الخميس، 6 مايو 2010

العراق ومحيطه الإقليمي في عالم متغير ..مفاهيم جديدة !!





العراق ومحيطه الإقليمي في عالم متغير ..مفاهيم جديدة !!

ا.د.إبراهيم خليل العلاف
مدير مركز الدراسات الإقليمية –جامعة الموصل

يقينا أن مركز الدراسات الإقليمية يناقش اليوم 5( مايس-ايار-مايو 2010 ) ،موضوعا مهما من موضوعات الساعة وهو "موضوع العراق ومحيطه الاقليمي في عالم متغير" ، ويتطلب منا كمركز بحثي موقفا ورأيا أكاديميا نضعه أمام صناع القرار في وطننا العراق ،ذلك هو موضوع العلاقة بين العراق ومحيطه الإقليمي، وكيف يجب أن تكون العلاقة في هذا العالم الذي يشهد كل لحظة تغييرا ،أن كان ذلك على مستوى سياسي أو اقتصادي أو أعلامي أو ثقافي أو اجتماعي أو عسكري أو أمني.
وكما هو معروف ،فأن الحاجة للمواقف الصادقة تكون مطلوبة في أوقات الأزمات والتحديات أكثر من أي وقت مضى ،ومراكز البحوث معنية بتوضيح واستجلاب وخلق الأفكار ووضعها في متناول المسؤولين والباحثين والمهتمين بما يجري حولنا من متغيرات ستظهر آثارها على أبناءنا وأحفادنا أن آجلا أو عاجلا .
لقد تأسس النظام العربي والإقليمي في سنوات ما بعد الحرب العالمية الأولى في أجواء الاحتلال الأجنبي، فأصبح لا يعبر عن إرادة شعبية حقيقية .فضلا انه صار يوما بعد آخر، فاقدا للشرعية .كما أن السلطة، في معظم الدول العربية، لم تشهد تداولا سلميا ديمقراطيا طبيعيا بل اعتراها الكثير من التخبط فمن توريث إلى قتل إلى عزل إلى انقلاب تلو انقلاب. وحتى الجهاز الاتحادي المتمثل بجامعة الدول العربية – ولمّا يمض على أيام تأسيسها الأول- سوى نصف قرن من الزمان، عانت ما عانت، وانتقلت من تجربة سياسية إلى تجربة سياسية أخرى. كما أن الانتقال تم في أوضاع ليست طبيعية، ففي ظل القوى الاستعمارية، نمت هذه الدول ،وفي ظروف تحدي إسرائيل، انتعشت حروب، ومواجهات، ونكسات، ومحن ،وهزائم ،وقليل من الانتصارات لم تسمن ولم تغن من جوع . وللأسف فان دعوات الإصلاح والتغيير ومواكبة المستجدات العالمية أفكارا وتطبيقات ، واغلبها مع الأسف الشديد تجيء من الخارج، لم تجد لها صدى ،وحتى النخب المثقفة العربية أصبحت تعاني إما من مرض السكوت أو العزلة والسلبية أو من التدجين، والسير في ركاب السلطة، والسعي باستمرار، لتلميع صورتها ،مع المعرفة التامة بما تعانيه هذه السلطة من ترهل، وضعف، وتفكك، وفساد ،أخذت رائحته تزكم الأنوف .
لقد وصل النظام الإقليمي العربي واقصد منظومة العلاقات بين الدول العربية ومحيطها ، إلى نهايته ،كما دخل العمل العربي المشترك في نفق مسدود، فجهازه المتمثل بجامعة الدول العربية ومجالس التعاون وتشكيلاتها وما يمت اليها بصلة مشلول، وقاعدته الفكرية ومرجعيته السياسية والقانونية منهارة، فضلا عن ان قدراته التعبوية ضعيفة، خاصة بعد أن فشل في مواجهة وحل الأزمات الإقليمية التي تعصف اليوم بالساحة العربية.لذلك بتنا بحاجة إلى مفاهيم جديدة، وعقلية جديدة ،وخطاب جديد، يأخذ بنظر الاعتبار وقائع العالم المتغير، وما يرتبط به من أفكار تفسح المجال لاحترام الرأي الآخر،وحقوق الإنسان ،والوسطية ،وقيم التعاون، والصدق، وعدم التقوقع على ألذات.
وحتى نضع الجميع في الصورة الحقيقية لابد أن نرجع قليلا إلى الوراء ففي الستينات والسبعينات من القرن الماضي، كنا نتلمس بسهولة حالات من الاستقطاب الحاد الذي عرفها( النظام العربي) بجناحيه المحافظ، والثوري كما كانت تسمى ،والتي عكست إلى حد ما الصراع الأيدلوجي بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي، ويجب أن نتذكر جميعا كيف أن الأمة خسرت لعقود عديدة الكثير، بسبب الصدع الكبير بيت التيارين القومي من جهة واليساري من جهة ثانية وبين القومي واليساري من جهة والإسلامي من جهة أخرى. ويقينا أن السبب هو النظرة الحدية الأحادية للأحزاب التي شهدتها الساحة العربية .. لكن بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق وتفككه، بدأت الصراعات والأزمات تتزايد بسرعة وشدة إلى أن أصبحت المنطقة اليوم، تغلي بالصراعات المحلية والقومية والإقليمية. ومما زاد في حدة هذه الصراعات ،سيادة مفاهيم جديدة تختلف عن المفاهيم الدولية التي استقرت منذ عشرات السنين، ومن هذه المفاهيم مفهوم السيادة..
وكما هو معروف، فان سعي الولايات المتحدة الأميركية، بعد استقرت قطبا أوحدا لإعادة تشكيل العالم- وفق منظورها البراغماتي -كان وراء ذلك كله والولايات المتحدة الأميركية، لم تعد تخفي أنها تحاول خلق شرق أوسط جديد وكبير يتسم بالاستقرار والسلام والرخاء ،ذلك أن افتقارها لأي عنصر من هذه العناصر يخلق - من وجهة نظرها -تهديدا لمصالحها وأمنها القومي. وأول هذه التهديدات هي التي اصطلح عليها ب "مشكلة الإرهاب ".هذا فضلا عن أن اضطراب أسعار النفط في المنطقة، يشكل تهديدا كبيرا للمصالح الحيوية الأميركية، حيث أن الشرق الأوسط يسهم بالشريحة الكبرى من الإنتاج العالمي من النفط ،بامتلاكه غالبية احتياطات العالم .ولايمكن أن ننسى ما تفعله إسرائيل بشعبنا في فلسطين وعدوانها المستمر على الأرض والإنسان والمقدسات .
ومما يؤسف له أن مشكلة الإرهاب، ارتبطت أو ربطت قسرا ، بتنامي التوجهات( الأصولية الإسلامية) ، التي ازدهرت بعد الاحتلال السوفيتي لأفغانستان، والسعي لانتهاج طريق المقاومة والجهاد ،وتشجيع الشباب على الذهاب إلى أفغانستان بحجة محاربة الكفار. ولا ننسى الحملات الواسعة النطاق لجمع الشباب، وتوفير الأموال في مناطق مختلفة من العالم العربي وخاصة في دول الخليج والمملكة العربية السعودية لهذا الغرض . ومما نجم عن ذلك من عودة أولئك الشباب، بعد انسحاب السوفييت، وانتشار مشاعر الغضب،واليأس ،وتفاقم البطالة، وسوء التعليم، بسبب ضعف الأنظمة الحاكمة، واستبدادها، وافتقارها للشرعية.
لقد فتحت الحرب في أفغانستان ، ، والثورة الإسلامية في إيران 1979 ،والحرب العراقية الإيرانية 1980-1988 ، وانهيار الاتحاد السوفيتي ،الباب أمام سيادة نوع من الأطروحات السياسية والفكرية في الغرب وأبرزها :(أطروحة نهاية التاريخ لفرنسيس فوكوياما )، و(أطروحة صراع الحضارات لصموئيل هنتنغتون. وتتلخص الأطروحة الأولى في أن الغرب، بانهيار المنظومة الشيوعية أواخر الثمانينات من القرن الماضي ، كسب المعركة ،وان السبيل الوحيد لمستقبل البشرية هو اختيار الأنموذج الليبرالي الديمقراطي الغربي باعتباره الشكل النهائي لأي حكم أنساني . أما الأطروحة الثانية فتذهب إلى أن العامل الديني والثقافي أصبح هو المحرك الرئيسي للصراع بين الحضارات. وكلتا الأطروحتين تؤكدان تفوق الحضارة الغربية على الحضارة الإسلامية، وان المسلمين يكرهون الغرب بسبب ديمقراطيتهم، وانفتاحهم. وكان من نتائج شيوع هاتين الأطروحتين في الفكر السياسي العالمي ،أن الولايات المتحدة الأميركية راحت تركز جهودها على وضع حركة التفاعلات الدولية تحت هيمنتها ، فبشرت بنظام دولي جديد، وشرق أوسط موسع وكبير .ومما زاد من قيمة هاتين الأطروحتين ما حدث في 11 أيلول –سبتمبر 2001 ،والاتهامات التي وجهت للأصوليين الإسلاميين المتمثلين بتنظيم القاعدة وزعيمهم أسامة بن لادن وأبرزها- كما قال الرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش- أن من سماهم الإرهابيين يأملون في إنشاء إمبراطورية إسلامية توتاليتارية يسمونها الخلافة يحكم فيها الجميع وفقا لعقيدة الكراهية. وشدد بان الإدارة الأميركية تحمل كلام أولئك محمل الجد وعلى الولايات المتحدة الأميركية أن تعمل بتصميم لمنعهم من التوصل إلى أهدافهم .
إذن فان المنطقة إزاء ذلك بحاجة إلى أمرين اثنين اولهما التنمية والإصلاح والتغيير وملاحقة التطور المتسارع. وثانيهما الأمن والاستقرار والأمرين متصلان ببعضهما البعض ولا نريد هنا ان نكرر لماذا نحن بحاجة إلى الإصلاح والتغيير فلقد عقدنا ندوة سابقة حول هذا الموضوع لكن مما يجب أن نؤكد عليه في هذه الندوة هو إن ثمة حاجة إلى أمر كثيرة منها –برأينا _ إنعاش وإحياء الطبقة الوسطى القادرة على الاستجابة للمتغيرات، بعد أن تفككت وانهارت هذه الطبقة لأسباب عديدة لا مجال لمناقشتها في هذا المقام. كما أننا بحاجة كما قلنا إلى خطاب سياسي جديد والاهم من ذلك ثقافة جديدة وبناء جديد لعلاقات متطورة مع جيران العراق مستندة إلى فلسفة يمكن أن نسميها" فلسفة تشبيك العلاقات" ، ومعنى هذا المصطلح الذي سبق أن تحدثنا به وحاولنا ترويجه أن تكون للعلاقات خطوط متداخلة متشابكة يصعب تفكيكها .ومن الطبيعي أن يتم التشبيك في ميادين الاقتصاد والمواصلات والأمن والثقافة والتعليم والصحة والمياه والزراعة وغير ذلك من ميادين الحياة المختلفة .. إن مشاكل العراق ومحيطه الإقليمي عديدة ومتنوعة مردها سواء أكانت سياسية أم اجتماعية أم ثقافية ،أصول اقتصادية فرضتها عوامل معظمها خارجة عن رغبة وإرادة الناس في هذه المنطقة. ولا شك في أن لكل بلد من بلدان المنطقة مشاكل خاصة ناتجة عن ما يكتنف هذا البلد من أوضاع خاصة ومشاكل إقليمية نتيجة الأوضاع الاقتصادية العامة وليس من السهولة وضع حلول مالم تدرس أسبابها وعللها وعواملها دراسة علمية دقيقة مبنية على إحصاءات مضبوطة . أليس من المؤسف أن تظل طرق ووسائل مواصلاتنا مع جيران العراق بهذه الصورة البدائية ؟!أليس من المؤسف أن لاتكون هناك علاقات تعاون بين جامعاتنا العراقية والجامعات في بلدان الجوار ،وان وجدت فهي بائسة ومقتصرة على المسؤولين الكبار في الجامعات .أليس من المؤسف أن لاتكون بيننا وبين تركيا وإيران اتفاقات مائية وليس ثمة مرجعية قانونية حقيقية معترف بها تكون ملزمة للإطراف كافة .أليس من المؤسف أن لا يتزاور التجار العراقيون مع أقرانهم التجار في الدول المجاورة بحرية ؟أين الاستثمارات الإقليمية في العراق ؟كم حجمها ؟ وأي الميادين تشمل ؟ كم هو حجم إسهام العراق في حجم التجارة الدولية والإقليمية ؟ لاشيئ ونحن نعرف أن حجم إسهام الدول العربية كلها- باستثناء النفط في التجارة العالمية - لايزيد عن 3 % ، وهذا يرجع إلى أسباب كثيرة لعل في مقدمتها انخفاض مستوى الإنتاج، والى الاتصال المحدود لفئات قليلة من سكانه بالأسواق العالمية . ثم أين إسهام جامعة الدول العربية كمنظمة إقليمية في حل المشاكل والأزمات سواء بين العرب أنفسهم أو بين العرب وجيرانهم، وهي عاجزة عن أن تقوم بدورها الحقيقي كعامل مساعد في تحقيق قدر-ولو محدود -من العمل العربي المشترك .
إذن نحن إزاء حزمة من المشكلات والتحديات التي ينبغي على مراكز البحوث ومنها مركزنا دراستها ووضع الحلول الناجعة لها استنادا إلى المعطيات العلمية والوطنية .
*نص الكلمة التي افتتح بها الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف مدير مركز الدراسات الإقليمية بجامعة الموصل –العراق الندوة ال31 لمركز الدراسات الإقليمية يوم 5 مايس 2010 بعنوان: " العراق ومحيطه الإقليمي في عالم متغير"
** صورة الدكتور إبراهيم خليل العلاف وزوجته الدكتورة سناء عبد الله عزيز الطائي

هناك تعليق واحد:

  1. دائما تضع الحلول لمشاكل العراق مع دول الجوار في إطروحاتك ومقالاتك ، وما تضمنته كلمتكم في هذا الصرح العلمي مهم - مركز الدراسات الأقليمية لجامعة الموصل - هو أبلغ تعبير عن ذلك ، وما نأمله هو أن تحظى هذه الأطروحات بالمتابعة والإهتمام لإهميتها وقيمتها الكبيرة

    ردحذف

فاروق عمر فوزي وكتابه : تجربتي في الكتابة التاريخية بقلم : الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف

  فاروق عمر فوزي وكتابه : تجربتي في الكتابة التاريخية الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف أستاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل أجا...