المكتبة العربية وعبد الرحمن الكركجي
بقلم الاستاذ الصديق معن عبد القادر ال زكريا
زخرت مدينة الموصل- من خلال شارعها الشهير ب "شارع ألنجفي "- بالعديد من المكتبات وتعد المكتبة العربية من أقدم هذه المكتبات ومؤسسها هو الأستاذ عبد الرحمن بن عبد الله بن مصطفى الكركجي وكان ذلك سنة 1921 . وكما هو معروف فأن الكركجي عمل منذ طفولته مع والده عبد الله في مهنة العطارة في دكانه الواقعة في سوق العطارين . إلا أن ذلك العمل لم يحل بينه وبين دخول المدرسة الابتدائية والتخرج فيها ، ثم اكتفى من تعليمه بحصوله على شهادة الدراسة المتوسطة ليطلب التعيين موظفاً في دوائر الحكومة ، فكان نصيبه أن يصير كاتباً في (دائرة الأعشار) والعشر ، ضريبة كانت تفرض على إنتاج المزارعين من الحنطة والشعير بنسبة واحد إلى عشرة من قيمة المحصول ، ثم صار وأن ألغيت هذه الضريبة في نهاية الخمسينات لعدم إيجابية الانتفاع بإيراداتها بالقياس إلى تكاليف جبايتها .
وكان الشاب عبد الرحمن يتوق توقاً شديداً إلى القراءة ، فأستهوته مؤلفات الكاتب المصري مصطفى لطفي المنفلوطي ، فقرأها عن آخرها ، ثم لمّا لم يجد ما يطفئ ضمأه إلى المزيد من القراءة في الموصل ، صادف أن سافر مع أقربائه إلى بغداد ، فزار سوق المكتبات في سوق السراي وتفرعاته (شارع المتنبي اليوم) ليشتري مجموعة متنوعة من كتب أدبية ودينية من مكتبات (العربية ، والعصرية ، ومكتبة إبراهيم حلمي) اذ قام بقراءة بعضها وبيع البعض الآخر في محل والده في سوق العطارين .
وحين اختمرت في ذهنه فكرة الاهتمام بالكتاب ، ترك الوظيفة غير آسف عليها ، ليستأجر دكاناً في شارع ألنجفي زودها بالكتب وأسماها ب "المكتبة العربية" ثم بمرور الزمن أضاف إلى تجارة الكتب الأدبية التي صار إلى المعارف لمختلف المراحل الدراسية .
لقد كانت مكتبة عبد الرحمن الكركجي مكاناً دائماً لملتقى مختلف الأصحاب والأصدقاء والمعارف ، فيهم الدكتور عبد الجبار الجومرد والدكتور داوود ألجلبي واللواء الركن عبد العزيز العقيلي والمؤرخ مدير متحف الآثار في الموصل سعيد الديوه جي والأستاذ في القانون الدكتور حسن علي الذنون .
وقد اهتم السيد عبد الرحمن الكركجي طوال عمله في إدارة المكتبة ولأربعة عقود ونيّف بجمع الكتب الخطية القديمة والنفيسة (المخطوطات) . وقد باع قسماً عظيماً منها إلى مكتبة متحف بغداد في فترة الستينات من القرن الماضي .
توفي الحاج عبد الرحمن الكركجي في مايس-أيار سنة 1976 وتولى ابنه أسامة إدارة المكتبة بعد وفاة والده . غفر الله لعبد الرحمن وأجزى ثوابه ،بعد أن خدم العلم والمعرفة وأعطى اللغة العربية ومنشوراتها حيزاً كبيراً من حياته ، وسمعة جليلة بعد وفاته .
*صورة الاستاذ عبد الرحمن الكركجي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق