السبت، 29 أكتوبر 2022

الاغنية الوطنية في الوطن العربي


الاغنية الوطنية في الوطن العربي
- ابراهيم العلاف
لسنا وحدنا في العالم ممن ينصتون ، ويتأثرون بالاغنية الوطنية وليس العرب وحدهم هم من يمجد الوطن ، ويمجد رموزه ؛ فكل الاقوام والقبائل والشعوب التي خلقها الله تفعل ما نفعله نحن ، وليس ثمة سبيل للجهلة ممن لايعرفون التاريخ لكي يسخرون او يتهكمون على من يعجب او يتأثر بهذه الاغنية أو تلك .
قبل قليل كنت اتابع من الBBC برنامجا عن الاغنية الوطنية فتحدثت المشتركات في البرنامج عن الاغاني الوطنية المصرية وخاصة في عهد عبد الناصر وما قدمه الموسيقار محمد عبد الوهاب والسيدة ام كلثوم والفنان الكبير عبد الحليم حافظ .كما تحدثت احدى المشاركات عن اغاني فيروز في تمجيد لبنان الارز وكذلك الامر مع الجزائر وفلسطين والمغرب وتونس والسعودية والامارات .
الكاتبة رشا احمد في جريدة (الشرق الاوسط ) اللندنية والرابط هو :
https://aawsat.com/home كتبت عن كتاب جميل عنوانه (الاغنية والسياسة ) للدكتورة ناهد عبد الحميد صدر في القاهرة عن المجلس الأعلى للثقافة مقالا قالت فيه ان المؤلفة تحدثت عن تجربة ام كلثوم ومحمد عبد الوهاب وقالت ان الموسيقار محمد عبد الوهاب عاش فنياً فترة حكم ملكين وأربعة رؤساء في مصر وكان في مقام الابن المدلل لأمير الشعراء أحمد شوقي المقرب إلى القصر الملكي، وكانت الأغنية الوطنية ملمحاً بارزاً في تجربته .
وتشير المؤلفة إلى قصيدة امير الشعراء احمد شوقي عن ( دمشق) التي لحّنها وغنّاها موسيقار الجيل محمد عبد الوهاب، ولم تغنَّ هذه القصيدة من قبل إلى أن وقعت ثورة سوريا ضد الاستعمار الفرنسي سنة 1940 فتذكر عبد الوهاب القصيدة، واختار عدة أبيات منها:
سلام من صبا بردى أرقُّ
ودمع لا يكفكف يا دمشقُ
دم الثوار تعرفه فرنسا
وتعلم أنه نور وحقُّ
وللحرية الحمراء بابٌ
بكل يدٍ مضرَّجة يدقُّ
ولم تطُل إذاعة الأغنية كثيراً، فقد قدمت السفارة الفرنسية في القاهرة احتجاجاً إلى وزارة الخارجية المصرية في العهد الملكي ، وكان أنْ تم التحفظ على الأغنية في مكان أمين وظلت حبيسة أدراج أرشيف الإذاعة إلى أن أفرجت عنها ثورة 1952.
وعندما اشتدت في مصر حركة المقاومة ضد الاحتلال الإنكليزي في الأربعينات من القرن الماضي وتصاعدت الحركة الوطنية من أجل الاستقلال، لم تَسْلم الأحزاب السياسية من الوقوع في فخ الصراع فيما بينها، ولتهدئة الوضع بين الأحزاب المتصارعة، ظهرت إبداعات الأغنية الوطنية بلمسات نفس الثنائي: شوقي وعبد الوهاب في قصيدة قوية تدعو لنبذ الفرقة وتوحيد الصفوف:
إلامَ الخُلفُ بَينَكُمُ إِلاما
وَهَذي الضَجَّة الكُبرى عَلاما
وَفيمَ يَكيدُ بَعضُكُمُ لِبَعضٍ
وَتُبدون العَداوَة وَالخِصاما
وتوضح المؤلفة أنه منذ أواخر الستينات كان لافتاً أن أغاني عبد الوهاب الوطنية، بدأت تتناول القضايا القومية كما في قصيدة (فلسطين) 1948، لكن بتلحين مختلف، فتلحين الأخيرة يختلف عن تلحين قصيدة (حرية أراضينا) 1968، وهذا الفارق يظهر أكثر مع تطور التيار القومي وصعوده، والفارق الزمني بين القصيدتين الذي يصل إلى عشرين عاماً، فالأولى عقب نكبة 1948 والأخرى عقب هزيمة 1967.
وتورد المؤلفة واقعة شديدة الدلالة في هذا السياق تتعلق بالسيدة أم كلثوم وقصيدتها (سلوا قلبي) التي غنّتها لأحمد شوقي والتي جاء فيها هذا البيت الشهير:
(وما نيلُ المطالبِ بالتمني ***** ولكن تؤخذُ الدنيا غلابا)
فعقب إذاعتها جاء مندوب الاحتلال الإنكليزي إلى استديو التسجيل معترضاً على الأغنية معللاً بأن هذه الجملة قد تثير الحميّة لدى القوى الداخلية وتدعوهم إلى التظاهر واستلهام المعاني الثورية ولكن أم كلثوم رفضت وأُذيعت القصيدة كاملة.
وبعد ثورة يوليو (تموز)1952 سارع مجلس قيادة الثورة إلى دعوة أم كلثوم وعبد الوهاب للغناء في حفل بنادي الفرسان 1954 لتكريم الرئيس جمال عبد الناصر بعد فشل محاولة اغتياله بميدان المنشية في الإسكندرية، حيث غنّت كوكب الشرق ( يا جمال يا مثال الوطنية) وغنّى عبد الوهاب ( تسلم يا غالي) وبدا كأن هناك تنافساً شديداً بين القطبين الكبيرين في مديح القائد كما في أغاني (ناصر ناصر، ناصر يا حرية) ، و( ناصر كلنا بنحبك) ، وأغنية ( ارجع فأنت الأمل الباقي) .وتنتقل المؤلفة إلى محطة أخرى مهمة في سياق الأغنية الوطنية المصرية والمتمثلة في الثنائي الشهير الشاعر أحمد فؤاد نجم، الملقب بـ(الفاجومي) والملحن والمطرب الكفيف الشيخ إمام ؛ فمن يستمع إلى أعمالهما لا سيما في عقد السبعينات يستطيع أن يتلمس روح النقد والسخرية العالية وحالة العشق الوطني التي كانت تتلبسهما خلال أغانيهما، فضلاً عن التجاوب العفوي من الجماهير. إنهما، كما تقول المؤلفة، حالة فريدة في التاريخ المصري الفني والسياسي يمكن من خلاله تلمس بعض الملامح التاريخية في تلك الفترة.
وتنتقل المؤلفة إلى محطة أخرى في سياق الغناء الوطني فتتوقف عند تجربة المطرب محمد حمام كصوت وطني له دور مؤثر، وتذكر أنه في أثناء وعقب حرب يونيو (حزيران) 1967 كان يقوم (حمام) بالتدريب داخل معسكرات المقاومة الشعبية لتعبئة وشحذ همم الجنود، حيث كان يغني في الجبهة من خلال الحفلات التي كانت الشؤون المعنوية تنظّمها بل كان يغني في الخنادق وغنّى كثيراً للجنود المصريين في حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973.
الموضوع جديد ومهم ،والكتاب جميل ، وفيه اضافة قيمة الى ما نمتلك من معلومات عن قيمة الاغنية الوطنية واهميتها في شحذ الهمم ولا أدل من ذلك نشيد (موطني ) الذي كتبه الشاعر ابراهيم طوقان ولحنه محمد فليفل وهو اليوم النشيد الوطني للعراق ولفلسطين .
اقول الاغنية الوطنية بنت مرحلتها ، ولكل مرحلة شعراء ، ولكل مرحلة مطربين ، والخلود يبقى ابدا للاغاني والاناشيد التي تُعلي من شأن الوطن والامة .اما ما عدا ذلك فهي تزول بزوال الحدث ، وزوال من غنيت له .



 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق