بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين يسعدني أنا (الاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف )أن ارحب بكم في مدونتي الثانية مدونة الدكتور ابراهيم خليل العلاف ..واود القول بانني سأخصص هذه المدونة لكتاباتي التاريخية والثقافية العراقية والعربية عملا بالقول المأثور : " من نشر علما كلله الله بأكاليل الغار ومن كتم علما ألجمه الله بلجام من نار " .
الثلاثاء، 7 سبتمبر 2010
من رموز الموصل المعاصرة :السيد مجيد بن السيد حمو
من رموز الموصل المعاصرة :السيد مجيد بن السيد حمو
ا.د. إبراهيم خليل العلاف
أستاذ التاريخ الحديث-جامعة الموصل
أثناء مناقشة رسالة الماجستير التي تقدمت بها السيدة نادية مسعود شريف والموسومة : " الخدمات الصحية في الموصل في العهد الملكي 1921 -1958 دراسة تاريخية " ونوقشت على قاعة ابن الأثير في كلية الآداب –جامعة الموصل يوم 1 تموز 2010 ،وكنت رئيسا للجنة المناقشة ورد ذكر السيد مجيد بن السيد حمو بن السيد نجم بن السيد علي بن السيد محمد ألنعيمي ختان الأطفال المعروف في الموصل .ويقينا أن الكثير من العوائل الموصلية عرفت السيد مجيد ،وتعرف اليوم أولاده النجباء ،وتذكرهم بالخير لما لهم من أياد بيضاء على هذه المدينة الأصيلة .وعندما تمت الإشارة في الرسالة إلى السيد مجيد، تم التأكيد على دوره ليس في الختان فحسب بل وفي التضميد، والجراحة ،ومعالجة بعض الأمراض التي كانت شائعة في الموصل بالأعشاب وكذلك معالجة الحروق العميقة والأمراض الجلدية وخصوصا المستعصية .كان اسمه يتردد في كل جنبات الموصل : السيد مجيد ..اقصدوه ،فالرجل قد نذر نفسه لمساعدة المرضى ومعالجة الخراجات والأورام التي كانت تصيب الثدي في النساء وكم أنقذ –في ظل غياب الأجهزة الحديثة والأطباء المتخصصين آنذاك –العديد من النسوة من عملية استئصال الثدي التي شاعت لعلاج الأورام .
السيد مجيد من مواليد محلة القنطرة في مدينة الموصل سنة 1897 .وثمة وثيقة رسمية وهي دفتر نفوسه لسنة 1947 تشير إلى أن مواليده سنة 1900 . إلا أن التاريخ الأول أكثر دقة بشهادة ولده السيد صلاح .وكان والده السيد حمو مختار محلة القنطرة . وقد ورث مهنة الطبابة والتضميد والختان عن والده وأجداده .وتشير الوثائق المتداولة- وامتلك نسخا منها- انه كان الثاني عشر من أسرة آل حمو التي امتهنت الختان والجراحة في الموصل، وهذا ليس غريبا في الموصل العثمانية التي عرفت في القرن التاسع عشر أطباء أفذاذا كتبت عنهم وأبرزهم الطبيب محمد ألجلبي والطبيب محمد العبد لي .
كان السيد مجيد معروفا بالكرم والسخاء وأحيانا السخاء المفرط وكثيرا ما شوهد وهو يدفع عن من هم في المطعم الذي يرتاده أو أمام دكان يشتري منه حاجته .كما عرف بالوطنية والشجاعة في مقارعة الاحتلال البريطاني للموصل وقد روى لي بعض أصدقائه، انه كان مع عدد من أصدقاءه يهاجم مستودعات الانكليز ويغنم من الأسلحة والمستلزمات الأخرى ما يحتاج إليه رجال المقاومة في الموصل ويقال انه هاجم مقر الحاكم السياسي للموصل بعد الاحتلال الكولونيل جيرالد ليجمن سنة 1918 .
لقد مارس السيد مجيد وفيما بعد مع أولاده السيد محيي والسيد عزا لدين والسيد صلاح مهنة الختان سنوات طويلة .وكان للفقراء نصيب كبير جدا في ما يقوم به .وكثيرا ما اغتنم الأعياد والمناسبات الدينية والوطنية لكي يقود حملة للختان المجاني . وللطرافة فأنه كان يفخر بقدرته على ختان 100 طفل في الساعة الواحدة وهذا رقم قياسي يعتد به .وقد اعتاد السيد مجيد إجراء ختان الأطفال والأولاد الفقراء والأيتام مجانا في عيادته بمحلة شهر سوق أو في شارع نينوى فيما بعد ، كما يتضح ذلك في إعلان نشر في جريدة صدى الأحرار (العدد 19 الصادر في 15 أيلول سنة 1949 والإعلان الذي نشر في جريدة فتى العراق 1957 .
وحين قامت ثورة 14 تموز سنة 1958 وسقط النظام الملكي وتأسست جمهورية العراق وجه السيد مجيد برقية إلى ابن مدينته الأستاذ غربي الحاج احمد المحامي والشاعر والسياسي القومي وأحد قادة حزب الاستقلال ،والذي عين مديرا للتوجيه والإذاعة العام قال فيها : " انه يتقدم بالتهنئة الحارة لقادة الثورة ببزوغ شمس الحرية وإعلان الجمهورية،وهو مستعد للتبرع بالقيام بحملة واسعة تستهدف ختان أبناء الجمهورية من أولاد ضباط الصف والجنود والشرطة حتى ولو كان عددهم يربو على الخمسة الآلاف طفل تيمنا بزوال عهد بغيض وحلول عهد حبيب ... " . وقد أذيعت برقية السيد مجيد من دار الإذاعة أكثر من مرة .
كما خصص بعض الأيام للمشاركة في حملات الختان المجانية التي كانت تقيمها بعض النقابات والمنظمات الشعبية والمؤسسات الرسمية المدنية والعسكرية ، والجمعيات وكان يتسلم في نهاية كل حملة كتب الشكر التي تشير الى جهوده ومنها على سبيل المثال كتاب الأستاذ غربي الحاج احمد مدير التوجيه والإذاعة العام في وزارة الإرشاد المؤرخ في 15 أيلول سنة 1958 ، وكتاب نقابة عمال ومستخدمي وزارة المعارف (التربية ) فرع الموصل والمؤرخ في 7 تشرين الأول سنة 1960 ،وكتاب مديرية شرطة لواء الموصل المؤرخ في 15 نيسان 1952 ،وكتاب رئاسة صحة محافظة نينوى المؤرخ في 18 تموز 1971 .
عمل مع أطباء مشهورين كانوا ينزلونه منزلة كبيرة . ومن ابرز أولئك الأطباء الدكتور عبد الحميد الطوخي ، والدكتور محفوظ بك والدكتور داؤود ألجلبي والدكتور لويس لبيب والدكتور صبري القباني والدكتور موسيس هاكوبيان والدكتور إسماعيل حاوا ،والدكتور عادل البكري والدكتور عبد العزيز الملاح . وكان كل هؤلاء الأطباء يشيدون بمهارته وإتقانه العمل .ولدي وثيقة احتفظ بها تقول ان مدير المستشفى الملكي (الجمهوري فيما بعد ) في الموصل الدكتور محفوظ بك وكان رجلا معروفا بوطنيته كتب شهادة مؤرخة في 23 أيلول سنة 1936 تقول : " أن المضمد الأهلي السيد مجيد بن السيد حمو كان يشتغل تحت نظارتي بكل دقة وأمانة وإخلاص ولم أشاهد منه حدوث أدنى تقصير طيلة اشتغاله فهو والحق أقول من المضمدين الممتازين يستحق التقدير " . أما الدكتور لويس لبيب الطبيب والجراح المصري في المستشفى الملكي في الموصل فقد شهد في 12 كانون الأول 1973 بان السيد مجيد "كان يشتغل تحت إشرافي في العمليات الجراحية لمدة سنة كاملة بكل دقة وأمانة وإخلاص .وله إلمام بعمل الحقن والزرقات على أنواعها .كما أن أخلاقه حسنة ومرضية ...وانه من المضمدين الممتازين الجديرين بالتقدير والكفاءة التامة ... " . وقد شهد له الطبيب اللبناني المعروف الدكتور صبري القباني صاحب مجلة طبيبك الشهيرة ، عندما كان يعمل في الموصل سنة 1936 وقال في شهادته : "أن السيد مجيد بن السيد حمو قد اشتغل بمهنة التضميد الجراحي تحت نظارتي فشاهدت منه اتقانا في العمل ودقة في النظافة .وكان يحسن الضماد إحسانا فنيا عدا عن نشاطه وإخلاصه " .
ونظرا لبراعته في عمله فقد كان الناس يسمونه الدكتور وقد شارك الدكتور موسيس هاكوبيان في سنة 1945 في حملته الشهيرة في الموصل لمكافحة مرض التيفوس .كما اشتهر السيد مجيد بعمل خلطات لمعالجة امراض شائعة من قبيل البهاق وداء الثعلبة .
يقول صديقنا الدكتور عبد الباري عبد الرزاق النجم،الباحث المعروف ،والمتخصص بالجغرافية في مقالة له عن "الختان في الموصل " والمنشورة في مجلة التراث الشعبي ،العدد4 السنة4 ،1973 أن السيد مجيد كان يحتفظ بسجل لأسماء الأطفال الذين قام بختانهم للمدة من 1921 -1970 ، ولكن أحد أولاده –للأسف الشديد – ضاق ذرعا بهذه السجلات الكثيرة ، وقام بإحراقها ، فخسر التاريخ مصدرا وثائقيا مهما كان من الممكن مساعدتنا في معرفة الكثير عن اسر الموصل وأوضاعها في تلك الحقبة المهمة من حقب التاريخ .ويعترف الدكتور النجم بأنه يدين بمعظم معلوماته عن الختان في الموصل للسيد مجيد .
من الأمور الطريفة في حياة السيد مجيد ،عشقه للطيور وتربيتهم والعناية بهم .وكان يهوى زراعة الورود وخاصة ورد الجنبد وقد حرص على ترقيد الزهور وتكثيرها بالأقلام وإهداءها لمن يريد. وقد استمر في عمله بكل تفان وإخلاص حتى وفاته –رحمه الله – يوم الثلاثاء 22 كانون الأول سنة 1987 عن عمر ناهز أل 90 عاما .
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
فاروق عمر فوزي وكتابه : تجربتي في الكتابة التاريخية بقلم : الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف
فاروق عمر فوزي وكتابه : تجربتي في الكتابة التاريخية الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف أستاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل أجا...
-
(السسي) من جرزات الموصل المشهورة - ابراهيم العلاف * وعندما تحدثت عن جرزات او كرزات الموصل وقفت عند السسي ويبدو ان هناك من يحب السسي وسأل...
-
أهلا بنابتة البلاد ومرحبا جددتم العهد الذي قد أخلقا لاتيأسوا أن تستردوا مجدكم فلرب مغلوب هوى ثم إرتقى مدتْ له الامال من أفلاكها ...
-
وردحاق صاق ناصي ..............ورد الحق وصاغ النصيب ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس –جامعة الموصل حين قدمتُ حلقة ...
أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.
ردحذف