الجمعة، 3 سبتمبر 2010

سبيلخانات الموصل





سبيلخانات الموصل
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث -جامعة الموصل


شغلت قضية السقاية أو إدارة مشاريع مياه الشرب في مدن الدولة العثمانية، انتباه عدد من المؤرخين العرب والأجانب، ويمكن في هذا السياق ذكر ما قدمه كل من د. عماد عبدالسلام رؤوف في دراسته الموسومة (تاريخ مشاريع مياه الشرب القديمة في بغداد)، والبروفسور أندريه ريمون في دراسته الموسومة (القاهرة العثمانية بوصفها مدينة)”.
ولم تنل سقايات مدينة الموصل في العهد العثماني، ما تستحقه من اهتمام ولا يزال الكثيرون فيها يتساءلون عن الطرق التي كان الناس فيها، يشربون الماء العذب قبل إنشاء مشاريع إسالة الماء الحديثة، وبماذا كانوا يتوضأون، وما هو نوع الماء الذي يستخدمونه في غسل آنيتهم، وفي طبخ طعامهم؟

وسنحاول في هذا التحقيق أن نقف قليلا عند سقايات الموصل العثمانية أو ما عرفت آنذاك بـ (السبيلخانات) ومفردها (سبيل خانه) أو (دار السبيل)، ونركز على أبرز هذه المدن بغداد، وحلب، ودمشق، والقاهرة. ومن حسن الصدف أن نيقولا سيوفي (1829 ـ1901)، وهو مؤرخ عربي دمشقي سبق له أن عمل مترجما في القنصلية الفرنسية ببغداد سنة 1873 ثم صار بعد حصوله على الجنسية الفرنسية قنصلا لفرنسا في الموصل، قد اهتم بتوثيق بعض المعلومات عن (سبيلخانات الموصل) خلال العهد العثماني (1516 ـ 1918)، ففي كتابه القيم "مجموع الكتابات المحررة في أبنية الموصل" والذي حققه أستاذنا الجليل الراحل سعيد الديوه جي (1912 ـ 2000) سنة 1956 قال بأن الولاة والاثرياء والوجهاء (الأعيان) في الموصل، هم من أكثر الذين اهتموا بإنشاء تلك السقايات أي محلات شرب الماء بالمجان، خاصة بعد أن أدركوا صعوبة حصول الناس على مياه الشرب النقي الصافي.
ومما يجدر ذكره أن مؤسسي دور السبيل (السبيلخانات) أوقفوا على هذه المشاريع الوقوف الدارة بموجب حجج ووقفيات شرعية رسمية، كما ثبت بعضهم عدد العاملين على خدمة (السقاية)، وحدد رواتبهم بدقة، وصار للسائقين، الذين ينقلون الماء إلى السقاية راتب معلوم، وحدد بعض الواقفين عدد (قرب) الماء التي يحملها السقاء كل يوم.
ومثلما اهتم الولاة والاثرياء بالإنفاق على السقايات برع النقاشون، وتفنن المهندسون في تصميم عمارتها وتزيينها بالقاشاني والرخام، ووضعوا عليها شبابيك من النحاس والحديد أو الخشب المزخرفان، وسجلت على السقايات، بخطوط بديعة، آيات قرآنية، وأبيات شعرية، وحكم ومواعظ (وهي كلها من قبيل الكتابات التاريخية) والتي كثيرا ما تؤرخ لإنشاء هذه السبيلخانات بحساب الجمل المعروف والذي كان سائدا في العهد العثماني. لقد أكدت كل تلك الكتابات على أهمية توفير الماء للناس والأجر الذي يمكن أن يحصلوا عليه فيما بعد، وقد أقام بعض من بنى هذه السقايات حولها حدائق صغيرة وزرعوا فيها أشجارا تظلل الشاربين، وازداد الاهتمام بهذه السقايات في القرن التاسع عشر حتى أنها أصبحت من معالم مدينة الموصل.
أورد نيقولا سيوفي (1829 ـ 1901)، إحصائية بهذه السبيلخانات فذكر أن هناك في الموصل (11) سقاية في الجوامع، و(3) في المساجد، و(6) في المدارس، وواحدة في القيصريات. وأورد أسماء هذه السبيلخانات والكتابات المحررة عليها ومنها على سبيل المثال سبيلخانات جامع العبدالية وجامع باب الطوب وجامع بكر أفندي وجامع الخاتون وجامع العمرية وجامع عبد الله بك وجامع خزام وجامع المحموديين وجامع باب البيض، وسبيلخانة القيصرية العبدالية، وسبيلخانة مدرسة حسن باشا، وسبيلخانة المدرسة المحمودية، وسبيلخانة مدرسة الحجيات، وسبيلخانة المدرسة النعمانية، وسبيلخانة يحيى باشا، وسبيلخانة نعمان أغا الخزنه دار.
أولا: سبيلخانات المساجد والجوامع
أ . المساجد:
تقرب الناس، وخاصة من الوجهاء (الأعيان) إلى الله من خلال إنشاء سبيلخانات في المساجد والجوامع التي كانوا يقومون ببنائها أو تجديدها. وقد وقفنا على عدد من السبيلخانات في مساجد وجوامع الموصل. ولعل أقدم ما عرفناه سبيلخانة مسجد يعقوب أغا. ويعقوب أغا هذا، هو الذي بنى المسجد، وقد عرف في الموصل بأنه كان "يحمل سجادة السلطان مراد الرابع (1623 ـ 1640) بن أحمد الأول، أقطعه السلطان الإقطاعات في الموصل، وسكن بها وخلف ولدا اسمه قره مصطفى بك."
كان له دور كبير في أيام المقاومة والدفاع عن الموصل عندما حاصرتها جيوش نادر شاه الفارسي سنة 1743. وقد ورد فوق الشباك الثاني من سبيلخانه مسجد يعقوب أغا:
قد أنشأوا هذا السبيل جاريا ** وقفا على الصادين ماء يشرب
وأجرهم للشهم عبد الله لا ** زال بجنات النعيم يطرب
قد شيدوا أركانه أرخته ** هذا سبيل ياعطاش طيب
سنة 1220 هـ (1805)م
وكان شرط السبيل في كل عام أن يعطى (خمسة عشر قرشا ويعادل القرش بالفلس العراقي (9.08) إلى المسجد من ريع ثلث المسجد. وفوق الشباك الأول من السبيلخانه أبيات من الشعر تقول:
فأنشأ عبدك (الجاني) الذليل ** لعبدالله من أضحى قتيل
سبيلا يا عطاش فنعم خير ** يروم العفو، والأجر الجزيل
هنيئا كل من يشرب فأرخ : ** مليا للورود خير سبيل
سنة 1220 (1805)م
أما فوق باب غرفة السبيلخانة التي في قنطرة (مسجد ملا علي) على يمين الداخل إلى جامع جمشيد ويعرف بمسجد السبيلخانه كذلك. فقد كان هناك بيتان من الشعر هما:
ايشته آب، ايشته سبيل ** او سترضوا بك بالمريج
تعالوا اشربوا جيلا فجيلا ** جرى ماء يسمى سلسبيلا
سنة 1227 هـ = 1812م
وفوق شباك السبيلخانة، وهو على الطريق، لوحة مثبتة الآن في رواق المصلى جاء فيها:
ترشف زلال العذب يا صاحب الظما **
وخذ قدح الإرواء ان كنت ظمآنا
ورد مورد الخيرات واشرب (قراحها) **
هنيئا مريئا حيث ترجع ريانا
ومن فضل فخرى تجرع مؤرخا **
حلا ماء خير إنه من سليمانا
وفي أعلى الكتابة فوق الشباك على هذا الشكل:
سنة 1227هـ (1812) وما توفيقي إلا بالله سنة 1227هـ (1812)، وثمة عبارة فوق شباك السبيلخانة التي في قنطرة (مسجد الجماسين) تقول "أنشأ هذا السبيل، والخير الجزيل، الحاج عمر بك بن المرحوم محمود بك مير الاي، ابتغاء لمضاة الله تعالى واتباعا لقول نبيه عليه السلام {أفضل الصدقة سقي الماء} سنة 1233هـ ـ 1818.
ب . الجوامع:
وتشير المصادر المتداولة إلى وجود ثماني سبيلخانات في جوامع الموصل، وتعد سبيلخانة جامع العمرية (1563) من أقدمها. ويقع جامع العمرية في محلة الشيخ محمد، أو محلة البارودجية وبناه الحاج قاسم بن علي بن الحسن العمري سنة 971هـ (1563) وقد جدد السبيلخانة في لحف المنارة خارج باب الجامع، حسن أفندي العمري (1250 هـ 1834 ـ 1329هـ1911). وفوق شباك السبيلخانة كانت هناك أبيات من الشعر تؤرخ لسنة التجديد 1283هـ (1867) وتقول:
جددت يا حسن الفعال بجامع الـ ** أجداد خيرا من رآه به رغب
ماء لأبناء السبيل مؤرخ ** جار هنيئا يا عطاش لمن شرب
قديم خير سالف في بيت شعر قد صفا
تاريخه (للغارف) ماء به أجرى الهنا
وتقابل كلمات (مؤرخ) و(جار) و(للغارف) بحساب الجمل سنة 1283 هـ أي سنة 1867
وعند تجديد الجامع في سنة 1957، هدمت السبيلخانة، كما يقول الأستاذ سعيد الديوه جي في كتابه "جوامع الموصل" وثبت القوس الذي كان فيها في اللحف الشرقي من المنارة.
وكان في جامع خزام في محلة خزام، سبيلخانة كتبت فوق باب غرفتها الآية الكريمة {فول وجهك شطر المسجد الحرام}. وخزام هو السيد محمد خزام الثاني بن السيد نور الدين الصيادي الرفاعي (950 ـ985 هـ /1543 ـ 1578).
كما ورد فوق شباك السبيلخانة قول رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم {أفضل الصدقة سقي الماء}. والذي بنى السبيلخانة الحاج جرجيس من أحفاد الحاج عبدال أو أبدال سنة 1208هـ 1793)
وفي (جامع الباشا) الذي بناه الحاج حسين باشا الجليلي، سنة 1196 هـ 1755 سبيلخانة تقع خارج الجامع. وقد كتب على شباك إحداها "إن افيضوا علينا من الماء، انشأ هذا السبيل سنة (1204 هـ -1789)
وفي وسط فناء الجامع (شاذروان للوضوء)، وفيه أربع جهات، وعليه شعر للسيد شهاب الدين العلوي الموصلي منه:
لله شاذروان ماء قذفه **
قسرا يسامي السبعة السيارة
ويكاد يشرب منه في جو السما **
(بلا) جناح طيوره الطيارة
لو لم تعقه عن (الصعود) عوائق **
لأستصوب العبوق عنه قراره
يجري إليه الماء من ناعورة **
أبدا على ألف لها دواره
نهر المجرة سائل مما جرى **
من حوضه وعيونه غواره
ويشير ياسين العمري، وفي ذكر حوادث سنة 1100هـ (1689) إن الذي بنى جامع العبدالية في باب السراي وكذلك المدرسة، والسبيلخانة وأوقف لهم ما يكفيهم من (طعام) و(كسوة) و(شمع) هو الأديب الحاج عبدال التاجر بن مصطفى الشافعي الموصلي، وكان ورعا وزاهدا تقيا، وقد اكتمل بناء الجامع حسب ما ورد في وقفيته سنة 1082هـ 1672م. والثانية في القيصرية العبدالية التي أوقفها على الجامع. وفي سنة 1292هـ (1876) جدد السبيلخانة التي في الجامع من قبل إسماعيل أغا من آل عبدال وكتب فوقها "قد انشأ هذا البناء إسماعيل أغا سنة 1292هـ ولا أثر لهذا في الوقت الحاضر.
وقد جاء في أعلى شباك السبيلخانة الموجودة في جامع باب البيض، وهو نفسه جامع الشيخ محمد الزيواني، عبارة تقول "عمرت ابتغاء لمرضاة الله تعالى"، وبعدها عبارة "في شهر ربيع الأول سنة 1207هـ (1792) انتهى (بناء) جامع باب البيض.
وفي جامع المحموديين، وهو جامع قديم، وسعته وجددته، واتخذته مسجدا جامعا زوجة الوزير محمد باشا الجليلي، وأم محمود باشا الجليلي، وذلك سنة (1211هـ 1796). وعند تجديدها للجامع وتوسيعها له بنت سبيلخانه سنة 1239هـ (1823). وقد كتب فوق شباك السبيلخانه البيتان التاليان:
لقد صح سقي الماء خير تجارة **
رباحا إذا ما الله كان المناجيا
(لذا سبلت ماء) وشادت بناءه **
لتحظى به يوم القيامة ناجيا
وقد بناه أحمد باشا بن سليمان باشا الجليلي، والذي تولى ولاية الموصل مرتين: أولاهما بين 1227 ـ1232هـ (1812ـ1817) وقد أوقف على الجامع أسواقا وقيصريات وأراض وقرى وكان للجامع ثلاثة أبواب، هي الباب الشرقي والباب الغربي والباب الشمالي، وفي صدر قنطرة الباب الشرقي سبيلخانه مكتوب فوقها:
أنشأه أحمد الوزير ** ماء لمن ظمأ انتعاش
قد قلت فيه مؤرخا ** هذا السبيل يا عطاش
وتشير وقفية الجامع المحفوظة في مجموعة وقفيات بمكتبة الأوقاف بالموصل والمحررة سنة 1231هـ (1811) من قبل لجنة من العلماء منهم السيد محمد الفخري وسعد الدين النائب وأحمد بك بن عبد الله بك وصالح أفندي ونقيب الأشراف آنذاك السيد محمد أفندي إلى السبيلخانة باسم (دار السبيل) وجاء فيها أن الماء ينقل و(يوصل إلى دار السبيل التي هيئت لإرواء عطاش المسلمين في أوقات الحر الشديد التي هي ستة أشهر من كل سنة، يوميا أربع راويات ماء بلا انقطاع، وفي البرودة من بقية أيام السنة راويتين إلى المحل المذكور لسقي عباد الله في سبيل الله.) كان في جامع باب الطوب سبيلخانة تقع خارج الجامع وعلى الطريق المؤدي إلى أسواق الموصل القديمة. وفوق شباك السبيلخانة أبيات من الشعر تقول:
ماء زلال فهو يشفي العليل ** نعم، ويبري كل شخص عليل
أجراه عبد الله في جامع ** للسائح (المسكين) وابن السبيل
يرجو به أجرا، ورب العلا ** للعبد بالإحسان حقا كفيل
ويبتغي يوم الجزا شربه ** من عند إجهاز ... بخيل
بالله يا عطشان أرخ له ** للشرب عبد الله نشا السبيل
أما جامع الخاتون الذي شيدته مريم خاتون بنت محمد باشا الجليلي (توفيت سنة 1262هـ ـ1846) وشاركتها أمها هبة الله خاتون بنت عبد الله، فكان فيه مدرسة وسبيلخانة في قنطرة باب الجامع. وقد كتبت فوق السبيلخانة في الجامع عبارة "قد تطوع بإنشاء هذا السبيل الأمير الخطير محمد أمين بك نجل الوزير محمد باشا تغمده الله في رحمته سنة (1241هـ 1826 ) ويذكر الأستاذ سعيد الديوه جي أن باب الجامع كان يقع في زقاق يؤدي إلى تجاه مرقد موقد حمام أبي العلا (في شارع غازي، الثورة لاحقا) وبعد فتح شارع نينوى سنة 1917 دخل قسم من أرض فناء الجامع في الشارع المذكور، وفتح باب للجامع على شارع نينوى. أما محل الباب القديم والسبيلخانه فقد بنى عليها غرفة لم تزل موجودة حتى يومنا هذا، وقد قام بهذا المتولي على الجامع، سليمان بك بن عبدالله بك الجليلي سنة 1340هـ1921
وعندما أقدم عبدالله بك بن شريف بك (توفي 1304هـ /1887) وهو من أحفاد ياسين أفندي المفتي على بناء جامعه في محلة راس الكور سنة 1285هـ ت 1869 ولا يزال يعرف باسم (جامع عبدالله بك)، بنى فيه مدرسة لتدريس العلوم الدينية وجعل في الجامع سبيلخانة. وقد وضعت فوق شباكهاأبيات من الشعر تقول:
)بارد) هذا الماء كم صاد روى ** عند الشفاء قلبه وقالبه
أجراه عبدالله من يجري على ** يديه فعل الخير وهو صاحبه
طاب ورودا وصفا تاريخه : ** طيب ماء قد صفت مشاربه
سنة 1285هـ 1869
وبعد تجديد الجامع هدمت السبيلخانة مع كافة أقسام الجامع وبني بدلها محل للوضوء.
ثانيا: سبيلخانات المدارس
ولم يقتصر وجود السبيلخانات على المساجد والجوامع والقيصريات، وإنما كان في المدارس كذلك، فعلى سبيل المثال كان في مدرسة حسن باشا في محلة الرابعية والتي بنتها رابعة خاتون بنت إسماعيل باشا الجليلي (توفيت سنة 1802) بالمشاركة مع فردوس خاتون بنت يحيى أغا الجليلي زوجة حسن باشا الحاج حسين باشا الجليلي، سبيلخانة، إلا أننا لم نعثر على ما كان مكتوبا على شباكها.
وفوق شباك سبيلخانة (المدرسة الأحمدية) التي بناها الملا أحمد بن الملا بكر بن علوان، وكان شاعرا وله معرفة بالطب ومعالجة الأمراض وذلك سنة 1201هـ (1788) سجلت العبارة (التاريخية) التالية:
قال سيد الأصفياء وخاتم الأنبياء
عليه أزكى الصلوة صبحا ومساء:
(أفضل الصدقة سقي الماء} صدق رسول الله. (سنة 1202هـ 1788) وفوق ذلك توجد أبيات لعبد الله أفندي باشعالم العمري:
جزى الله في الدنيا الوزير محمد **
بخير، وفي الأخرى الجنان مقيله
أفاض لأبناء السبيل جداولا **
فأصبح بين الناس باد جميله
فشاد لوجه الله للماء بركة **
قد طاب للضمآن فيها نزوله
وعاد إى السلطان محمود عصره **
كثير ثواب ليس يحصى قليله
وأضحى لسان الحال منها مؤرخا: **
محمد يروى للعطاش سبيله
سنة 1255= 1839
والمقصود بالسلطان محمود هو السلطان محمود الثاني (1839 ـ 1856) والمعروف بإصلاحاته وسياسته التي أكدت مركزية الدولة العثمانية على ولاياتها المختلفة.
وفي (المدرسة المحمودية) التي أنشاها محمود أغا بن سليمان أغا بن علي أغا بن محمود أغا الجليلي 1790 ـ1829 وتعرف كذلك بمدرسة الملا محمد البيغمبرلي، سبيلخانة وفوق شباكها أبيات من الشعر هي:
تبارك الله قف وانظر تجد طربا **
حيث البناء جديد، والسقاء شفا
وحيثما كان ربعا خاليا درسا **
أضحى وقد شيد معمورا و(مرتعشا)
وصار دارا لأهل العلم مدرسة **
وللعطاشى سبيل (الماء) منه صفا
أنشأ محمود ذو الفخر الجليل ومن **
يدعى ابن سلمان بالإحسان قد عرفا
وصيته من أيه كان أدعها **
في ذمة منه أن يوفى بها فوفى
(جزاهما) الله رب العرش منه رضا **
يوم الجزاء وغفرانا (كذاك) عفا
وساقي الماء نادى أرخوه حلا **
دار (لعلم) ودار(للسقاء) شفا
وتقابل كلمات (الماء) و(جزاهما) و(كذاك) و(لعلم) و(للسقاء) سنة 1228هـ أي سنة 1813.
وفي أعلى شباك سبيلخانة (المدرسة النعمانية) في جامع النعمانية بمحلة السرجخانة بيتان من الشعر هما:
لقد صح سقي الماء خير تصدق **
وما كان (للعقبى) فذاك هو الأنقى
لذا سبل الماء الأمير فارخوا **
بخير بدا يحيى، هنيئا لمن يسقى
وكما هو معروف، فإن الذي بنى جامع النعمانية هو نعمان الجليلي، وذلك سنة 1213هـ
(1798)م كان فيه مدرسة يدرس فيها الطلاب العلوم العقلية والعلوم النقلية.
أما السبيلخانة فقد بناها يحيى باشا بن نعمان باشا ألجليلي. وكان فوق شباك السبيلخانة التي في (مدرسة نعمان أغا الخزنه دار)، وتقابل مقام الإمام عون الدين الذي يعرف بأبي الحسن الأبيات التالية:
إن نعمان قد أباح وأبقى **
ماء خير للناس جيلا فجيلا
قل لمن يشتكي الظما (أي وقت) **
(كنت) ان رمت نيلا غليلا
سل سبيلا واشرب وأرخ **
(عذب ماء يروى به سلسبيلا)
وتقابل (عذب ماء يروى به سلسبيلا) سنة 1240هـ أي 1824 بحساب الجمل.
وفي أعلى شباك السبيلخانة التي في (مدرسة يحيى باشا) التي بناها يحيى باشا بن نعمان باشا الجليلي سنة 1241هـ (1825) أبيات للشاعر عبدالباقي العمري الملقب بـ (الفوري) وقد توفى سنة 1861 وهي:
أبو الفضل يحيى، جعفر الجود والعطا ** روى ظمأ العطشان من فيض مائه
(وسلسل للنعمان) منذر عصره ** حديث شفا (يغرى) لماء سمائه
فأجراه في ذا السلسبيل مؤرخا ** (سبيل روى جودا حديث شفائه)
وتقابل (سبيل روى جودا حديث شفائه) سنة 1241هـ بحساب الجمل.
وعلى باب حجرة المدرس في مدرسة الحجيات في مجلة القنطرة عبارة "أوقفت هذا السبيل خانه حاجية (الحاجة) عدلة خاتون كريمة المرحوم عبد الفتاح باشا، (خيرات) لعبدالرحمن أغا نجل المرحوم عبيد أغا سنة 1241هـ 1826
ومدرسة الحجيات أسستها الحاجة عدلة خاتون بالمشاركة مع أختها الحاجة فتحية خاتون وهما مدفونتان داخل غرفة في المدرسة، وقد أعاد المدرسة متوليها عبدالباقي الشبخون.
ثالثا:
سبيلخانات القيصريات:
لم يعثر سوى على سبيلخانة واحدة موجودة في قيصرية العبدالية في الموصل، وهي ملاصقة لجامع الشيخ عبدال الوارد ذكره آنفا. وقد خط فوق شباك السبيلخانة الواقعة على طريق مرور الناس في السوق أمام الجامع البيتان التاليان:
من سبيل شراب السلسبيل ** شفاء الداء للقلب العليل
بتجديد البنا أرخ ** تنال (العفو من رب جليل)
ويقابل الشطر الثاني بحساب الجمل سنة (1088 هـ 1677).
هذا ولم تكن السبيلخانات هي المشاريع الوحيدة لمياه الشرب، بل شهدت الموصل مشاريع أخرى دائمة لتوفير الماء، ومن ذلك جلب الماء إلى دور السكن بالقرب المدبوغة التي تنقل على ظهور الدواب لتوضع في خزانات خاصة معروفة بـ (المزملات).
كما اعتمد الناس على الآبار التي حفرت داخل البيوت أو الجوامع وفي مؤسسات الدولة وثكنات الجيش وحصونها. ولم تعرف الموصل (مشاريع إسالة الماء) إلا في مطلع العشرينيات من القرن الماضي في قليعات، وبعد ذلك بدأت تظهر مشاريع تصفية الماء وإيصالها إلى المساكن والأسواق والمرافق العامة والخاصة بواسطة الأنابيب، وهكذا بدأ الناس يتخلصون من المتاعب التي كانوا يبذلونها للحصول على مياه الشرب النقية



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

فاروق عمر فوزي وكتابه : تجربتي في الكتابة التاريخية بقلم : الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف

  فاروق عمر فوزي وكتابه : تجربتي في الكتابة التاريخية الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف أستاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل أجا...