ا. د. ابراهيم خليل العلاف

استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل 

حتى أقرب لكم المقال اسارع لا أقول انه الموسيقار الموصلي الذي لحن النشيد المشهور والشائع: لاحت رؤس الحراب. نعم هو الاستاذ سعيد شابو الموصلي هو من مواليد مدينة الموصل سنة 1910 ومنذ صغره وجد نفسه في جو موسيقي حيث كان يداوم في مدرسة شمعون الصفا الابتدائية وهي من المدارس المسيحية التي كانت معروفة بكونها تضم فرقة موسيقية وكان عدد من معلميها ممن يهوى المموسيقى.

وتشير المدونات التاريخية التي بيدنا الى ان معلمه الذي علمه واكتشف حبه للموسيقى القس جميل شويري وكان معلم الموسيقى والنشيد في هذه المدرسة.

كان الاستاذ سعيد شابو كما يقول الاستاذ عبد الوهاب بلال في مقال له بعنوان (الابداع النغمي عند رواد الحركة الموسيقية في العراق) والمنشور في مجلة (التراث الشعبي) العراقية العدد الرابع – السنة الحادية عشرة 1980، يعزف على آلة (الترامبيت) ففرقة مدرسة شمعون الصفا الموسيقية كانت تتألف من الآلات الهوائية ومن الطريف ان الاستاذ جميل شويري كان وراء انشاء هذه الفرقة وبعدها ترك العراق وسافر الى الولايات المتحدة الامريكية لكنه عاد وزار العراق سنة 1970 ومن حسن الحظ ان التلميذ سعيد شابو التقى استاذه جميل شويري بعد كل تلك السنوات وكان لقاء حارا وحميميا وقد اهدى الاستاذ جميل شويري للأستاذ سعيد شابو صورته مع الفرقة الموسيقية تلك.

دخل سعيد شابو دار المعلمين الابتدائية سنة 1925 وفي هذه المرة درس النشيد على يد معلم عمل فيما بعد بالصحافة والصحافة الساخرة وهو نوري ثابت صاحب جريدة (حبزبوز) وتخرج من الدار سنة 1928 وعاد الى الموصل وعين معلما للنشيد والموسيقى في مدرسة الطاهرة الابتدائية. وبعد سنوات ترك التعليم واتجه للدراسة في معهد الفنون الجميلة وتخرج من فرع الموسيقى سنة 1936 وعاد الى التعليم ثانية ولكن في مدارس بغداد مفتشا عاما اي مشرفا تربويا عاما لما كان يسمى انذاك بالنشاط المدرسي.

خلال الثلاثينات من القرن الماضي القرن العشرين تنامى الوعي الوطني والقومي كثيرا ونشطت الحركة الكشفية في العراق وما كان يسمى كتائب الفتوة. ومن خلال جولاته في المدارس عرض عليه احد المعلمين الفلسطينيين ممن كانوا يعملون في العراق سنة 1939، وهو الاستاذ نور الدين محمد، نصا شعريا يتضمن قصيدة بعنوان (هيا فتوة للجهاد) فسارع الاستاذ سعيد شابو لتلحينها

والنص هو:

لاحتْ رؤوسُ الحرابِ … تلمع بين الروابي

هاكم وفودَ الشباب … هيا فتوة للجهادِ

هيا هيا هيا هيا.. هي … هيا فتوة للجهاد

هيا أُسود البوادي … هيا حماة البلاد

هيا هيا هيا هيا.. هي … هيا فتوة للجهاد

هذي اسود قـُرانا … اخوتنا في حمانا

هبت تلبي ندانا … هيا فتوة للجهاد

هيا.. هيا هيا هيا.. هي.. هيا فتوة للجهاد

يا أمّنا لن نحيد … عن دربنا او نعود

فإن سقطت شهيدا … نادي فتوة للجهاد

هيا.. هيا هيا هيا.. هي.. هيا فتوة للجهاد

أمي كفي الدموع … وانتظري لي الرجوعَ

هبت بلادي جميعا … هيا فتوى للجهاد

هيا.. هيا هيا هيا.. هي.. هيا فتوة للجهاد

ومن حسن الحظ؛ فان النشيد شاع، واستخدمته وزارة المعارف – التربية نشيدا للفتوة والشباب في مدارس العراق كافة من الشمال الى الجنوب. وكان نشيد الفتوة العراقية هذا – بحق – من اجمل واصدق الاناشيد الوطني التي رددها فتوة وشباب العراق اواخر الثلاثينات واوائل الاربعينات من القرن الماضي ومما ساعد على انتشار هذا النشيد حركة مايس التحريرية التي عرفت بحركة رشيد عالي الكيلاني نيسان – مايس – ايار 1941 وفيها اصطدم الجيش العراقي الفتي بالقوات البريطانية الاستعمارية التي اعادت احتلال العراق وهو الاحتلال البريطاني الثاني للعراق وكان النشيد يذاع من اذاعة بغداد ويهلب الحماس كما كان يذاع من اذاعة الزهور التي كان يديرها الملك غازي ملك العراق الاسبق 1933-1939 بنفسه وكان معروفا بعداءه وكرهه للإنكليز المحتلين ودفع ثمن لهذه الكراهية بأن دبرت له المخابرات البريطانية حادثة اصطدام سيارته بعمود كهربائي اودى بحياته واندلعت في كل مدن العراق مظاهرات عارمة اتهم فيها العراقيون الانكليز بانهم وراء مقتله وفي الموصل اندفعت الجماهير نحو القنصلية البريطانية وقامت بقتل القنصل البريطاني مونك ميسن.

عوقب الاستاذ سعيد شابو مثل غيره من المعلمين والمدرسين والاساتذة الذين اتهموا بنشر الفكر الوطني والقومي المعادي للإنكليز واسقطت الجنسية العراقية عن الاستاذ ساطع الحصري مدير التدريس العام وعد مسؤولا عن تنامي الشعور القومي الذي اوصل البلاد الى كراهية المحتلين ونفي الاستاذ سعيد شابو الى مدرسة في قرية العاصي في الموصل بأمر من السلطة البريطانية المحتلة وكانت تهمته انه هو من لحن نشيد (لاحت رؤوس الحراب تلمع بين الروابي).

ولم يتوقف الاستاذ سعيد شابو عن التلحين وتعليم الموسيقى وتعليم التلاميذ الاناشيد وكما كان في سنة 1936 حين كان يزود الاذاعة العراقية بالأناشيد واستمر في عمله حتى قيام ثورة 14 تموز سنة 1958 وسقوط النظام الملكي وتأسيس جمهورية العراق فقد عين رئيسا لملاحظي مديرية الفنون الجميلة التي كان مديرها آنذاك الاستاذ الدكتور عزيز شلال عزيز ثم نقل الى وزارة التربية.

في 14 من حزيران سنة 1964 افتتح الاستاذ سعيد شابو معهدا للموسيقى خصصه للأطفال وعلى مبدأ (خذوهم صغارا) وعاونه عدد من مدرسي الموسيقى منهم الاستاذ عز الدين صدقي والاستاذ حسين قدوري والاستاذ وليم بنيامين والاستاذ اسكندر فارس وابن الاستاذ سعيد شابو الاستاذ حربي.. ومما يتوفر لدينا من معلومات فان الاستاذ سعيد لحن نحو اربعين نشيدا لعدد من الشعراء وكلها اناشيد وطنية وقومية تبعث على الحماس وتجسد الاحاسيس الوطنية والمشاعر القومية.

وفي الستينات من القرن الماضي تقاعد الاستاذ سعيد شابو من الوظيفة لكنه لم يتوقف عن العمل فظل يتواصل مع التلحين ومما فعله انه اسس فرقة موسيقية وإنشاديه للأطفال في دار الاذاعة العراقية وكان يشرف على تدريبها وتزويدها بالأناشيد والالحان الموسيقية.

مما يجب ان نذكره عن الاستاذ سعيد شابو انه الف كتابا بعنوان: " الأناشيد الوطنية الحديثة " طبع ببغداد سنة 1941.. كما طبع كتابا في القاهرة بعنوان: الاناشيد القومية الحديثة ".

توفي رحمة الله عليه وجزاه خيرا على ما قدم سنة 1995 وكانت جمعية الموسيقيين العراقيين قد منحته عضوية شرف مدى الحياة تقديرا لجهوده الكبيرة في تطوير الحركة الموسيقية العراقية المعاصرة وخاصة في المدارس والمعاهد والاذاعة والتلفزيون.

*المقال منشور في  ملاحق جريدة (المدى) والرابط:https://almadasupplements.com/view.php?cat=27058