الجمعة، 8 أبريل 2022

ملامح المدرسة الموصلية في القراءات القرآنية ...............ا.د. ابراهيم خليل العلاف


                        ابراهيم العلاف وهو يقدم حلقة من برنامج (رمضانيات موصلية ) من قناة (الموصلية) الفضائية 


ملامح المدرسة الموصلية في القراءات القرآنية
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس –جامعة الموصل
إن من الامور التي يجب علينا معرفتها ، هي ان المدرسة الموصلية في إقراء أو قراءة (ترتيل وتجويد ) القرآن الكريم ، مدرسة متميزة ، لها خصائصها ، ولها رموزها ، ولها طريقتها الخاصة في إقراء القرآن الكريم .
ليس هذا فحسب، بل ان الموصليين هم من بقي يتداول علم القراءات في العراق بعد ان كاد ان تنقطع سلسلته وهم أي القراء في الموصل قاموا بإحياء هذا العلم ، ونشره ودوام استمراريته ، وهذه حقيقة يعرفها كثيرون من المهتمين بهذا اللون من العلوم الاسلامية .
كنا نتحدث انا والاخ الشيخ غانم احمد الطائي ، وهو من قراء القرآن الكريم في الموصل ومن مشائخ القراءات فيها عن المدرسة الموصلية في القرآءات القرانية فقال لي : " شكرا لاستاذنا القدير الاستاذ الدكتور ابراهيم العلاف الموصلي وابن الموصل البار على اهتمامه على ما نشره لاهله الموصليين وﻻسيما لمن خدموا كتاب الله تعالى من قراء القرآن في الموصل . وهذه التفاتة نبيلة من حضرته اذ قلما هناك من يهتم بهذا الجانب ، واذا ما تذكرنا على مر التاريخ ان مدينة الموصل بلد الانبياء وموصل اهل القرآن . وان مساجدها عامرة بأهل القران من مدرسين للقراءات القرآنية والدارسين لها . وان مشايخ اهل القرءات يتبعون حالة خاصة في التعليم من عدم أخذ اجرة على تعليم القران الكريم اي لايتسببون بالقرآن الكريم ، وهذا ما يوصي به الشيخ لتلميذه بعد ختم القران على يديه . وهم بذلك قد ساروا على منهج الامام حمزة الزيات رحمه الله تعالى والذي ذكره الشاطبي في إرجوزته :- وحمزة ما أزكاه من متورع اماما صبورا للقران مرتلا . ومما يذكر عن حمزة انه اقرأ رجلا من اهل الكوفة وبعد الختمة جاءه الى داره واعطاه كيسا من الدنانير قال له حمزة ما هذا :- قال الرجل هذه أجرة ما علمتني القران… فردها حمزة وقال: - انا لا ابغي هذا .. انا ابغي الفردوس الاعلى…. نيابة عن مشايخي الكرام اقدم شكري وتقديري الى استاذنا الكبير الدكتور ابراهيم العلاف واسأل الله ان يجعل ما سطره في ميزان حسناته .. امين اللهم امين…" .
لقد سمعتُ عن المدرسة الموصلية القرآنية الخالدة ان شاء الله منذ ان كنتُ تلميذا في مدرسة ابي تمام الابتدائية في محلة عبدو خوب قبل 65 سنة وذلك بحكم صداقتي باخي المرحوم الشيخ علي حامد الراوي، وكنت اذهب الى بيتهم في محلة النبي جرجيس ، واكتشفت ان والده الشيخ حامد الراوي كان معلما لأبي (خليل العلاف ) واعمامي رحمهم الله ، واتذكر أن أبي اطلعني على رسالة مخطوطة بعنوان : ( فن التجويد ) الفها الشيخ حامد الراوي ، وكان قارئا للقرآن الكريم وخطاطا معروفا .
ولابد لي هنا ان اذكر ان الملا عثمان الموصلي ( 1854-1923 ) ، هو من القراء (المجيدون ) ، وسمعت له تسجيلات تنتشر اليوم في الاسواق العراقية والتركية .
ومن قراء القرآن الكريم ، الشيخ محمد صالح الجوادي ( رحمه الله ) ، وهو من كان يجيز االقراء ، واستطيع ان اقول انه ابو القراءات القرآنية في الموصل ، وواضع أُسسها . ومن القراء الموصليين ايضا الشيخ عبد الفتاح الجومرد ، والشيخ احمد الجوادي ( 1867-1958 ) والشيخ عبد الوهاب الفخري .
كتب عن سمات المدرسة الموصلية في القرآءات القرآنية صديقي الشيخ الدكتور عبد الستار فاضل . ومما قاله ان المدرسة الموصلية التي حمل لواءها العلامة الشيخ محمد صالح الجوادي وتلامذته الضابطون من بعده ، تميزت بسمات كانوا شديدي الحرص عليها ،والالتزام بها منها (التحقيق) ، و ( كثرة التكرار) وصولا إلى الدرجة العالية من الإتقان مع ( مراعاة القراءة التصويرية بتغيير نبرات الصوت في الألفاظ حسب معانيها) ، وهو ما يسميه العلماء بالتنغيم الذي هو تغييرات تنتاب صوت القارئ حسب المعاني وبمقتضى سياق الآيات.
وتشترط المدرسة الموصلية على طالب القراءات أن يكمل ختمة محققة مرتبة مجودة برواية حفص عن عاصم قراءة إتقان وتحقيق ، مع تصحيح قراءة التلميذ بما كان يسميه العلامة الجوادي (بالرواح)، أي النغم الذي يقرأ به التلميذ ، مع كثرة التكرار.
وتعنى المدرسة الموصلية بأداء الكلمات ، وحروف المعاني حسب معانيها بمراعاة التنغيم في النفي والإثبات والاستفهام والأمر والنهي . ومن أهم سمات هذه المدرسة صون التلقي الدقيق للقرآن الكريم عن الظواهر التي طرأت عليه بسبب الأخذ من عبارات الكتب والنطق حسب فهمها وليس حسب ما تلقى عن الشيخ الضابط المتقن.
ومن سمات هذه المدرسة الأصيلة كذلك ، العناية بتخليص الكلمات القرآنية ، أي النطق بكل كلمة كاملة من غير أن يفصل جزء منها بالنبر على وسط الكلمة قبل تمامها، وهو أمر يلحن فيه كثير من القراء ، حتى المشاهير منهم.
يصف الاستاذ الشيخ يونس إبراهيم الطائي الطريقة الموصلية في الإقراء قائلا : " الطريقة الموصلية في الإقراء ، تؤكد الإعداد الدقيق للقارئ، وهذا يشمل الناحية العلمية ، وهي التخصص في علم القراءات ، والوقوف على أسرارها ، والتمكن منها أداء ورواية ومعالجة لللحن الجلي واللحن الخفي ، والعناية بمخارج الحروف وصفاتها وقواعد الترنم وصولا إلى الأداء العالي ، كما يشمل هذا الإعداد الإلمام بكل ما يساعد القارئ في المستقبل ، كالإلمام بقواعد اللغة والبلاغة والفقه بما يتناسب ولقب (شيخ) الذي يجب أن يحمله بجدارة" .
والطريقة الموصلية في إقراء القراءات تشترط إتقان رواية حفص وبلوغ درجة عالية فيها لكي يبدأ الشيخ مع التلميذ في علم القراءات ، وتشترط أيضا القابلية الصوتية.
يقول الشيخ عبد الفتاح الجومرد أن الملا عثمان الموصلي كان يتفحص حنجرة التلميذ ويختبرها، وهو من شيوخ الجوادي في القراءات، وهناك شروط أخرى كالاستقامة والتقوى.
كان شيوخ الموصل ينظرون إلى علم القرآءات على أنه أمانة يجب أن تنقل إلى الأجيال على يد متقن ضابط ؛ لأن هذا العلم وصل إلينا عن طريق المشافهة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان الشيخ الجوادي يقول : إن القارئ لا يمكن أن يكون في ستة أشهر أو سنة أو سنتين ، بل يحتاج إلى سنوات طويلة لكي يكون قارئا متميزا .
وبعد أن يكمل الطالب ختمة برواية حفص يختاره شيخه حسب قابليته لإكمال القراءات.
فإذا ما انتهى الطالب من ختمته حرر له الشيخ إجازته ، وختمها بختمه المبارك ، ثم يختار يوما من الأيام الفضيلة كالأول من محرم الحرام أول العام الهجري ، أو الثاني عشر من شهر ربيع الأول ذكرى المولد النبوي الشريف ، أو ليلة القدر ، أو أي يوم آخر ليقيم حفل الإجازة الذي يجتمع فيه علماء الموصل وقراؤها ليشهدوا على هذه الإجازة ، حيث بختار المجاز عشرا من القرآن الكريم يقرؤه على الجمع الكبير مبديا مهارته وقدرته في القراءة ، ثم يتلو الشيخ المجيز نص الإجازة ، ويشهد الحاضرين على إجازته لتلميذه بأن يقرأ ويقرئ بما تلقاه عنه ويوصيه بتقوى الله وصون هذه الأمانة وعدم التفريط بها.
وقد تلقى كلمات في الحفل ، ومنها قصيدة تؤرخ لهذه الإجازة بما يسمى ب ( التاريخ الشعري) او التأريخ بحساب الجمل ، ومن أواخر من كان مبرزا في ذلك الأستاذ الفاضل حسين الفخري (رحمه الله) ، والشيخ الدكتور أكرم عبدالوهاب ( حفظه الله) ، وغيرهما من مبدعي الموصل في هذا الفن البدبع.
ومن الطريف ان تطلق على القارئ المجاز القاب من قبيل (ضياء القراء ) و(برهان القراء ) و(نبراس القراء ) و (بدر القراء ) و(سراج القراء ) وهكذا يعرف كل قارئ مجاز بلقبه لاينافسه فيه أحد ..
لابد لي هنا ان اذكر اسماء عدد من القراء اقصد قراء القرآن الكريم الذين اجيزوا بالقراءات السبع او القرآءات العشر من قبل شيوخ القراءات في الموصل ومنهم الشيخ يونس ابراهيم الطائي والشيخ غانم احمد الطائي والشيخ محمد عبد الوهاب الشماع والشيخ حازم شيت عمر الطائي والشيخ صلاح الدين عزيز والشيخ سالم عبد الرزاق والشيخ وليد سالم الملا ذنون والشيخ هشام عبد السلام البزاز والشيخ ابراهيم المشهداني والشيخ الدكتور اكرم عبد الوهاب والشيخ شيرزاد عبد الرحمن والشيخ وعدالله ابراهيم والشخ علي حامد الراوي والشيخ خليل ابراهيم الشكرجي (هما من تلاميذ الشيخ يونس ابراهيم الطائي ) ، والشيخ الدكتور هشام البزاز والشيخ الدكتور عبد المالك والشيخ رامز حازم نوري بكر افندي والشيخ ذاكر الحساوي والشيخ نايف سالم الملا توحي والشيخ عبد الله نجم السبعاوي والشيخ محمد عبد الاله ال ثابت .
ومما هو جدير بالذكر ان الناس ُتعجب بالصوت الجميل ، والشكل الجميل للقارئ مع ملاحظة تميزه في معرفة احكام التلاوة واصولها ، وقواعد ومخارج الحروف ، ومعرفة المقام الذي يناسب القراءة ، والاهم من ذلك فهم دقيق لمعاني القرآن الكريم .وهناك من قرأء القرآن الكريم من الف رسائل في التلاوة والتجويد . ففضلا عن ما اشرت اليه رسالة في فن التجويد للشيخ حامد الراوي نجد مثلا ان الشيخ يونس ابراهيم الطائي قد الف عدة رسائل في هذا المجال منها ( الجامع المفيد لاحكام التجويد ) .كما يجب ان نشير الى وجود قارئات موصليات مجازات في الموصل منهن مثلا النسوة الثلاثة الذين اجازهن الشيخ غانم احمد الطائي وهن الشيخات فوزة احمد حسين الراشدي ، وفتحية فكاك احمد البدراني ، ووصال محمد حسن الشريفي ) .ومن اللواتي اجازهن الشيخ عبد اللطيف الصوفي الشيخة صبرية يحيى حمودي .. وطبيعي ان هؤلاء النسوة كن يجزن اخريات وهكذا .
واخيرا لابد ان اشير الى ان من بين قراء الموصل من يقرأ بالطريقة المصرية ، والطريقة البغدادية .ويقينا اننا نستطيع ان نتحدث عن سيرة وطريقة كل من هؤلاء القراء الكرام وسيرهم وطريقتهم في الترتيل والتجويد، لكن الوقت لايسمح بذلك واكتفي بهذا القدر رمضانكم كريم وصيامكم مقبول ان شاء الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
    
   
  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق