الجمعة، 21 مايو 2010

أمام قلعة أربيل التاريخية




أمام قلعة أربيل التاريخية
ا.د. إبراهيم خليل العلاف
أستاذ التاريخ الحديث –جامعة الموصل


تقع قلعة اربيل في وسط مدينة أربيل في كردستان العراق، ويعود تاريخها إلى العصور الأشورية والى حوالي الألف الأول قبل الميلاد، بنيت أساسا لأغراض دفاعية حيث كانت تعد حصنا منيعا لمدينة اربيل في تلك الحقبة الزمنية. وقد ضمت القلعة عند إنشاءها في بادئ الأمر المدينة بكاملها . وتبعد أربيل عن مدينة الموصل 87كم وعن كركوك 96كم، وعن بغداد عاصمة العراق 346كم, ولغرض الإلمام في أصل تسميتها، فقد ظهر ما يدلل على اسمها وما وصل إليه المؤرخون من الإشارات الواردة في سجلات ملوك سلالة أور الثالثة (2112–2004) ق.م , وهي أقدم كتابات سومرية اسم اوربيلم . وفي العهد البابلي والآشوري سميت (اربا ايلو) , وبالخط المسماري(ربييرا) .أما العرب والعثمانيون فسموها أربيل أي "الأرض المخضرة". وللقلعة بوابتان قديمتان وبوابة ثالثة جديدة نسبيا ، أحداهما البوابة الجنوبية تشرف على الميدان ويفصل القلعة عن سوق القيصرية ، شيدت سنة 1860م وهدمت سنة 1960م. أما البوابة الحالية فقد شيدت عام 1979م ، وصممت من قبل المكتب الاستشاري العراقي في محل البوابة القديمة ، والبوابة الثانية هي البوابة الشرقية وهي بوابة قديمة وتستخدم للسابلة فقط . أما البوابة الثالثة فهي البوابة الشمالية (الاحمدية( وتم افتتاحها قبل حوالي 60 عاماً ومعها افتتح شارع عريض يمر من وسط القلعة ، ومواجهة لمدينة عين كاوة وتستخدم لصعود السيارات فقط. وحسب إحصاء عام 1957 وصل عدد الدور المستملكة من قبل دائرة الآثار والتراث إلى 32 داراً والدور المستملكة من قبل البلدية 161 داراً وبيوت تعود ملكيتها لأشخاص إلى 279 داراً بينما البيوت المجهولة الملكية تصل إلى 34 داراً وبهذا يصبح مجموع الدور 506 داراً . وحسب إحصاء عام 1977 وصل عدد الدور المعروفة إلى 566 داراً بينما بقايا الدور المتهدمة وصل عددها إلى 103 داراً ، مما يعطينا صورة أولية عن المجموع 669 داراً ، وبلغت مساحة الدور 60808م2.
كتب الاستاذ سالم صابر الاطرقجي مقالة عن اربيل اشار فيها الى الاحصاء الذي تم بعد الحرب العالمية الاولى والاحتلال البريطاني للعراق ومما ورد في المقالة " وبعد الحرب العالمية الاولى استقرت الامور للمحتلين الانكليز في العراق ومدينة اربيل من ضمنها. اسس المحتل الانكليزي الادارة المدنية واقدم على خطوات في سبيل توفير المعلومات الاساسية التي تسهم في تطوير المستلزمات والتقدم نحو الحضارة الاوروبية من فتح المدارس وانشاء المستشفيات وغيرها. لذلك قام باجراء احصاء سكاني لقلعة اربيل وفق استمارات تضمنت اسم المحلة ورقم الابواب ورقم الجادة واسم رئيس العائلة وتاريخ ولادته بالسنة الهجرية وافراد عائلته ومهنهم واسماء الساكنين معهم من المستاجرين وشمل الاحصاء 521 دارا موزعة على محلات (طوبخانة 133، والتكية 212 والسراي 176دارا). وقد ظلت نتائج هذا الاحصاء محفوظة في سجلات مديرية النفوس العامة ببغداد الى ان قام السيد برهان يارالى مشكوراً بنشرها في كتابه الموسوم (قلعة اربيل بين الماضي والحاضر ) في عام 2004




قال ياقوت الحموي في كتابه (معجم البلدان)، عن اربيل وقلعتها: ان اربيل هي قلعة ومدينة كبيرة في فضاء واسع من الأرض. أصبحت القلعة مقرا للامير الاتابكي سنة 539هـ.يبلغ ارتفاع القلعة 415 م عن مستوى سطح البحر وعن سطح المدينة يبلغ ارتفاعها حوالي 26 م اما مساحتها فتبلغ 102.190 متر مربع. وفي 26 أبريل 2006 دمر أحد جدرانها الذي يقع في مواجهة بناية (محافظة أربيل).. وقد سميت اربيل باربيل لان القلعة كانت اسمها اربأيلو والمنطقة التي فيها القلعة كانت اسمها قبل أنشاء القلعة عليها باسم اراستيوم حيث هذا احد الاسماء الاشورية القديمة وكلمة اربيل مأخوذه من اربأيلو يعني الاله الاربعة في اللغة الاشورية وسميت بالقلعة لأنها كانت عالية وكانت أشبه بالدرع.
كانت مدينة أربيل عبارة عن قلعة محصنة بأبوابها وأبراجها المحكمة , بالإضافة إلى جدرانها الصقيلة المحيطة بها التي كانت السبب الرئيسي في منع المهاجمين من ارتقائها , ولم تخضع مدينة أربيل لفاتح إلا بصعوبة وأقدم إشارة الى ذلك ما نقله (ابن واصل) عن صمودها أمام الامير الاتابكي عماد الدين زنكي-مؤسس اتابكية الموصل- حين حاصرها سنة 526 للهجرة محاولاً ضم هذه المدينة إلى إمارته , هذا فضلا عن قول (القزويني) : "إن هذه القلعة كانت من الحصانة بحيث عجز المغول عن افتتاحها مع إنهم ما فاتهم شيء من القلاع والحصون" .
يقول المتخصص في شؤون الآثار ومدير متحف اربيل سابقا الاستاذ كنعان المفتي: (( يرجع تاريخ قلعة اربيل الى الالف السادس او السابع قبل الميلاد..و تتكون القلعة من ثلاثة احياء سكنية وهي محلة سراي ومحلة طوبخانة ومحلة التكية ... وقد بنيت القلعة على بقعة مساحتها مائة وعشرة الاف متر مربع وكان فيها اكثر من 800 عائلة اي مايقارب 4000 نسمة كانوا موجودين في قلعة اربيل.. ومرت عليها حضارات إزدهرت في عصور ما قبل التاريخ كالسومرية والاكدية والبابلية والاشورية والميدية الى الفترات الاسلامية المتعاقبة .كما ان الكشوفات التي اجريت على القلعة خلال الفترات المنصرمة، أكدت أن القلعة كانت مسكونة باستمرار عبر المراحل التاريخية التي مرت بها مبينا أن القلعة هي تل غير اصطناعي ويسمى" تل المدن السبعة" أي سبعة حضارات متعاقبة واحدة تلو الاخرى)).


واشار المفتي ((إلى أن محاولة لسبر غور القلعة بإجراء الفحص الضوئي السونار المتكامل قد تمت وأتضح من خلاله العديد من الحقب التاريخية وفي بعض الأماكن وجود عدة حضارات متعاقبة مؤكدا أن القلعة بحاجة الى حملات تنقيب مستمرة من أجل الوصول الى حقائق وجود المعابد والدور والحقب التاريخية)) . وأكد المفتي إجراء العديد من عمليات الصيانة والترميم على قلعة اربيل التاريخية ،كان من أبرزها في أعوام الثمانينات من القرن الماضي ، وذكر ان الحكومة العراقية قامت- منذ بداية القرن العشرين-بصيانة بعض الدور وفتح الشارع الرئيسي. وفي عام 2004 عقد اكبر تجمع اركولوجي في مدينة اربيل سمي: " المؤتمر العلمي الأول لصيانة وترميم قلعة اربيل" ، وخرج المؤتمر بنتائج جيدة أبرزها تأهيل قلعة اربيل مرة أخرى وإخراج العوائل المسكونة فيها بصورة مؤقتة لتبدأ بعدها عملية ترميم وصيانة الدور الاثرية ،وشكلت من قبل حكومة اقليم كردستان العراق هيئة كاملة لصيانة قلعة اربيل والان بدأت بجمع الوثائق والخرائط والصور. كما شرعت في اخلاء الدور وتعويض اصحابها بقطع اراضي سكنية وبناء مجمع لهم في اطراف مدينة اربيل . كما تحولت الساحة المواجهة للقلعة إلى متنزه جميل فيه الحدائق والساحات والنافورات ويقضي أبناء اربيل والسواح أوقاتا جميلة أمام القلعة وخاصة في أوقات الصباح والمساء وهم يتنسمون عبق التاريخ، وأريج التراث العراقي الأصيل .
أدرجت قلعة اربيل الأثرية إلى لائحة التراث العالمي بشكل مؤقت. وتتميز القلعة بموقعها المركزي المطل على مدينة اربيل في شمال العراق ومساحتها التي تزيد قليلا عن عشرة هكتارات. وقال مدير مكتب منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة محمد جليد إن الفترة الماضية سمحت بتقييم أوضاع القلعة وبعدها كانت مرحلة إعداد الخطط لحمايتها نظرا لوجود العديد من المنازل المعرضة للهدم وأشار إلى أن المرحلة الثالثة تعني إدراجها مؤقتا ضمن لائحة التراث العالمي. وأكد جليد أن الهدف الأول هو الدخول في اللائحة العالمية. وأشار إلى أن "المرحلة الثانية تستغرق ثلاث سنوات لإصلاح وترميم المنازل داخل القلعة وأي موقع اثري يستغرق سنتين قبل إدراجه ضمن قائمة التراث العالمي بشكل دائم".


ثمة دراسات جرت لتطوير القلعة أبرزها :




.1 دراسة المكتب الاستشاري العراقي سنة 1968- 1971 :
أهدافها : تحويل القلعة إلى مركز سياحي حيث يتناسب مع أهميتها التاريخية وصيانتها والمحافظة على بعض الأبنية وإعادة بناء المدخل الجنوبي بشكل يتناسب مع طابع وتاريخ القلعة وإقامة سلم حجري للقلعة بدلاً من طريق السيارات , وإلغاء هذا الطريق الصاعد وتحويله للمشاة فقط وإنشاء مصعدين بسعة حجمية ملائمة في منطقتين مناسبتين لنقل الناس إلى القلعة وتحسين مظهرها الخارجي بزراعة سفوحها من جميع الجوانب وإنارتها ليلا .
2 . دراسة المكتب الاستشاري العراقي بالتعاون مع مؤسسة كولن بيوكاتن وشركاته الإنكليزية :
قدم المكتب مع المؤسسة المذكورة في14 كانون الثاني 1971عرضاً خاصاً الى مديرية بلدية أربيل بتهيئة دراسة لتطوير القلعة والحفاظ عليها وعد ذلك متمما للدراسات التي قام بها المكتب في السابق ويتكون هذا العرض من مسح عام للصفات والمميزات المعمارية والتخطيطات الأولية لبعض المنشات الموجودة في القلعة وذلك لتطويرها واستخدامها كمركز ثقافي تعليمي بالإضافة الى مخططات لبعض الخدمات كالطرق والمجاري والمسح الصحي والآثاري التمهيدي ثم لخصت الدراسة وقدمت باللغة الإنكليزية في تموز 1971 ويلاحظ أن المكتب الاستشاري العراقي قد قدم الى بلدية أربيل في 24شباط 1971 عرضا جديدا لمؤسسة (Coopsect) الفرنسية لتطوير القلعة.


3 .دراسة المهندس الفرنسي (بيير لوبوتو) عام 1971 :
زار المهندس بيير لوبوتو قلعة أربيل لمدة 4 أيام ورأى أن الحالة العامة للدور السكنية رديئة وكذلك شاهد تصدع الجدران وتحول بعض الدور إلى خرائب لكنه أشار إلى أن القلعة ما تزال محتفظة بسمتها المعمارية والتاريخية ووضع عددا من المقترحات والحلول لتطوير القلعة منها :
• التحريات عن الكنوز الأثرية : اعتقد لوبوتو انه في حالة احتواء القلعة على آثار تاريخية مهمة فان ذلك سيؤدي إلى احداث مهمة لاحتمال وجود الآثار فيها وتغيير مجرى سير عمليات التطوير .
• الصيانة العامة للقلعة : افترض أن تكون صالحة للسكن بعد صيانتها ولكن يجب التقليل أولاً من عدد المباني السكنية وخصوصا الغير ملائمة منها ، وخلق فضاءات بين الكتل السكنية .
• إقامة تنظيمات سياحية وخلق مراكز ثقافية وعددا من المتاحف والمحافظة على المساجد وبعض المباني السكنية والحمامات وتحويل بعض الدور السكنية الى متاحف أو مناطق سياحية وتنظيم الساحات والشوارع .
• التأكيد على صيانة السور المحيط بالقلعة ورفع كافة التجاوزات .


4 .. دراسة المهندسة شيرين إحسان سنة 1978 رسالة ماجستير :
ترى إن الاختيار الأفضل لتطوير القلعة هي بوصفها مركزاً تاريخياً وآهلة بالسكان
وعن طريق الحفاظ على سماتها ومميزاتها الفريدة وعليه اقترحت عدة بدائل :-
• الصيانة الشاملة : أي المحافظة على كل المباني في القلعة وتحديد حركة النقل فيها .
• الصيانة الانتقائية : أي الاحتفاظ ببعض المباني الموجودة حالياً في القلعة وحسب أهميتها المعمارية وحالتها البنائية .
• صيانة الشكل الخارجي : أي الاحتفاظ بالتل ومجموعة المباني المنتشرة على حافتها مع واجهاتها واعتقدت إن بالإمكان استبدال كافة المباني الواقعة في الجزء الأعلى للقلعة ولكن مع تحديد الارتفاع حفاظاً على مظهرها الخارجي .
• واعتبرت إن البديل الأفضل لتطوير القلعة هو البديل الثاني (ب) أي الصيانة الانتقائية ، ولإضفاء الحيوية السياحية والثقافية اقترحت إنشاء مركز فني يضم الفنون والحرف القديمة في شمال العراق وإنشاء مركز ثقافي للدراسات التاريخية والآثارية ، ومعهدا للغات والأدب الذي يخص هذه المنطقة وأخرا للموسيقى والرقص الشعبي ، ومعهدا للدراسة البيئية , وبناء متاحف للتاريخ الطبيعي والآثار المكتشفة , وبناء مسرح مدرج لعروض الرقص الفلكلوري والمحلي والغناء والأناشيد الشعبية .
• ضرورة تثبيت سفوح القلعة بأنواع خاصة من النباتات قليلة الارتفاع التي تتحمل المناخ الجاف وضرورة تهيئة شبكة أنابيب لسقي هذه النباتات .
5 .دراسة عبد الباقي الحيدري سنة 1985 رسالة ماجستير:
اقترح بعض النقاط الأساسية لتنفيذ التجديد الحضري لقلعة اربيل اجتماعياً واقتصادياً وعمرانياً :-
• إنشاء هيئة عليا ذات صلاحية يكون واجبها الأساس الإشراف على عملية التجديد الحضري للمنطقة , وامتلاكها الإمكانات المادية الكافية , وتحديد برنامج للعمل وتوفير التصاميم الملائمة للمستويات الاجتماعية والاقتصادية والعمرانية .
• إعداد قوائم خاصة تسجل فيها المباني التراثية الواجب المحافظة عليها وأهمها الدور السكنية , وإعادة تأهيل قسم منها الى وظائف جديدة مثل متاحف , مراكز حرفية , دور استراحة .
• تحويل حمام القلعة إلى حمام فلكلوري مؤثث مع تماثيل شمعية تمثل الحمام الشعبي .
• المحافظة على الطابع المعماري للمنطقة بأزقتها الضيقة والملتوية , والمحافظة على مداخلها وإعادة بناء المدخل الشرقي .
• يتطلب التجديد الحضري للقلعة تحسين الحالة العمرانية , وتوفير خدمات البنى التحتية الاجتماعية والفنية .
والصورة المرفقة أخذت عصر يوم 9 نيسان 2010 وهي للدكتور إبراهيم خليل العلاف وزوجته الدكتورة سناء عبد الله عزيز الطائي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ابراهيم العلاف في بيروت قبل 13 سنة في شارع الحمرا ببيروت وامام كشك للصحف والمجلات يوم 15-12-2011.....بيروت ما أجملها حماها الله .........................................ابراهيم العلاف

  ابراهيم العلاف في بيروت قبل 13 سنة في شارع الحمرا ببيروت وامام كشك للصحف والمجلات يوم 15-12-2011.....بيروت ما أجملها حماها الله .............