الثلاثاء، 11 مايو 2010

مع قصي حسين ال فرج وكتابه : "محلة باب الطوب "




مع قصي حسين آل فرج وكتابه : "محلة باب الطوب "

أ.د. إبراهيم خليل العلاف

قصي حسين آل فرج صديقنا العزيز، الباحث التراثي، ومدير المكتبة العامة المركزية في الموصل أهدانا قبل أيام مشكوراً كتابه : ( محلة باب الطوب .. جوبة البقارة .. دراسة تاريخية ميدانية ) بطبعته الثانية المنقحة والمزيدة ، ومما يفرح أن احد أبناء المحلة ، وهو ياسين الحاج محمد العزاوي تحمل عبء نشر الكتاب  ولاكثر من طبعة وتغطية نفقاته ، وهذا شيء جديد يذكرنا بما كان يفعله أجدادنا في تشجيعهم العلم والعلماء وحبذا لو تمثل به غيره من ميسوري الحال، فأقدموا على تبني نشر كتب ورسائل وأطروحات لا تزال تقبع في مكانها على الرفوف العالية وكلها تتناول الموصل تاريخا واقتصاداً وثقافة وجغرافية وادباً وشعراً وغير ذلك .
لا اذيع سراً إذا قلت بأنني- ومنذ سنوات تزيد عن الثلاثين- كتبت عن الموصل وأدخلت مادة (التاريخ المحلي) إلى الدراسات التاريخية العليا وشجعت الطلبة على اختيار الموصل موضوعاً لرسائلهم وأطروحاتهم، وأشرفت على بعضها ومنها أطروحة الدكتوراه للزميل الدكتور ذنون الطائي مدير مركز دراسات الموصل حول ( الإدارة في الموصل إبان العهد الملكي ) والتي صدرت قبل فترة .
وفي محاضراتي في التاريخ المحلي أكدت على ضرورة توثيق تاريخ وتراث محلات الموصل واستجاب من استجاب وتبنى بعض تلاميذي ومنهم الأستاذ الدكتور عدنان سامي نذير - عندما كان أمينا للمكتبة المركزية و الأستاذ الدكتور مزاحم علاوي مدير مركز دراسات الموصل آنذاك -الفكرة وطرحت في "لجنة أصدقاء جامعة الموصل" ، وتقدم عدد من باحثي الموصل المعروفين باهتماماتهم التراثية للكتابة في هذا المجال ، ومن هؤلاء الأستاذ أزهر ألعبيدي الذي كتب عن جادة باب لكش، والأستاذ عبد الله أمين أغا الذي كتب عن محلة باب البيض، والأستاذ قصي حسين آل فرج الذي كتب عن محلة باب الطوب وقد قرأت الكتب الثلاث وأعجبت بها ، وشجعت مؤلفيها ، وشددت علي أيديهم ومما يسعدني حقاً أن كلية الآثار ، ومن خلال عميدها الصديق العزيز الأستاذ الدكتور علي ياسين احمد الجبوري والأخ الأستاذ الدكتور احمد قاسم الجمعة باتت تهتم هي الأخرى بـ ( الموصل العثمانية ) .. وقد ناقشت قبل أيام أطروحة للدكتوراه عن خطط الموصل إبان العهد العثماني وكنت رئيساً للجنة المناقشة ، وكانت بحق أطروحة جيدة ومهمة تكشف عن جوانب مخفية من تاريخ وتراث موصلنا العزيزة .
مما يعزز قيمة كتاب الأخ الأستاذ قصي حسين آل فرج أن محلة باب الطوب أو ( جوبة البكارة ) تعرضت في كثير من جوانبها للهدم ، وللأسف ، فان يد الهدم في موصلنا ، جادة في انجاز عملها بأسرع من لمح البصر .. هدمت محلة باب الطوب هذه المحلة التراثية بل وأزيلت سنة 1975 مع أنها ذات اثر في حياة الموصل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعمرانية والثقافية والسكانية .فضلا عن أهمية موقعها المتميز القريب من النهر ، نهر دجلة ومن الأسواق والخانات والحرف والمهن سواء البائدة منها أو المتطورة . لقد استملكت بلدية الموصل المنطقة المحصورة بين جامعي الخضر عليه السلام وباب الطوب المتمثلة بالجزء الأعظم من بيوت و دور المحلة . وأنجز بناء ( الكورنيش ) على دجلة ، ولكن مما يؤسف له أن بعض الدور وخاصة وراء البنايات القائمة على ( الكورنيش ) لا تزال قائمة ولكنها منعزلة ومنقطعة الجذور عن ما يماثلها من دور تحولت أراضيها إلى ساحات عشوائية لوقوف السيارات والعربات .. ويقيناً أن من نتائج الهدم ، تشتيت أواصر عرى القرابة بين الأسر التي كانت تعد نفسها أسرة واحدة ، فتباعدت بينها المسافات، وانهدمت أركانها، ولم يبق عند أهليها سوى الذكريات المرة والحلوة .
قدم الأستاذ قصي مخططاً للمحلة يعود إلى الفترة الواقعة بين 1907 – 1917.وقال أن باب الطوب من المحلات العريقة ، وفيها الباب الشهير واحتوت متوسطة المثنى، وجامع باب الطوب، وخان باب الطوب، وساحة باب الطوب . باب الطوب ، محلة ارتبط بها نضال الموصليين ضد المحتلين البريطانيين والحكم الملكي .. فعلى أرضها ارتفعت شعارات المطالبة بالاستقلال ،والحرية ،والحياة الأفضل .. سكنتها "عشيرة السادة البكارة "وهي من العشائر التي تنتسب إلى البيت النبوي الشريف .. وجوبة البكارة ، أي مكان تجمع هذه العشيرة واغلب الظن أن سكنى هذه العشيرة وسكنى عشيرتي العكيدات والاشمطا كان خارج السور ، ومن هنا جاءت التسمية (جوبة) وعندما أزيل السور أصبحت جوبة العكيدات، وجوبة النبي شيت ،وجوبة البكارة ضمن المدينة .. في جوبة البكارة (البقارة ) ، الجامع الأحمر أو الجامع ألمجاهدي أو جامع الخضر عليه السلام .. فيها ظهر أول مشروع لكهربة الموصل أنشأه الوجيه الكبير مصطفى جلبي الصابونجي ( 1885 – 1954 )، وفيها معامل الثلج ،وحمام النعيم وفيها (سوق الهرج ) الذي يعقد يوم الجمعة ويلتقي فيه الموصليون ، وما اسعد اللقاء في ذلك السوق حيث (الانتيكات) وحيث ( السبح _ جمع سبحة ) وحيث الدراجات الهوائية وحيث وحيث .. مداخل ومخارج باب الطوب .. صور لفندق دجلة في باب الطوب .. وصور لوسط بيوت المحلة .. بيت محمود الحمادة ،وطه الحمداني ويعقوب التكريتي العلاف الذي كان صديق جدي احمد الحامد العلاف وكنت طفلاً صغيراً اذهب مع جدتي إلى بيته لزيارة زوجته التي نسيت اسمها .. (عوجات) باب الطوب ومحل حودي ( السيد محمد ) لخياطة الراويات ( المطّارات ) التي يحفظ فيها الماء صيفاً .. خميسة الرّحال التي كانت تعين المعسرات في الولادة والقابلة الحاجة الفاضلة نجيبة .. محفوظ بك واحمد فصولة ، وسمير الحصيني ومحمود جاويش أبو شاكر اللهيبي المعلم المعروف وإبراهيم إسماعيل الكبابجي ، هؤلاء الذين كانوا من أوائل من انتسب إلى سلك الشرطة .
 كما ذكر الاستاذ قصي حسين ال فرج في كتابه وعلى الصفحتين 17و18  ما يلي :"اسس المرحوم عبد الرزاق اسعد التحصيلدار مدير مدرسة صناعة الموصل اول معمل لصناعة وانتاج الثلج في فترة الحكم الملكي 1921-1958 بالتعاون مع اخيه السيد عبد الستار اللذان قاما بنصب وتشغيل العديد من المعامل المعروفة في مدينة الموصل سواء في صناعة الثلج اوغيره "وقد استند في الهامش عندما تحدث عن المرحوم عبد الرزاق اسعد التحصيلدار الى جدول كبار موظفي الحكومة العراقية لسنة 1932 ص43 وكان مديرا لمدرسة الصناعة في الموصل التي شغلتها مدرسة متوسطة المثنى بالمحلة اي محلة باب الطوب وجوبة البقارة .
لقد سكن محلة باب الطوب ، رجال برزوا في حياة العراق ، استأجروا لهم دوراً هناك منهم الشاعر حسن العلكاوي التكريتي ،ومولود مخلص السياسي العراقي، والمشير الركن عبد السلام عارف رئيس جمهورية العراق 1963 – 1966 عندما كان ضابطا صغيرا يعمل في قطعات الموصل العسكرية ، والشاعر الشعبي الملا عبود الكرخي، ورشيد مصلح التكريتي مدير الامن العام بعدئذ ،والنائب والصحفي متي فتح الله سرسم .
في محلة باب الطوب بيوت شهيرة ، فهناك بيت فرج الملا علي الذي ينتسب اليه الأديب المؤرخ والشاعر إسماعيل حقي فرج وبيت حسين السليمان ، وبيت حنتوش وبيت احمد الاغا وبيت الشاهين ، وبيت حسين كبابجي ، وبيت حسين الحصيني , وبيت سيد عباوي واخرين .. وقد ارتبطنا بأولاد واحفاد هؤلاء وغيرهم بعلاقات صداقة وليس هذا الحيز كاف لتغطية كل ما جاء به الكتاب .. صور وثائقية جميلة،ووثائق عثمانية زينت الكتاب ، نبارك لأخينا أبو صهيب جهده وبارك الله به وجزاه على ما قدم خيراً ونأمل في أن يقتني كل موصلي يحب مدينته نسخة من هذا الكتاب القيم والمفيد .
*الرجاء زيارة مدونة الدكتور إبراهيم العلاف ورابطها التالي :
http://wwwallafblogspotcom.blogspot.com/2010/02/1908-1995.html

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

فاروق عمر فوزي وكتابه : تجربتي في الكتابة التاريخية بقلم : الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف

  فاروق عمر فوزي وكتابه : تجربتي في الكتابة التاريخية الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف أستاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل أجا...