مصطفى جلبي الصابونجي
أول شركة زراعية في الموصل
أول شركة زراعية في الموصل
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث -جامعة الموصل
شهد العراق في النصف الثاني من عشرينات القرن الماضي، قيام بعض شركات التنمية الزراعية . وتعد هذه الشركات ، نظراً لضخامة رؤوس الأموال التي تستثمر فيها مظهراً من مظاهر التطور الرأسمالي .
استاذ التاريخ الحديث -جامعة الموصل
شهد العراق في النصف الثاني من عشرينات القرن الماضي، قيام بعض شركات التنمية الزراعية . وتعد هذه الشركات ، نظراً لضخامة رؤوس الأموال التي تستثمر فيها مظهراً من مظاهر التطور الرأسمالي .
ولئن عرفت بغداد ، أول مشروع للاستثمار الزراعي الحديث سنة 1924 ، والمتمثل بمشروع أصفر نسبة إلى الدكتور نجيب أصفر الذي تقدم بالمشروع ، فان الموصل كانت السباقة في هذا المجال ، ففي مطلع سنة 1920 تشكلت في الموصل أول شركة استثمار زراعية مساهمة باسم شركة مزارع الموصل المتحـدة ( موصل فا رمز ليمتد ) وقد نقلت لنا جريدة الموصل في عددها الصادر في 24 آذار 1920 خبر تأسيس الشركة قائلة : بأنها تأسست لكي " تنشئ المزارع المنظمة ، وتستجلب أدوات الحراثة الحديثة " ثم أوردت قائمة بأسماء أعضاء الهيئة المؤسسة وذلك على النحو التالي :
1- الكولونيل جي . إم برج ناظر الزراعة في الموصل رئيساً 2- مصطفى جلبي الصابونجي 3- قاسم أغا بـن نامـــق أفندي 4- الحاج حسين جلبي حديد 5- الحاج محمد علي جلبي 6- عبد الرحمن أفندي الرمضاني 7- انطوان أفندي زبوني 0 8- بيوس أفندي زبوني .
أمـا رأسمـال الشـركة ، فـكان عنـد تأسيـسها يبـلغ ( 300,000 ) ثلاثمائة ألف روبية ( الروبية تساوي آنذاك 75 فلساً ) ويتوزع على ثلاثين ألف سهم ، قيمة كل سهم ( 10 ) روبيات . ولقد حصلت الشركة بموجب عقد امتياز أمده ( 30 ) سنة مع الحكومة على بعض الأراضي التابعة لمديرية الأملاك المدورة ، والأملاك المدورة هي تلك الأراضي التي أجبر السلطان العثماني عبد الحميد الثاني ( 1876- 1909 ) على التنازل عنها ، وكانت تسمى بالأراضي السنية ، أثر ثورة 23 تموز 1908 الدستورية ، فدورت ، وصارت تعود للخزانة العامة. وتنحصـر الأراضي التي حصلت عليها الشركة بقريتي الجرف والذيبانيـة الواقعتين في سهل خصب على الضفة اليسرى من نهر دجلة شرقي مدينة الموصل وعلى بعد ( 60 ) كيلومتراً من آثار النمرود . وتبلغ مساحة قرية الجرف ( 17 ) مليون متراً مربعاً أي ( 6433 ) دونم . أما مساحة قرية الذيبانية فتبلغ أربعة ملايين متراً مربعاً أي ( 1598 ) دونماً .
ثم تابعت جريدة الموصل في عددها الصادر في 16 تشرين الثاني 1921 أخبار (( الشركة الزراعية )) . ونشرت مقــالاً بعنوان :(( حياتنا الزراعية )) كتبه يونان عبو اليونان ، أشار فيه إلى أن الشركة (( جلبت المكائن اللازمة لشق الأراضي وسقي المزروعات الصيفية ، وغير ذلك من الآلات الفنية )) . وأضاف كاتب المقال يقول : (( ولسعد الحظ ، فقد تشكلت في الموصل ، بعد أن حالت دونها عقبات كؤود ، أول شركة زراعية حديثة في العراق وذلك بهمة مديرها العام الكولونيل برج ، والإرادة المتينة التي أبرزها مديروها الوطنيون العاملون إزاء المنتقدين ...)) .
وعادت جريدة الموصل في عددها الصادر في 21 تشرين الثاني 1921 لتقول: (( بان الشركة اليوم تملك ساحبتين لحرث الأرض ، ولبذر الحبوب ، ولحصاد الزروع ... وآلة قوية لرفع الماء من النهر لري المزروعات الصيفية قطرها 12 أنج وقوتها 20 ولبذر الحبوب ، ولحصاد الزروع ... وآلة قوية لرفع الماء من النهر لري المزروعات الصيفية قطرها 12 أنج وقوتها 20 حصان تخرج في الدقيقة 3200 غالون ماء ..
كان للشركة هيئة إدارية مؤلفة من المدير العام برج ، وعبد الرحمن الرمضاني ، ونجيب الجادر ، ورؤوف شماس ، وقسطنطين بيو وكان آنذاك مديراً للبنك العثماني ( تأسس سنة 1863 ).
لم تلاق الشركة نجاحاًَ كبيراً ، ولم يكن إقبال الناس عليها شديداً . فمنذ البدء أشارت جريدة الموصل في عددها الصادر في 13 حزيران 1921 إلى أن اغلب الملاك قد تخلوا عن الشـركة (( تلافياً لما قد ينشأ عنها في خفض أسعار الحبوب في الـمستقبل )) . ولكن هذا قد يكون جانباً من المشاكل والصعوبات التي واجهتها الشركة ، فهناك عقبات رئيسة أخرى أشار إليها الأستاذ الدكتور عماد ألجواهري في كتابه الموسوم " تاريخ مشكلة الأراضي في العراق 1914ـ 1932 " ، حين تحدث عن مشروع أصفر ، وتتلخص هذه العقبات بالمشاكل الناجمة عن حقوق الأراضي والتصرف في المياه ، هذا فضلاً عن أن أبناء الشعب لم يقابلوا أمثال هذه المشاريع بالارتياح لارتباطها بالشركات الاستثمارية الأجنبية . ويضيف الدكتور ألجواهري إلى ذلك قوله : أن فشل مشاريع إنمائية تعتمد التطور الرأسمالي اساساً لها ، لم يكن يعني في الواقع غير أن البلاد ذات الاقتصاد ألمعاشي ، والعلاقات الاجتماعية القبلية كانت ما تزال غير مستعدة لقبول مثل هذه الاستثمارات الكبيرة في القطاع الزراعي وكان على الحكومة آنذاك إذا ما أرادت السير على سياسة كهذه أن تسعى إلى حل التناقضات الكبرى المتعلقة بحقوق التصرف بالأراضي وإيجاد سبل أكثر فعالية لتقنين العمل الزراعي لذلك ، فان مثل هذه المشاريع ، وللعوامل المارة الذكر ولظروف الأزمة الاقتصادية التي واجها العراق آنذاك متأثراً بالأزمة الاقتصادية العالمية أواخر العشرينات من القرن الماضي ، فشلت واضطرت إلى تصفية أعمالها .
ومهما يكن من أمر ، فان الرسالة ـ الوثيقة التي بعثها أحد مساهمي الشركة وهو يوسف عبيدة من البصرة ومؤرخة في 25 حزيران 1924 إلى بهجت قليان أحد مدراء الشركة في الموصل تكشف لنا جانباً من الارتباك الذي كانت تعيشه هذه الشركة. ومما جاء في الرسالة ـ الوثيقة : (( أخبركم أن فائق ابن أخي يعقوب كتب إلي مؤخراً انه وصل إليه مكتوب من شركة الزراعة في الموصل به يعرفونه انه لم يدفع الـ(800 ) الروبية الباقية عليه من ثمن حصصه المائة وينذرونه بوجوب الدفع 000 فلا أقدر ان أصف لكم مزيد الاستغراب الذي شملني من هذا الخبر . فهل هذا هو انضباط هذه الشركة التي وصفتم لي مكانتها من الدقة والثقة والانضباط ، فهل بلغ الشتات والتبعثر إلى حـد أنها لا تحوي دفاتر للدراهم المقبوضة عن قيمة الحصص . أما جنابكم احد مديري هذه الشركة ، فكيف يكتبون مكاتيب على التيه بدون مراجعتكم ، أو ما جنا بكم كنتم الوسيطين في قبض الدراهم وإعطاء أوراق الحصص بواسطة البنك العثماني ... فهل كانوا قد أعطوا أوراق الحصص مجاناً بدون ثمن أم أن حساباتهم محفوظة في ضمائرهم بدون دفاتر ، ونسوا ما قبضــوا أم أن الدفاتر أتلفت وتمزقت وصاروا يتشبثون بمثل هذه التشبثات ، في الحقيقة إني لم أرى ولم اسمع بانعقاد شركة على هذا النمط من الشتات ( والخربطة ) ، فبما أن حضرتكم احد مديري هذه الشركة فواجب الذمة يلزمكم ان تفحصوا وتدققوا أعمال هذه الشركة المبعثرة صيانة لحقوق أهل الحصص لأنه إذا كان مثل هذا الحساب البسيط ، أي بيع حصص وقبض دراهم عن ثمنها توجد مثل هذه الأغلاط الشنيعة مع أنهم أعطوا أوراق الحصص ... فمن ذلك يستدل ان حسابات الشركة غير صحيحة وواجب تدقيقها ... ))
إن أية محاولة لكتابة التاريخ الاقتصادي والاجتماعي للعراق تتطلب الحصول على المصادر الأولية ، بمختلف أنواعها وتجميعها في المكتبات العلمية تمهيداً لوضعها بين أيدي الباحثين لدراستها . ومن هنا ندعو جميع من لديه أية معلومات عن هذه الشركة ، بضرورة تقديمها للمكتبات ولدور الوثائق خدمة للحقيقة والتاريخ .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق