرسلت بول نابنشو Paul Knabensh أول وزير مفوض لها . كما تدخلت في شؤون التعليم في العراق ، وأرسلت بعثة برئاسة الدكتور بول مونرو الذي قدم تقريرا عارض فيه إنشاء جامعة وطنية عراقية لما يمكن أن تخلقه من مشاكل على صعيد تنمية الوعي السياسي . وكان من نتائج زيارة هذه البعثة ، حصول الأمريكيين على رخصة لتأسيس مدرسة ثانوية باسم ( كلية بغداد في حزيران 1932 ) وكذلك على جامعة باسم ( جامعة الحكمة ) . وقد فتحت كلية بغداد أبوابها في 26 أيلول 1932 وضمت صفوفا ابتدائية وثانوية ، وكانت باجور سنوية مرتفعة لذلك اقتصرت على أبناء الأغنياء . أما جامعة الحكمة ، التي أدارها الآباء اليسوعيين ، فقد كانت تقبل في صفوفها خريجي كلية بغداد . وثمة إحصائية تتعلق بالمدارس الأمريكية ترجع إلى سنة 1960 تشير إلى أن عدد طلبة كلية بغداد ، وثانوية بغداد الأمريكية ، وثانوية الرجاء العالي في البصرة بلغ (1487) طالبا وطالبة يدرسهم (121) مدرسا ومدرسة
12. بعد أن تولى رشيد عالي الكيلاني رئاسة الوزارة العراقية في آذار 1940 ، وإصداره قانونا جديدا للمعارف ( التعليم) ، اعترض الأمريكيون على هذا القانون ، بحجة انه يتيح للحكومة العراقية فرض رقابة على المدارس التبشيرية الأمريكية التي أريد لها أن تكون أداة لنشر الأفكار والفلسفات الأمريكية وقد علق الأمريكيون الأمل على تأجيل عبد الإله الوصي (1939 ـ 1953) على العرش ، التصديق على القانون ، لكن العقداء الأربعة ( صلاح الدين الصباغ ومحمود سلمان وكامل شبيب وفهمي سعيد ) ، الذين قادوا ثورة مايس 1941 ، اضطروه للتصديق على القانون المذكور رغم استمرار معارضة الولايات المتحدة له .
13. خلال الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945 ) ازداد الاهتمام الأمريكي بالعراق . ومن ذلك أن الحكومة الأمريكية أوعزت لوزيرها المفوض ( بول نابشو) في مايس /أيار 1940 ، أن يقوم بجولة في المنطقتين الشمالية والغربية من العراق لدراسة ما سمي آنذاك بـ (الوضع العسكري هناك) في أعقاب اجتياح القوات الألمانية للأراضي الفرنسية في هذه الحقبة ، وطلبت منه تقديم تقرير بذلك ، فقد جاء ذلك بعد أن شعر الأمريكيون بان مصالحهم النفطية ، باتت مهددة ، لذلك استقر رأيهم على ضرورة ( دعم مركز بريطانيا في العراق) بأي ثمن .
14. لقد شهدت السنوات 1942 ـ 1945 ، تحولا في السياسة الأمريكية باتجاه الدخول مباشرة في العمليات العسكرية ضد المحور ، بعد أن أدرك الأمريكيون أن النفط العراقي أصبح مسألة تخص الأمن القومي الأمريكي ، لذلك أقدموا على الغـاء( قيادة خدمات الخليج العربي ) ، الأمريكية بغية وضع الخطط مع البريطانيين لإنشاء وصيانة الطرق والموانيء في المنطقة الممتدة من بغداد إلى الهند ، ومن أم قصر في البصرة حتى طهران في إيران كما أقامت القيادة الأمريكية ، في ظل وجود النظام الملكي الموالي للغرب في بغداد ، مراكز لتجميع الطائرات في الشعيبة والحبانية
15. تشير الحقائق إلى أن الولايات المتحدة ، وقفت موقفا مناوئا لثورة مايس 1941 ، وأيدت القيادة البريطانية والعائلة الملكية الحاكمة في تصديها لهذه الثورة . لذلك شملت الحكومة الأمريكية ، في الأول من نيسان 1943 ، العراق ، بمساعدات ما كان يسمى بـ ( الإعارة والتأجير) بحجة أن دفاعه حيوي لدفاع الولايات المتحدة . كما وجه الرئيس الأمريكي روزفلت دعوة رسمية إلى الوصي على عرش العراق الأمير عبد الإله في مايس 1945 لزيارة واشنطن . ووافق الأمريكيون على بيع العراق أسلحة أمريكية . وقد أعرب الأمريكيون عن رغبتهم في مشاركة البريطانيين ، في دعم وتقوية النظام الملكي أولا ، والإبقاء على القواعد الجوية ثانيا ، وقمع القوى الوطنية ثالثا ، لضمان استمرار تدفق النفط بانتظام إلى الولايات المتحدة وأوربا الغربية .
16. في أواسط عقد الخمسينات من القرن العشرين ، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية تنتهج سياسة تطويق الاتحاد السوفيتي ( السابق) بسلسلة من الأحلاف العسكرية . وقد أعلن جون فوستر دالاس وزير الخارجية الأمريكية عن ذلك وقال انه لابد من إقامة حلف عسكري للدفاع عن الشرق الأوسط ضد السوفييت . وأخذت الولايات المتحدة تعمل لترشيح العراق لكي يكون حلقة مهمة في منظومة الأحلاف الغربية . وقد وقعت مع العراق سنة 1954 اتفاقية تعاون عسكري . كما أعدت برنامجا متكاملا لتقديم مساعدات للعراق . وتسارعت الأحداث بقوة ، ليوقع العراق اتفاقية مع تركيا في شباط 1955 واتفاق مع البريطانيين بعد شهرين وقد انضمت الباكستان إلى الاتفاق في تموز 1955 . وفي 3 تشرين الثاني 1955 التحقت به إيران كذلك فأصبح الحلف يدعى بحلف بغداد ولم تشأ الولايات المتحدة ، الانضمام إلى الحلف ، لكنها رغبت في تأسيس لجنة ارتباط سياسية وعسكرية دائمة لها معه . وفي سنة 1957 انضمت إلى لجنة الحلف العسكرية . وقد اتضح للمراقبين والمحللين السياسيين أن العراق ، ومنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية ، أصبح يمثل موقعا استراتيجيا في السياسة الأمريكية المعاصرة . وقد حاولت الولايات المتحدة اتخاذ العراق قاعدة لمواجهة (المد القومي) الذي قاده الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر (1952 ـ 1970) خاصة بعد نجاحه في إقامة كتلة عدم الانحياز اثر مؤتمر باندونغ في نيسان 1955 وضم سوريا إلى مصر وتأسيس الجمهورية العربية المتحدة في شباط 1958 .
17. جاءت ثورة 14 تموز 1958 في العراق التي قادها تنظيم الضباط الأحرار بالتعاون مع جبهة الاتحاد الوطني ، لتنهي توجهات العراق الملكي نحو الغرب . فلقد خرج العراق من حلف بغداد ومن المنطقة الإسترلينية . وكانت الثورة ، حسبما أشار احد المؤرخين الأمريكيين ، ((مفاجأة عنيفة للولايات المتحدة الأمريكية )) ، و ((دليلا على فشل المخابرات المركزية الأمريكية ، وعجزها عن التكهن بما قام به خصوم الغرب )) من العراقيين .
18. كتب السفير الأمريكي في بغداد (ولدمار غولمن) يقول أن قيام ثورة 14 تموز 1958 يعد فشلا ذريعا للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط (16) ، لذلك تحول مركز الثقل الأمريكي الى ايران ، التي استمرت عضويتها في حلف المعاهدة المركزية ( السنتو) ، وهو الاسم الجديد لحلف بغداد بعد خروج العراق منه . وقد تزايدت ضراوة الخصومة بين العراق والولايات المتحدة نتيجة التحالف الأمريكي ـ الإيراني . إذ اندفعت الولايات المتحدة ، بكل ثقلها ، لتسليح إيران على نحو كبير ، كما ان الرأي العام العراقي بدأ يظهر عداءه للولايات المتحدة بشكل واضح ، فضلا عن التخريب الذي تعرضت له السفارة الأمريكية بعد نجاح الثورة صبيحة يوم 14 تموز 1958 ، فان الجماهير استقبلت (روانتري ) وكيل وزارة الخارجية الأمريكية الذي زار بغداد (17) ، وبعد تلك الإحداث مباشرة بالهتافات المعادية للولايات المتحدة وقد أشار ( اندرو تولي) في كتابه ( وكالة المخابرات الأمريكية) ، وطبع سنة 1961 إلى أن الأمريكيين في مواجهة ذلك اخذوا يعملون على إشاعة الاضطرابات في العراق ، فبدأت مرحلة جديدة من تاريخ العلاقات بين العراق والولايات المتحدة ، اتسمت بالسلبية خاصة بعد أن أعلن الزعيم ( العميد) الركن عبد الكريم قاسم ، رئيس الوزراء العراقي ( انه يريد إعادة الكويت إلى العراق : الوطن الأم ) .
19. في عقد الستينيات من القرن العشرين ، وإزاء الصراعات السياسية بين القوى السياسية والحزبية العراقية المختلفة ، بدأت تظهر بعض المحاولات لتنشيط العلاقات مع الولايات المتحدة، وابتدأت هذه المحاولات في كانون الثاني 1963 عندما بدأ ترتيب مشروع الأغذية سنة 1963 وقرض بنك الاستيراد والتصدير المدفوع إلى العراق سنة 1965 . ثم بدأت مفاوضات لعقد اتفاقية السلع الزراعية في شهر كانون الأول 1966 . ولقد جرت محاولات لتجديد الروابط الاقتصادية والتجارية أبان حكومة عبد الرحمن البزاز (1966 ـ1967) ، الذي زار بريطانيا والولايات المتحدة زيارة رسمية رغبة منه في فتح صفحة جديدة وتوثيق علاقات العراق بالغرب . ولكن حرب حزيران 1967 بين الدول العربية وإسرائيل ، أدت إلى إقدام العراق على قطع علاقاته مع الولايات المتحدة ، وتهديده باستخدام النفط سلاحا ضدها لموقفها المضاد للدول العربية ، وتحالفها مع إسرائيل .
20. بعد قيام العراق بتأميم نفطه سنة 1972، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية ، بمواجهة هذا الإجراء من خلال وضع معايير تحدد ما سمي آنذاك بـ ( الخطر المهدد للمصالح الحيوية للولايات المتحدة ) . وقد أوصى (وليم بيري) وزير الدفاع الأمريكي الأسبق في مقدمة تقرير أعدته وزارة الدفاع ((باعتبار خيار التدخل العسكري الأمريكي في المنطقة قائما لحفظ مصالح أمريكا من جهة ، ولمواجهة أي متغيرات تهدد امن واستقرار المنطقة من جهة أخرى)) وقد حدد الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر (1976 ـ1980) ، ذلك فيما عرف بـ ( مبدأ كارتر) حيث ((تعد الولايات المتحدة أي محاولة تستهدف السيطرة على منطقة الخليج اعتداء على مصالحها الحيوية ، وستقوم بالرد على مثل هذا العدوان بشتى الوسائل المتوفرة لديها بما في ذلك القوة المسلحة )) . وقد دفع هذا الولايات المتحدة إلى إنشاء ما سمي آنذاك بـ (قوات التدخل السريع ) . ويشير تقرير لوزارة الدفاع الأمريكية ، الى تطوير القدرة القتالية الأمريكية من ناحية سرعة الانتشار من الحاجة إلى ثلاثة شهور سنة 1980 إلى ثلاثة أيام سنة 1994 .
السياسة الأمريكية تجاه العراق بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية :
ازدادت القطيعة بين العراق والولايات المتحدة طيلة سنوات امتدت بين 1968 و1984 . وكان لتولي حزب البعث السلطة وإعلانه سياسة مضادة للغرب ، اثر كبير في تدهور العلاقات العراقية ـ الأمريكية ، الأمر الذي جعل الولايات المتحدة تخطط لانتهاج ستراتيجية جديدة تقوم على بلورة نظرية سميت في حينه بنظرية الدعامتين Twin Pillars باعتبارها تشكل حلا (لمسالة الحفاظ على الاستقرار في الخليج ) . وجوهر هذه النظرية يستند على تقوية وتسليح كل من إيران والمملكة العربية السعودية ، واعتبارهما ركنين مهمين لحماية المصالح الأمريكية والغربية . وقد وجدت الولايات المتحدة ، الحرب العراقية ـ الإيرانية ، التي اندلعت في أيلول 1980 ، فرصة لتكثيف تواجدها العسكري والأمني في منطقة الخليج العربي ، مع تأكيدها إتباع مبدأ الحياد تجاه الحرب . وقد عبر احد المسؤولين الأمريكيين عن هذا الموقف بقوله : (( ان سياستنا تقوم على مبدأ الحياد .. فنحن ندعم السيادة الإقليمية لكل من إيران والعراق ، ونحن نعتقد أيضا بان أي انتصار عسكري لأي الإطراف سيكون عاملا في عدم استقرار المنطقة بكاملها )) . وقد تأكد ، فيما بعد ، ان الولايات المتحدة ، أمدت طرفي الصراع بالأسلحة ، وجرت في سنة 1984 ، محاولة لإعادة العلاقات العراقية ـ الأمريكية .
(1) بعد انتهاء الحرب في آب 1988 ، بدأت الولايات المتحدة وبوسائل عديدة تسعى من اجل شيطنة العراق ((إظهار العراق ، وكأنه يشكل خطرا على مصالحها في المنطقة )). وفي سنة 1988 ، اعد الجنرال كوليز ، وهو احد مسؤولي وزارة الدفاع الأمريكية دراسة خاصة بعنوان ((استخدام القوة المسلحة في تأمين نفط الخليج )) ، افترض فيها أن العراق يمكن أن يقوم بهجوم عسكري مباشر على إحدى الدول الخليجية . وقال كوليز : (( ان مسالة تدخلنا عندئذ تكون امرا واجبا وحتميا )) . وأضاف : (( ينبغي أن نسعى لإقناع هذه الدول ، او إجبارها اذا لم تقتنع بطلب المساعدة العسكرية الأمريكية ، واذا ما أخفقنا في ذلك ، فاننا لابد أن نتحرك عسكريا ، لفرض سيطرتنا المباشرة على حقول النفط )) . وختم دراسته بالقول : (( ان نفط الخليج لايهم حكام الخليج إلا بالقدر الذي يجعلهم اثرياء ، وانما يهمنا نحن بالقدر الذي نشغل به مصانعنا وابناءنا ومؤسساتنا العسكرية والاقتصادية )) .
(2) في سنة 1989 ، أجريت تدريبات لقطعات عسكرية أمريكية في صحراء موهافي وفي أجواء شبيهة بأجواء المنطقة . كما زار عدد من القادة العسكريين الأمريكيين ومنهم الجنرال نورمان شوارتسكوف ( قائد القوات الأمريكية في حرب الخليج فيما بعد ) ، الكويت ، والقوا محاضرات وقاموا بتدريبات مشتركة مع ضباط من الكويت ، لذلك كله فان الولايات المتحدة منذ مطلع سنة 1990 كانت تتحرك باتجاه الوقوف ضد قدرات العراق العسكرية .
(3) قد أكد الدكتور ( ستود تيركل) مؤلف كتاب "الحرب الجيدة The Good war" ، ان الولايات المتحدة ، بدأت في الشهور الأخيرة من سنة 1989 ، بإطلاق اكبر حملة إعلامية توزع وتنشر فيها التقارير المفصلة والمطولة والمدعمة بالوثائق عن (الروح العسكرية العالية التي خرج بها العراق من حربه مع إيران ) كما قيل وعن ان هذه (الروح) و(القوة المعنوية والعسكرية) لقواته قد بدأت تشيع الخوف والقلق في منطقة الشرق الأوسط . ويستطرد (ستود تيركل) فيقول ان الخبراء الأمريكيون بدأوا يؤكدون في تقاريرهم على أن معلومات المخابرات المركزية تثبت بأن العراق أصبح قادرا على وضع رؤوس نووية او كيماوية في صواريخه بعيدة المدى .
(4) في شباط 1989 ، أكد وليم وبستر مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية على (( إن العراق قد أنتج عدة آلاف من الأطنان من المواد التي تستخدم في القنابل الكيماوية)) . وتضمن كتاب ستود تيركل نص تقرير موثق يرمز إليه بـ (F.S.CIA ) صادر عن (لجنة المعلومات الخاصة ) ، في وكالة المخارات المركزية الأمريكية ، مؤرخ في 13 ايلول 1989 ، جاء فيه : (( إن الجيش العراقي الذي يتألف من أكثر من مليون جندي ، والمدرب تدريبا قاسيا خلال حرب الثمان سنوات مع ايران ، قد بدأ يهيمن على الساحة العربية ، ويهدد أصدقاء وحلفاء الولايات المتحدة في الخليج العربي وقريبا منه, ويختتم المؤلف كتابه بتحذير ورد على لسان الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان كان قد نصح به نائبه الرئيس جورج بوش الأب بان يأخذ نيات وأفكار الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين على محمل من الجد مشددا على وقفه والتحرك ضد ترسانته الحربية وفي وقت مناسب للولايات المتحدة ، مع استخدام جميع الوسائل المختلفة بما فيها القوة العسكرية .
(5) كانت قضية (بازوفت) الصحفي الإيراني الأصل البريطاني الجنسية ، الذي اتهم بجمع المعلومات عن العراق لصالح إسرائيل وإعدامه في العراق بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير ، فلقد ألغت الولايات المتحدة صفقة للحبوب مع العراق في آذار سنة 1990 . وأخذت تصعد من سياستها الإعلامية المضادة للعراق خاصة بعد مطالبة العراق في قمة عمان بالأردن ( 24 شباط 1990) ، بخروج القوات الأمريكية من منطقة الخليج العربي . وفي نيسان 1990 ، استدعت وزارة الدفاع الأمريكية مئة ألف من جنودها لإخضاعهم للتدريب الأساسي ومن ثم إلحاقهم بالسعودية . وفي شهر تموز 1990 قامت الطائرات الأمريكية بتدريب عملي لردع هجوم مفترض تقوم به إحدى دول جنوب غرب آسيا وقد سميت هذه الدولة في التدريبات بأنها العراق وإثناء الإعداد للمناورات التي جرت في ولاية ساوث كارولينا ، حددت القيادة الأمريكية ، هدفا استراتيجيا في العراق يتعين ضربه . وقد تهيأت الفرصة للولايات المتحدة عندما اجتاحت القوات المسلحة العراقية الكويت , وإعلان العراق ضم الكويت وعدها ( المحافظة التاسعة عشر .
(6) قادت الولايات المتحدة تحالفا عسكريا ضم دولا عديدة كان من نتائجه اخراج القوات العراقية من الكويت ، اثر تحالف عسكري قادته الولايات المتحدة وفي عملية واسعة النطاق عرفت باسم ( عاصفة الصحراء) , وقد فرض الحصار الدولي على العراق واستمر طيلة السنوات الواقعة بين سنتي 1990 و2003 وكان حصارا اقتصاديا وعسكريا وسياسيا وثقافيا ونفسيا واعلاميا ، أسهم الى حد كبير في إضعاف قدرات العراق وتسهيل وقوعه تحت الاحتلال الانكلو أمريكي في التاسع من نيسان 2003 .
السياسة الامريكية تجاه العراق بعد تحرير الكويت :
أصدرت وزارة الدفاع الأمريكية وثيقة تضمنت تقريرا بشأن ((التحديات والفرص أمام الولايات المتحدة في الشرق الأوسط )) ، يرجع إعداده الى سنة 1994 ، ثمة تأكيدات كبيرة على ان الظروف التي من شأنها أن تجعل الولايات المتحدة الأمريكية (( القوة المحورية في الشرق الأوسط )) تتلخص بانتهاء الحرب الباردة ، وانهيار الاتحاد السوفيتي ، ونجاح عاصفة الصحراء ، وتحرير الكويت ، وتخليص دول المنطقة من خطر ((انبعاث العراق مجددا، ومن السيطرة الإيرانية على الخليج ، وانجازات الدبلوماسية الامريكية في مجال تعزيز العملية السلمية ودفع الاسرائليين والفلسطينيين الى الحوار )) ويؤكد التقرير انه رغم النجاحات التي حققتها الولايات المتحدة ، إلا أنها ((ترى بأنها ما زالت تواجه سلسلة من الأخطار المتنوعة والتي غالبا ما تكون متداخلة ، ولا تقتصر هذه الأخطار على وجود دول معادية محتملة بل تتعدى ذلك الى وجود اتجاهات وعمليات إقليمية تهدد الاستقرار على المدى البعيد ، فضلا عن وجود اتجاهات سياسية وثقافية إقليمية معادية للغرب . وقد جاء في التقرير ((ان العراق وإيران هما اكبر خطرين على المصالح الامريكية )) ، لذلك يبين التقرير بان سياسة إدارة الرئيس كلينتون هي احتواء كلا الخطرين في وقت واحد وقد عرفت هذه السياسة بـ ( الاحتواء المزدوج) التي ترجع الى سنة 1993 . وتقر هذه السياسة ((بوجود خطر إيراني الى جانب استمرار الخطر العراقي على المصالح الامريكية الحيوية في الخليج العربي ، وتقضي بالعمل على عزل الدولتين من خلال إضعاف قدراتهما الذاتية ، وإضعاف أنظمة الحكم فيهما ، ويتم ذلك بالتعاون مع المجتمعين الإقليمي والدولي)) ويهدف هذا البرنامج الذي اقترحه مارتن انديك مستشار الامن القومي الامريكي الاسبق ودعا الى تطبيقه ، الى ((تعديل سياسات كل من العراق وايران التي تعد معادية للمصالح والتوجهات الامريكية في المنطقة ، او استبدال انظمة الحكم فيهما بانظمة تعدها الادارة الامريكية (معتدلة ) يمكنها التعايش والتعامل مع التوجهات الدولية الجديدة بزعامة الولايات المتحدة الامريكية . ))..
ويرى التقرير : (( انه على الرغم من تدمير اكثر من نصف قدرات الجيش العراقي التقليدية في حرب الخليج (الثانية ) ،الا انه ما زال يمتلك اكبر قوات عسكرية في المنطقة . كما يلاحظ التقرير بان العراق قد أعاد بناء كثير من البنية التحتية لصناعته العسكرية التقليدية ، وانه اذا رفعت الأمم المتحدة رقابتها عليه ، سيتمكن من استئناف إنتاج الصواريخ البالستية والاسلحة الكيماوية والبيولوجية خلال عام واحد ، وسيتمكن من تطوير سلاح نووي في اقل من عشر سنوات )) . ثم يبين التقرير (( أن الإسلام الراديكالي هو الخطر الرئيس على العالم الغربي الديموقراطي بعد انتهاء الحرب الباردة )) . وأضاف (( ان الشرق الاوسط هو المنطقة الاهم في العالم التي تبرز فيها الحاجة الى الحد من انتشار اسلحة الدمار الشامل ... وهناك ثلاث دول من اكثر الدول خطرا من هذه الناحية وهي : العراق وايران وليبيا موجودة في الشرق الاوسط ...)) ولم يشر التقرير الى امتلاك إسرائيل ترسانة لأسلحة الدمار الشامل .
اعد كينيت كاتزمن ، وهو محلل في شؤون الشرق الاوسط ـ قسم الدفاع القومي والشؤون الخارجية ، في الولايات المتحدة الامريكية سنة 1994 دراسة عن ((واقع العقوبات ضد العراق وخيارات السياسة الامريكية حيالها )) . اكد فيها بان العراق لايزال يعد ((مصدر خطر يهدد المصالح الحيوية في الشرق الاوسط )) . ويقول : ((بان الولايات المتحدة تعتمد بشكل كبير على عقوبات الامم المتحدة التي فرضت بموجب قرارات عديدة على العراق بعد غزوه للكويت لمنع بروزه كمصدر تهديد عسكري لجيرانه على المدى البعيد . وتتضمن تلك العقوبات حظرا تجاريا وتدميرا لاسلحة الدمار الشامل من قبل لجنة خاصة للامم المتحدة .
كان الحظر التجاري يسبب تكاليف اقتصادية باهضة لجيران العراق ودول اخرى غير دول الشرق الأوسط وألمحت الدراسة الى وجود دعوات متزايدة لتخفيف العقوبات في هذا المجال عن العراق وتعيد الدراسة النظر في الجدال الذي تنامى حول ذلك ويعرض عددا من الخيارات ويقول ان مجلس الامن الدولي ، اتخذ مجموعة من القرارات نتيجة لحرب الخليج واهمها قرار 678 في الثالث من نيسان 1991 المعد بالدرجة الاولى لانهاء برامج اسلحة العراق ذات الدمار الشامل ، ومنع اعادة بنائها . وقد اوجد القرار المذكور هيئة جديدة للامم المتحدة وهي اللجنة الخاصة المكلفة بإزالة خطر برامج اسلحة العراق ذات الدمار الشامل والتي سلمت من الحرب ، واقامة نظام متطور باستمرار للتثبت من الحقائق
أما القرار 661 في 6 آب 1990 ففرض حظرا على صادرات العراق وخاصة صادرات النفط والتي تشكل 98% من مجموع صادراته . ثم توالت القرارات فخلال المدة من 12 آب 1990 و 29 تشرين الثاني 1990 اصدر مجلس الأمن (12) قرارا ضد العراق ، وحتى شباط 1992 اصبح عدد القرارات (24) .
وضع كاتزمن خيارات سياسية امام الادارة والكونغرس الامريكيين لاحتواء العراق على المديين القصير والطويل . وقال ان معظم الخيارات تنطوي على مخاطر وتكاليف كبيرة تتحملها الولايات المتحدة ، والتي يمكن مقارنتها مع الفائدة المحتملة من احتواء العراق ومنها منع العراق من بيع نفطه واجازة مبيعات النفط وتشديد عقوبات اخرى والاحتواء العسكري والفعال وابعاد الرئيس العراقي صدام حسين . وقال : (( يعتقد الذين يؤيدون الجهود الحثيثة للاطاحة بنظام صدام ان السياسة تمثل الطريقة المثلى لتقليل التهديد المستمر من قبل العراق ، ومع ذلك حاور البعض ان الاطاحة بصدام تزعزع المنطقة وتشجع تدخلا ايرانيا في جنوب العراق ، وتقلق تركيا التي لديها عدد كبير من السكان الكورد المتململين . ويشير مؤيدو محاولات تغيير النظام الى ادلة واضحة بان العقوبات ماضية في اضعاف صدام لدرجة تمكن من استبداله )) . ويضيف بان المؤتمر الوطني العراقي وهم الجماعة الرئيسية للمعارضة العراقية ، ( ويشكل من الكورد والاصوليين الاسلاميين الشيعة وضباطا عسكريين سابقين وقوميين ومجموعات ذات اقلية ) ، بحاجة الى التمويل . كما ان ((تقوية معارضة صدام الاقليمية خاصة في الشمال الكوردي ، حيث القاعدة السياسية للمؤتمر الوطني العراقي ، والجنوب الشيعي ) ، يعد واحدا من الخيارات التي يمكن اخذها بنظر الاعتبار . واشار الى ان البعض اقترح (( ان تحث الولايات المتحدة على تخفيف انتقائي للعقوبات في شمالي العراق لتقوية الكورد وتزويدهم بموارد انسانية اكبر . وتضمن بيان للكونغرس شيئا من ذلك في نسخة مجلس الشيوخ من وثيقة تفويض وزارة الخارجية للسنة المالية 1994 ، وكذلك في تقرير التشاور حول تلك الوثيقة ، ووافق المجلسان على تلك الوثيقة المصادق عليها . في 30 نيسان 1994 ووقع 23 عضوا في مجلس الشيوخ على رسالة للرئيس كلينتون حثوه فيها على تخفيف الحظر في الشمال ، وتتضمن خيارات تقوية الشيعة في جنوب العراق ، تحويل منطقة الحظر الجوي الجنوبية الى منطقة عسكرية مقصورة ، تكون فيها القوات العسكرية العراقية عرضة لهجمات التحالف . كما اشارت تقارير صحفية الى ان الولايات المتحدة خصصت مبلغ 40 مليون دولار كتمويل سري للجماعات المعارضة لنظام الحكم في العراق في السنة المالية 1993 .
إعلان منطقتي حظر الطيران العراقي وتأثيراتهما :
تذرعت الولايات المتحدة الامريكية في نيسان 1991 ، عندما أعلنت منطقة حظر الطيران شمال خط عرض 36 درجة بأنها تسعى الى خلق ملاذ آمن للسكان العراقيين من الكورد النازحين الى تركيا من شمال البلاد في اعقاب قيام الجيش العراقي بعملياته العسكرية هناك ، وقد وضعت قوات امريكية وبريطانية محمولة جوا في قاعدة أنجرليك التركية اول الامر باسم (قوات المطرقة) ثم باسم (قوات مراقبة الشمال) . كما اقدمت الولايات المتحدة وبريطانيا بعد ذلك على فرض حظر جوي في المنطقة الواقعة جنوب خط العرض 32 درجة ( جنوبي العراق) في 27 آب 1992 . وقد بلغ مجموع الطلعات الجوية المسلحة التي نفذتها الطائرات الامريكية والبريطانية منذ 17 كانون الاول 1998 وحتى اواخر تشرين الثاني 2002 (44892) طلعة جوية مسلحة . وقد كان لفرض منطقتي حظر الطيران العراقي في شمال البلاد وجنوبها اثر كبير في زعزعة استقرار العراق ، واضعافه وتهديد استقلاله وسلامته الاقليمية على الرغم من استمرار احتجاج الحكومة العراقية السابقة على ذلك واعتبار منطقتي الحظر غير شرعيتين كما استطاعت الولايات المتحدة استخدام اللجنة الخاصة المكلفة بمتابعة ملف اسلحة الدمار الشامل العراقية في الحصول على المعلومات عن العراق وإثارة ألازمات وخلق الذرائع للتدخل في شؤون العراق الداخلية وتهديد وحدته
في 16/17 من كانون الاول 1998 ، شنت الولايات المتحدة الامريكية حملة عسكرية على العراق استمرت اربعة ايام اطلق عليها ثعلب الصحراء. كما صدر قرار من مجلس الامن برقم 1284 بضغط مباشر من الولايات المتحدة وبريطانيا نص على تشكيل لجنة باسم ( لجنة الرصد والتحقق والتفتيش(انموفيك) لتحل محل اللجنة الخاصة (اليونسكوم) التي انشئت بموجب الفقرة 9 ب من القرار 687 (1991) ولكن بصلاحيات اوسع . وفي القرار 1284 حددت مهمة ( لجنة الانموفيك) ، وابرزها انشاء نظام معزز للرصيد والتحقق في وسائل نزع سلاح العراق . وقد استفادت الولايات المتحدة من هذه اللجنة ، كما قال سكوت ريتر ، كبير المفتشين ، في الحصول على معلومات استخباراتية واسعة النطاق عن العراق .
تحدث المسؤولون الامريكيون عن أن عام 1999 ، سيكون ( عام الحسم ) في العراق ، وعقدوا مع اعضاء في الكونغرس اجتماعات مع بعض اشخاص المعارضة العراقية في الخارج قرب لندن وسموا منسقا امريكيا هو ( فرانك ريتشارد دوني) للاشراف على تلك الاجتماعات كما اقر الكونغرس قانون باسم "قانون تحرير العراق" علما أن القنتالدولي لايجيز التدخل بالشؤون الداخلية للدول الاعضاء، وردد (روبرت بلليترو) يوم9 ايار 1999، وهو مساعد لوزير الخارجية الامريكي آنذاك ((بان العراق يمثل في نواح معينة صورة مصغرة عن تحديات السياسة الخارجية الامريكية للسنوات المقبلة ، وهو تحد متعدد الاوجه والجوانب في دولة ذات اطار جيوستراتيجي خطير بالنسبة للولايات المتحدة في اعظم مناطق مصالحها على الاطلاق
كما دعمت الادارة الامريكية جهودها هذه من خلال رعاية المؤتمرات التي عقدتها (احزاب المعارضة العراقية) ومنها على سبيل المثال ، المؤتمر الذي انعقد بين 29 تشرين الاول الى الاول من تشرين الثاني 1999 برعاية مادلين اولبرايت وزيرة الخارجية الامريكية في نيويورك . وقال عضو الكونغرس الامريكي ( بوب كاري) : ((ان سياسة احتواء العراق قد فشلت ، واعترف بان حكومته تعمل على تغيير نظام الحكم في العراق ، والاتيان بنظام جديد وفي ربيع سنة 2000 عقدت ( المجموعة الرئاسية) الامريكية للدراسات ، وهي مجموعة تتألف من أعضاء في الحزبين الامريكيين الرئيسيين ( الحزب الجمهوري والحزب الديموقراطي) ، وهم من رجال الدولة وكبار دبلوماسييها ومشرعيها القانونيين وعلمائها ومثقفيها وخبرائها ، وذلك لكي تنظر في حالة الشرق الاوسط . وكان الجهد المنبثق عن هذا الاجتماع هو الرابع من نوعه تحت رعاية ( معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى) . وقد وضعت دراسة بعنوان : ((السياسة الامريكية في الشرق الاوسط )) قدمت الى الرئيس الامريكي جورج دبليو بوش ، قبل احداث الحادي عشر من ايلول 2001 . ومما جاء فيها ان هناك ثلاث مقومات لردع الحرب الاقليمية لعل من ابرزها التأكيد على الشراكة الاستراتيجية الامريكية ـ الاسرائيلية ، والتعامل مع الدول العربية المؤيدة للغرب ، واخيرا ردع خصوم الولايات المتحدة وفي مقدمتهم : العراق الذي ينبغي ان تفهم قيادته ((بان الولايات المتحدة قادرة على قيادة ردود الافعال السياسية والعسكرية اذا حاول تهديد الاطراف الاقليمية او ابتزازها .. او اذا استغل الاوضاع الراهنة لكي يحصل على مكاسب عسكرية في الشمال ...)). ويطلق التقرير على العراق وايران ((التهديدان الرئيسيان ضد المصالح الامريكية في المنطقة )) وقال واضعو التقرير وابرزهم انطوني ليك ، وجوزيف ليبرمان ، والكساندر هيغ وماكس كابلمان : (( ان افضل مطمح لمصالح الولايات المتحدة ومصالح الشعبين في هذين البلدين ( العراق وايران) هو التغيير السياسي العميق .. ان التغيير في العراق سيحصل بشكل شبه مؤكد ولكن عن طريق العنف ... ولاضعاف النظام وجعله اقل مناعة، يتعين تطوير استراتيجية شاملة ذات خطوات فعالة للضغط على نظام صدام حسين على عدة جبهات ... ويتعين توضيح التهديد الذي يمثله هذا النظام ضد المصالح الامريكية .. ويتوجب تنوير الاصدقاء والحلفاء بخطورة التهديد العراقي .. ويمكن ان تكون مجموعات المعارضة العراقية عنصرا اضافيا في احتواء صدام . وقد تساهم هذه المعارضة في اسقاطه .. ويتوجب تزويد المعارضة بدعم مالي وعسكري واعلامي كاف .. بدءا بالاحزاب الكوردية في الشمال
بعد احداث الحادي عشر من ايلول سنة 2001 ، ازدادت الادارة الامريكية إصرار وتشديد على عزل العراق ، وتغيير نظامه . وقد اشار الرئيس الامريكي جورج دبليو بوش في خطابه الذي القاه امام الجمعية العامة للامم المتحدة يوم 13 ايلول 2002 ، ((ان الامم المتحدة اذا لم تتحرك ضد العراق فان امريكا مستعدة للتحرك فالعراق يمثل خطرا كبيرا على حياة الملايين من البشر )) و((العراق يخفي معلومات مهمة عن برنامجه النووي )) و((العراق التف على العقوبات ، واشترى تقنية متقدمة وأسلحة بالستية )) وتلك المبررات الأساسية لغزو العراق
وفي العاشر من تموز 2003 قدمت ( مؤسسة راند للدراسات ) تقريرا وضعه ( لوران مورافيتش) المحلل الاستراتيجي فيها الى ( هيئة السياسة الدفاعية في وزارة الدفاع الامريكية ) ، ويتكون التقرير من اربع وعشرين نقطة خصصت لدراسة الوضع في المنطقة العربية . ويخلص التقرير الى اقتراح ما يصفه بانه ( الاستراتيجية الكبرى للشرق الاوسط ) . ويقول التقرير بان ( العراق هو المحور التكتيكي ) ، و( السعودية هي المحور الاستراتيجي ) و( مصر هي الجائزة ) . ولايقول كيف ولا باية طريقة ولا متى ، الا انه يرسم صورة قاتمة للاوضاع في العالم العربي تدل ، مما لايدع مجالا للشك ، على ان الولايات المتحدة عازمة على اجراء تغيرات جوهرية في المنطقة ، وفي كانون الثاني 2003 وقف كولن باول وزير خارجية الولايات المتحدة الاسبق امام مؤسسة التراث Hertiage Foundation ليعلن عن ( مبادرة الشراكة الامريكية مع الشرق الاوسط ) US- Middle East Partnership Initiative تتضمن قيام الولايات المتحدة بالمساعدة على اقرار اصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية في بلدان الشرق الاوسط .
احتلال العراق في 9 نيسان 2003 ونتائجه :
بذلت الولايات المتحدة الامريكية قبل غزوها للعراق في 20 آذار 2003 ، لاسقاط النظام السياسي القائم فيه في التاسع من نيسان 2003 ، جهودا حثيثة في مجلس الامن للحصول على غطاء شرعي لما كانت تنوي فعله ، ولكنها فشلت فقررت خوض الحرب خارج اطار الشرعية الدولية , وتحالفت مع بريطانيا وبعض الدول الاخرى الموالية لها بما يسمى تحالف الراغبين.
كانت خطة الحرب هي الجزء الثاني من خطة ( عاصفة الصحراء التي طبقتها في حرب الخليج الثانية 1991) . وقد اشار بوب وودوارد Bob woodward في كتابه : ( خطة الهجوم ) Plan Attack الذي اصدره سنة 2004 الى ان الخطة مكتوبة في 20 صفحة بعنوان ((خطة العمليات 1003 )) مضافا اليها 20 ملحقا مكونا من 600 صفحة تتضمن الامور اللوجستية والاستخبارات والعمليات البرية والجوية وقال : انه بعد الحادي عشر من ايلول 2001 ، ربط الرئيس الامريكي جورج دبليو بوش بين ( الارهاب) و( غزو العراق) واضاف : ((انه ليس من الضرورة ان نعثر اولا نعثر في العراق على اسلحة الدمار الشامل .. لكننا نفهم طبيعة صدام حسين وقدرته على ايذاء امريكا )) وذكر وود وارد ان كونداليزا رايز مستشارة الامن القومي الامريكي السابقة وزيرة الخارجية الحالية ، قالت انه (( بالرغم من عدم العثور على اسلحة الدمار الشامل حتى اليوم في العراق ، الا ان النتائج على المدى الطويل في العراق ، اكثر اهمية )) ... وكما قال الرئيس بوش ((فاننا خلقنا عراقا حرا ديموقراطيا مزدهرا ... وكانت الحملة على العراق رائعة ، اذ تم انجازها ، كما قال بول ولفويتز، نائب وزير الدفاع الامريكي الاسبق ، باقل قدر من الخسائر البشرية الامريكية . كما ان الحرب جرت دون تدخل اسرائيلي ، ولم يتم استخدام اسلحة دمار شامل ، ولم يحدث تدمير لحقول النفط العراقية ، ولم يحدث تدخل خارجي من قبل ايران او تركيا ، ولم تقع اضطرابات عرقية ... هذا هو الجانب الايجابي من الحرب ضد العراق ... ان الحرية هي طموح انساني في العالم كله ....))
بعد انتهاء العمليات العسكرية الكبرى وجدت الادارة الامريكية نفسها امام مشكلتين اولاهما انها لم تكن تمتلك خطة واضحة تساعد في السيطرة على الاوضاع في العراق خاصة بعد قرار سلطة الائتلاف Coalition Provision Authority (CPA) التي شكلتها لادارة العراق برئاسة السفير بول برايمر ،الذي حل الجيش العراقي والاجهزة الامنية والاستخباراتية وفتح الحدود العراقية على مصراعيها . وقد ادى ذلك الى خلق حالة من الفوضى والارتباك وعدم الاستقرار لانزال حتى كتابة هذه السطور نعيش تبعاته .
والمشكلة الثانية التي اصبحت تواجهها الولايات المتحدة في العراق ، هي انها صارت وجها لوجه امام عمليات مقاومة وطنية واسلامية ( سلمية وشرعية مسلحة) ليس من الممكن والسهولة اخضاعها لذلك اتجهت الى مجلس الامن ، وتمكنت من الحصول على القرار 1483(2003) ، الذي عدها دولة محتلة تترتب عليها تبعات وواجبات متعددة ، ولعل في مقدمتها السعي باتجاه تشكيل سلطة او حكومة وطنية . وفي 13 تموز 2003 اقدمت على تشكيل مجلس الحكم من ممثلي الاحزاب السياسية العراقية التي كانت على صلة بها بشكل او بآخر قبل سقوط النظام السابق ، وهي حركة الوفاق الوطني وحزب المؤتمر الوطني العراقي ، والمجلس الاعلى للثورة الاسلامية ، وحزب الدعوة الاسلامية والاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الشيوعي العراقي والحزب الديموقراطي الكردستاني والحزب الاسلامي العراقي وشكلت مجلس استشاري منهم للحاكم المدني سمي مجلس الحكم . وفي الاول من ايلول 2003 ، تشكلت الحكومة العراقية الانتقالية . وفي 8 آذار 2004 ، اصدر مجلس الحكم (قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية ) . وقد اكد القانون على ان المرحلة الانتقالية تبدأ في 30 حزيران 2004 وتنتهي عند تشكيل حكومة عراقية (منتخبة) بموجب (الدستور دائم) وذلك في موعد اقصاه 31 كانون الاول 2005 .
1. صدر عن مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في 23 كانون الاول 2003 تقرير وضعه الخبير الاستراتيجي الامريكي ( انطوني كورد سمان) ، اشار الى الاخطاء الكبيرة التي وقعت فيها الادارة الامريكية في العراق بعد الاحتلال وابرزها ( حل الجيش العراقي) و( الفشل في ايجاد توازن بين القوى السياسية) و( التشجيع على مبدأ المحاصصة الطائفية) و( الفشل في ضبط الامن وتحقيق الاستقرار ) و ( الفشل في ايجاد موازنات جديدة في العلاقات مع جيران العراق تكفل عدم تهديدهم له او تدخلهم في شؤونه . واخيرا ( عدم القدرة على اعادة الاعمار) و( الفشل في تفعيل الخدمات الضرورية للمواطنين كالماء والكهرباء والتعليم والصحة ) .
2. نشرت مجلة (الشؤون الخارجية Forein Affaris) الامريكية في اعدادها التي صدرت بين ايلول ـ تشرين الاول 2004 وتشرين الثاني ـ كانون الاول 2004 ، وكانون الثاني ـ شباط 2005 ، سلسلة دراسات كتبها اساتذة واكاديميين امريكيين متخصصين بالشأن العراقي كشفوا فيها ما اطلقوا عليه ( اخطاء الادارة الامريكية في العراق) ومنها القرار بحل الجيش العراقي (مايس 2003) . ومن ابرز الذين كتبوا هذه الدراسات (روبرت تكر ) و ( وديفيد هندرسون ) و( لاري دياموند) .
3. كشفت مجلة الاهرام العربي الاسبوعية المصرية في الرابع من حزيران 2005 عن انها حصلت على نص وثيقة امريكية سرية تتالف من (30) صفحة اطلق عليها ((خريطة الطريق العراقية )) بشأن خروج القوات الامريكية من العراق في نهاية السنة الحالية 2005 . وقالت المجلة ان الخارطة تتضمن اربعة عناصر تتمثل بـ ( عقد مؤتمر مصارحة ومصالحة عراقية ، وصياغة بروتوكول واتفاق تفاهم شرف مشترك ، وتبني مشروع مارشال عالمي لاعمار العراق ، على ان تصبح القوات العسكرية الموجودة الان في العراق تحت قيام الامم المتحدة وتتحول الى قوات حفظ سلام ) . واوضحت الخطة انها تسمح بقدوم قوات عسكرية من دول عربية واسلامية الى العراق لحفظ الامن وتدريب الشرطة والجيش العراقيين لحين اتمام العملية السياسية ، وكتابة الدستور الدائم . واشارت المجلة الى ان الوثيقة وضعت من قبل ارفع الشخصيات والقيادات والتيارات السياسية العراقية الحكومية فضلا عن الجماعات المعارضة والرافضة للاحتلال .
وقد بدأت تظهر في الكونغرس الامريكي دعوات للانسحاب من العراق ومواجهة الخسائر التي باتت تعاني منها القوات الامريكية ( اكثر من 1500 قتيل) كما عقد الكونغرس جلسات استماع آخرها جلسة يوم 19 حزيران 2005 وتحدث فيها عدد من المتخصصين بالشأن العراقي امثال الدكتورة فيب مار والدكتور نوح فيلدمان والسيدة جودي فان رست والسناتور جوزيف بايدن . وقد تاكد في الجلسة تنامي القناعة لدى المسؤولين الامريكيين بضرورة حل مشكلة العراق واشراك كل اطياف المجتمع العراقي في العملية السياسية والابتعاد عن الدخول في التفاصيل المثيرة للجدل والسعي باتجاه تاجيلها . وقد بدأت بعض المصادر تتحدث عن محادثات بين مسؤولين دبلوماسيين ورجال استخبارات امريكيين من جهة وبعض اطراف المقاومة العراقية للخروج من المأزق الحالي في العراق .
خـاتـمـــــة
بعد احتلال العراق وسقوط النظام السابق , كشف تقرير مشترك لكل من وزارتي الخارجية والدفاع الأمريكيتين ، تم تقديمه الى الرئيس جورج دبليو بوش في 20 كانون الاول 2003 عن ((ان الولايات المتحدة لم تقم بغزو العراق كي تنسحب منه ، ولكنها ذهبت من اجل مصالح واهداف يجب ان تحققها )) . واوصى التقرير بعدد من الاجراءات لتحقيق هذه المصالح والاهداف واهمها وفقا لنص ذلك التقرير ((ان تسهم الولايات المتحدة وبشكل مباشر في تحديد معالم النظام السياسي المستقبلي في العراق بما يضمن وجود اصدقاء للولايات المتحدة في مراكز مهمة في النظام السياسي المزمع اقامته ، وعدم التسرع في سحب القوات الامريكية من المدن قبل تأمين الاوضاع السياسية وقبل انتقال هذه القوات الى قواعد عسكرية دائمة في العراق والتعامل مع هذه القواعد العسكرية باعتبارها من اهم ضمانات النفوذ الامريكي في العراق والحيلولة دون عودة العراق الى سابق عهده )) ومن هذه الاجراءات كذلك ربط العراق بعد قيام الحكومة الدستورية بابرام سلسلة من الاتفاقيات تشمل الجوانب الامنية والدفاعية وقضايا النفط وتحرير التجارة بين العراق والولايات المتحدة وتوسيع السفارة الامريكية في بغداد بحث يصل عدد العاملين فيها الى مالا يقل عن 3000 امريكي وفي اختصاصات امنية واستخباراتية .
وقد اتهم جورج كيري المرشح الديموقراطي الذي نافس بوش في انتخابات الرئاسة الامريكية الاخيرة بوش بان يبعث برسائل خاطئة الى الشرق الاوسط والعالم الاسلامي الذي يعتقد الان ان الولايات المتحدة تسعى لغزوه كله ، ودلل على ذلك باقدام واشنطن على بناء (14) قاعدة دائمة في العراق وقال ((اعتقد ان جزءا مهما من النجاح في العراق هو قدرتنا على اقناع العراقيين والعالم العربي بان ليست لامريكا اية خطط طويلة ضدهم . وحسب فهمي ليس هذا هو الوضع الحالي ، فنحن نبني 14 قاعدة عسكرية هناك الان وبعض الناس يقولون ان لها جانبا يجعلها دائمة ...
ومعنى هذا كله ان الولايات المتحدة بعد ان احتلت العراق ، بدأت تعمل من اجل تحويله الى مرتكز ومحور للتغيير في المنطقة كلها وتنفيذ (مشروع الشرق الاوسط الكبير) الذي يعد الركيزة الاساسية في (المشروع الامبراطوري الامريكي) كله . وقد اكد هذه المسألة المؤرخ الامريكي المعروف بول كنيدي حينما اشار الى ان احتلال العراق قد ساعد الولايات المتحدة على اطالة عمرها ، وتنفيذ اهدافها ولمئة سنة قادمة , واكد ذلك احد المراقبين الغربيين حينما شبه جورج دبليو بوش بالاسكندر الذي ما ان وضع يده على العراق حتى بدأ في بناء امبراطوريته . وتذهب كوندليزا رايس وزيرة الخارجية الامريكية هذا المذهب فتشير في مقال لها بعنوان (( تأملات في التحول المنتظر بالشرق الاوسط ) ، نشرته صحيفة الواشنطن بوست في عددها الصادر بتاريخ 7 آب 2005 فتقول : ((ان العراق ، بعد حدوث التغيير الشامل فيه ، يمكن ان يصبح عنصرا اساسيا في منطقة الشرق الاوسط مثلما اصبحت المانيا العمود الفقري لاوربا الموحدة الحرة )) . (51)
هل يتحقق هذا الذي تدعو اليه كونداليزا رايس في ضوء التطورات التي يشهدها العراق حاليا حيث التضارب بين من يرى ( ان العملية السياسية واقامة الدولة الدستورية الفدرالية التعددية هي الحل لمشكلة العراق ) . وبين من يرى ( ان المقاومة المسلحة هي السبيل لتحقيق الاستقلال واجبار القوات الاجنبية على الانسحاب من العراق) ففيما يتعلق بالحل الاول فان العملية السياسية قائمة على قدم وساق ، والاعداد للدستور ، من قبل هيئة اعداد تضم كل تكوينات الشعب العراقي ، يسير في طريقه المرسوم له ، وثمة تعجل امريكي لانجاز الدستور يبدو واضحا وخاصة بعد الزيارة الاخيرة لوزير الدفاع الامريكي لبغداد دونالد رامسفيلد ، الاربعاء 27 تموز 2005 .
ومما اكده رامسفيلد بعد اجتماعه مع الدكتور ابراهيم الجعفري رئيس الوزراء العراقي وفي مؤتمر صحفي (( ان الوقت قد حان لتعزيز العملية السياسية وان ثمة احتمال لانسحاب القوات الاجنبية المعروفة الان بـ ( القوات متعددة الجنسيات) في الربيع القادم . وقد اعلن جورج كايسي قائد القوات الامريكية في العراق: ((ان تخفيض القوات الامريكية ممكن ، اذا استمرت العملية السياسية في السير على مسارها الايجابي ، واذا استمر تطوير القوات الامنية )) .
ومن جانبه قال الدكتور الجعفري (( انه من الضروري الا تتفاجأ الحكومة العراقية بانسحاب قوات الاحتلال )) مشددا على ضرورة التنسيق مع الحكومة لتهيئة الظروف المناسبة .
وتبقى القضية الصعبة الاخرى وهي الاسلوب الذي يمكن ان يستخدمه الامريكيون لمواجهة ( المقاومة المسلحة ) في العراق . وهنا كشف مسؤول سابق في وزارة الدفاع الامريكية وهو ( الجنرال جاك كين ) ، بان : (( الولايات المتحدة لديها صورة جيدة لقيادة المجموعات المسلحة ، فيما لاتمتلك معلومات واضحة عن الكوادر الوسطى والصغرى)).
واوضح كين في تجمع نظمه ( معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى ) ((نعرف من هم ... ان القادة المسلحين يجتمعون معا ولقد سجلنا ذلك ليس فقط في العراق وانما في الاردن وسوريا )) . وتشكل ملاحظات كين اضاءة نادرة حول مدى العمليات التي تقودها الولايات المتحدة ضد الجماعات المسلحة في العراق . ونقلت صحيفة ((واشنطن تايمز )) عن كين قوله : ان الارقام عن قتل واعتقال مجاميع من المسلمين زادت على ال(50) الفا خلال السبعة اشهر الاخيرة . وقد سبق لكين ان قدم العراق مرتين بمنصبه العسكري ومرتين كمدني ، وذلك لتقييم التطورات الامنية بطلب من الجيش الامريكي . واوضح كين ، انه ليس لديه علم بحجم الجماعات المسلحة ، لكنه استدرك انه على الرغم من الاف التحقيقات التي اجريت ، والتقارير التي رفعت ، فان تكوين صورة واضحة عن تركيبة الكوادر الوسطى لهذه الجماعات لم يعد ممكنا حتى الان .
واضاف كين (( ان المسلحين يعتقدون انه باستطاعتهم الحفاظ على المعدل الحالي لوتيرة العنف لنحو 10 اعوام مقبلة ))
السؤال الذي يطرح نفسه الان ، هو كيف سيتمكن العراقيون ، من تكييف انفسهم بطريقة تساعدهم في تحقيق اهدافهم المتمثلة بانسحاب القوات الاجنبية ، وتحقيق الاستقلال ، واستكمال اعادة بناء الدولة والمجتمع وفق معايير وطنية .. وفي حالة عجزهم او فشلهم في الاستجابة للمتغيرات الخطيرة التي عصفت وتعصف ببلدهم فانهم سوف يتحملون وزرا وخطيئة لايمكن ان تغفرها لهم الاجيال القادمة .. نأمل في ان يستطيع العراقيون ، وهم شعب متحضر ، وواع ، ويمتلك ارادة صلبة ، تجاوز ماهم فيه وبأقل التضحيات .. لننتظر ونرى .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق