الجمعة، 7 يونيو 2013

عبد الله القصيمي 1907-1996 والعالم ليس عقلا

عبد الله القصيمي 1907-1996 والعالم ليس عقلا
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث-جامعة الموصل
منذ ان كنتٌ طالبا في مرحلة البكالوريوس بكلية التربية –جامعة بغداد أوائل الستينات من القرن الماضي، تداولتٌ وعدد من الاصدقاء كتابا مثيرا للجدل صدر انذاك للمفكر السعودي الاستاذ عبد الله القصيمي، وكان بعنوان : " العالم ليس عقلا " .ولم يكن ذلك غريبا في تلك الحقبة التي نمت فيها التوجهات الوجودية ، والماركسية ، والليبرالية ، والاشتراكية في العراق والعالم العربي كله .لكن ما أن تقدمنا في السنوات وابتدأ الدكتور القصيمي يواصل نشر افكاره وكتبه ، حتى بتنا نسمع بأنه مفكر ملحد وانه تخلص من عباءة الفكر السلفي الوهابي ، وانضوى تحت مظلة الفكر الفاسد وغير ذلك . ورحل الرجل ولايزال ثمة من يحاول ان يطعن فيه الى حد اخراجه من الملة .
ومهما يكن من أمر ، فقد كان عبد الله القصيمي مفكرا حرا، وأديبا فذا ، قال مالم يستطع غيره من المفكرين قوله .كان شجاعا ومتمكنا ولم يكتف بنقد الاسس الموروثة للمجتمع وإنما تجرأ ليدعو الى هدمها . وقد اكد اكثر من مرة انه يحرص على اعمال العقل ، ومناقشة الموروثات ومحاكمتها منطقيا وعقلانيا ، بقصد الوصول الى صيغة فكرية تخدم حركة التقدم والتحرر والبناء . كان يعرف ان الاسلام دين العقل ، ودين التحرر، ودين التسامح ، ودين الاعتراف بالآخر ودين التفاءل والايمان بالمستقبل ودين العمل والعبادة الحقيقية المرتكزة على بناء الحضارات والمدن ،لذلك ليس من المعقول ان يحزن الانسان ولا يفرح بالحياة . لكن ولأسباب كثيرة بعضها يتعلق بضعف البنية الاجتماعية والاقتصادية وما علق بالدين من شوائب وسلوكيات وافعال واقوال وموروثات ليست منه ، وبعضها الاخر يتعلق بالهجمة الخارجية الاجنبية ، . وكان يؤكد بأن ما يكتبه ليس ضد الاسلام وانما ضد الصنميات من الاراء ، والقناعات الفكرية التي تعيق قدرات الانسان على التفكير .فالفضيلة –كما يراها القصيمي- قدرة لافكرة وهي ان يتوافق الانسان مع الطبيعة لا ان يتجنبها او يخافها او يعجز عنها ويحرمها او يعبدها . اما الرذيلة فهي في كل حالاتها تعني الاصطدام مع الطبيعة وان الحياة حركة لاتشريع ، وان من ينزعون الى تقييد حرياتهم بالمحرمات تدًينا أو تغنيا بالفضيلة انما يكشفون بذلك عن ما في انفسهم من استعداد للهروب من الحياة ، فلا حياة بلا حرية .كما ان الذين يحرمون على البشر سلوكا أو شيئا ما انما يعنون ان يحرموا عليهم الذكاء والحرية والمقاومة .والتحريم الذي يراد من قبل البعض يعني ان ثمة شيئ فوق البشر . ومما كان يقوله :"ان الشهوات هي التي تٌغير الافكار وهي التي تخلقها ...وعندما نشعر بفقدان الحماس لشهواتنا تفقد عقولنا كذلك نشاطها " والإنسان الانموذج -بنظر القصيمي - يجب ان يكون عقلانيا في فكره ، اخلاقيا في سلوكه، متمردا في مواقفه .
لقد تعرض الدكتور عبد الله القصيمي لكثير من العنت ، وُمنعت كتبه وجرت محاولات لتغييبه لكنها فشلت . وللأسف فأن الطعون التي وجهت ضده لم تكن من جهة واحدة ، وانما من جهات فكرية متعددة ما كان لها ان تشكك في فكر القصيمي ومنطلقاته ، فأدونيس قال عنه انه مجرد رجل يصرخ في واد ، وحسين مروة قال بأنه لايعدو ان يكون رجلا مريضا .أما جورج طرابيشي فقد قال عنه انه مفتون بالغرب.
ولد عبد الله القصيمي سنة 1907 في قرية تقع الى الغرب من مدينة بريدة السعودية أُسمها " خب الحلوة " ، ووالده هو الشيخ علي الصعيدي وكان معروفا ليس بتقواه وتدينه فحسب ، بل بشدة التعصب والفظاظة حتى ان القصيمي نفسه قال عنه في رسالة له الى الاستاذ احمد السباعي :" كانت صدمة قاسية لأكثر وأبعد من حساب، لقد وجدت والدي متديناً متعصباً بلا حدود، لقد حوله الدين والتدين إلى فظاظة أو حول هو الدين والتدين إلى فظاظة.. لقد جاء فظاً بالتفاسير والأسباب التي جاء بها الدين وحاول أن يبدو كذلك ولا يراه رجل دين وداعية صادقاً إلا بقدر ما يجد فيه من العبوس والفظاظة ..." . توفي والده سنة 1922 وقد تعهده احد اصدقاء والده وهو عبد العزيز الراشد واخذه معه في جولاته –وكان تاجرا –الى العراق وسوريا والهند وتنقل بين مدارس الزبير بالبصرة في العراق ودمشق والهند واخيرا استقر في القاهرة لفترة من الزمن وقد افاد من كل تلك الرحلات فتعلم وتعرف على الناس وخبر حياتهم واستفاد من تجربته تلك ايما استفادة انعكست فيما بعد على تكوينه الفكري .ومما قوى لديه هذا التوجه التحاقه بالازهر سنة 1927 ، لكنه لم يبق طويلا فيه بسبب نشره كتاب "البروق النجدية في اكتساح الظلمات الدجوية " والذي ٌعد –في حينه –مناصرا للفكر السلفي في مواجهة توجهات علماء الازهر وما كتبه الشيخ يوسف الدجوي من مقالة بعنوان : "التوسل وجهالة الوهابيين " في " مجلة نور الاسلام " سنة 1931 وقد ألف القصيمي عدة كتب هاجم فيها علماء الازهر ودافع فيها عن الفكر السلفي منها كتابه :" شيوخ الازهر والزيادة في الاسلام " و"الفصل الحاسم بين الوهابيين ومخالفيهم " و"الثورة الوهابية " .
ليس ثمة ما يشير الى سبب تحول القصيمي من الفكر السلفي الى الفكر العقلاني التحرري وتأليفه بعض الكتب التي أتهم بموجبها بالكثير من الاتهامات ومنها انه ابتعد عن الدين ومن هذه الكتب : " هذه هي الاغلال " و" يكذبون كي يروا الله جميلا " و" العرب ظاهرة صوتية " . وقد تعرض لمحاولات اغتيال في مصر ولبنان وسجن في مصر " حتى انه دخل قسم كبار السن في مستشفى فلسطين في مصر الجديدة ليتعالج وهناك توفي في التاسع من كانون الثاني –يناير سنة 1996 ودفن في القاهرة .وقد تحدثت السيدة امال عثمان مسؤولة القسم المذكور لمراسل مجلة ايلاف (الالكترونية) قائلة : ان الاستاذ القصيمي كان انسانا طيبا يقضي وقته بقراءة القران واحيانا يرتله ،وكان يردد بأستمرار بأن الله يراقبنا ، ويجب علينا ان نترفع عن الضغائن وان نطهر قلوبنا من الحقد والحسد ،وكان يتحدث مع العاملين في المستشفى بلغة شاعرية ويمزح معهم .كان الاستاذ القصيمي مفكرا ليس مصلحا فحسب بل ثائرا . كان ثائرا يؤمن بحق الشعوب في الثورة . كتب عن الثورة والثوار وعن دعاة الثورة ودعاة الحرية وانتقدهم بقسوة واضحة وقال ان اقوالهم لاتنطبق على افعالهم ، وحذر من الغوغائية ودعا الى الالتزام بالتفكير الناقد ، والسلوك الجيد ، والاستقامة والصدق وقال ان التغيير سنة الحياة ، والطغاة دائما يخشون التغيير لانه يحرمهم من امتيازاتهم . وكان يقول ان أمام المسلمين طريقان لاثالث لهما : إما أن يستفيدوا من التراث العلمي للبشرية ، أو أن يبقوا متخلفين جهلة، ولكي يتخلصوا من الركود الذي هم فيه، ما عليهم إلا أن يعرفوا أنه لا يوجد معرفة ضارة ولا جهل نافع، وأن كل الشرور مصدرها الجهل وكل الخير مصدره المعرفة.
وكما هو معروف فأنه لم يكن يقصد من ذكره "الاله "و"الالهة " و" الدين" و" الاديان" في كتاباته " اله الكون وخالقه الله سبحانه وتعالى واهبنا الحياة والعقل والخيرات الجمة " بل كان يقصد كما قال في كتابه :العالم ليس عقلا :" الطغاة أو الأصنام أو الأوهام أو النظم الاجتماعية المتأخرة الظالمة المنسوية إلى الإله. وكذلك أعني بالأنبياء والأديان حيثما جاءت في كلامي غير أديان الله وأنبيائه. هذا تصحيح أسجله على نفسي كاحتياط مبالغ فيه جدا .وقال حول ما يوجهه من نقد الى المجتمع : " اني انقد لاني أبكي واتعذب, لا لإني اكره وأعادي. انقد الانسان لاني اريده أفضل وانقد الكون لأنه لايحترم منطق الإنسان وانقد الحياة لاني اعيشها بمعاناة - بتفاهة, بلاشروط, بلا اقتناع, بلا نظرية" ..
كان القصيمي صادقا مع نفسه ،غيورا على دينه ،عاملا من اجل ان تكون لامته امة القران مكانة تحت الشمس ، وكان يتساءل مع نفسه كيف تكون لها مكانة ، والجهل ، والتخلف ، والاستبداد ، والظلم ، وعبادة الاشخاص جاثمة على صدرها ..وقد يكون من المناسب الاشارة الى المرحلة التي ظهر فيها القصيمي ساعدته كثيرا في ايصال افكاره وآرائه الى الشباب خاصة الذين تلقفوا كتاباته بشغف شديد . كانت المرحلة تموج بتيارات فكرية ، قومية ، وماركسية ، ووضعية منطقية ، وشخصانية ، ولليبرالية ، ووجودية . كان في كتاباته يلمح ويصرح بأنه قد بدأ يتلمس طريق العقل وكثيرا ما ردد " ان في كتاباته من الحقائق الازلية الابدية التي تفتقدها أمة فتهوي وتأخذ بها أمة فتنهض ، ولن يوجد مسلم يستغني عن هذه الافكار اذا اراد حياة صحيحة !! " .
تنقسم مؤلفاته الى قسمين ، كل قسم يتوزع على مرحلة ،ففي المرحلة الاولى من حياته حيث كان" سلفيا" ألف كتبا كثيرة غير ما ذكرناه منها : الفصل الحاسم بين الوهابيين ومخالفيهم " و"مشكلات الاحاديث النبوية وبيانها " والثورة الوهابية " و" الصراع بين الاسلام والوثنية " ويقع في جزئين ، ونقد كتاب حياة محمد للدكتور محمد حسين هيكل .وفي المرحلة الثانية حيث تحول الى "العقلانية " والفكر العقلاني نشر عددا من الكتب منها : •
"كيف ضل المسلمون؟ (1940)" و "هذه هي الأغلال (1946)" و"صحراء بلا أبعاد " و"أيها العقل من رآك؟ (1967) و" العالم ليس عقلا " 1968 و "هذا العالم ما ضميره؟" و"العرب ظاهرة صوتية (1977)". و " كبرياء التاريخ في مأزق " و" هذا الكون ما ضميره ؟ " و" ايها العار ان المجد لك " و" فرعون يكتب سفر الخروج " و" الانسان يعصي ..لهذا يصنع الحضارة " و" عاشق لعار التاريخ " و" يا كل العالم لماذا أتيت ؟ " و" الكون يحاكم الاله " و"الرسائل المتفجرة " و" ايها العقل من راك ؟ و" لئلا يعود هارون الرشيد ثانية " .

الدكتور عبد الله القصيمي ، مفكر شجاع ، مخلص لدينه، وصادق في اطروحاته. كان يريد من المثقفين العرب ان يراجعوا تاريخهم وينقدوا سلوكياتهم ويبنوا فكرهم على كل ماهو عقلاني حر، فالإسلام أكد أهمية العقل ، وأهمية ألتفكر وأهمية العلم ، وأهمية التأمل، وأهمية العبرة فيما لحق بالأقوام الغابرة بسبب انحطاطها وابتعادها عن الحق والعدل .
لقد أكد الاستاذ القصيمي ما اكده الاسلام من "حق الثورة " على الحاكم الظالم وهو ما انكره "وعاظ السلاطين" فيما بعد ، عندما قالوا بوجوب الخضوع للحاكم، وان كان فاسدا، وظالما ، خوفا من الفتنة .كان فكر القصيمي كما ورد في موسوعة ويكيبيديا موضوعا لاطروحات دكتوراه منها اطروحة الدكتور احمد السباعي الموسومة : " فكر عبد الله القصيمي " ودراسة الالماني يورغن فازلا : عبد الله القصيمي : من اصولي الى ملحد " .
ان مما يجب ان نقوله ان في تاريخ فكرنا العربي الحديث مفكرين وفلاسفة تعرضوا الى النقد وأحيانا الى الاستهجان ، او تسفيه مقولاتهم وطعنها بكل ما يجعلها غير ذات قيمة على صعيد الاضافة الفكرية لهذا لابد لنا من ان نقف قليلا لمراجعة ما كتبه القصيمي وغيره ومحاكمته محاكمة منطقية ونقده ان اقتضى الامر ذلك، للوصول الى ما يجعلنا نطمئن على صحة مسيرة الفكر العربي الاسلامي في كافة روافده ومساراته .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض

  النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة ال...