مركز الدراسات الإقليمية بجامعة الموصل ..قصة التأسيس والتطور عبر 25 عاما (1985-2010 )
أ.د.إبراهيم خليل العلاف
أستاذ التاريخ الحديث-جامعة الموصل -العراق
تعد مراكز البحوث اليوم في العالم مستودعات للتفكير وللرأيThink Tanks. والأمم المتقدمة تولي المراكز البحثية كل اهتمام.. وصناع الرأي من سياسيين وبرلمانيين وقادة وغيرهم يرجعون إلى هذه المراكز، ويستفيدون من البحوث والدراسات التي تقدمها .وعلى هذا الأساس نجد أن الدولة في العراق، عندما شعرت بأهمية المراكز البحثية، قررت إنشاء عدد منها، وباختصاصات مختلفة. وقصة تأسيس مركزنا، ترجع إلى أيام الحرب العراقية –الإيرانية، وفي منتصفها بالذات..إذ ظهرت الحاجة إلى إنشاء مركزين بحثيين الأول يهتم بالشؤون التركية في الموصل، والثاني يهتم بالشؤون الإيرانية في البصرة وفيما يتعلق بمركزنا الذي سمي بمركز الدراسات التركية في حينه فقد أسس بموجب القرار رقم 10 لمجلس وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الصادر في 24 آب 1985 ومنذ صدور القرار ،شمر الأساتذة المتخصصين بالتاريخ والاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة الموصل عن سواعدهم ووضعوا أسس هذا المركز وخططوا لعمله .وابتدأ العمل في ظروف صعبة.. لكن المركز ظل يحث الخطى، ويعقد الندوات، والمؤتمرات والحلقات النقاشية ويصدر الكتب والدراسات ، وباشر في تكوين مكتبة تركية وأرشيف تركي . كما اصدر كتابا عاما عن تركيا بعنوان : "تركيا المعاصرة " أسهم فيه عدد من الباحثين ..كل ذلك بهدف العمل على تطوير العلاقات مع جارتنا الشمالية ..تركيا وتوعية المواطن في العراق بقيمة دور هذه الدولة وأهمية توطيد الصلات معها على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية .
وفي أوائل التسعينات من القرن الماضي ،وفي ذروة تفكك الاتحاد السوفيتي السابق ،توسع اهتمام المركز باتجاه جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية ،والعالم التركي .وفي 17 أيلول 2003 وجدنا أن الضرورة العلمية والوطنية تقتضي توسيع عمل المركز ليشمل كل دول الجوار للعراق ،العربية وغير العربية ..وهكذا أصبح اسم مركزنا: مركز الدراسات الإقليمية .
لقد وضعنا - عند بدأنا للعمل في المركز- معيارين نزن بهما كل دراساتنا وبحوثنا وإصداراتنا. وهذين المعيارين هما :الرؤية العلمية الموضوعية،والثوابت الوطنية وهكذا أصبحت كل نتاجاتنا تصدر وفق هذين المعيارين المهمين.
لقد أصبحت لنا علاقات مع الكثير من المراكز المتناظرة داخل العراق وخارجه. وفي حزيران –يونية الماضي كان لنا ندوة مشتركة مع مركزين بحثيين تركيين هما مركز اتاتورك للدراسات والبحوث ومركز الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية (أورسام ) في أنقرة حول مستقبل العلاقات العراقية –التركية . وقد تخلل الندوة لقاءات مع الأساتذة المتخصصين في تركيا ومع المسؤولين في جامعة غازي،وفي الأرشيف العثماني في اسطنبول وقد تقرر تنظيم ندوتين مماثلتين الأولى في الموصل والأخرى في بغداد يحضرها الأساتذة في تركيا .
لقد أكدنا في تلك الندوة ،وفي كل الأنشطة العلمية التي ننظمها،على أننا نعمل وطيلة ال25 سنة الماضية من أجل تقديم الدراسات والبحوث والكتب والندوات والمؤتمرات التي تُتابِع الشأْن العراقي ومُحيطَهُ الإقليمي وبهدف تطوير علاقات العراق بجيرانه ووضع المقترحات الكفيلة بتوسيع و (تشبيك) هذه العلاقات، وبالشكل الذي يحافظ على استقلال العراق ،ويضمن مصالحهِ الوطنية العليا ،ويحول دون تدخل الآخرين في شؤونه، مع العمل الجاد والحثيث لجعل علاقات العراق بجيرانه، وفي كل الأصعِدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، على أحسن مايكون.
ونحمد الله ،أن المركز، بالمعايير التي وضعتها أدارته ، قد نجح في أن يكتسب مصداقية، ليس من الإِخوة والأشِقاء في المراكز العلمية المتناظرة داخل العِراق وخارجهُ ،وإنّما من صنّاع القرار، ووسائل الإِعلام المخلية والعربية والدولية ، التي تُتابِع نشاطاته وتقاريره وآرائِه ومواقفهِ أولاً بأول.. لذلك حظي المركز بالتكريم والإشادة مرّات عديدة، وحصل على المرتبة الأولى من بين (14) مركزا بحثيا في العراق سنة 2004.. كما كُرِمَ في عيد العلم الأخير (6 نيسان – ابريل 2010) من قبَل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بشهادة تقديرية موقعة من السيد الوزير الأستاذ الدكتور عبد ذياب العجيلي أكدت تقدير الوزارة ((لجهود المركز المبذولة في خدمة البحث العلمي، وتميزه بالنشاط العلمي الثر)).
لقد أصدر المركز قرابة 46 كتابا تناولت قضايا العلاقات العراقية التركية والعربية التركية ، ومشكلة المياه و جمهوريات اسيا الوسطى والعلاقات التركية مع إسرائيل، والقضية الكردية في تركيا وسوريا ، والعلاقات التركية الخليجية ،ومشكلة دارفور، والحكومة الالكترونية والأحزاب الإسلامية، والتجارة الخارجية لتركيا ،وسياسات التكييف الهيكلي في تركيا، وخصخصة الاقتصاد العراقي، والأمن المائي العربي والدستور العراقي، والتكتلات الإقليمية، والإصلاح والتغيير في الشرق الأوسط ،وصنع القرار في العراق ودول الجوار، والنظام السياسي العربي والعلاقات العراقية –الأميركية، والقدرات النووية في الشرق الأوسط ،والنزاع الإماراتي –الإيراني حول الجزر الثلاث، والخليج العربي، والمغرب العربي ،ومشكلة الصحراء، وتجربة حزب العدالة والتنمية في تركيا، واتجاهات النمو الاقتصادي، والأزمة المالية العالمية .
ويقوم المركز بنشاطات متعددة منها تنظيم المؤتمرات حيث يتم عقد مؤتمر علمي كل سنتين، وعقد المركز لحد الآن (6) مؤتمرات علمية .كما اعتاد المركز على عقد ندوات علمية سنويا وعلى هذا الأساس تم عقد (31) ندوة علمية حتى الوقت الحاضر . وفي أواسط شهر كانون الثاني المقبل يصدر المركز تقريرا استراتيجيا يتضمن رؤاه حول السياسات العراقية وسياسات دول الجوار تجاهه .
وبالإضافة إلى ذلك، يقوم المركز بعقد حلقات نقاشية (Seminars) اسبوعياً تغطي المواضيع التي تصب ضمن اهتمام المركز. ويستضيف المركز خلال هذه الحلقات بعض الأساتذة والباحثين من خارج المركز للاشتراك في هذه الحلقات .
إلى جانب النشاطات الأخرى التي من خلالها يشارك الأساتذة والباحثين في المركز في المؤتمرات والندوات التي تعقد داخل جامعة الموصل وبعض الجامعات العراقية الأخرى.. أو التي تعقد خارج العراق. كما يسهم الأساتذة في المركز في إلقاء محاضرات داخل جامعة الموصل وبعض الجامعات العراقية الأخرى.. بالإضافة إلى الإشراف على طلبة الدراسات العليا (الماجستير والدكتوراه) والتدريس في جامعة الموصل وخارجها.
وللمركز مجلة علمية أكاديمية محكمة تصدر بواقع 4 أعداد في السنة باسم "دراسات إقليمية". وفي المركز مكتبة تضم وثائق ودراسات تتعلق بتركيا وإيران والدول العربية المجاورة للعراق. كما أن له موقعا متميزا على شبكة الانترنت رابطه التالي :
ويضم المركز 25 باحثا متخصصا في علوم السياسة والتاريخ والاقتصاد والقانون والإعلام. ويصدر المركز نشريات علمية شهرية عديدة منها: "متابعات إقليمية" و"الراصد الإقليمي"، و"تحليلات إستراتيجية" و"قراءات إستراتيجية" و"ترجمات إقليمية" و"أوراق إقليمية". وترصد كل تلك النشريات أوضاع العراق وعلاقاته بدول الجوار العربي والإقليمي والدولي.
وعلى صعيد البحوث والدراسات، فقد أصدر المركز قرابة 700 بحثا ودراسة. واستقبل المركز عبر مسيرته الطويلة شخصيات سياسية وفكرية فضلا عن عدد كبير من طلبة الدراسات العليا داخل العراق وخارجه. كما يحرص على توفير البحوث والدراسات لمن يطلبها من الباحثين في الدول العربية.
وقد أتاحت الاتفاقيات التي عقدتها الجامعة مع عدد من الجامعات العربية والإقليمية والدولية تفرغ عدد من باحثيه فيها لإنجاز بحوث مشتركة.
ويطمح المركز إلى ترسيخ مكانته كمؤسسة علمية عراقية وطنية مستقلة، وبالشكل الذي يتيح للباحثين فيه تقديم دراساتهم بكل حيادية وموضوعية والسعي باتجاه وضع مشكلات العراق وتعقيدات العلاقات مع جيرانه تحت مبضع الباحثين وبما يساعد على حلها .
*نص الكلمة التي ألقاها الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف مدير مركز الدراسات الإقليمية في الاحتفال باليوبيل الفضي للمركز ومرور 25 عاما على تأسيس المركز يوم 29 ايلول في المنتدى العلمي والأدبي في جامعة الموصل .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق