الخميس، 16 سبتمبر 2010

قلعة حلب ..استذكار تاريخي


قلعة حلب.. استذكار تاريخي


ا.د.ابراهيم خليل العلاف
مركز الدراسات الاقليمية/جامعة الموصل


احتفل العالم بحلب عاصمة للثقافة الإسلامية.. وقد نظمت على هامش الاحتفالات ندوات ومؤتمرات ومعارض كشفت جميعها عظمة هذه المدينة العربية، وأصالتها، ودورها في التاريخ الإنساني.. ومن الطبيعي أن تتوجه الأنظار إلى قلعة حلب الحصينة فهي علم بارز من معالم حلب.. وقد وزع بهذه المناسبة كتاب للأستاذ الدكتور شوقي شعت أمين المتحف الوطني بحلب بعنوان ((قلعة حلب : دليل أثري تاريخي)).. ويتضمن الكتاب حقائق ومعلومات غزيرة عن تاريخ قلعة حلب، وبعد توسع المدينة صارت القلعة اليوم في وسطها تقريبا.. وشكل القلعة جبل هرمي قد فرش سفحه بالبلاط وقمته بسيطة دار عليها سور متشعث جدا محيطة ألف ذراع تقريبا فيه عدة أبراج وبدنات متقدمة عليه إلى سفح الجبل. وقد تغنى الشعراء بقلعة حلب واصفين جمالها ومتعتها. وقد بنى البطل صلاح الدين الأيوبي مؤسس الدولة الأيوبية الكثير من العمائر في قلعة حلب كما سبق للحمدانيين الذين كانوا يحكمون الموصل آنذاك ، وفيها عاش المتنبي وأبو فراس، الشاعران العظيمان كما عاش الموسيقي والفيلسوف أبو نصر الفارابي وأبن نباته الواعظ وابن جني النحوي وابن خالويه اللغوي. ويعد سلوقس أول من أقام القلعة في مكانها وهو مرتفع طبيعي يشرف على المدينة إلا أن المصادر التاريخية تقول أن القلعة أقيمت قبل ذلك بكثير. وتضم القلعة (حمام نور الدين زنكي، المستودعات، المسجد الصغير، المسجد الكبير، الثكنة العسكرية، المستودعات الشرقية، القصر الملكي، قاعة العرش.. وكان القصر الملكي أو القصر الأيوبي من أجمل المعالم فيها وهو بطابقين وله باب جميل تعلوه مقرنصات بديعة تتوسطها كتابة أضيفت أليه في العصر المملوكي حوالي عام 769هـ/1367م وذلك عند جر الماء إليه وبناء صهريج كبير. وثمة تحصينات عسكرية وأبراج، وللقلعة سور كبير يحيط بها وقد زود بعدد من الأبراج المتقاربة تكثيفا وتمكينا لعملية الدفاع. وقد بلغ عدد الأبراج (44) برجا وزودت بعناصر الدفاع الأخرى مثل فتحات السهام ويبلغ محيط سور القلعة قرابة كيلومتر واحد ويبلغ ارتفاع بعض البدنات (12) متر ويحيط بالقلعة خندق واسع يبلغ عرضه نحو (26) مترا وعمقه قرابة (9) أمتار وكان يملأ بالماء وقت تعرض المدينة للحصار ليكون حاجزا مائيا يمنع المهاجمين من اقتحام القلعة أو يعرقل زحفهم أليها. وتضم القلعة مجموعة من الكتابات موزعة على الأبواب والأبراج ومداخل المساجد وواجهاتها وعلى مدخل القصر الأيوبي ومن الطريف إن الكتابات عبارة عن مراسيم وأوامر سلطانية وأوقاف ولوحات تدشين وكتابات وتجديد وترميم لا براج وأبنية يعود بعضها إلى العهد الروماني (1024م) وبعضها إلى العهد ألنوري (سلالة نور الدين زنكي المجاهد الإسلامي المعروف وقد لقب بالملك العادل (1146م) وبعضها الآخر يعود إلى العهد الأيوبي (سلالة صلاح الدين الأيوبي والذي انتهت في عهده الدولة النورية وقد حكم الأيوبيون الشام ومصر والجزيرة واليمن ومن تلك السلالة التي أسسها الملك الظاهر غازي بحلب الذي أهتم بها وبنى الكثير من العمائر في قلعتها. وقد شهدت حلب في عهود الحمدانيين والنوريين والأيوبيين بناء المدارس والمستشفيات والجوامع والتحصينات، وتفخر حلب اليوم بأنها أغنى في العالم الإسلامي كله بالمباني الأثرية الإسلامية وخاصة تلك التي تعود إلى العهدين الأيوبي المملوكي. ومن الكلمات التي زين بها القصر الأيوبي وقاعة العرش بالذات بيتين من الشعر هما : لصاحب هذا القصر عز ودولةوكل الورى في حسنه يتعجببنى في زمان العدل بالجود والتقى محاسنه فاقت جميع الغرائبلقد خضعت قلعت حلب للترميمات، وجرت فيها عملية تنقيب مستمرة. كما وضعت الخطط لترمم أسوارها وأبراجها وتحصيناتها المائلة والمسجدين وقاعة العرش والثكنة العسكرية وغيرها من المباني وأسهم في التنقيبات الأثرية نخبة من علماء الآثار والمنقبين العرب والأجانب وتبدو القلعة اليوم شامخة شموخ التاريخ الإسلامي، عظمتها تدل على عظمة دورها السياسي والفكري والديني، وقد أكدت الوثائق المتداولة أن قلعة حلب رمز سلطان المدينة وعنوان قوتها، كيف لا وحلب نفسها ذات موقع استراتيجي تحكمت ردحا من الزمن في طريق التجارة العالمي منها ما يعرف بـ( الممر السوري العظيم) ومنذ فجر التاريخ، فهي حلقة اتصال بين سوريا والعراق والخليج العربي والأناضول وموانىء البحر المتوسط.. كما أن حلب تفخر بأنها غنية اقتصاديا، ومصدر ثراها ليس التجارة وحسب بل أنها قامت على ضفة نهر قويق اليسرى، وهي لذلك تتوسط منطقة زراعية تنتج الحبوب والزيتون. وأخيرا حظيت حلب باهتمام المؤرخين البلدانيين العرب والأجانب، فثمة كتب ودراسات عديدة حولها لكن ما كتبه أبنائها يظل مصدرا ثرا لها ومن أبرز الذين اهتموا بالتاريخ لها ابن الشحنة محمد الحلبي المنفي في (الدر المنتخب في تاريخ مملكة حلب)، وكمال الدين ابن العديم،((زبدة الحلب في تاريخ حلب))، وكمال ألغزي في ((نهر الذهب في تاريخ حلب)) ومحمد راغب الطباخ في أعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء وصبحي صواق في ((قلعة حلب قوة وجبروت)). واليوم فان أبناء الموصل يقصدون حلب ويتمتعون بالعيش فيها، وهم بذلك يستعيدون ذكريات أجدادهم فحلب والموصل توأمان لا ينفصلان فقد عاشا التاريخ معا فتحية لحلب وهي تحتفل باختيارها عاصمة للثقافة الاسلامية وتحية لاهلها .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

فاروق عمر فوزي وكتابه : تجربتي في الكتابة التاريخية بقلم : الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف

  فاروق عمر فوزي وكتابه : تجربتي في الكتابة التاريخية الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف أستاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل أجا...