لبُابة
السر ..................جديد الروائي العراقي الكبير شوقي كريم
ا.د.
ابراهيم خليل العلاف
استاذ
التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل
صدرت
رواية جديدة للروائي العراقي الكبير الاستاذ شوقي كريم بعنوان (لبُابة السر) ...
الرواية الجديدة صدرت عن لجنة التأليف والترجمة والنشر في وزارة الثقافة ببغداد ،
ومن منشورات دار الشؤون الثقافية العامة
2020 ، وضمن سلسلة (سرد) التي تعنى
بالفنون السردية وتهدف الى تقديم الجديد من الرواية العراقية المعاصرة ، وتتيح هذه
السلسلة للباحثين ، والنقاد ، والمهتمين ، فرصة دراسة ، ومتابعة الاتجاهات الفنية
في مجال السرد العراقي الاصيل .
رواية
(لُبابة السر) تُعد فتحا جديدا في مجال السرد الروائي العراقي . وقد أحدثت ضجة كبيرة ، وتناولتها اقلام عدد
كبير من النقاد والصحفيين والمهتمين بالرواية العراقية المعاصرة حتى ان مجلة (ضفاف
)وهي المجلة الشهرية الثقافية المنوعة التي تصدر عن دار ضفاف للنشر في بغداد
والشارقة ، أفردت عددا خاصا لتناول هذه الرواية وكاتبها
وهو العدد (32) لشهر كانون الثاني - يناير 2021 وهذا دليل على اهميتها .
ولم
يكن الاستاذ الناقد منذر عبد الحر مجانبا للصواب ، حينما قال ان شوقي كريم منحنا
"عملا شائكا فيه مطبات على القارئ ان يجتازها بدراية وهو يصنف قراءته من
وجهتين الاولى الشكل الكلي للعمل بحدوده واطاره الفني والثانية بالتعامل مع امواج
الجمل التي جاءت في غالبها طويلة غير مباشرة تلمح وتشير وتستعير محسنات بديعية كي
تصل الى مبتغى يعبر المعنى التقليدي على فضاء الدلالة الذي يعطي شيئا من الحرية
للقارئ ودون ان يدرك العمق الذي بني عليه النص" .
أما
الدكتور عيسى الصباغ فقال ان شوقي كريم وضع لروايته هذه عدة مداخل او عتبات وبدءا
من صورة غلافها فأنها دالة سيمائية توحي بقوة حضور التاريخ في الرواية " .
وقد
يكون من المناسب انني قد كتبت عن عدد من الروائيين الذين وثقوا تاريخ العراق
الحديث ، وتاريخ العراق المعاصر روائيا في
كتابي الموسوم ( تاريخ العراق الثقافي المعاصر ) ، واذكر الروائي ذو النون ايوب
والروائي فؤاد التكرلي ، لكن شوقي كريم في هذه الرواية يوثق لتاريخ العراق القديم
يوثق لأحداث تاريخية وقعت بعد سنة 556 قبل الميلاد ، ولم يقف عند تلك الاحداث بل ربطها بعصرنا وتحديدا
زماننا ، وهنا يقرر الناقد الدكتور عيسى الصباغ في نقده ل( عتبات النص ووظيفتها في
لبابة السر ) ، ان شوقي كريم صاغ مفارقة زمنية من خلال حديثه عن زمنين احدهما
مضى وانقضى ولكن من دون ان نشهد منه لحظة واحدة غير اننا عرفنا وقائعه وحقائقه من
خلال الرقم الطينية واللقى الاثارية والاخر زمننا الذي نختبر فيه سعادتنا والآمنا
ونجاحاتنا واخفاقاتنا لحظة بلحظة .
ولا
أريد أن أدخل في التقنيات والنظريات النقدية الفنية فهذا ما لا اهتم به بحكم تخصصي
في التاريخ ، لكن اقول ان شوقي كريم ، كتب روايته الرائعة ( لبابة السر ) ، في
حدود التاريخ القديم للعراق بما فيه من عقائد وارتباطات دينية ، لكنه وهو يكتب
روايته لم يكن يقصد أحداث سومر واكد واشور وبابل بذاتها وانما اراد ان يعري واقعنا ، ويكشف
تداخله ، وعقده ، وخصائصه المتميزة بالعنف ، واذلال الانسان والقسوة والارهاب بكل
صنوفه .. هو لجأ الى التاريخ لكي يستعير وقائعه في الكشف عن استبداد وقسوة حكم
نعيشه ونكابده ونحس بوطأته .
ولقد
كان الناقد الاستاذ علوان السلمان ، وهو يكتب عن الرواية وبعنوان ( لبابة السر
واحتواء التاريخ البابلي ) صادقا ، وهو يقول ان شوقي كريم زاوج بين نهج السرد
التاريخي ، والسرد الروائي بتقديمه احداثا تنتمي الى ماض من الزمان من خلال
الافادة من عنصر التكنيك الفني وتقطيع اللقطات (سينارستيا ) . وهذا دليل تمكن
الروائي البارع شوقي كريم ، وامتلاكه ناصية الخبرة والتجربة الطويلة مع الكتابة
الروائية المعاصرة ، مما يضعه في مصاف الروائيين العالميين الكبار .
ويقف
الناقد الاستاذ حمدي العطار عند ( تقنيات السرد والجوانب الفنية والجمالية في
المنجز الروائي والقصصي لشوقي كريم ) ، ليقرر حقيقة مهمة وهي ان شوقي كريم قدم في
(لبابة السر) شكلا فنيا ملفت للنظر .. كما
انه نجح في تغليب العنصر الجمالي على المضمون وهذا منجز عظيم ؛ فشوقي كريم مصطف دوما مع الفقراء والمهمومين
والمستضعفين ؛ فهم عبر التاريخ من يصنع
المنجز الحضاري هو روائي الشعب بلا منازع ، وهو منذ نصف قرن يحث الخطى ويغذ السير
من اجل ان يكون لهؤلاء الفقراء والمهمومين والمستضعفين صوتا ، والهدف هو وقف من
يبتزهم عند حده ، والنضال من اجل العدالة التي افتقدناها منذ زمن لابل منذ ازمان .
وشوقي
كريم يذكرني بمن كنا نقرأ لهم في الستينات من القرن الماضي واقصد ممثلي الواقعية
الاشتراكية في الادب .
يا ليل
..يا وحشة العاشقين
يا ليل
..يا سؤال حزين
يا
ليل الاحلام في دنيا المحرومين
يا وحشة
ايامي ..يا ليل ..الخوف ..يا ليل المظلومين
يا ليل
الحب ..والقلب ...وسؤال المنسيين
وحين
يأتي الناقد الاستاذ اياد خضير ليتحدث عن (الوجع البابلي في لبابة السر ) ليقول ان العتبة
الرئيسة لرواية (لبابة السر ) ، هو الوجه الاخر لشوقي كريم نص له دلالته الضمنية
في الخطاب الروائي ومعناه من وظيفته لان عنوان الشيء دلياه وضع في البداية لأنه
خير من يساعدنا في كشف عرض الروائي " يقال ( لبابة ) اسم يكنى به سيد القوم واللبابة
قلب الثمرة وما في جوفها وهو اسم جميل
لشخصية قوية تسيطر على كل الامور في حياتها وتتحمل جميع الظروف شخصية مميزة وذات
عقل ناضج " .رقم طينية تتحدث عن الفقراء عن المعابد عن الكهنة الذين يستغلون
الفقراء بابل كما نينوى كانت في يوم ما تزهو لكن بسبب الظلم والفساد والاستبداد
غدت انقاضا وارضا يبابا .
ونأتي
الى ما قاله الناقد عبد الهادي الزعر في مداخلة له في الاتحاد العام للأدباء
والكتاب في العراق احتفاء بصدور رواية (لبابة السر) فنجده يقول عن شوقي كريم انه
روائي سومري يغوص في لجج التاريخ قارئا وباحثا يجادل مناوئيه بجرأة وشجاعة مستلهما
دروس المعتزلة واخوان الصفا وثوار الزنج وماقاله المتنبي وابي تمام وبشار وبيكيت ، له القدرة على تحويل القلق الى طمأنينة وامل هو
جنوبي وعاشق لوطنه العراق محب للآخرين له من البراءة ما تسع الدنيا كلها .
أجل
واقول مع الاستاذ رجب الشيخ ان شوقي كريم بروايته (لبابة السر ) .. "سرق
الأنظار" ؛ فهي تعد من الروايات المختلفة من حيث المبنى في تشكيل الرؤية
القصصية في حبك احداث تاريخية ونقلها بشكل مختلف بعض الشيء من التشوق الدراماتيكي
في حواريات مبهرة " .
نعم
وكما قالت الناقدة الاستاذة وئام العطار انك لكي تعرف الجنون يجب ان تعرف شوقي كريم .. واضيف ، أي
جنون انه جنون الابداع والذكاء المتقد . هو من يحب العراق بجنون واذا تعب العراق
تعب شوقي كريم .. بكى يوم حول الاميركان العراق عند غزوهم سنة 2003 قاعا صفصفا
وفككوه .كم كان الاحتلال قاسيا عليه ، وعلى كل انسان شريف لكنه استمر وتواصل مع
محبيه واستطاع ان يثبت كم هو العراق قويا واصيلا وعريقا وشامخا وكم هو قادر على ان
ينهض من كبوته لابل من كبواته وينتصر على قاهريه .
رواية
(لبابة السر ) تحريضية ، تدعو الى الثورة
والمواجهة ومقاومة شرور النزق السلطوي يقول الناقد الاستاذ عباس لطيف في قراءته
للرواية " ان رواية (لبابة السر) لم تكن ترجمة حرفية للمتن الاسطوري لكنها
سعت الى تفكيك الاستبداد وان ما حدث قبل الميلاد قد حدث بما يطابقه ويماثله ويزيد
عليه في ظل نوع آخر من الاستبداد " .وهكذا يقول الناقد الاستاذ رسول يحيى ان
رواية (لبابة السر ) " تجاوزت الرواية التاريخية التقليدية تجريبا وتأصيلا
" .وهي يقول الاستاذ حميد المختار " هي لبابة سرد بكامل وعيه وتاريخيته
،تبدأ منذ بدايات الخليقة البابلية عبر مدونات ورقم والواح طينية وحوارات
ومنولوجات مفتاحها سر ...وهو سرد يتنامى ويتداخل مع بعضه البعض وصولا الى الثيمة
الرئيسية ؛ الانتهاك وتلوث القيم واضمحلال الافكار وتغير المسارات " . رواية
(لبابة السر ) يقول الاستاذ هيثم الطيب (نص سومري بلغة حديثة " .اما الاستاذ
الدكتور نجاح هادي كبة ، فقال عنها اي عن
الرواية :"انها من الروايات التاريخية الميتاسردية صاغ الروائي احداثها على
لسان الهة وادي الرافدين ولاسيما الالهة البابلية والرواية منولوجية فيها الروائي
العليم الذي يدير الاحداث ويوجه الشخصيات ويصوغ المنولوجات الداخلية والخارجية
" .وفي الروائية تقول الاستاذة رسمية محيبس اتخذ
شوقي كريم من نفسه البطل ، والراوي وبين الماضي الذي هو بابل بأربابها ، وكهنتها
ومعابدها حيث يبدأ الحوار متخذا من الخراب الذي حل ببابل منطلقا حيث يغلب الطابع
الاستذكاري على السرد " "ومع البطل تتدفق الحكمة " و"النهوض ثانية
" هو ما يجب ان يكون والعراق كطائر العنقاء الاسطوري كلما احترق له جناح
استمر بالطيران والتسامي .
ويظل
شوقي كريم علامة بارزة في تاريخ الرواية العراقية المعاصرة معروف بأفكاره ، ومناكفاته
يقول الاستاذ قحطان جاسم جواد وهو يحاوره مناكفاته لكل ما هو مألوف هو مع الفقراء
رحيم وعطوف لكنه قاس مع السياسيين والمتحذلقين ممن يدعون الادب والوصاية الادبية
ممن افرزهم الاحتلال البغيض .
أُحب
شوقي كريم ومنذ عقود اقرأ له واتابع ما يكتب ومعجب به ببراءته وطيبته وجنونه
ومناكفاته وكرهه للاديب النزق ومحاربته للفساد والتزييف ، أُحبه ، لأنه كاتب وروائي متنور ، وصادق ويحمل رسالة..
تحياتي واعتزازي به كبير وتمنياتي له بالبهاء والتقدم والعمر المديد والعافية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق