اقليمس يوسف داود
ابن ئاميدي (العمادية) الذي أصبح من الرواد الأوائل في عصر النهضة
أ.د عبد الفتاح علي البوتاني
جامعة دهوك
في الوقت الذي رفدت فيه كوردستان العالم بنخبة من العلماء في الدين
الاسلامي وعلومه، الذين لم يقتصر نشاطهم العلمي على بلاد الكورد، بل شملت العديد
من البلدان الأخرى أمثال: شيخ الإسلام ابن تيمية، وأبو السعود العمادي، وأبو
السعادات محمد ابن الأثيرالجزري، وسيف الدين الآمدي، ومحمد عبده، وعباس محمود
العقاد، والشيخ عبد الباسط عبد الصمد وسواهم كثيرون، بالمقابل رفدت كوردستان –
التي انتشرت فيها المسيحية في القرن الأول لميلاد السيد المسيح وعن طريق التبشير
وبواسطة الرسل وتلاميذهم – العالم بنخبة من العلماء في الدين المسيحي الذين خدموا
في مختلف مجالات المعرفة، أمثال أقليميس يوسف داود (ولد في العمادية سنة 1829)
والبطريرك مار روفائيل الأول بيداويد (ولد في الموصل سنة 1922 من أسرة جاءت من
جزيرة بوتان) وأدي شير، ويوسف اودو ومار يوسف عمانوئيل واقليميس يوخنا الخامس.
ويشهد التاريخ على أن مسيحي كوردستان رفدوا العالم بنخبة من الإعلام في مجال
اللاهوت والتاريخ والجغرافية والفلسفة، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر:
الشاعر الأربيلي جيورجيس وردا وتلميذه الشاعر خاميس القرداخي الأربيلي، علماً أن
المسيحية كانت قد دخلت أربيل وأطرافها وتحولت إلى مركز لتنصير الأقاليم المجاورة
في نهاية القرن الأول الميلادي.
وبرز
في بادينان، لاسيما في مناطق دهوك وزاخو والعمادية وقرى قه شفر ومانكيش وألقوش وشرانش وبيش خابور السادة:
الأب ألفونس منكنا والأب ألبير أبونا والأب أوغسطين صادق (هرمز) وبولص بيداوي (عضو
مجلس قيادة الثورة الكردية) وروفائيل شوريز (رئيس الأديرة الكلدانية سابقاً) وداود
كورا، ومعظمهم تلقى التعليم في مدارس الموصل المسيحية مثل : (معهد مار يوحنا
الحبيب الكهنوتي ومعهد الآباء الدومنيكان.
أما
العلامة اقليميس يوسف داود، موضوع مقالنا، فيعد رائداً من رواد الفكر في الدولة
العثمانية، فصورته تتصدر أحد قاعات دار الكتب اللبنانية فاعتباره رائداً من رواد
النهضة الفكرية، أمثال اليازجي والبستاني وأحمد فارس الشدياق وسواهم، وفي سجلات
المجمع الفاتيكاني الذي انعقد سنة 1869 نجده الشرقي الوحيد الذي سمي لاهوتياً
ومستشاراً في المجمع.
ولد
اقليميس يوسف داود بهنام (آل زبوني) في 23 تشرين الأول سنة 1829 في مدين ئاميدي
(العمادية) عاصمة إمارة بادينان الكوردية، وتركت أسرته ئاميدي بعد خمس سنوات من
ولادته إلى الموصل، عندما اضطربت أوضاع المنطقة اثر الهجوم الذي شنه أمير سوران
محمد باشا الكبير على إمارة بادينان في آذار 1832.
وفي
الموصل دخل اقليميس مدرسة المرسلين التي كان قد أنشأها الفرنسي أوجين بورا في حدود
سنة 1840، وتعلم فيها مبادئ اللغة الفرنسية، وفي سنة 1842، شرع اقليميس يقرأ على
الآباء الدومنيكان مبادئ اللغة الإيطالية، وبسبب تفوقه أختير للدراسة في مدرسة
برويغندا أو انتشار الإيمان في ايطاليا، فكان بذلك أول من رشح للدراسة في روما.
وصل
اقليميس روما في حزيران 1846، ودرس فيها عشر سنوات كوفئ خلالها بأربع جوائز فضية
وذهبية لتفوقه على أقرانه، وقابل البابا بيوس التاسع الذي أثنى على ذكائه وتفوقه.
عاد
اقليميس إلى الموصل في أيلول 1855، ووجه همه أولاً إلى دراسة التاريخ الكنسي
والتواريخ الأخرى، وعمل في مدينة حلب وفيها اتخذ اسم اقليميس مضافاً إلى اسمه يوسف
داود، كما عمل في دمشق وتسلم زمام أبرشية السريان فيها في مايس 1879 وبقى فيها حتى
وفاته في 4 آب 1890.
ورثاه
الشعراء والكتاب منهم الشاعر الشهير شهاب الدين افندي الموصلي المتوفي سنة 1907،
الذي رثاه في قصيدة طويلة مطلعها:
من قوم عيسى جانباً تهدما
والدهر قد نكس منهم
علما
خطب جسيم ومصاب عظما
بموت من أبكى عليه
الأمما
قد فقدوا حكيمــــــاً حكمــــا
وكان ذا علم بطلب
الحكما
ومن
المراثي النثرية ما قاله العالم عبد الله افندي الشلش الموصلي: " فواسفاه
أننا دهينا برجل الكمال والفضل، وجامع مكارم الأخلاق والنبل، صاحب التأليف الوافية
والتصانيف الشافية، نصير المعارف والإنسانية...، العلامة المأسوف عليه المطران
يوسف داود، لا زالت العطاش إلى مناهل كتبه دائمة الورود..."
أن
اقليميس يوسف كان رجلاً قد نذر نفسه لله وخدمة الفكر والأدب والعلوم والمعارف ولم
يفكر في المناصب ولا الشهرة، وكانت حصيلة حياته (85) مؤلفاً وبمختلف اللغات.
ونستطيع أن نقول أنه كان حقاً رائداً من الرواد الأوائل في عصر الانبعاث خلال
القرن التاسع عشر، فقد وعى صدره كل ما وصل إليه العقل من ثقافة وقدمها لمن أتى في
عهده وبعده، لقد طمع الرجل أن يكون انسكوبيدياً جامعاً لكل ما عرفه الأوربيين
وغيرهم (1).
المهم
في الأمر، أن اقليميس يوسف لم ينسى في مؤلفاته الكثيرة مسقط رأسه كوردستان، ففي
كتابه مختصر صغير في الجغرافيا الذي طبع في الموصل طبعتين، الأولى سنة 1861
والثانية 1871، وفي مطبعة الآباء الدومنيكان، معلومات مفيدة جداً عن الكورد
وكوردستان.
مختصر
صغير في الجغرافيا:
تتكون
الطبعة الأولى من هذا الكتاب من (175) صفحة، أما الطبعة الثانية منه فتتكون من
(179) صفحة، ويحتوي على سبعة أجزاء و (53) فصلاً، وكل جزء يبحث في جغرافية قارة من
قارات العالم، والكتاب كله على شكل أسئلة واجوبة مختصرة، والجزء الثالث من الكتاب
بعنوان " في بلاد المملكة العثمانية في آسيا" ويتكون من (7) فصول،
والفصل الرابع بعنوان (في كوردستان)، ويبدأ بهذه الأسئلة:
س/ ما هو حدود كوردستان؟
ج/ شمالاً أرمينيا، شرقاً سلسلة جبال فاصلة
بينها وبين بلاد العجم، وجنوباً الزاب الأصغر، وغرباً نهر دجلة.
س/ ما أعظم مدن كوردستان؟
ج/ مدينة بدليس، وسعرت، وكركوك، وارويل (أربيل)،
وكانت تسمى قديماً أربل، والعمادية، جولمرك، وعقرة وزاخو.
س/ ما ديانة اهلها؟
ج/ هم مسلمون وايزيدية ونساطرة وكاثليك من طقس
الكلدان والسريان واليعاقبة.
ويبدو أن اقليميس يوسف وفي اجابته على السؤال الأول، يقصد حدود ولاية
كوردستان العثمانية سنة 1800، والتي كانت قد استحدثت في القرن السادس عشر، وعلى
أثر امتداد النفوذ العثماني إلى كوردستان سنة 1516، وكانت تضم معظم المناطق
الكوردية في جنوب شرق الأناضول وهي: بدليس والجزيرة وحصنكيف وسفيرك وخيرّان وساسون
وبالو واكيل واتاق وهيزو والعمادية وشنكار والمناطق الأخرى في جنوب كوردستان.
ويخصص اقليميس الفصل الخامس من هذا الجزء للجزيرة الفراتية أو المنطقة
المحصورة بين دجلة والفرات شمال الخط بين هيت وتكريت، ويذكر أن أهم مدنها هي:
الموصل، ودياربكر (آمد)ومدينة اورفا (الرها) وميردين وسنجار ونصيبين وسروج وجزيرة
ابن عمر (بوتان)، ويضيف اقليميس قائلاً: أن معظم سكان هذه المنطقة هم من الكورد
ويوجد فيها أيضاً عرب وكلدان.
أما
الفصل السادس فهو بعنوان "في العراق العربي" ويبدأ بالأسئلة الآتية:
س/ ما حدود العراق العربي؟
ج/ يحدا شمالاً الجزيرة وكوردستان، وشرقاً بلاد
العجم وجنوباً خليج العجم، وغرباً بلاد العرب وبادية الشام.
س/ ما أعظم مدن العراق؟
ج/ بغداد والبصرة والحلة والكوفة.
س/ ما جنس أهالي العراق؟
ج/ عرب وفرس وترك.
أما
الفصل السابع فبعنوان (في سورية) ويذكر اقليميس أن أهلها يتكونون من العرب والكورد
والترك والسريان الذين استعربوا منذ دخول الإسلام في هذه البلاد.
ولا
بد من أن أنوه هنا بأن سريانياً موصلياً آخراً قد اهتم بالجغرافية وآدابها، وهو
رزوق عيسى زكريا (1881 – 1940)، وكان كاتباً وصحفياً يجيد العديد من اللغات
الشرقية والغربية، وأصدر مجلة العلوم في أواخر سنة 190 ومجلة المؤرخ سنة 1932، وله
العديد من المؤلفات في تاريخ وحضارة العراق، وطبع منها اثنان فقط وهما:
(1) مختصر جغرافية العراق، طبع في المطبعة السريانية
ببغداد سنة 1922.
(2) مرشد الطلاب إلى قواعد لغة الاعراب (بغداد،
1922).
لقد اعتمدت وزارة التربية
العراقية كتاب (مختصر جغرافية العراق) في مدارسها، والكتاب يتكون من قسمين، الأول
يبحث في الجغرافية واصطلاحاتها، والقسم الثاني يتناول جغرافية العراق، مدنه، قراه،
أنهاره، جباله، غاباته، وفي الكتاب معلومات قيمة عن القوميات والأديان والطوائف
الدينية في العراق.
الهوامش والمصادر:
(1) للتفاصيل ينظر، بهنام فضيل عفاص، اقليميس يوسف
داود، رائد من رواد الفكر في العراق 1829 – 1890، دراسة تحليلية (بغداد 1985).
(2) كان الصديق الدكتور كاميران محمد نبي البرواري،
مدرس الادب الكوردي في كلية الآداب، جامعة دهوك، قد استنسخ هذا الكتاب بعد
استعارته من أحد علماء الدين الكورد في مدينة ميردين، وعندما كان السيد كاميران
لاجئاً هناك سنة 1988 – 1990. واعارني الكتاب مشكوراً، وتأكدت من استنساخه وطبعته
وعدد صفحاته بمراجعة كتاب عصام محمد محمود، مطبوعات الموصل منذ سنة 1861 – 1970،
(الموصل 1971).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق