الخميس، 20 مايو 2010

أمجد محمد سعيد ..أربعون نهارا والموصل الأفق


أمجد محمد سعيد ..أربعون نهارا والموصل الأفق

ا.د.إبراهيم خليل العلاف
أمجد محمد سعيد واحد من رمز الموصل في الشعر. له انجازات إبداعية كبيرة خص موقعنا : موقع ملتقى أبناء الموصل بقصيدته الرائعة :"أربعون نهارا والموصل الافق " ومع أنه غني عن التعريف لكني وقد تسلمت قصيدته بالبريد الالكتروني وجدت أن اقتبس عنه ما كتبه أستاذنا الكبير الدكتور عمر الطالب في موسوعته : "موسوعة أعلام الموصل في القرن العشرين " واضع هذا كله أمام قراءنا الاعزاء. ومما كتبه الدكتور الطالب قوله أن الاستاذ امجد محمد سعيد ولد في الموصل سنة 1947 ،وأنهى دراسته الأولية فيها .سافر إلى بغداد ودخل قسم اللغة العربية بكلية التربية وحاز على البكالوريوس عام 1970.عمل في المؤسسات الثقافية والإعلامية العراقية، التحق بالسلك الدبلوماسي العراقي وعين ملحقاً في السفارة العراقية في عمان/ الأردن بين عامي 1977-1981 ومديراً للمركز الثقافي العراقي في القاهرة بين عامي 1988-1990 ومستشاراً صحفياً ومديراً للمركز الثقافي العراقي في الخرطوم بين عامي 1992-1996وعمل مديراً في وزارة الثقافة والإعلام العراقية.. يحمل عضوية الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق وعضوية ايتليه القاهرة/مصر. نشر أعماله في الدوريات العراقية والعربية وترجمت بعض قصائده إلى عدة لغات أجنبية.
من مؤلفاته:- 1-نافذة البرق 1976. 2-أرافق زهرة الأعماق 1979. 3-البلاد الأولى 1983. 4-الحصن الشرقي 1987. 5-جوار السور فوق العشب 1988. 6-مسرحيتان شعريتان 1988. 7-قصائد حب 1988.-رقيم الفاو 1989. 9-أربعون نهاراً 1993، 1996. 10-ما بين المرمر والدمع 1995. 11-محمد قمر الأناشيد. وكل هذه الكتب شعرية (دواوين شعر) 12-صورة العربي في الإعلام الغربي (دراسة) 1989. 13 -قمر من الحناء 2000(ديوان شعر) 14-مرايا العزلة (شعر) 15-سورة النيل (ديوان شعر) .




الإخوة الأعزاء
تحية طيبة
هذه القصيدة ( أربعون نهارا والموصل الأفق ) كتبتها حين بلغت الأربعين من عمري , اهديها إليكم لإعادة نشرها في الموقع , والى كل من بلغ الأربعين وجاوزها من الأحبة والأصدقاء , وحتى الآن فأنني حين اقرؤها ابكي , وإنا في الثالثة والستين .


امجد محمد سعيد







أَرْبَعُونَ نهاراً والمَوْصِلُ الأُفُق‏

شعر: امجد محمد سعيد
:

بَيْنَ قَوْسَيْنِ مِنْ مَرْمَرٍ ودُمُوعٍ‏
أُسَرِّبُ ظِلّي إلى الآسِ‏
والطُرُقات العَتيقةِ‏
أُطْلِقُ شَمْساً شِتائيَّةَ الثَّوْبِ‏
ملفوفَةً بالمنازِلِ والمتعبينَ‏
أُسَمِّي الطَريقَ إليها هَوايَ‏
وأَمنحُ للسنواتِ رُجوعي،‏
سَأعبُرُ جِسْرَ المدينةِ‏
مِنْها- إليْها‏
ألُفُ الأزقّةَ في الفَجْرِ‏
غُصْناً فَغُصْناً‏
وَجُرْحاً فَجُرْحاً‏
أَدورُ على العَتَباتِ النَّظيفةِ‏
رُكْناً فَرُكْناً‏
وَقَلْباً فَقَلْباً...‏
... عَلى جانِبٍ مِنْ سَماءٍ‏
شَماليّةِ الريحِ‏
قُرْبَ المخاوِفِ والأمنياتِ‏
تَفَيّا ذاكَ الفَتى نَجْمةً في السطوحِ‏
احْتوى قَمَراً حَطّ في كَفّهِ ذاتَ حُزْنٍ‏
وَهَيَّأَ مِنْ حُلْمِهِ قارِباً‏
يَعْبُرُ الليْلَ‏
والجوعَ‏
يَكشِفُ أعجوبةَ الجَسَدِ الأنثَويِّ‏
يُقبِلُ تحتَ مصابيحَ واهنةٍ‏
كَنْزََهُ المُستنيرَ‏
يُسافِرُ في شَفَقٍ قُرمِزيٍّ‏
وَيَدْخُلُ بَسْمَلَةَ الاخضِرارْ.‏
كانَ الجَسَدُ الطِفْلُ النابضُ‏
بَيْنَ يديكَ لَهيباً‏
فَصْلانِ رَبيعيّانِ‏
وَعَشْرةُ أقْمارٍ‏
وشموسٌ أرْبَعُ‏
تَنسابُ عَلى النَهدَيْن.‏
خَدّانِ مِنَ القُطْنِ الأبيضِ‏
كَفّانِ مِنَ العَسَل الجبليّ‏
وخُضرةُ عَينيْها حَقْلٌ ساطِعُ‏
طَيَّ ذُهولِكَ‏
أوّلُ أسْرارِ الأنثى يَفْتَحُ باباً‏
خَلْفَ جِدارِ البَيْتِ الجُصيَّ‏
جِوارَ الخَوْفِ‏
وَبَيْنَ حَريقِ التُفّاحِ‏
عَرَفْتَ طريقَ البستانِ‏
زُقاقٌ يصبحُ مَمْلَكةً‏
وَمَساءٌ أطيبُ مِنْ كُمّثرى‏
وظَلامٌ أدْفأُ مِنْ مِعْطَفِ صوفْ.‏
.......
في حِوارِ الأزقَّةِ والنَّهْرِ‏
يَمْضي الفَتى سادِراً‏
فَوْقَ طينٍ وخَوْفْ.‏
يَتَملّى غُيومَ المدينةِ،‏
أعوامَ أزْهارِها‏
زَهْرةً زَهْرةً‏
وأَوانَ الربيعِ‏
رَبيعاً ربيعاً
مَآتِمَ شُطآنِها‏
وشواهِدَ أبنائها‏
شاهِداً‏
شاهِداً‏
يَعبُرونْ.‏
يَجْلِسُ اليومَ مُبْتَسِماً‏
بينَ قوسينِ‏
من حَجَرٍ وبُكاءٍ‏
عَلى مِسْطَباتِ الحَدائِقِ‏
مُنْفَرِداً‏
مَعَهُ أربعونَ نَهاراً‏
على دَكّةٍ مِنْ رُخامٍ وعُشْبٍ‏
يُراجِعُ أشعارَهُ‏
وَيسوّي جَدائِلَ دَجلةَ‏
إثْرَ الحَريقِ الأخيرِ‏
يُصَفّي حِسابَ الشبابيكِ..‏
خارطةٌ مِنْ مصابيحَ‏
طَيْرٌ‏
سَتائِرُ‏ تَدخُلُ شيئاً فشيئاً‏
إلى ظُلمةٍ ورَمادٍ‏
مَناديلُ أتلَفَها الدمعُ‏
نافذةٌ أطفأَ الثلجُ شمعَتَها‏
شارعٌ تاهَ..‏
بيتٌ يصيرُ إلى حَجَرٍ وتُرابٍ‏
ظِلالٌ أضاعَتْ طريقَ الرُّجوعِ إلى الدارِ‏
غزلانُ تبكي‏
من القمحِ كانَتْ تَجيءُ‏
مُعبأةً بشذَى الخُبْزِ واللبنِ القُرَويِّ‏
انْتهتْ في أغاني المحبّينَ‏
مَرْثيَّةً من بنفسجِ ما يحمِلُ الحقلُ والغيمُ..
..........
قَوْسانِ‏
من مَطَرٍ وغصُونْ.‏
لِنَهارٍ بحجمِ المحبّةِ‏
ليلٍ بحجمِ الظُّنونْ...‏
أإلى غابةِ السنديانِ تريدُ..‏
الطريقُ إليها معبدةٌ‏
فَتَمَشَّ إليْها‏
صِلِ النَّهْرَ بالذاكرةْ‏
والأماني بفُقْدانِها‏
والنَّدى بالخريفْ.‏
وتَعَلّقْ برمْلِ الشَّواطِئِ‏
بالساحِلِِ الأبديّ الذي لَنْ يَخونْ.‏
أربعونْ‏
أربعونْ.‏
أربعونَ نَهاراً مَضَى‏
لَسْتَ تملِكُ شَمْساً‏
ولكنّها أربعون مَداراً مِنَ الوَهَجِ المَوْصِّليِّ‏
وَلَيْسَ لدجلةَ إسْمٌ وحيدٌ‏
ولكنّهُ أربعونَ وَريداً مِنَ الرئتينْ.‏
أربعونَ نبياً‏
عَلى خَطْوِهِمْ.‏
وَضَبابِ منائِرهمْ‏
فَتَحَ القلبُ شُبّاكَهُ‏
اشتَعَلَ الصُّبْحُ‏
- يا زورَقاً فوقَ دجلَةَ يَسْري-‏
على مَهَلٍ‏
نَقِفُ الآنَ جِوارَ القلعةِ‏
عندَ السورِ الحَجريّ قليلاً‏
نشرَبُ مِنْ عَيْنِ الكبريتِ هَوىً‏
وَنَمُرُّ عَلى الجِسْرِ الأولِ‏
بالمقهى الغائبِ في قَعْرِ النَّهْرِ‏
وبالسوقِ الشّعبي الغابرِ‏
آهٍ‏
لا تملِكُ شيئاً‏
لكنّكَ تملِكُ كُلَّ المَوْصِلِ‏
أرصفةً‏
وحدائقْ.‏
غَيْماً‏
وحَرَائقْ.
..........
... بَيْنَ قَوْسَيْنِ‏
مِنْ شَجَرٍ وَسَحابٍ‏
يَعودُ المَساءُ إلى البيتِ..‏
قنطرةٌ تُغلِقُ البابَ‏
خَلْفَ نوافذِكَ الخَشَبيّة‏
تَغْزو الحِكاياتُ وَهْمَ الصغارِ‏
أمامَ المواقِدِ‏
تَنْعَسُ‏
تَأكُلُ جَوْزاً وتيناً‏
تَنامُ‏
أتنامُ الآنَ..؟‏
بَدا الصُّبْحُ‏
ارتفعَ التكبيرُ مِنَ المسجدِ‏
والثلجُ علَى الأبوابْ.‏
العرباتُ ستركُضُ قُرْبَ النَّهْرِ‏
تعودُ الخَيْلُ وحيدةْ.‏
الزورَقُ يمشيْ‏
والشاطئُ مفتوحٌ‏
والدُّنيا مَطَرٌ‏
.. أفتحُ نافذةَ الفَجْرِ‏
أُخَلّيها تتنفسُ مِثْلَ الأشجارِ‏
سأغرِسُ في الغاباتِ غَداً‏
جَذْراً آخَرَ‏
أغرسُ عِنْدَ الشَطِّ غداً‏
بَيْتاً آخَرَ‏
أكتُبُ فوقَ الجُدرانِ الجصيّةِ‏
أغنيةً أخرى‏
عَنْ قافلةٍ مِنْ قَوْسِ قُزَحْ.‏
شَرِبَتْ كَأْساً‏
مِنْ خَمْرِ الرُّمّانْ.‏
وأضاعَتْ في مَطَرِ البُستانْ.‏
أسْراراً وقَدحْ.‏
........
جِسْرٌ ثالثُ‏
جِسْرٌ رابعُ‏
جِسْرٌ خامِسُ‏
تَخْطو قَدَماكَ عَلى الجِسْرِ الأوّلِ‏
يبتعِدُ المصباحُ عن المصباحْ.‏
ينكسِرُ الحُلْمُ على الأقداحْ.‏
الفَتى..‏
عِنْدَ بابِ الحديقةِ‏
يَقرأُ شيئاً‏
على العُشْبِ‏
مُتَّخِذاً هيئةَ الأربعينْ‏
بِقليلٍ مِنَ الخَمْرِ في شفتيهِ‏
قليلٍ من الشَّيْبِ في فودِهِ‏
وقليلٍ من الياسَمينْ.‏
يَتَغنى بِصَوْتٍ خَفيضٍ..‏
-لَقَدْ كانَ يمشي على العُشْبِ‏
دونَ حذاءٍ‏
يصيدُ العصافيرَ‏
مِشيَتُهُ الآنَ أهدأ‏
عيناهُ مُتعبتانِ‏
ويَخشى مِنَ البردِ‏
كسلانُ لا يتمشّى كثيراً‏
تَهونُ‏
تَهونْ.‏
الأرضُ والدةٌ وأنتَ تحوطُها‏
أرجاؤُها‏
يَمشي إليكَ تُرابها.‏
على جبَلِ الأربعينَ‏
تقومْ.‏
على دِجلةَ الأربعينَ‏
تعومْ.‏
على شَمْسِها الأربعينَ‏
تُغنيّ.‏
وفي يَوْمِها الأربعينَ،‏
تُصلي.‏
الموصل/ 1987‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

فاروق عمر فوزي وكتابه : تجربتي في الكتابة التاريخية بقلم : الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف

  فاروق عمر فوزي وكتابه : تجربتي في الكتابة التاريخية الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف أستاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل أجا...