الأربعاء، 26 أكتوبر 2022

تاريخ ناحية الشورة في محافظة نينوى


 

تاريخ ناحية الشورة في محافظة نينوى*
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل
ولي مع ناحية الشورة التابعة لقضاء القيارة – محافظة نينوى ذكريات وذكريات ابتدأت يوم 9 من آذار سنة 1969 حين عينت مدرسا في متوسطة فتح فيها وكانت صفا ملحقا بمدرسة الشورة الابتدائية للبنين .وداومت في هذه المدرسة مدرسا للتاريخ والجغرافية اي لما كان يسمى ( الاجتماعيات ) وبعد فترة قصيرة اصبحت مديرا للمتوسطة وتم من خلال العمل الشعبي تشييد بناية للمتوسطة والتي هي اليوم ثانوية الشورة للبنين .
كان من تلاميذي في هذه المتوسطة شباب كثيرون وصل بعضهم الى مراتب عليا في الجيش والتعليم والادارة والطب والهندسة والاعلام . كتن من تلاميذي الصحفي المرحوم محمد صالح الجبوري وكان يزورني في مكتبي بجامعة الموصل كما كان يغعل الكثيرون من تلاميذي في الشورة .
واليوم ومنذ فترة طويلة اريد ان اتحدث عن الشورة التي احبها مع انني كتبت الكثير عنها في مناسبات عديدة . كما كتب عنها الكاتب والصحفي المرحوم الاستاذ محمد صالح ياسين الجبوري ومما قاله ان ناحية الشورة تقع على بعد 45 كم جنوب الموصل وهي منطقة زراعية تعتمد على الامطار وتزرع فيها الحنطة والشعير ويقوم الاهالي بتربية الحيوانات ومنها الابقار ، والاغنام، والماعز فضلا عن الدواجن . .
تقدر مساحة ناحية الشورة بما يقارب 300000 الف دونم منها 240 الف دونم زراعية نعتمد في الري على الديم اي على الامطار .تزرع فيها الحنطة والشعير كمحصول رئيسي ويمر منها مجرى وادي الكصب وللاسف الوادي لم يستثمر لحد الان في حصاد المياه .
تحد ناحية الشورة من الشرق ناحية النمرود ومن الغرب ناحية المحلبية وناحية تل عبطة وقضاء الحضر ومن الشمال ناحية حمام العليل ومن الجنوب ناحية القيارة .
ويسكن الناحية عدد من القبائل العربية اكبرها قبيلة الجبور العربية وقبائل السادة المعامرة والدليم والحديديين والجحيش والبو بدران وغيرها من القبائل العربية .

يعود تاريخ الشورة الى ما يقارب ال 7000 سنة حيث استوطنها الانسان واكتشف فيها الزراعة وخاصة في واحدة من قراها وهي قرية حسونة وفيها تل حسونة وهو واحد من التلال الاثرية التي ضمتها المنطقة وقد جرت فيها حفريات خلال السنوات 1943-1945
والتي قادها الاثاري البريطاني الشهير سيتون لويد ومما اكتشف فيها وكما جاء في دائرة المعارف البريطانية مجموعة من ادوات الفخار والتماثيل الصلصالية فضلا عن الجرار التي كان يدفن بها الاطفال. كما وجدت أوانٍ مرافقة للمدفونين والتي من الممكن أنها كانت تحتوي على بعض الأطعمة والمياه، ربما تشير إلى وجود اعتقاد بالحياة بعد الموت. وقسم منها يحمل اشارات هندسية وصور حيوانات و قد استوطن سكان حسونة في قرى قريبة بينهم تبعد الواحدة عن الأخرى حوالي 2-5 كلم وكانوا سكانها يمتهنون الزراعة كما أنهم كانوا يصنعون الفخار، والمجاريش (جمع مجرشة) وهي الأداة المستعملة لجرش وطحن الحبوب. وبعض الادوات الحجرية مثل المجارف .. وقد رافق هذا التطور في مجال الزراعة تطورات في اساليب بناء البيوت الشرقية. فأصبح البيت يتألف من عدد من الغرف المتجمعة حول فناء مركزي . ولا تزال هناك بيوت من هذا النوع موجودة في العراق حتى الآن.

لكن تأسيس ناحية الشورة كتشكيل اداري أي من الوجهة الادارية يعود الى القرن التاسع عشر وبالضبط الى سنة 1877 أي في بداية حكم السلطان عبد الحميد الثاني 1876-1909 .
ونظرا لموقعها الجغرافية والاستراتيجي على الطريق بين الموصل وبغداد فقد استخدمها العثمانيون كمنطقة عسكرية , وبنوا فيها بناية كبيرة استخدمت كمخفر أو مركز للشرطة وكما ترون في الصورة المرفقة وقد كانت موجودة عندما عملت في الشورة بين سنتي 1969 و1972 وكانت البناية تضم عددا من الغرف للشرطة وفيها بئر ماء ارتوازي واسطبل للخيول ,وكانت تعرف بالشرطة الخيالة وكان هؤلاء مسؤولين عن الامن في الشورة والقرى التابعة لها . وتقع الشورة على طريق بغداد - الموصل وهو طريق للقوافل التجارية وهو الطريق الذي اشارت اليه المدونات التاريخية بالدرب السلطاني .
إن مما يميز ناحية الشورة ان في عدد من القرى التابعة لها تضم (145) تلا اثريا مما يدل على عراقة هذه المنطقة وتاريخها السحيق وابرز مظاهره ان الانسان اكتشف في قرية حسونة التابعة لناحية الشورة الزراعة لاول مرة في العالم وقرية حسونة تبعد عن الشورة حوالي خمس كيلومترات وللاسف قرية حسونة مهملة من كافة النواحي , على الرغم من مكانتها التاريخية.

كلمة (الشورة ) تعني الارض المالحة وكان في الشورة عين ماء يستخدمها الاهالي تسمى عين (الچرد) والتي تُعد اللبنة الاولى في نشاة الناحية كما يذكر البعض من المدونين على يد مؤسسها الاول الشيخ صالح الخردادي مع ملاحظة أن معظم آبار المياة في منطقة الشورة تحتوي على الكبريت وبالقرب منها هناك معمل المشراق للكبريت ..
عدد القرى التابعة لناحية الشورة (65) قرية ، ممتدة على مساحات واسعة..وعندما عملت فيها سنة 1969 كانت بيوتها مبنية باللبن ما اليوم فمعظم بيوتها مبنية من السمنت و (البلوك ) ، ويوجد داخل القصبة شوارع مبلطة .
في مطلع السبعينات من القرن الماضي اقدمت السلطات المحلية على بناء سراي حكومي وهو عبارة عن مركز للشرطة وبناية لمديرية الناحية ومركز صحي , وكانت فيها مكتبة عامة تحتوي على اعداد كبيرة من الكتب الثمنية وكان امين المكتبة السيد محمد بشير عسل عليوي الذي كان حريصأ على تلك الكتب ,وقد استفدنا من تلك المكتبة . وتوجد محطة حكومية لتوزيع الوقود
اما الاتصالات فان بدايتها خط هاتف يربط الشورة - ناحية حمام العليل ,وكان موظف مسؤول عن خط الهاتف (المرحوم يوسف الشيخ احمد) ويقوم بصيانته وتصليحه , وتم بناء بناية للبريد والاتصالات وتوجد بدالة حديثة ربطت ب(الكيبل الضوئي) . كما توجد بنايات لمديرية الناحية منها (بناية المجلس البلدي ) و( بناية بلدية الشورة ) ، و(بناية لماء الشورة) .
وفيما يتعلق بمحطة القطار فقد سبق أن بنيت في فترة الاحتلال البريطاني فالشورة تقع على خط سكة حديد الموصل - بغداد .
وفي الشورة عدد من المدارس الابتدائية للبنين والبنات وثانويات للبنين والبنات , وثانوية اسلامية
وتوجد فيها اليوم محطة كهرباء ثانوية لتزويد الناحية بالكهرباء,وتحتوي بعض المناطق على مادة النفط الخام حسب المسح الجيولوجي .
يربط الشورة بالموصل, شارع فرعي طوله ( 7 ) كم بالشارع العام ,كما يربط الشورة بالموصل شارع مبلط يتصل بشارع الموصل - بغداد الجديد.
وكما قلت آنفا فإنه وعلى بعد (7 ) كم من الناحية يقع مقر الشركة العامة لكبريت المشراق وهذه الشركة تاسست في نهاية الستينات من القرن الماضي وسبق لي ان تحدثت عنها في برنامجي هذا برنامج ( موصليات ) وتنتج الكبريت الخام وحامض الكبريت والشب، الا انها متوقفة عن العمل منذ الاحتلال الامريكي للعراق سنة 2003 .
وكذلك يوجد مشروع الطاقة الحرارية لانتاج الكهرباء، الا ان المشروع توقف بسبب الحصار الاقتصادي على العراق .
يوجد عدد من المساجد والجوامع في الناحية , عددالجوامع في القصبة (12) ,وفي القرى التابعة لها (58) مسجد وجامع .
اما على الصعيد الرياضي فتوجد فرق شعبية في الناحية ,ولايوجد ملعب رياضي في الناحية اسوة با لنواحي الاخرى، على الرغم من وجود حركة رياضية ورياضيين محترفين وهواة يمكن الاستفادة منهم في فرق المحافظة. وفي الشورة مجلس للشباب له صفحة على الفيسبوك .
يوجد في الشورة اسواق لبيع المواد الغذائية ومحلات لبيع الملابس والاجهزة المنزلية ومحلات صناعية .
وتفتقر الشورة الى دائرة للزراعة ومستشفى بيطري لمعالجة الامراض التي تصيب الحيوانات والدواجن ,وكذلك القصبة بحاجة الى منتديات علمية ورياضية , وثمة حاجة الى بنك يقوم بتمشية المعاملات المالية وصرف رواتب المتقاعدين .
وتوجد نسبة عالية من البطالة بين الشباب في الناحية ,لعدم وجود مشاريع صناعية وزراعية عاملة.
ومما يجب علي ذكره انه تم تعبيد عدد من الطرق داخل الناحية وحدث نوع من التوسع العمراني السكني والمحلات التجارية وتم من خلال عدد من المتبرعين من ابناء الناحية انشاء ملعب لكرة القدم خارج الناحية وعلى بعد 2 كيلومترا عن مركز الناحية . وفي القرية اليوم فضلا عن المساجد بناية للتكية القادرية الرفاعية لمرشدها الشيخ سلطان محمد عيسى البدراني والشيخ سلطان محمد عيسى البدراني سبق ان انتقل من الموصل الى ناحية الشورة في ستينات القرن الماضي وكان يعلم الشباب القرآن الكريم والسنة النبوية ويدعوهم الى فعل الخير .
ورد في سالنامة الموصل العثمانية اي الكتاب السنوي للموصل لسنة 1912 ان لواء الموصل كان يضم (6) اقضية و(15) ناحية منها ناحية الشورة
كما ورد في الدليل الرسمي العراقي لسنة 1936 الذي اعده الياهو دنكور ومحمود فهمي درويش ان لواء الموصل يتألف من مركزه مدينة الموصل ومن تسعة اقضية ومن ثلاث وعشرين ناحية وان من عشائر الموصل الجبور وان الملا منصور النجم هو من ابرز رؤساء عشائر الجبور في الشورة كما ان من رؤساء العشائر في الشورة الشيخ ساير بن خضير والشيخ محمد حمود والشيخ عسكر العميري بن محمد بن حمد بن عبيد بن عيسى بن شويخ بن عميرة 1850-1924 .
وفي دليل الجمهورية العراقية لسنة 1960 الذي اعده محمود فهمي درويش ومصطفى جواد جاء ان لواء الموصل يتألف من (10) اقضية منها ( قضاء الشورة ) وكان قضاء الشورة يضم النواحي : (الشرقاط والزاب وحميدات والقيارة ) ، وان قضاء الشورة يضم (397) قرية من مجموع (2496) قرية يضمها لواء الموصل .
ومعنى هذا ان الشورة كانت في العهد العثماني ناحية وفي العهد الملكي 1921-1958 قضاء وفي العهد الجمهوري 1958-2020 عادت لتكون ناحية وهي اليوم ناحية .
المحامي جمال بابان وهو يوثق للمدن والقصبات العراقية في كتابه (اصول اسماء المدن والوقائع العراقية ) وهو مؤلف من ثلاثة اجزاء يقول عن الشورة انها ناحية تابعة لقضاء الموصل وتقع جنوب مدينة الموصل وتبعد عنها (35) كيلومتر وقد نشأت الشورة كقرية في عهد السلطان عبد الحميد الثاني 1876 -1909 وقد سميت بالشورة لان ماءها (شور ) اي مر المذاق وكثير الملح فهي ارض كثيرة الملح .واهم شيء يمكننا قوله ان الشورة نشأت اول ما نشأت كموقع او كمخفر عسكري في اواخر القرن التاسع عشر على الطريق المسمى بالطريق او الدرب السلطاني لذلك كان فيها حصن عسكري كبير .لكن هذه النشأة الحديثة في عهد السلطان عبد الحميد الثاني لم تكن تعني انها لم تكن موجودة كقرية موغلة في القدم ارتبطت نشأتها بمعرفة الزراعة وتعد قرية حسونة وهي من قراها كما قلت هي والاربجية داخل مدينة الموصل من اقدم القرى الزراعية في العام قاطبة ومعنى هذا ان الشورة قرية زراعية قديمة واكبر دليل على ذلك ان فيها اليوم اكثر من (154) تلا وموقعا أثريا كما جاء ذلك في الدليل الاداري للجمهورية العراقية 1989-1990 .
ارتبطت بصداقات واسعة مع أهل الشورة ولازلت محتفظا بها ومن الذين عرفتهم عن كثب المرحوم صالح الملا منصور – والد تلميذي الشيخ عذال والأستاذ ادهام الملا منصور والأستاذ فرمان والشيخ أشرف الملا منصور والأستاذ حازم إبراهيم وكنت اعرف والده إبراهيم (الكصيد ) وقد جالسته مرات عديدة وتحاورت معه في شؤون تاريخية وعشائرية .. وكنت اعرف فيصل الملا منصور وكثيرين ومما يسجل في هذا الصدد أنني حظيت من الجميع بالمحبة والاهتمام بحيث ان هذه المحبة انتقلت إلى أولادهم الذين اعتز بصداقتهم اليوم عبر صفحتي في الفيسبوك .كما بعضهم لايزال يزورني.
مدير ناحية الشورة عند كتابة هذه السطور هو الاخ الاستاذ محمد عبد الله الجبوري والرجل يبذل جهوده من اجل تطوير الناحية .
شيوخ الشورة ورموزها كان لهم دورهم السياسي خلال العهد الملكي وما بعده وقد اسهموا في انتفاضة 1956 ضد الحكم الملكي وقبلها وفي العشرينات من القرن الماضي وقفوا مع الملك فيصل الاول ملك العراق الاسبق ومؤسس الدول العراقية 1921-1933 في تأكيد صيرورة ولاية الموصل جزءا من الدولة العراقية مع انهم كانوا من انصار السيد طالب النقيب نقيب اشراف البصرة والمعروف بتوجهه العروبي عندما كان مرشحا لعرش العراق واعطوه بيعتهم كما يذكر ذلك الاستاذ مثنى موفق عسكر في كتابه المخطوط ( هذا هو موفق عسكر ) 2013 ولدي نسخة من الكتاب . كما كان لهم وقفتهم خلال حركة العقيد الركن عبد الوهاب الشوف آمر موقع الموصل ضد نظام حكم الزعيم عبد الكريم قاسم رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة 1958-1963 في الثامن من آذار 1959 . وقد برز في ناحية الشورة ضباط مقاتلون دافعوا عن العراق خلال الحرب العراقية – الايرانية 1980-1988 . وبرز في الشورة اطباء وادباء وشعراء وفنانون واداريون ومربون وكان منهم قادة في عدد من الاحزاب السياسية التي عملت في العراق طيلة المائة سنة الماضية . ومن رموزها عدد من الرجال الذين تسلموا مناصب عديدة بعد سنة 2003 منهم وزير التجارة الاسبق محمد الجبوري ومحافظ نينوى الحالي الفريق نجم الجبوري والنائب احمد الجبوري وقائد شرطة نينوى المرحوم اللواء الركن احمد عطية الجبوري والمرحوم النائب احمد الحميدان ومدير عام شركة المشراق المهندس سعد الجبوري وغيرهم من الشخصيات الذين نحتاج الى صفحات كثيرة لذكرهم ومنهم الاستاذ ادهام احمد الملا منصور مدير مدرسة الشورة الابتدائية للبنين و المربي المرحوم الحاج الاستاذ فرمان يوسف الملا منصور الجبوري والاعلامي الاستاذ محمد صالح الجبوري رحمة الله عليه .
يقينا ان أهل الشورة أناس وطنيون عروبيون لهم ثقة كبيرة بأنفسهم مخلصين لبلدهم ويميلون إلى التصالح والتعاون ويظهرون محبتهم للآخرين وفوق هذا فأنهم أذكياء لماحون مستقيمون متدينون يحترمون الكبير ويعطفون على الصغير.. ولهم ميل للثقافة والعلم وقد نبغ منهم الكثيرون في مختلف مفاصل الدولة والمجتمع وأستطيع أن أجيئ بالعديد من الأمثلة على ذلك 

_______________________

*فصل من كتابي : ابراهيم خليل العلاف ،  قرى واقضية ونواح وقصبات في محافظة نينوى ،دار ماشكي للطباعة والنشر والتوزيع ، الموصل 2022

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق