الخميس، 11 فبراير 2021

الجرامقة وكتاب ــ تاريخ الموصل ــ لمؤلفه (سليمان الصائغ ) ....... بقلم : الاستاذ شمدين باراني

الجرامقة وكتاب ــ تاريخ الموصل ــ لمؤلفه (سليمان الصائغ ) *                                   

 بقلم : الاستاذ  شمدين باراني

مدخل

يعد كتاب تاريخ الموصل للقس والمطران بعدها، سليمان الصائغ ، من الكتب المهمة  التي تتحدث عن تاريخ مد ينة الموصل، علما انه صدر عام 1923م عن المطبعة السلفية  في مصر، ورغم ذلك ،  فالمعلومات الواردة فيه ،  عن تاريخ هذه المدينة العريقة

ماتزال تحظى باهتمام فائق من لدن الباحثين والمهتمين والقرّاء عموما ،إلى جانب مؤلفات أخرى ، كتاريخ الموصل من تاليف الشيخ أبي زكريا الازدي  المتوفي عام 334هـ ــ 945م ، وكتاب تاريخ الموصل لسعيد الديوجي اصدار المجمع العلمي العراقي 1983م ،  وكتاب الموصل في العهدين الراشدي والأموي لمؤلفه عبد الماجود احمد السلمان والصادر عام 1985 م بالإضافة إلى ماورد عن هذه المدينة في الكتب والمصادر التاريخية الكثيرة الأخرى ، والتي سيرد ذكرها ، وحيثما اقتضت الضرورة إلى ذلك في ثنايا هذا البحث المتواضع .

فبعد إن يستعرض المؤرخ سليمان الصائغ ، في الجزء الأول من مؤلفه  قيد البحث ، أولئك الذين  حكموا بلاد الرافدين ، مشيرا إلى القسم العلوي الذي حكمه الأشوريون منذ عام1153 ق م ــ  612 ق م ثم تلاهم الكلدانيون 625 ق م ــ 538 ق م والاخمينيون 551 ق م ــ 331 ق م،  وبعدهم السلوقيون321 ق م ــ 141 ق م ، ثم  جاء الفرثيون عام 141 ق م ــ 224م ليبدأ بعدها حكم الساسانيين 224م ــ 637 م ثم حكم الامويون 661م ــ 749 م  ،تلاهم العباسون 750م ــ 1258 م ،ثم حل حكم المغول 1258 م ــ 1534 م ، وبعدهم ، حكم العثمانيون 1545 م ــ 1918 م ثم ظهرت بعدها الدولة العراقية الحديثة .

وما دام بحثنا سيكون عن الموصل ، فنينوى عاصمة الاشوريين منذ عام 1080 ق م  (عبد الماجود ص24 الموصل في العهدين ) ، التي سقطت بيد الكلدانيين والميديين عام 608 ق م فهي سلف مدينة الموصل الحالية، وربما اشتق اسم نينوى من أسم اناناــ  الإلهة عشتارــ أو نينا بمعنى السمك في الارامية، وقصة يونان النبي حين لفظه الحوت ، معروفة على نطاق واسع في الأدبيات الدينية المختلفة .ويربض حتى اليوم مزار له  فوق تل في الموصل  الساحل الايسر ، بأسم النبي يونس

وأقدم ذكرلاسم  الموصل جاء في كتاب زينوفن رحلة العشرة الاف ، 401 ق م إذ مرّالجيش اليوناني بمدينة النمرود كالح وبعد ستة فراسخ 30 كلم بلغوا قلعة جسيمة متهدمة قريبة من مدينة تسمى ( مسيلا ) كان يسكنها الماديون أي الميديون كما ذكرها كسينيفون اليوناني بنفس الاسم في القرن الخامس قبل الميلاد (المصدر ويكيبيديا الحرة )، وان كان هذا دقيقا، فيعني  أن الموصل كان اسما للمدينة قبل الفتح العربي ، الذي تم عام 637 م ، أو641 م 16هـ ــ21 هــ من قبل ربعي بن الافكل التغلبي ،  وسميت كذلك الحصن العبوري ومعناه القلعة التي كانت على الضفة الغربية ، قبالة نينوى الضفة الشرقية ،  ويذكر ياقوت الحموي انها كانت في زمن الفرس تسمى نوارد شهر.

 

من هم الجرامقة؟

 

سكنت الموصل أقوام متعددة ، وعبر فترات تاريخية بعيدة، ومن بين تلك الأقوام ، وكما تذكر المصا در التاريخية ( الطبري، أبو فرج الاصبهاني ،المسعودي  ، ابن خلدون ، ابن الأثير ، ابن العبري ) وغيرهم ، الجرامقة  والذي يؤكد ابن العبري وجودهم في الموصل منذ اواخر القرن الثلث الميلادي ،وفي ص45 من كتاب تاريخ الموصل ، يكتب سليمان الصائغ فصلا عن الجرامقة تحت عنوان ،ملحق في أصل الجرامقة يستعرض فيه اراءا متعددة عن أصولهم منها :

إ نهم من الفرس ، إذ لاتجتمع ألقاف والجيم في العربية قال بهذا ابن العبري ، والاصبهاني ، وغيرهم .

ثم جاء تيودور نولدكة  1836 ــ 1930 م شيخ المستشرقين الالمان  ، قال إن الجرامقة هم  من أصل أرامي نبطي ، ويبدو إن سليمان الصائغ يتبنى نفس الرأي ، إذ يضيف إليه ص48 (فإن كلمة جرمقاني ــ مفردة الجرامقة معربةعن أصلها الآرامي ــ جرمقايا ــ مستندا كذلك الى العالم الانكليزي  ــ باين سمث ــ في معجمه السرياني اللاتيني ، أن الجرمقايا هو الجرمقي أو الجرمقاني ، أي من كان أهله من بيت كرماي ، ويضيف إلى ذلك ، ما أورده بعض المؤرخين العرب ، أن ساطرون الجرمقي الذي حكم في الحضر في عهد الفرثيين القادمين من البلاد الجبلية شرق بحر قزوين ،و كان من أهل باجرمي ــ الأغاني للأصفهاني ج2 ص 38 ــ وكانت بيت كرماي

أوباجرمي ، كما يطلق عليها العرب ، وهي المنطقة الواقعة بين شرق دجلة والزاب الصغير وجبال حمرين ونهر ديالى ، ويذكر في نفس الصفحة ، أنه كانت لاسقفية الجرامقة المقام الرابع بين المطرانيات النسطورية ، وكان مطرانها يلقب أحيانا ، مطران كرخ سلوخ ،وهي كركوك ، ويقول  نفس الصفحة ، إن الآراميين كانوا يسمون سكان هذه المنطقة بالجرامقة نسبة إلى أسم منطقتهم بيت كرماي ـ باجرمي ـ ثم يورد المؤلف حجته التي تدحض كون الجرامقة من العشائر العربية ، باعتبار الساطرون ـ الضيزن ـ من الجرامقة ، وليس عربيا .

ورأي المؤلف يبدو مقنعا لولا اعتراضين ،أولهما ، انه لايذكر لنا  كيف انتقل الجرامقة الى الموصل ، تاركين منطقتهم ، بهذه الإعداد الغفيرة ، لتصبح الموصل شهيرة بوجودهم فيها ، وليس منطقة كرخ سلوخ  أوكرخيني كما ينقل مصطفى جواد عن ياقوت الحموي ، والاقدم (ارابخا) ، كركوك اليوم ، حيث منطقة سكناهم الاصلية ، التي لاتكاد تحوي اثرا لوجودهم  اليوم،  والاعتراض الثاني  ، هو رأي أحد أساطين المعرفة وهو الاب انستاس الكرملي ، المعروض في مجلة لغة العرب التي كانت تصدر في العوام 1911 ــ1933 م ، ففي العدد (28) في موضوع الجرامقة ص173 قال :

الجرامقة هم من العنصر العربي ، وجاء اسمهم نسبة الى جرم ، وديارهم الأصلية هي ديار قضاعة ـ ص179 ـ وأصل الحضر من العرب ، حيث كان سكانها يتكلمون ثلاث لغات ، الفرثية ، السريانية ـ العربية ، وكعادته كعلاّمة نحرير، يسند رأيه بمصادر عديدة مثل الطبري ، وابن خلدون ، والاصفهاني وغيرهم ،يمكن الاطلاع عليها على النت بسهولة ،

ورغم حصافة هذا الرأي، لكن عليه المأخذ التالية :

أولها ـ إذا كان الجرامقة من العرب ، ومن قضاعة بالذات ، وهي من أشهر القبائل العربية وأعرقها !فلماذا ينظر العرب الى الجرامقة بامتهان ؟ خذ مثلا على ذلك ... جاء في المواجهة بين مسلم بن عقيل وعبدالله بن زياد ،ان مفرزة طلب قائدها من أبن زياد تزويده بالمزيد من الجند والخيل فسخر ابن زياد منه معنفا أمن أجل القبض على رجل واحد  محاصر في أزقة الكوفة تطلب كل هذا ؟ فيرد عليه قائد المفرزة غاضبا :

أتحسب أنك أرسلتني لأقبض على بقال من بقالي الكوفة ، أو جرموق من جرامقة الحيرة ؟ المصدر من النت

وفي ص51من تاريخ الموصل الذي نحن بصدده ، يهجو الشاعر دعبل الخزاعي الخليفة المعتصم لما نزل بسامراء قائلا :

ساكن القاطول بين الجرامقة       تركت بغداد الكباش البطارقة

وفي كتاب الاغاني للاصفهاني ج5 ص207 كان يقال لابراهيم الموصلي ــأبن الجرمقانية ــ وفي نفس الجزء  ص289 كان يطلق على اسحق بن ابراهيم الموصلي لقب ــجرمقاني ــ في معرض الذم !

ورب قائل ان امتهان الجرامقة قديكون بسبب كونهم نصارى في ذلك الوقت ! وهذا مردود ، فقبيلة تغلب العربية كانت تدين بالمسيحية وأبت دفع الجزية واعتبرتها إمتهان لكرامتها ،  فأستبدلها عمر بن الخطاب بالصدقة المضاعفة ، باعتبارها قبيلة عربية لايمكن إذلالها .

والمأخذ الاخر ذكره انستاس الكرملي نفسه في مقال له في مجلة العرب عدد 3 السنة السابعة ص195 في مقاله بعنوان ـ الشمسيون ــ  فيقول ديانتهم قرار جميع الملل والنحل ،  وربما كان منهم بنو الاحرار والاحامرة ، والأساورة ، والجراجمة ، وبعض الجرامقة ، علما ان اولئك الشمسيون هم ابعدمن ان يكونوا عربا ، فهم من سكنة كهوف جبال الاناضول ، يقدسون الشمس،  وهم من بقايا المثرائيين ،وهذا لايتفق مع رأيه بعروبة الجرامقة ، أما ألتعويل على إدعاء الساطرون الجرمقي ملك الحضر ـ سنطرق ــ بأنه ملك العرب  ، كما هو مدون على قطعة أثرية في الحضر وبلغة غير عربية ، فالاسكندر المقدوني يستطيع  أيضا أن يقول أنه ملك الفرس بعد إن انتصر عليهم وغدا ملكا لهم ،  ولم يكن يوما من العنصر الفارسي ، ويقول سليمان الصائغ ص50 من كتابه تاريخ الموصل (ان الجرامقةهم غير القبائل العربية التي نزلت  بالحضر، بل يظهر واضحا ان الجرامقة كانوا قبل ان يسكن بنو جرم وبقية القبائل القضاعية مدينة الحضر ، ومنهم الساطرون الجرمقاني باني  المدينة ...وان تسمية بيت كرماي موطن الجرامقة كان قبيل هجرة بني( الاجرام) الى الحضر، اذ أن هجرتهم كانت في عهد شابور الاول كمايذكر الاصفهاني في الاغاني ج11 ص162 (221 ــ222 م) أو في عهد شابور الثاني الملقب بذي الاكتاف(309 ــ 379 م) .

 

أراء أخرى

ويطلعنا الاستاذ سعيد الديوجي في كتابه تاريخ الموصل على رأي أخر ، قائلا : سكان الموصل قبل الفتح العربي كانوا من العرب ، الكورد ، الأثوريين ، ألاراميين ، الجرامقة ، وهنا جعل من الجرامقة ، عنصرا مستقلا ، إلا إذا كان قد أعتبرهم من الفرس ، وكونهم عنصرا مستقلا يتفق مع رأي العديد من المؤرخين القدماء الذين قالوا(الجرامقة قوم ينتهي نسبهم الى باسل بن أشور بن سام بن نوح، وهم أهل الموصل في الزمن القديم من ولد جرموق بن أشور بن سام ) وهو رأي ضعيف !واستتطرادا نقول،  كان الرومان في عهد الأمبراطور هرقل قد استولوا على الموصل عام  627م قبل الفتح العربي بعشرة أعوام ، ولابد أنهم طردوا ألفرس منها . حتى أن قائدا من روم الموصل ،  باسم (الطاي ) قصد مع مجموعة من سكان الموصل يضم قبائل أياد وتغلب والنمر والشهارجة  المسيحية  ، تكريت ليتصدى للفاتحين العرب قبل ان يبلغوا بقواتهم الموصل والتي سرعان ماوصلوا اليها . المصدر الكامل أبن الأثير ج2 ص257

أما الدكتور عادل البكري  ، وفي مقال له في جريدة الصباح الاسبوعية بعنوان نينوى الجديدة أين هي ؟ وما قصة الجرامقة في الموصل ؟  يقول :أصبح اسم الجرامقة في الموصل سرا من الأسرار ولغزا ، يحاول المؤرخون التوصل إليه ، والذي أراه ــ كما يقول ــ انه لايمكن أن يكون هؤلاء من الفرس الذين هم في أرض واسعة تمتد حتى الحيرة وبابل وبلاد ما بين النهرين

والأهواز ، فلماذا ينحصر وجودهم في الموصل دون غيرها ؟ ولايمكن أن يكونوا من الأراميين الذين انتشروا في بلاد الشام  وضفاف نهر الفرات ، ولاهم من الانباط وبلادهم معروفة في الأردن ، ويمكننا أن نقول أنهم أطلق عليهم أسم (العجم) وهو أسم يطلق على من لايتكلم العربية ، أو يرطن بها ويتكلمها بلهجة غريبة ، وهذا كان حال هؤلاء الجرامقة ، فقد كانت أزياؤهم غريبة ، يلبسون الجرموق الخف في أقدامهم ، بدل النعال الذي يلبسه العرب لان بلادهم صخرية يصعب المشي عليها بالنعال ، ولهم لحى مستطيلة ويرطنون بلهجة غريبة ، غير مفهومة عند القبائل العربية من سكان الموصل ، فأطلقوا عليهم أسم الجرامقة أي (لبسة الجرموق) ، وتذكر معاجم اللغة كلمة الجرموق ، وهو الخف الذي يغطي القدم ، ومن أجل ذلك أقول  ، والكلام للبكري ، ان الجرامقة  هم بقايا الاشوريين في منطقة الموصل وأندمجوا مع أخوانهم من أبناء القبائل  التي دخلت الموصل ، وكانوا في أول أمرهم قد أتخذوا المسيحية دينا لهم بحكم مجاورتهم للنصارى العرب من بني تغلب وتميم ، ثم إعتنقوا الاسلام بعد الفتح الاسلامي .

وفي هذا الرأي الكثير من الموضوعية والاقناع ، لكن إذا كان الجرامقة  الذين كانوا يرطنون بلهجة عربية  غريبة ، هم بقايا الاشوريين ، فواحد من إثنين ، إما ان يكونوا من النساطرة الاثوريين الذين يدعون بأنهم بقايا الشعب الأشوري القديم والذين لاينطقون باللغة العربية  ،  بل   باللغة السريانية !! أو ان الاثوريين الحاليين لاعلاقة لهم بالاشوريين القدماء! ! والمؤرخ سعيد الديوجي ذكر الجرامقة كعنصر مستقل عن الاثوريين في كتابه تاريخ الموصل  ، ويعتبرهم فيصل السامر في كتابه الدولة الحمدانية في الموصل وحلب ط1 ص189 من الاراميين الذين عاشوا في الجزيرة منذ قرون عديدة قبل الاسلام ،  بينما يعتبرهم عباس العزاوي في كتابه العشائر االعراقية من العجم  ولاندري ان كان يعني بالعجم ، الفرس ، ام الذين لايتقنون النطق بالعربية من غير الفرس ، وقد لايكون هناك علاقة بين أحذيتهم (الجرموق) وبين تسميتهم بالجرامقة،  ففي أيامنا  هذه هناك عشيرة عربية بأسم (الجحيش )  لكن لاعلاقة لافرادها بهذا الحيوان !! وينقل فيصل السامر مصدر سابق ص161 أن ابن الفقيه في كتاب البلدان أن من أعمال الموصل منطقتين مختلفتين واحدة بأسم (باجرمق ) والأخرى بأسم (باجرمي ) .!

بعض الاحتمالات

اذا لنبحث باتجاهات أخرى .... ــ وهي مجرد احتمالات لاغير ــ  فهناك جبل في فلسطين ، أعلى قمه فوق الجليل يشرف على مدينة (صفد) يسمى (الجرمق) واحتمال علاقته بجرامقة الموصل ضعيف جدا ،  كما أن هناك قرية في لبنان محافظة جزين بأسم قرية جرمق ، والاحتمال الاخر ان تكون هناك علاقة بينهم وبن الجراجمة  المردة في سوريا ،  والذين تحدث عنهم البلاذري في فتوح البلدان  ص159 (الجراجمة من مدينة على جبل اللكام عند معدن الزاج فيما بياس وبوقا يقال لها الجرجومة ، او هم بقايا الحوريين ، عاصمتهم كانت (نوزي )  قرب مدينة كركوك الحالية والذين قضى عليهم اشور اوبلط عام1330 ق م ، أو هم من أخلاف أولئك عشرة الاف المقدوني الذين زوجهم الاسكندر ببنات فارسيات عام 331 ق م كما تزوج هو نفسه بابنة داريوس ،  ومن الاحتمالات الاخرى ، ان  كل المؤرخين والقواميس واشهرها لسان العرب يؤكد ان كلمة (جرموق) اعجمية معربة فلنرى ماذا تعني بالكردية ؟

فـ  (جه رم) بجيم مثلثة،  وحسب قاموس (ستيره كشه ) كوردي عربي فاضل نظام الدين تعني (جلد ، جلد مدبوغ) وقد تكون كذلك بالفارسية ، وكان من عادة الاكراد في الارياف الى وقت ليس بالبعيد ،ومنهم الايزيديين، احتذاء جلد متخلف عن راس الثورالمذبوح في الايام الممطرة  تسمى (كالك باراني) والجه رموقة غلفة الذكر غير المختون .مستخدمة في أرياف الموصل ،  وبعضهم يعتقدها محرفة من الكلمة الكردية ــ كه رم ــ  أو كرمكان الكاف معجمة بمعنى حار بسبب النار التي يعلو أوارها فوق بعض أراضيها ، والاهم من ذلك الكلمة الأخرى نفس المصدر ص226(جه رمكـ ) الجيم مثلثة والكاف فوقها فتحة كاف اعجمية، ومعناهاأبيض ثم (جه رموو )  جيم مثلثة ابيض أيضا !وقد تكون الكلمة ميدية لاولئك  الذين استولوا على نينوى وهم أسلاف الاكراد الحاليين ، واحتمال أن يكون الجرامقة هم الجه رمه وه ندية الكورد وهم فرع  م ن عشيرة قه رلوس في مندلي / شفق نيوز/ النت /اعداد ماجدة رشيد ،  واذاذهبنا باتجاه كلمة الابيض فمذهب المبيضة يذكره البيروني في كتابه الاثار الباقية ص39 ، اذ كان لابي بكر الرازي ميل الى مذهب المبيضة ، وقد جرى جدال بينه وبين سيس المناني  ،وقد انتشر هذا المذهب  بين اجراء وفلاحين فقراء ،  وهو قريب من المانوية التي اتى بها ماني بن فاتك ،  زمن شابور بن اردشير ، وقتله بهرام بن هرمز عام 216 م  قال عنهم البيروني ص211 المصدر السابق 0 فرقة تعرف بالمبيضة وسط بين الصابئة الحرانية واتباع ماني ويعرف اتباعه باسم (البهايزيدية ) يعادون المجوس ،وقال عنهم الشهرستاني في كتابه الملل النحل ج2 ص44 هم اتباع سيس المناني ظهر في اقليم نيسابور ،  وخصهم المقدسي  في كتابه احسن التقاسيم ص 237 بقوله : يقال لهم بالمبيضة مذاهبهم تقارب الزندقة !! وهؤلاء تشابه دعوتهم دعوة اليزيدية كما يعتقد محمد عبدالحميد الحمد ص98 /من كتابه الديانة اليزيدية بين المانوية والاسلام /  وهؤلاء ظهروا في سمر قند ،  ايام ابو مسلم الخراساني فما علاقتهم بجرامقة الموصل ؟ والجواب على ذلك سيأتي من خلال التعرف على ديانة الجرامقة . مع الانتباه ان االاشتراك في المعتقد الديني ، لايعني بالضرورة أنهم من عنصر واحد،  ففي الديانة الاسلامية كمثال على ذلك من هو عربي ، ومن هو كردي ومن هوتركي ، وهكذا في اغلب الاديان .

 

ديانة الجرامقة

اغلب المؤرخين يؤكدون ، بأن الجرامقة  هم مسيحيون  ، لكن إلى جانب ذلك يقول الأب انستاس الكرملي في العدد 28 لغة العرب ص178 ان اغلب الجرميين او الجرامقة كانوا نصارى في ديار الجزيرة ، لكنهم جميعا لم يكونوا مسيحيين ، اذكان بينهم مجوس ولاسيما في الحضر ، ومن هنا يأتي الربط بين الجرامقة والأيزيديين ، ففي كتاب بقايا المثرائية في الحضر وكردستان العراق واثارها في اليزيدية تأليف الاستاذ توفيق وهبي والذي ترجمه عن الانكليزية  شوكت ملا اسماعيل حسن السليمانية 2004 م يقول ص4 :

وتأكد لي من دراساتي كل التأكد أن المهرية ــ المثرائية ــ قد دانت بها مدينة الحضروارتبطت اليزيدية بها أيضا  ،وص7 نفس المصدر ، مثرائية الحضر لم تكن من المثرائية الرومانية التي عادت الى الشرق ، فهي زروانية نشأت في عهد البارثيين، فالثياب التي تكسو تماثيل الحضر تعود الى الزمن البارثي ، وان كانت من صنع فناني الاغريق ويقول ص40 نفس المصدر :وأعتقد ان سنجق اليزيدية ، صورة محرفة لعلم الحضر المثرائي ،  ونضيف نحن ، هناك شبه يكاد يكون تاما ، بين أيزيدي سنجار ، وتماثيل اثار الحضر ، بالاضافة الى طقس ذبح الثور في اليو م الخامس من عيد الجماعية الايزيدي في معبد لالش  من 6 تشرين الاول الى 13 منه  بالحساب الميلادي من كل عام الموافق 23ايلول بالحساب الشرقي،  ويذهب إلى نفس الرأي الاستاذ سامي سعيد الاحمد في كتابه موجز الديانات الشرقية القديمة قائلا :

أعتقد ان الديانة اليزيدية هي استمرار للدين المثروي الذي سادت عبادته في الحضر ، وهكذا يبدو لنا ، انه من الامر الذي لاريب فيه ، ان هناك علاقة بين جرامقة الحضر والايزيديين ، فديانتهم كما تصفها ليدي درور ص269 من كتابها صور وخواطر في بلاد الرافدين (ان العقيدة اليزيدية هذه لاتعدو ان تكون متحفا يضم الاساطير والمعتقدات ، وخزانة للاديان ، مابقي منها واندثر ) ولذلك تجدهم ، أومايشبههم ، في البهايزيدية في سمرقند . وفي مثرائية الحضر ، وفي يزد ـ يزدان ــ

في (موقان ) أذربيجان ايران ، ذكر ذللك سليمان الصائغ ص295 في كتابه تاريخ الموصل ، نقلا عن كتاب الرؤساء ، لتوما المرجي  ، وفي الشمسيين في الاناضول   الذي تحدث عنهم انستاس الكرملي  عدد 3 لغة العرب وقال أنهم من الجرامقة ، وفي كركوك ،قرب باجرمي القديمة ، حيث ابادهم نادر شاه عام 1732م كما ذكر سليمان الصائغ ص275،ثم ليستكمل ابادة ماتبقي منهم في اربيل واطراف الموصل والشيخان الامير محمد الرواندوزي عام 1832م ، وكانوا في الموصل منذ ازمان بعيدة كمايعتقد بعض اهالي بعشيقة وبحزاني ،فعشيرة بركع الايزيدية التي تسكن بحزاني اليوم ، كانت تسكن منطقة (دكة بركع في الموصل ) ومثلها عشيرة الحراقية الايزيدية فكانت من سكنة باب العراق في الموصل ايضا اذ أجهز على اغلبهم الفريق عمر وهبي  1891م ذكرها سليمان الصائغ ص317 من كتابه تحت عنوان (الحملات على اليزيدية ) ، واستطيع الادعاء بأن الجرامقة

مستمرون في الوجود ولكن تحت عباءة ماتبقى من المسيحية والايزيدية في الموصل ، عسى ولعل أن لاتاتي الهجرة الى الخارج ،على  ما تبقى منهم ، حيث ينعمون بالأمن والسلام في ربوع كردستان .

* شمدين باراني ـــــــ أديب وباحث

*من ابحاث الحلقة الدراسية التي انعقدت في عينكاوا باربيل حول الثقافة السريانية 2012

 

 

 

 

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الطبقة البرجوازية في العراق حتى سنة 1964 ...............أ.د إبراهيم خليل العلاف

                                                            الاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف الطبقة البرجوازية في العراق حتى سنة 1964 أ....