الاثنين، 13 سبتمبر 2010

مجلة ليلى وبداية الصحافة النسائية بالعراق

مجلة ليلى وبداية الصحافة النسائية بالعراق

ا. د. إبراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث-جامعة الموصل

خطت دار الكتب والوثائق في العراق، خطوة مباركة، ومن خلال التعاون مع المكتبة الرقمية العالمية، عندما (رقمنت) "مجلة ليلى"، وهي أول مجلة نسائية تصدر في العراق. ففي اليوم الخامس عشر من أكتوبر/تشرين الأول سنة 1923، قامت السيدة بولينا حسون، بإصدار هذه المجلة، وسبب تسمية المجلة يرجع، كما تقول:

"إلى أنها سمعت الشاعر الكبير جميل صدقي الزهاوي يلقي قصيدة في منتدى التهذيب ببغداد مطلعها:

إني بليلى مغرم وهي موطني ** وعلي أقضي في غرامي بها نحبي

فهبطت الكلمتان (ليلى) و(موطني) على قلبي هبوط الوحي، فاندفعت إلى تحلية المجلة باسم (ليلى)، وكنت قبلها أريد أن اسمي المجلة (فتاة العراق)".

وبولينا حسون، تعد من قبل مؤرخي الصحافة العراقية، من رائدات الصحافة النسائية في العراق، وجاء في كتاب "أعلام الصحافة في الوطن العربي"، وفي المبحث الخاص الذي كتبه عن صحافة العراق الأساتذة الدكتور قيس عبدالحسين الياسري، والدكتور خالد حبيب الراوي، والدكتور هاشم حمادي، وسجاد الغازي، أن بولينا حسون، عملت في الصحافة في ظروف بالغة الصعوبة، فلقد احتد الصراع بين دعاة السفور ودعاة الحجاب، وكان المحافظون هم الأغلبية في المجتمع، والمجددون الأقلية.

ولانعرف بالضبط تاريخ ميلاد بولينا حسون، إذ أنها كانت في مقتبل حياتها تعيش في مصر وفلسطين والأردن قبل عودتها إلى بلدها العراق. وكان خالها هو الشيخ ابراهيم الحوراني، وابن عمها سليم حسون صاحب جريدة "العالم العربي"، وهو صحفي عراقي بارز من الموصل، وعلى هذا الأساس فإن بولينا حسون موصلية عراقية من جهة الأب، وشامية من جهة الأم. وثمة مصادر تقول إن بولينا حسون ولدت سنة 1865 وتوفيت سنة 1969.

عادت إلى العراق عام 1922 قبل إصدارها مجلتها (ليلى) بعدة أشهر، وانغمست بالحياة العامة، وكانت من العضوات المؤسسات لنادي النهضة النسائية الذي افتتح في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 1923 برئاسة السيدة أسماء الزهاوي ابنة مفتي العراق الشيخ أمجد الزهاوي. وأخذت تجهر بآرائها حول تحرير المرأة، ومساواتها بأخيها الرجل ومشاركته في بناء العراق ونهضته بعد تشكيله دولته الحديثة بزعامة ملك العراق فيصل الاول (1921-1933).

وأصدرت مجلتها (ليلى)، وبدأت بكتابة المقالات ونشر الموضوعات المختلفة التي يرسلها الكتاب الآخرون للمجلة عن النهضة النسائية والمعالجات المختلفة الخاصة بالمرأة. كما كرست المجلة بعض صفحاتها لانتقاد بعض العادات الاجتماعية والاقتصادية التي تؤثر سلبا على نهضة المرأة، وتحط من قدرها وتهضم حقوقها، وتبقيها في حالة التخلف. وواظبت المجلة، في أعدادها اللاحقة، تأكيدها على تحرير المرأة وإعطاء المرأة المكانة الجديرة بها في المجتمع والأسرة.

وبعد انتهاء السنة الثانية من عمر المجلة، عينت بولينا حسون مديرة لمدرسة باب الشيخ الابتدائية في بغداد عام 1925، وكان ذلك بداية لحملة شعواء تعرضت لها تلك الصحفية الرائدة من قبل بعض الصحف العراقية وانتقلت إلى المحاكم، والتي أدت، في نهاية الأمر، إلى نقلها معلمة في مدرسة أخرى ومن ثم إلى تركها العمل.

لقد أدى الضغط، والحصار الشديد، والحملات الصحفية القاسية التي جابهت بولينا حسون، إلى عدولها عن الاستمرار في العمل الصحفي، وإلى حزمها أمتعتها ومغادرتها العراق إلى فلسطين والأردن في كانون الأول 1925، مخلفة وراءها ذكرى لامرأة عراقية باسلة يحق أن يقال عنها، فضلاً عن كونها أول صحفية عراقية، إنها "رائدة الحركة النسائية في العراق".

لم تقتصر مجلة ليلى في اهتماماتها على شؤون المرأة، وإنما تعدت ذلك عندما أفسحت المجال لصفحاتها، لتناول موضوعات ذات صلة بأوضاع العراق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية في تلك الحقبة المهمة من حقب التاريخ العراقي المعاصر. وجاء في مجلة الموروث (الإلكترونية) التي تصدرها دار الكتب والوثائق، أن الدار اختارت مجلة ليلى لتحويلها إلى الشكل الرقمي، بدايةً لمساهمتها في مشروع المكتبة الرقمية العالمية.

و"ليلى" التي صدر منها (20) عشرون عدداً بين سنتي 1923 ـ 1925، أول مجلة نسائية عراقية وبلغ عدد الصفحات العائدة إلى عددين منها فقط والمقروءة عبر الموقع العالمي:

World Digital Library

قرابة 26201 صفحة من تاريخ 21 أبريل/نيسان 2009 وحتى 31 أغسطس/ آب 2009 وجاء في ترويستها أنها: "مجلة نسائية شهرية تبحث في كل مفيد وجديد مما يتعلق بالعلم والفن والأدب والاجتماع وتدبير المنزل".

لقد صدرت مجلة "ليلى" تحت شعار "على طريق نهضة المرأة العراقية"، وتضمنت صفحاتها معلومات جمة عن تربية الأطفال، وتعليم الفتيات، وصحة الأسرة، والاقتصاد المنزلي. فضلاً عن شؤون الثقافة والتعليم. كما انخرطت المجلة في الصراع الذي كان رائدا بين المحافظين والمجددين والذي اصطلح عليه في حينه بـ (معركة السفور والحجاب)، واشتملت مقالاتها الافتتاحية على إثارة موضوعات مهمة، وبعناوين مختلفة من قبيل: "بوتقة الحق" و"أخبار الضرائب" و"ركن ربات البيوت" و"حلقات من أوتار سحرية" و"الأخبار الغربية".

واهتمت المجلة بتناول جوانب تتعلق بالصحة العامة، والشؤون الطبية، وقضايا الشعر والأدب. كما انصرفت لمتابعة نشاطات ونتاجات الشعراء والكتاب والباحثين العراقيين والعرب البارزين آنذاك أمثال معروف عبدالغني الرصافي، وجميل صدقي الزهاوي، والشيخ كاظم الدجيلي وأنور شاؤول ويوسف غنيمة وحليم دموس والشيخ ابراهيم الحوراني، وفيلكس فارس، وسلمى صائغ. ويشار إلى أن الشاعر الكبير الرصافي نشر في المجلة ولأول مرة قصيدته الشهيرة ومطلعها:

هي الأخلاق تنبت كالنبات ** إذا سقيت بماء المكرمات

ومن أهم المقالات التي نشرتها في افتتاحية العدد (6) الصادر في 15 مايو/آيار 1924 تلك (المقالة - الصرخة) الموجهة إلى المجلس التأسيسي العراقي (البرلمان)، وتدعو فيها إلى منح المرأة حقوقها المشروعة.

وفي عددها الأخير الصادر في 15 أغسطس/آب 1925 شرحت لقرائها، عبر مقالة حزينة، الظروف المادية الصعبة التي كانت تواجهها المجلة آنذاك، وللأسف، فقد اضطرت صاحبة امتياز المجلة السيدة بولينا حسون إلى مغادرة العراق، وعندئذ توقفت المجلة عن الصدور.

ومن المناسب أن نشير إلى أن العراق لم يشهد صدور مجلة نسائية إلا بعد أكثر من عشر سنين حين صدرت مجلة "المرأة الحديثة" لرئيس تحريرها فاضل قاسم راجي وكانت سكينة إبراهيم المحررة الرئيسة فيها.

صدر العدد الأول من مجلة "ليلى" في الخامس عشر من أكتوبر/تشرين الأول سنة 1923، وكانت تطبع في شركة الطبع الحديثة ببغداد لصاحبها حسون مراد وشركاه وكانت بحجم 23x15 سم، وبلونين أبيض وأسود، ولم يتجاوز عدد صفحاتها ـ لكل عدد ـ الـ 48 صفحة، وكتبت بولينا حسون افتتاحية العدد الأول جاء فيها: "إن البعض يعتقد بأن ظهور مجلة نسائية في العراق من (الكماليات) التي لاحاجة إليها الآن، وأن المناداة بنهضة المرأة العراقية نفخ الرماد فهولاء وأمثالهم معتادون على إطفاء الأرواح ولعلهم من بقايا الوائدين.

رحبت المجلة في عددها الرابع الصادر في 15 يناير/كانون الثاني 1924 (7 جمادى الأخرى 1342هـ ) بالعام الجديد 1924 وكتبت في مثال بعنوان (أجل الأماني) تقول: مرحبا بك أيها العام الـ 1924. منها قد انعدم ذلك العام الثقيل (1923). فما عساك أن تكون أنت أيها العام الجديد؟ وماذا أخفى الغيب في ثنايا شهورك، وطيات أيامك."

وأضافت "إن العالم يؤمل أن يتنفس فيك وينال نصيبا من الأمة. أما عراقنا المحبوب فيمني النفس بالتمتع بجميع حسنات الحكم القومي، ترشده الحكمة النيرة، ويعضده الإخاء الوطني، ويدعمه الثبات الراسخ. إن عراقنا العزيز.. يتوقع تمشي روح التجدد الحقيقي في ضلوعه، وبانتشار أنوار التهذيب بين بنيه وبناته. وأما ليلى فتاة العراق، ومعها الجنس اللطيف العراقي أجمع، فمنيتها أن تعم النهضة النسائية المباركة القطر العراقي بأسره.. وتؤمل أن لا ينتهي العام إلا وقد جرت المرأة العراقية، في طريق الرقي، شوطا بعيدا".

ثمة مقالة مهمة عنوانها :" العادات المستهجنة في معاملة المرأة"، تطرقت فيها المجلة إلى مبدأها في المجاهرة باتخاذ كلمة الحق والصراحة شعاراً لها. وقالت إنها آلت على نفسها محاربة العادات الوبيلة التي تحط من قدر المرأة وتهضم حقوقها، وتبقيها مطروحة في مهاوي الجمود والاحتقار والخمول". وتطرقت إلى جهودها في فضح بعض العادات السائدة في قضايا الزواج وقالت إنها اليوم تحتج على الإهانة التي ترشق بها المرأة في حديث الناس وفي داخل العائلة. فالمرأة لا تزال في نظر البعض (مخلوقا دنيئا) لذلك تخاطب بما لايليق من الكلام. ودعت المتنورين إلى مواجهة هذه العادات وخاطبت أولئك الذين يستهجنون المرأة ولا يعطونها مكانتها قائلة: (ألا أيها الجاهل.. لماذا تستعظم نفسك.. وتستصغر المرأة؟)، وختمت "ليلى" مقالتها بالقول إن النهضة لا تكون إلا بمشاركة المرأة والمرأة لا تنل التهذيب الحقيقي ما لم يناصرها رجال أحرار مخلصون فعالون.

كتبت السيدة سلمى صائغ، وهي كاتبة سورية نشر لها كتاب بعنوان (نسمات) مقالاً في مجلة ليلى بعنوان "حياتنا الاقتصادية" أشارت فيه إلى مشاركة المرأة في كل نشاطات المجتمع والاقتصادية، ولا تزال دائرة العمل تتسع أمامها (فلا يمر علينا عشر سنين إلا ونرى النساء العربيات مهتمات بمسائل الاقتصاد مقتنعات أن الحرية الاقتصادية هي أم كل حرية بشرية).

في صفحة (متفرقة) نشرت مجموعة من الأخبار منها خبر بعنوان "سير مشروع النهضة النسائية العراقية" قالت فيه "لا تزال السيدات المؤسسات يواليان اجتماعاتهن بصورة منتظمة وقد نشرن بلاغا في إيضاح المشروع وغايته، واعتمدت على عقد اجتماع يحضره عدد كبير من السيدات وذلك في اليوم العشرين من الشهر الحالي (يناير/كانون الثاني 1924) لأجل المذاكرة في تأسيس النادي النسائي في العاصمة والنظر في قانونه).

ثم عرضت الصفحة لبعض الكتب الصادرة المهداة إلى المجلة منها كتاب "تجارة العراق قديما وحديثا" للأستاذ رزق الله غنيمة العضو في مجلسي الإدارة والمعارف في بغداد" وهو كتاب تاريخي واقتصادي (في غاية التعاسة). وكذلك كتاب "دروس في أصول التدريس لساطع الحصري.

وأشارت المجلة إلى أن الدكتور عبدالله أفندي برصوم أهدى مجلة "ليلى" إلى الآنسة زكية عبد النور (في الموصل). أما المعلم رؤوف أفندي صائغ فأهدى المجلة إلى خطيبته الآنسة مثيلة رؤوف صبري (في الموصل) كذلك. وطلبت المجلة من (مراسليها الكرام) و"إلى الذين لم نتمكن حتى الآن من تحلية المجلة بقصائدهم ومقالاتهم أن يغذونا فإننا سننشرها تباتا".

في المجلة مقالات منها موقع باسم مستعار هو (سانحة) بعنوان: (حديث ربات المنازل) وفيه دعوة لاقتباس العادات الحسنة ونبذ العادات الرذيلة كالإسراف، واللهو، والتبرج، والتصنع والحرية الزائدة المضرة.

ونشرت المجلة قصيدة إلياس أبو شبكة "رنات الأوتار السحرية" جاء في مطلعها:

ألفتيها من التحسر لا تعي ** تذري الدموع وحيدة في المخدع

فكأنها والدمع يخطف صوتها ** رمز التعاسة في الزمان الموجع

ومما كان يزين المجلة (أشكال تخطيطية جميلة). واهتمت المجلة بترجمة المقالات من اللغات الإنكليزية والفرنسية وغيرهما من اللغات، ومن ذلك ترجمتها مقالة بعنوان (بوق الحق.. لا يريدون مجابهة الحقائق) تتحدث فيها عن أولئك الذين يخلطون بين الأشياء ولا يميزون بين الخبيث والطيب، ويظهرون ما لا يبطنون.

واستمرت المجلة في إبراز إهداء الرجال لأعداد من مجلة "ليلى" إلى النساء والفتيات ومن ذلك أن (حضرة عبد السلام أفندي أهدى مجلة ليلى إلى حضرة ابنته خالة الآنسة مليحة عاكف التلميذة في مدرسة البارودية).

كما تابعت حركة إصدار الكتب ومنها، على سبيل المثال، كتاب (ذكرى الخالصي) لعبدالرزاق أمين، وهو ترجمة حياة الشيخ محمد مهدي الخالصي.

ومن الطريف أن تتصدى مجلة ليلى لمطالب تركيا في ولاية الموصل، فتنشر في عددها الصادر في فبراير/شباط 1925 مقالاً بعنوان "صوت النصف الآخر" قالت فيه: "لم يحن الوقت للعراقية التدخل في الشؤون السياسية. كما أن ليلى ليس من خطتها البحث في السياسة ولكن لدى هذا الحادث التاريخي العظيم، حادث تعيين الحدود العراقية التركية الذي قامت له الدول وقعدت حتى أنها أرسلت إلى العراق لجنة أممية جليلة للتحقيق والتفتيش، وهب العراقيون، جميعهم على اختلاف طبقاتهم، فأصبحوا كتله واحدة. يحتجون على مطالب الترك الذين يحاولون اغتصاب واسترداد جزء من أراضي العراق لا تتمالك كل امرأة عراقية، وفي قلبها دم وفي نفسها شعور، من السكوت..."

وفي العدد ذاته نشرت مقالا بعنوان "الجنس اللطيف يدافع عن ولاية الموصل" جاء في مطلعه قصيدة جاء فيها:

يا بنات العراق أنتن والله ** عماد الحياة والأحياء

حقا، كانت بولينا حسون صحفية رائدة، وكانت مجلتها مجلة رائدة. وقمين بنا أن نظل نذكر الأجيال بما قدمته للعراق من مجهودات طيبة ومفيدة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

فاروق عمر فوزي وكتابه : تجربتي في الكتابة التاريخية بقلم : الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف

  فاروق عمر فوزي وكتابه : تجربتي في الكتابة التاريخية الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف أستاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل أجا...