الأحد، 9 أكتوبر 2022

الدكتور كاظم هاشم نعمة السوداني بين التاريخ والسياسة بقلم : ا.د. ابراهيم خليل العلاف


الدكتور كاظم هاشم نعمة السوداني بين التاريخ والسياسة

ا.د. ابراهيم خليل العلاف

استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل

ودائما ، نردد مقولة المؤرخ البريطاني سيلي من ( ان التاريخ سياسة ماضية والسياسة تاريخ حاضر ) ، وقد كان لي من الجرأة ، وانا رئيس قسم التاريخ بكلية التربية 1980-1995  ، ان كتبتُ مذكرة الى مجلس الجامعة مجلس جامعة الموصل  وكنت عضوا فيه ، طلبت منهم قبول عدد من حملة شهادة الماجستير في العلوم السياسية لإكمال شهادة الدكتوراه في التاريخ الحديث وكانوا من كبار السن ومن الصعوبة عليهم السفر فحاججني اعضاء المجلس ان كيف يمكن ذلك فقدمت لهم ما ساعدهم على قبول مقترحي ، وقلت لهم ليس ثمة فرق بين علم التاريخ وعلم السياسة ؛  فالتاريخ سياسة ماضية ، والسياسة تاريخ حاضر والاختلاف فقط بالمدخل  Approach المؤرخون يجمعون المادة ويستخرجون النظرية ، وعلماء السياسة يضعون النظرية ويأخذون من التاريخ ما يدعم نظريتهم وتم لي ما اردت لكنهم حملوا الطلبة وكانوا خمسة فصلا اضافيا  يتضمن موادا تاريخية لجعلهم مؤهلين للدراسات التاريخية وانتهى الامر واكملوا دراستهم ونالوا شهادة الدكتوراه في التاريخ الحديث .

هذه المقدمة رويتها لأثبت مقولة كان يرددها الاخ والصديق والزميل ورفيق العمر والدرب الاستاذ الدكتور كاظم هاشم نعمة وهذه المقولة هي :"إن السياسة تاريخ اليوم ، والتاريخ سياسة اليوم" .

نعم الاستاذ الدكتور كاظم هاشم نعمة أمد الله بعمره ومتعه بالعافية والبركة والعمر المديد  أخ عزيز وصديق وزميل منذ سنة 1975 كنا زملاء في قسم التاريخ بكلية الآداب - جامعة الموصل .خريج انكلترا ومع أنه متخصص بالعلوم السياسية لكنه ضليع في التاريخ .كتب ،وألف ،وحاضر في كثير من الكليات والمعاهد المدنية والعسكرية .خبير بالاستراتيجية ومتمكن من اللغتين العربية والانكليزية ويعرف شيئا من الروسية دؤوب ونشيط ولا يتوانى عن ابداء الرأي في قضايا وطنه ، وامته ،والعالم بكل دقة وصراحة .

وجدت ان المرحوم الاستاذ حميد المطبعي قد كتب عنه في (موسوعة أعلام وعلماء العراق) الطبعة الموسعة طبعة مؤسسة الزمان ببغداد سنة 2011 وقال بالنص :" ان الدكتور كاظم هاشم نعمة السوداني من مواليد بغداد سنة 1941 باحث في الاستراتيجية السياسية .حصل على اربع شهادات عليا في العلاقات الدولية من الجامعات البريطانية واضيف  انا كاتب هذه السطور انه كان مبتعثا الى الاتحاد السوفيتي لكن المشاكل السياسية وما حدث بعد 1963 دفع الحكومة العراقية الى تغيير مسارات طلبة البعثات الى المملكة المتحدة وغيرها . الدكتور كاظم هاشم نعمة السوداني عين استشاريا في مؤسسات رسمية خاصة واضيف انا كاتب هذه السطور انع كان استاذا مساعدا في قسم التاريخ بكلية الآداب – جامعة الموصل يوم التحقت انا بالقسم في 17 ايلول سنة 1975 . ومن بعد ذلك انتقل الى كلية العلوم السياسية بجامعة بغداد وكان عضوا في بعض جمعيات المجتمع المدني ومنها (جمعية الدفاع عن ضحايا الحرب ) وطبيعي انه حضر ندوات ومؤتمرات علمية داخل وخارج العراق تتعلق بتخصصه كما كان عضوا في منظمات وجمعيات لها علاقة ايضا بتخصصه وكان عضوا فاعلا دؤوبا مجدا وله كتاب بعنوان ( العلاقات الدولية ) طبع سنة 1972 وطبع ثانية سنة 1980 وله كتاب عن تاريخ اوربا وكتاب بعنوان ( الوجيز في الاستراتيجية 1988 وكتاب ( دراسات في السياسة والاستراتيجية ) طبع 1991 .

ما يهمني انه قال للأستاذ حميد المطبعي وهو يزوده بسيرته المفصلة التي اقتطع منها المطبعي بضعة اسطر :"  ان فلسفته في الحياة والعمل هي السعي وراء الامن والاستقرار في السياسة الدولية ،والبحث في تطور الفكر الاستراتيجي المعاصر (النووي) ، وتيسير المعرفة السياسية للناس عامة ،والوفاء للمهنة الاكاديمية " .

كتبت عنه مرة مقالة  بعنوان :"الدكتور كاظم هاشم نعمة وإسهاماته في تعزيز الدرس السياسي في العراق " ، قلت فيها :" منذ الثمانيات من القرن الماضي، ومنذ أن نقل الأستاذ الدكتور كاظم هاشم نعمة  من قسم التاريخ –كلية الآداب –الموصل وأنا لم أره . وقبل بضعة سنوات (2012 )  جرى الحديث عن انه ألقى محاضرة في المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية في عمان بالأردن وقد أخبرني بذلك صديقي الدكتور مؤيد الونداوي وأرسل لي صورة الدكتور كاظم . واليوم بالذات وجدت بأنه طلب صداقتي في الفيسبوك ، وانه في السويد فوافقت على الفور وفرحت ، وها انا اعيد نشر مقالتي عنه التي سبق ان نشرتها في مدونتي ومواقع اخرى سنة  2012 "  ورابط مدونتي هو التالي : http://wwwallafblogspotcom.blogspot.com/.../blog-post

 

عرفت الدكتور كاظم هاشم النعمة عندما عينت في قسم التاريخ في أواسط السبعينات ،ونشأت بيننا صداقة وثيقة ، لكن نقله إلى بغداد وسفره خارج العراق واستقراره في ليبيا لفترة أبعده عنا . وفي الحقيقة فأنني أكن للرجل احتراما كبيرا ، وأدرك ما كان يتمتع به من قابلية علمية ، وأسلوب متميز في التدريس لم يكن مألوفا كثيرا عندنا ..كان لا يهتم بالمادة بقدر اهتمامه بالتحليل والخروج باستنتاجات كثيرا ما كانت غير مفهومة من قبل البعض الذين تعودوا على سماع الآراء الجاهزة ..." .

مهما يكن من أمر فقد تلقفته بعض المؤسسات العلمية والسياسية والأمنية  العراقية ، وراحت تستعين بخبراته وآراءه وخاصة فيما يتعلق بالسياسة الإقليمية والدولية فترة من الزمن .وقد اضطر ابان الحصار في التسعينات الى ترك الوطن والهجرة والعمل في الجامعات الليبية وهو الآن في السويد .

الدكتور كاظم هاشم النعمة من مواليد بغداد سنة 1941 وقد درس في مدارسها وأكمل الإعدادية في ثانوية الاعظمية ثم رشح لبعثة في الاتحاد السوفيتي السابق وبعد أن ساءت العلاقات بين العراق والاتحاد السوفيتي سحب طلبة البعثات وهو منهم وتوجه الى بريطانيا وهناك أكمل دراسة الدكتوراه في التاريخ والعلوم السياسية وكانت أطروحته عن العلاقات العراقية - البريطانية في عهدي الاحتلال والانتداب وقد نشرت في كتاب .

عمل في قسم التاريخ بكلية الآداب –الموصل ثم نقل الى كلية العلوم السياسية بجامعة بغداد وكان عضوا نشيطا في "جمعية  الدفاع  عن ضحايا الحرب في العراق" ، وقد حضر ندوات ومؤتمرات عديدة داخل العراق وخارجه . كما اشرف على عدد من طلبة الماجستير والدكتوراه وكان عضوا في جمعيات واتحادات التاريخ والعلوم السياسية منها جمعية المؤرخين والآثاريين في نينوى وتشرفت بكوني رئيسا لها لفترة طويلة ،  واتحاد المؤرخين العرب والجمعية العراقية للعلوم السياسية  واتحاد كتاب الانترنت العراقيين . وله عدد كبير من المقالات والبحوث والدراسات ومن كتبه المنشورة :

*العلاقات الدولية وطبع طبعات عديدة منذ الطبعة الأولى سنة 1972

*الوجيز في الاستراتيجية

*دراسات في السياسة والاستراتيجية 1991

*الوجيز في تاريخ العلاقات الدولية 1992

*نظرية العلاقات الدولية 1999

*دراسات في الاستراتيجية والسياسة الدولية 1990

*في السياسة المقارنة 1997

* إفريقيا في السياسة الدولية 2005

*الصين في السياسة الأسيوية بعد الحرب 2007

*سياسة الكتل في آسيا 1997

*حلف الأطلسي 2003

*استراتيجيات الهيمنة الاميركية 2000

وله ترجمات أبرزها ترجمته لكتاب المؤرخ تايلور "الصراع على السيادة في اوربا " والذي راجعه الدكتور يوئيل يوسف عزيز ونشر في الموصل 1977 .

له آراء مهمة على صعيد السياسة الدولية ، وقوة الدول وأوزانها الاستراتيجية وقد نقل عنه الأستاذ حميد المطبعي في "موسوعة أعلام وعلماء العراق " الجزء الأول 2011 قوله إن هدفه كأستاذ وكمحلل استراتيجي ،هو السعي وراء الأمن والاستقرار في السياسة الدولية ،والبحث في تطور الفكر  الاستراتيجي ،وتيسير المعرفة السياسية للناس والوفاء للمهنة الأكاديمية " .ومن آراءه في قوة الدول قوله : " إن مقومات الدولة تشمل نوعين من العوامل :عوامل أساسية وتتضمن الجغرافية والحدود والموقع والسكان والمساحة والموارد الأولية والتقدم الصناعي .أما العوامل المساعدة فتتمثل في التنظيمات السياسية والاجتماعية والقوة السياسية والإرادة القومية " ..

 عن كتابه الموسوم  :  (  الملك فيصل الاول والانكليز والاستقلال ) ،  وهو بالاصل اطروحته للدكتوراه كتبت مرة :"  كتاب للأستاذ الدكتور كاظم هاشم نعمة اصدرته "الدار العربية للموسوعات " ببيروت قبل سنوات طويلة 1988 ولدي الطبعة الاولى منه في مكتبتي الشخصية . والكتاب بالأصل اطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في السياسة الدولية من جامعة ويلز في المملكة المتحدة وقد اجيزت سنة 1974 واعتمدت الدراسة على كم كبير من الوثائق غير المنشورة في دائرة السجلات البريطانية Public Record Office والمركز الوطني لحفظ الوثائق في بغداد والذي هو الان دار الكتب والوثائق.

كما اعتمدت الدراسة على الرسائل الشخصية للمسؤولين الذين كان لهم دور في صنع القرار لسياسي البريطاني وهم اوستن تشمبرلن ، وادموند بلفور ، وارنولد تالبوت ولسن ، وبونار لو ، ولويد جورج ، وكيرترود لوثيان بيل ، وغلبرت كليتن ، وسنت جون فيلبي ، والميجور يونك واستقت الدراسة من وثائق عصبة الامم ما يتعلق بالعراق ومراسلات حكومة صاحب الجلالة البريطانية مع المنظمة الدولية آنذاك اي عصبة الامم بشأن الانتداب وادارة العراق .

واعتمدت الدراسة على محاضر المجلس التأسيسي العراقي ، والمذكرات الشخصية ومكنون الكتاب يؤكد على ان العلاقات العراقية -البريطانية في عهد الملك فيصل الاول 1921-1933 كانت في جوهرها محصلة حركات متنوعة ، وقرارات متضاربة ، ومتوافقة قامت بها اطراف مسؤولة في العراق وبريطانيا وقد آلت كل تلك الحركات الى اعلان استقلال العراق 1932 ودون الحاق المخاطر بالمصالح البريطانية الاستراتيجية والاقتصادية والسياسية .

ويقف الكتاب عن الطرف العراقي المتمثل بالبلاط الملكي والحكومة العراقية والحركة الوطنية وكيف شكل اولئك خطا واحدا في بعض المواقف وتباعدوا في مواقف اخرى ومما يؤكده المؤلف ان الملك فيصل رحمة الله عليه لم يكن ابدا اداة طيعة بيد الانكليز بل كان رجل دولة له فلسفته السياسية وطموحاته واسلوبه في تصريف العلاقات العراقية -البريطانية .

وقد يكون من المناسب ان اسرد جانبا من حوار جرى بيني وبينه عبر صفحات الانترنت ، قبل  اكثر  من سنتين من الان 2022 ومما قلته وقد نشرت  وقائع الحوار :" سألني أحد الطلبة عن (التاريخ والتحليل التاريخي ) ، واجبته ومما قلته :" ان التاريخ تحركه قوانين كقوانين الطبيعة " ، وقد اطلع اخي وزميلي منذ (45) سنة في قسم التاريخ بكلية الآداب -جامعة الموصل الاستاذ الدكتور كاظم النعمة الكاتب واستاذ الستراتيجية والسياسة الدولية على جوابي ، فأراد ان يدلو بدلوه ويبدي رأيه في مسألة القانونية التاريخية والقانونية الطبيعية ودار بيني وبينه حوار جميل يقف انموذجا  للحوار الذي نريد ، ونحتاج ، ووافق الدكتور على نشر الحوار تعميما للفائدة واثارة لحوارات اخرى مهمة ومفيدة .. وفيما يأتي نص الحوار الذي تم عبر الماسنجر (18-1-2019 ) :  

عزيزي دكتور ابراهيم كيف حالك. انا اتابع ما تسطر من تعقيبات ، فانت الوحيد الذي عرفني عن قرب أكاديميا في الموصل. أوقفني جوابك على استفسار طالب ، حول التفسير التاريخي. واشرتَ ان التاريخ تحكمه القانونية العلمية. الطبيعية. الجدل ليس في العلمية فهذه مرنة لكن في الطبيعية.

هناك شبه اجماع في مناهج البحث في العلوم الإنسانية التمييز بين العلية الطبيعية وقانونها ، والحدث بفعل انساني. التاريخ فعل انسان فردا ، جماعة ، مجتمعا. فعل اليوم وفاعله وما ترتب عليه ، هو تاريخ الغد. ما يميز قانون الطبيعة اولا التجريبية للتأكد من التكرارية.

ثانيا ثبات بيئة الفعل . ثالثا صحة وصدق السبب في كل مكان وزمان .. رابعا التطبيق كان يقول استاذ الفلسفة عندما كنت في البكالوريس: كي نفهم الحدث هناك مشكلة ان هل نستطيع ان نحل محله في صوغ الحدث. لا احد يستطيع الاحلال في الطبيعية. لكن الصوفية تزعم انها يحل فيها. خامسا. الطبيعة لها قانون ، لا علاقة له بالأنا او نحن اي المواقف غير الموضوعية لنقل الايديولوجية. كتبت هذا ليس لغيرك.

واجبته أقول :"حبيبي الغالي الاستاذ الدكتور كاظم هاشم النعمة نعم انا اعرف كم تركتَ من بصمات ، ولكن اود القول الطالب لم يسألني عن الفلسفة ، والتفسير التاريخي ، بل سألني سؤالا عن كيف يحلل الطالب الحدث التاريخي ..لو سألني عن التفسير لأجبته جوابك نفسه ..حبي ومودتي وقبلاتي

وان كنت تعترض على ان للتاريخ قوانين كما للطبيعة ؛ فإنني احيلك الى كتابين للمؤرخ والفيلسوف البريطاني الكبير كولنجوود (فكرة الطبيعة ) و( فكرة التاريخ ) ، وانا متأثر به ...نعم كما ان للطبيعة قوانين تسيرها فإن للتاريخ قوانين تسيره

وعاد الدكتور  كاظم هاشم نعمة  ليقول :   شكرا ما زلت لا ترجح عندي القانونية في الحقول المعرفية الانسانية. حتى العلمية فيها جدل فكيف الحال في القانونية ؟ . ان كان الأمر قانونا لطبقناه على جميع التاريخات. لقد اذعن دارسو الحقول الانسانية الى الأخذ بالعلمية لأسباب. اولا : مواكبة تطور العلوم بصورة عامة. ثانيا : خشية التخلف عن الركب.ثالثا : إسباغ العقلية على التفسيرات لأنها لا حدود لها.

خذ معي (المصادفة ) في وقوع الحدث وهو ما لا يحصل في علوم الطبيعة. ماذا لو كان نابليون قد توفى في حملته على روسيا هل كانت امبراطوريته سوف تصمد بضعة عقود وتتطور اوربا على غير ما وقع. لا قانون يجيب قط كان تلميذ ليبي في ١٩٦٣ يدرس ماجستير كيمياء. بعد اشهر من تجربته ذهب بأرقامه الى استاذه. انبهر البرفيسور. وشك في الامر. فقال له يا موسى هل انت متاكد من ارقامك. كان موسى ورعا ، وكنت اذهب معه ليلا الى المختبر ليدون ارقامه. طلب منه ان يعيد التجربة. اخذت اكثر من شهر. جاء بالأرقام نفسها. شك البرفيسور. قال له يا موسى إما نحن فتحنا فتحا ، واما كتاب المنهجي لجامعة اكسفورد خطأ. بعث البرفيسور على المهندس للجهاز وشرح له الامر وطلب منه فحص جهاز موسى. اتدري ما ذا حصل كان الجهاز يسرب رطوبة من انبوب مطاطي فكانت تفاعلات العناصر تتاثر. فجاءت الارقام غير دقيقة . اين نحن من تفسيراتنا وبأي قانونية. اذا كنا ناخذ بالقانونية علينا ان نستسلم لكل ما يقع في نهر التاريخ. اي القدرية أي الحتمية. ليت ماركس ولينين يخرجان من قبرهما ، ويريان اين حتمية الديالكتيك كقانون. اتحاور معك فلا تستغيض.اتذكر كم كنت أغيض. تحياتي

اكبر فيك جهدك. فانا ايضا مستهدف من كثير من السائلين طلبا لنصيحة من دارسين جامعيين عرب وعراقيين

وقلت معقبا : اشكرك حبيبي الغالي والعزيز ولكن وانا اشتغل بالتاريخ منذ نصف قرن وعمري الان تجاوز ال70 بدأت الحتمية والقانونية تترسخ عندي .

ليس ثمة صدفة كل حدث تاريخي وراءه عوامل ، وانا لمست هذا بنفسي عند دخول داعش للموصل والله كانت هناك عوامل وظروف خلقت الحدث واحد زائد واحد يساوي اثنان انا منذ خلقت ارى بنفسي الاحداث ورائها قوانين تحركها والان انا استطيع ان اتكهن بالنتائج عندما أرى الاحداث اي عندما اتفحص الاسباب وادرسها اجد انها ستؤول الى ما سوف يحدث وانت انت من كنت تؤمن بالحتمية فما الذي جعلك تتغير ماركس كان ولايزال على حق ، وما علينا بما حدث ماحدث في الاتحاد السوفيتي السابق ايضا له اسبابه وكانت ثمة قوانين تحركه مثلا الظلم ما نتائجه الاستبداد التفرد بالحكم هو من كان سببا في وضع حبل المشنقة حول عنق كثير من الحكام عقابا على ما فعلوه واول ما كانوا يفعلونه قتلهم لرفاقهم في اول يوم يجلسون فيه على كرسيهم .. ها ماذا تقول حبيبي ابو علي ؟

واجاب الدكتور كاظم :"لنعود الى القانونية وليس الحدسية. مشكلة الحدث التاريخي انه غير متكامل العناصر ليكون له قانون. الملك فيصل الثاني لم يقتل احدا وقتل. هذه لا تدعم الجدل. الامر في الموقف من مقاربة القانونية في التاريخ. كل تفاحة تسقط. ليست كل ديمقراطية ، ديمقراطية وليس كل قرار تاريخي يحكمه قانون. لذا لا قانونية في التاريخ. نحن لا نطبق فنحذر من الخطأ. نحن نفعل فنخطأ. الطبيعة لا تفعل فتسأل لماذا فعلت.. ان قانونها ان تفعل هكذا ولا خيار آخر. نحن أمام خيارات لا حصر لها لأننا عقل بشر ، وليس عقل طبيعة. العلمية والقانونية في العقل لا اقصد المخ. المخ جهاز. ليتني معكم قريبا لنديم جدلا علميا ربما ينتفع منه البعض. وإن كان هناك كثيرون لا يروق لهم هذا. مودتي

د. ابراهيم خليل العلاف :

اولا حبيبي واخي الدكتور كاظم : فيما يتعلق بالملك فيصل الثاني الرجل قتل في ظرف غير طبيعي ولم يكن ثمة اتفاق بين قادة الثورة على قتله وحتى عندما قتل دفن بكل احترام في المقبرة الملكية لان الجميع كان يعرف انه بريء والامور كانت بيد نوري السعيد والامير عبد الاله لكن الفريق عبد الرحمن عارف رئيس الجمهورية بين 1966-1968 لم يقتل احدا ولم يتعرض له احد وتوفي بعد ان وصل التسعين والناس لاتزال تمتدحه وترى فترة حكمه من احسن الفترات التي مر بها العراق فمن يقتل يقتل وهكذا وكما ان الطبيعة تتحرك ضمن قوانين ، فإن التاريخ ايضا يتحرك ضمن قوانين ... انا الان مثلا امارس الظلم تجاه من حولي فكيف تتوقع ما سوف يحصل لي ؟ .. الحكومة تستفز شعبها وتفرض عليه ضرائب مجحفة ماذا ياترى ستون النتيجة ؟ ...ماذا كنت تتوقع لنوري السعيد ونظام حكمه حتى الانكليز نبهوا الى خطورة منع الجيل الجديد من الصعود .. ماذا كنت تتوقع من تعسف الاخوان المسلمين ايام مرسي وسياسة الاقصاء للاخرين ماذا كنت تتوقع من القذافي وهو قد حول ليبيا الى ضيعة له ولاقاربه يمارس فيها نزواته انه الفعل ويجيء رد الفعل مساو له ..ان لدينا مثل يقول : ( الظلم لو دام دمر) نعم الظلم عاقبته وخيمة فعل الظلم ونتيجة الظلم القانون التاريخي يقول هكذا .. اذا للتاريخ احكام وقوانين تسيره هذه هي اعتقاداتي التي تترسخ كل يوم وانا اتابع الحدث حتى على المستوى الشخصي عندما كان الدكتور كاظم يدرس بحب ويتفاعل وينفعل كان الطلاب يلتفون حوله كنت اعيب على اساتذة لايلتف الطلبة حولهم لماذا يلتفون حول الدكتور كاظم ولايلتفون حول الدكتور ( سين) ..ازرع تحصد وهذه حقيقة المسها بيدي حبي ومودتي

د. كاظم هاشم النعمة :

ما زلت اود اغاضتك. اظن ان جعلنا للتاريخ قانونا فيه ميل غير موضوعي. أمران.ان كان التاريخ نتيجة نرضى بها نسبغ شرعنة عليه فنسعد. وان كانت سلبية نذعن لها وناسف. وكلاهما بقانون أترك معك هذا الرأي ، ولا اطلب منك الاقتراب من ما اثرت. حجة بحجة. اتمنى لك الصحة والامان وفرحك بابنك حمو ، كما تدلعه.

د. ابراهيم خليل العلاف:

الإغاضة والاستفزاز هو ما احبه ، لانه يساعد في اثارة الجدل والنقاش ، وهي طريقتك التي أجدتها واحبك الناس بسببها وانا اخالفك استاذنا الفاضل وانت منهجك ومدخلك مدخل علوم سياسية ، وانا منهجي ومدخلي تاريخ نعم العلاقة بين التاريخ والسياسة كما يقول المؤرخ البريطاني (سيلي) علاقة جدلية لكن المدخلان لتناول الموضوع يختلفان انا اقول اذا اعتقدنا بوجود قوانين تحكم التاريخ ، فتلك هي الموضوعية بعينها ، وهو ما يريدنا المؤرخ الالماني ( ليوبولد رانكة ) ان نكونه .. التاريخ فعل انساني ويترتب على الفعل الانساني آثار ، والدولة كائن ويترتب على ما تقوم به آثار ، والزعيم كائن ويترتب على ما يقوم به آثار .. اذا ثمة قوانين تاريخية تحكمنا ، ولاسبيل لتجاوزها ، واذا ما اعتقدنا بوجودها يصبح للتاريخ معنى ليس العظة ، والاعتبار بل التنبؤ بالمستقبل ؛ فالتاريخ اذا - بالصورة التي أراها - يساعدنا في استشراف المستقبل

د. كاظم هاشم نعمة :

ما زلت أطمع أن تجد حجتي جادة الى منهجك. سياسة اليوم تاريخ في الغد إن بحثت عن قانون لن تجد ، مع مودتي.

د. ابراهيم خليل العلاف:

لك رأيك ، ولي رأيي وحجتي اتمنى ان تجد لها طريقا اليك ايضا .

نعم التاريخ سياسة ماضية ، والسياسة تاريخ حاضر، وصدق ( سيلي ) المؤرخ البريطاني الكبير ، واذا غصنا في احداث التاريخ ، وجدنا ان ثمة قوانين تحكمه وهذه القوانين هي ما يجب ان نعرفها ؛ فالتاريخ - كما يقول استاذنا ( بيوري ) : " علم لااكثر ولااقل" ، واذا ما آمنا بما يقوله استاذنا بيوري ، فأننا نقف عند قوانين التاريخ وما يتحكم بأحداثه .

د. ابراهيم خليل العلاف :

هل تقبل ان انشر نص الحوار ؟

د. كاظم هاشم نعمة :

اسعدت صباحا ، لا اظن ان فيما تحاورنا فيه على مستوى الاثارة اكاديميا ، لانه كان ردا مباشرا لما تكتب ، واكتب هذه معضلة فلسفية ، ومنهجية ولها مدارسها. وقد اشبعت طعنا في دوريات عالمية ، ومن طرف أهل اختصاص يذعن لهم. ومن العلم ان يعلم المرء كم لا يعلم . مودتي لا تنقطع عن التواصل.

د. ابراهيم خليل العلاف :

وصباحك اجمل حبيبي واخي الاستاذ الدكتور ابا علي وممنون ولك ما تريد نعم كما تفضلت والتواصل بيننا ينبغي ان لاينقطع قبلاتي الاخوية.

كثيرا ما كان الدكتور كاظم هاشم نعمة يجتهد ويصرح باجتهاده وانا اعرف انه كان يحاضر في جامعة البكر للدراسات العسكرية العليا كما كنت انا احاضر ايضا ولعدة سنوات ومما وجدته  انه اجتهد في نهاية الولايات المتحدة الامريكية فقال ان لربما تصاب بالشيخوخة وتسقط او تتفكك كما حدث قبلها لامبراطوريات عاشت قرونه ومن اجتهاده قوله : " كنت قد تصديت في محاولة أولى لتوظيف مقاربة الدينامية في العلاقات المثلثية لدراسة معضلة الأمن في الخليج العربي واعترضتني مشاكل لم تجد لها فرصة للبحث فيها.

إن الضلعين الخليجيين في المثلث ينخرط معهما ضلع ثالث قوة كبرى خارجية أو قوة اقليمية. في هذه الدراسة ادرس ضلعا إقليميا يمثل قوة وسطى ألا وهي تركيا .

صدر لي عن دار آمنة في عمان هذه الدراسة لعلي قد افلحت فيها في الاجابة على أسئلة وأثير أخرى حري أن تبحث.

تحية للزميل والاخ العزيز( الاستاذ الدكتور كاظم هاشم نعمة) وكنا نعمل في قسم التاريخ -كلية الآداب -الموصل قبل 40 سنة وقبلها درس في جامعة البصرة وقد نقل الى بغداد ثم ترك العراق وعلمت انه ذهب للتدريس في ليبيا ولا اعرف الان عنه شيئا ..كان استاذا للتاريخ والعلوم السياسية كتب اطروحة عن العراق في عهد فيصل الاول وترجم كتاب المؤرخ الكبير تايلور :  (الصراع على السيادة في اوربا) ،  وله دراسات وبحوث عديدة ..كان له اسلوب خاص في التدريس تميز به ..تحية لك اخي ابي علي اينما وجدت وارجو ممن يعرف عن مكان وجوده اخباري للتواصل معه ومعرفة اخباره  وقد قام احد الاخوان وهو الدكتور عبد الغفور كريم علي بنشر صورة الدكتور كاظم وعلق يقول بعد ان قرأ ما كتبته عنه :"مع الاستاذ الدكتور كاظم هاشم نعمة والاخت هنادي والاستاذ رائد عام 1998 ملعب الكشافة---الى الاستاذ الدكتور ابراهيم العلاف المحترم---الاخ الفاضل الدكتور مؤيد يقول---الاستاذ الدكتور كاظم لم يتغير كثيرا---ربما في طلاقة لسانه بالعربية الفصيحة--ولكن ليس في العمر وتقادمه نحو الاعلى----نتمنى لجميع علمائنا ومفكرينا العمر الطويل والعطاء المتجدد  .



 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق