الشيخ محمد علي الياس العدواني :وقفة استذكار
ا.د. إبراهيم خليل العلاف
أستاذ التاريخ الحديث –جامعة الموصل
منذ زمن بعيد ،وأنا أريد أن اغتنم فرصة لأكتب عن الرجل الذي أحبه الجميع ..كان شيخا فاضلا،ومربيا متميزا ، وشاعرا يشار اليه بالبنان ، ومؤرخا فذا، وفقيها ومحدثا ونسابة ومعلما ولغويا وكاتبا وأديبا ..انه الشيخ الأستاذ أبا عبد الوهاب محمد علي ألياس بن رجب العدواني الموصلي الذي أختطفه الموت من بيننا سنة 2001 .وأتذكر أن مركز دراسات الموصل وفي عهد مديره الأستاذ الدكتور الصديق مزاحم علاوي الشاهري ،أقام له حفلا تأبينيا كبيرا بالتعاون مع الاتحاد العام للأدباء والكتاب في نينوى ،واصدر المركز كراسا حمل عنوان : "العبرة والاستذكار كلمات وقصائد الشيخ محمد علي الياس العدواني 1340-1422 هجرية الموافق 1920-2001 ميلادية" . وفي هذا الكراس قال الأستاذ الدكتور مزاحم علاوي الشاهري أن الأستاذ الشيخ العدواني : "جمع دراستين في وقت واحد ..وتفوق ..ورحل ليكمل رحلته العلمية في الأزهر الشريف ..نال الإجازة العلمية من الشيخ عبد الغفار الحبار ..وحفظ كتب المادة عن ظهر قلب وظل يؤمن أن المذاكرة هي حياة العلم ..وابتدأ رحلة أخرى ليدرس في مساجد الموصل ومدارسها (المدرسة الفيصلية الدينية ) ، ويشهد له بذلك أولاده الذين رباهم وأولاده الذين من صلبه ... " .وأضاف : " هذا الشيخ يحمل جبلا من علم ولايتعب ظل مع الذي يحب،يواصل علم الفضل وواسطة الدهر وقرارة الأدب والعلم ومجمع الدراية والفهم حتى تعبت عيناه ..كان الكتاب صاحبه ..شاحذا لذهنه وأنيسا لوحدته ..ترعرع على طلب القران وحبه منذ أن قرأ على يدي والده في قرية السلامية قبل أن ينتقل في السنوات الأولى من عمره إلى الموصل المدينة ... " .
ولد سنة 1920 وتوفي سنة 2010 ،وعبر السنوات المحصورة بين الولادة والوفاة ،كانت ثمة حياة مليئة بالتجارب والحكم والمواقف ولازالت كلماته ترن في أذني عندما امتدح أمامي ، شاعرا فتيا سمع لأول مرة قصيدة له : " إنهم أولادنا !! " وكان يقصد أن من واجبنا رعايتهم ومساعدتهم وإفساح المجال لهم للتعبير عن أنفسهم ، بل وخلق الفرص لهم لكي يجدوا في ساحة الشعر موقعا ..هكذا كان العدواني الكبير في علمه، وخلقه ،وتواضعه ،وحلمه، وصبره .
كتب عنه الأستاذ الدكتور عمر الطالب في موسوعته "موسوعة أعلام الموصل في القرن العشرين " قائلا أن الأستاذ الشيخ العدواني بدأ دراسته الابتدائية في مدرسة السلامية وأتمها في مدرسة (الوطن) بالموصل حين رحلت أسرته إليها، وبعد أن باع والده أراضي فلاحته في القرية وينتمي والده الياس بن رجب العدواني إلى قبيلة العدوان، وأخواله من قبيلة البو بدران وقد توفي والده عام 1971 وتوفيت أمه عام 1940. وقد قرأ القرآن على والده منذ أوائل صباه، وحين أتم الدراسة الابتدائية في السلامية وفي مدينة الموصل، دخل المدرسة الفيصلية الدينية في عهد مديرها الشيخ عبد الله النعمة، وكان من شيوخها:مصطفى أمين الفتوى، وأخذ طرفاً من علوم اللغة العربية ولا سيما النحو من الشيخ عثمان الجبوري، وقرأ التجويد على الشيخ محمد صالح الجوادي في جامع الرابعية، ودرس المواريث على الشيخ أحمد الجوادي، وقرأ علم المنطق والحكمة على الشيخ عبد الله النعمة، وقد أجازه الشيخ النعمة في علوم (المادة) وهي العربية وفنونها والفقه وأصوله والحديث والتفسير وأصولهما، ولديه إجازة أخرى في علوم المادة من الشيخ عبد الغفور الحبار الموصلي.
مارس محمد علي العدواني كتابة الشعر والنثر والتأليف الفقهي والتاريخي واللغوي ونشر نتاجاته في الصحف المحلية والقطرية، وبدأ نشاطه الأدبي في جريدة (فتى العراق) الموصلية منذ سنة 1948 .
رشحه الوجيه مصطفى جلبي الصابونجي ليكون ضمن البعثة العلمية التي أرسلها إلى الازهر الشريف على نفقته الخاصة وبدأ رحلته إلى مصر سنة 1943 ودخل كلية الشريعة فيها، وأخذ عن شيوخ أجلاء أمثال محمود شلتوت، ومحمد محمد المدني، ومحمد مأمون الشناوي، ومحمد أبو سنة، وأحمد حمروش، وعبد الرحيم فرغلي ، وآخرون. وقد جمعته زمالة علمية هناك بعدد من الأفاضل بينهم:الشيخ سيد سابق صاحب كتاب (فقه السنة)، وأحمد الشرباصي الأديب المعروف، وكان قد صحبه في الرحلة إلى مصر نخبة من الطلبة الموصليين الذين كان لهم أثر كبير في الحركة الثقافية في الموصل منهم محمد محمود الصواف، ومحمد عبد الله الحسو، وصالح أحمد المتيوتي وآخرون وأنهى دراسته في الأزهر سنة 1947، وعاد من مصر إلى موطنه .
من مؤلفاته المنشورة:
1-اعتقاد أهل السنة والجماعة، للشيخ عدي بن مسافر الأموي رسالة حققها بالاشتراك مع الشيخ إبراهيم النعمة ونشرت عام 1974 عن وزارة الأوقاف.
2-أرجوزة الضاد والظاء في القرآن الكريم، لأبي نصر محمد بن أحمد الفدّ وفي، حققها ونشرها في مجلة الرسالة الإسلامية التي تصدرها وزارة الأوقاف.
3-بلغة المحتاج في مناسك الحاج، لجلال الدين السيوطي، حققها ونشرها بالاشتراك مع صفوك المختار.
4-المنهج المشهور في تلقيب الأيام والشهور، للشيخ شعبان بن محمد الآثاري، حققها ونشرها في مجلة المورد في عددها التذكاري بمناسبة بدء القرن الخامس عشر الهجري.
5-الغزوات النبوية، أرجوزة نشرها في مجلة الرسالة الإسلامية، وقد شرحها ابنه الاستاذ الدكتور عبد الوهاب ونشر الشرح بعنوان :(الغزوات النبوية، شهورها القمرية وسنواتها الهجرية) في مجلة المورد العدد المشار إليه اعلاه .
6-الجبال والامكنة والمياه في شعر المتنبي، نشر في مجلة المورد في عددها التذكاري عن أبي الطيب المتنبي .
7-الحدود والتعزيز في الفقه الإسلامي، نشرتها مجلة الجامعة ثم نشرتها رابطة العلماء، في الموصل مستقلة
. 8-دراسة عن شعبان الآثاري الموصلي، نشرت في عددين من مجلة الرسالة الإسلامية.
ومن أعماله المخطوطة:
1-معجم مؤلفات الموصليين
2-رسائل في الأصول والمنطق والعلوم
3-معجم ما يحل ويحرم من الحيوان عند المسلمين في غير حال الضرورة.
4-تقريب الصدد بذكرى عبد الصمد، حرره في تذكار ولده عبد الصمد الذي فقد عام 1986 في منطقة الفاو، ابان الحرب العراقية الإيرانية.
5-تعليق على مختصر صحيح الإمام الترمذي.
6-ارجوزة في سيرته الذاتية
. 7-تحقيق السيرة النبوية لعزالدين بن بدر الدين بن جماعة الكناني
. 8-ديوان شعره وقد جمع قسمه الأول وأعده للنشر منذ أواخر الخمسينات من القرن الماضي .
9-رونق الذهب في نسب عدوان من العرب.
كما كتب مقالات ودراسات ومراث عن كثير من الشخصيات الإسلامية أمثال الامام الاوزاعي والشيخ شعبان الاثاري الموصلي والشيخ عبد الله النعمة والشيخ احمد الجوادي والشيخ بشير الصقال والشيخ محمد محمود الصواف والشيخ ذنون البدراني والشيخ عبد العظيم قاسم .
بعد عودته من دراسته في الأزهر الشريف عرض عليه العمل في القضاء إلا أنه فضل التدريس وبدأ حياته مدرساً للغة العربية والتربية الدينية في الإعدادية الغربية ، وبقي فيها دون أن يغادر العمل يوماً واحداً حتى طلب احالته على التقاعد سنة 1983وفي هذه المدرسة زامل أساتذة أفاضل لعبوا أدواراً مهمة في التوجيه التربوي والثقافي في المدينة أمثال الشاعر إسماعيل حقي فرج والشاعر أحمد قاسم الفخري، والأستاذين عبد الرزاق الشماع وعبد العزيز توفيق وغيرهم. وقد شهد فيها صعود بعض طلبته إلى إدارتها والتدريس فيها مع مرور الأيام. ومن طلبته فيها ممن كان لهم بعدئذٍ شأن علمي وثقافي: الشاعر الدكتور هاشم الطعان، والخطاط المشهور يوسف ذنون والدكاترة حازم عبد الله خضر وأحمد قاسم الجمعة وتوفيق سلطان عبد الرحمن اليوزبكي وحكمت البزاز .
وصفه احد زملائه في التدريس وهو الدكتور غانم سعيد حسن بانه كان بحق " مكتبة متجولة " وقال : " لم اشعر في يوم من الأيام انه كل أو عجز عن أسئلتي أو أسئلة غيري ،فصدره رحب ، وعلمه غزير سواء على مستوى الشريعة أو اللغة العربية " .كتب الأستاذ العدواني المقالات الكثيرة في قضايا اللغة كما وقف عند الحروف العربية وعيوب اللسان والمستشهد به من شعر امرئ ألقيس، وحذف نون الأفعال الخمسة في حالة الرفع لغة فصيحة والجبال والأمكنة والمياه في شعر المتنبي .كتب في الحظر والإباحة في الفقه والإجازات بالأسانيد .
يعد محمد علي العدواني واحداً من شعراء الموصل كثيري الانتاج، تعثر على شعره في صفحات الجرائد المحلية القديمة والحديثة ولا سيما جريدتي فتى العراق والحدباء (الموصليتين ) ، يقول الأستاذ الدكتور عمر الطالب في تحليله شعر العدواني انه معروف بالتزامه القصيدة العمودية فضلاً عن جزالة اللفظة وقوة العبارة . ويتوزع شعره الديني بين المديح النبوي الشريف، والقصيدة الإصلاحية الدينية، وقصيدة المناسبات الدينية، وقصائد التأمل الديني في الوجود والحشر.
أبنه الدكتور حيدر محمود عبد الرزاق في جريدة الحدباء (الموصلية ) بعددها الصادر يوم 12 تموز 2001 أي بعد ثلاثة أيام من وفاته رحمه الله بقوله : " انتقل إلى جوار ربه يوم الاثنين الثامن عشر من شهر ربيع الثاني 1422 هجرية الموافق لليوم التاسع من شهر تموز 2001 ميلادية المغفور له الشيخ الجليل الأستاذ الشاعر محمد علي الياس العدواني عن عمر قارب الثمانين عاما قضاها في طلب العلم ..طالبا ومعلما وبفقده تكون الموصل قد فقدت واحدا من رجالها المعروفين في مجالات العلوم العقلية والنقلية . فضلا عن كونه شاعرا لم يترك مناسبة دينية فيه .كان وفيا لمعارفه فقد رثى اساتذته ومشايخه وزملائه وطلابه الذين سبقوه...وظل يواصل الكتابة في علوم العربية كافة لم تفتر همته رغم كبر سنه وقد نشرت له جريدة الحدباء ، مقالاته وقصائده على مدى العشرين سنة الماضية ".
رثاه ولده الأستاذ الدكتور عبد الوهاب العدواني بقوله :
مضى ..ما قضى من دهره وطرا
غير الوفاة ..وأبقى بعده الذكرا
فمن يطيق على هم ..على كمد
على الفجيعة ..أن ينساه مصطبرا!؟
من بعد ما ملا الدنيا بحضرته
وزان من طيب ما اعطى بها السيرا
يا سيدا مخض العصر الفضاء جوى
عشرا ..وسبعين حولا أدنت القدرا
أذلت دهرك بالزهد الشفيف به
فما ازدهاك وقد أوسعته حزرا
وغاب في قبره الميمون في دعة
كأنما الجنة العليا به ابتدرا
ما كان أشجعه روحا ..واصلبه
شكيمة ..فسلوا الساحات ما ابتكرا
وما افاض وما اعطى وما زرعت
كريمة يده ..تستنزل المطرا
حتى استبدت به أوصاب علته
وما استكان ..ولكن القضاء جرى
كل يوم كان المرحوم يعبر الجسر الرابع سيرا على الاقدام وهو الشيخ المسن فيما يعجز كثيرا من الشباب عن ذلك
ردحذفأنا أحد أبناء قبيلة العدواني وانه لشرف لي أن أعلم أن من أبناء عمومتنا هذا الرجل العلم ، كما يحزنني أني لم أعرف عنه إلا بعد رحيله للرفيق الأعلى ونحن قبيلة حجازية ارتحلنا لسواحل الخليج وسكن معظمنا الكويت وباقي مدن المملكة العربية السعودية .. فرحم الله الشيخ وأسكنه فسيح جناته .
ردحذف