الاستاذ احمد سامي الجلبي ( رحمه الله وطيب ثراه)
إسهامات المرأة الموصلية في الكتابة الصحفية لغاية عام 1968
بقلم : الأستاذ أحمـد سـامي الجلبـي
رئيس تحرير جريدة فتى العراق ( الموصلية )
على الرغم مما سجله التاريخ في مساره الطويل
من مآثر ومواقف للمرأة العربية كالخنساء وخولة بنت الأزور ورابعة العدوية وعائشة
بنت طلحة وسكينة بنت الحسين وغيرهن ، فإن الفترات المظلمة التي مرت على هذه الأمة
كانت قد أبعدت المرأة عن الإسهام في المسيرة الحضارية إلى جانب الرجل وعاشت كل تلك
الفترات في عبودية المجتمع الذي أذلها .
على أن الانطلاقة العربية الحديثة التي شهدها
المجتمع العربي في كل مجالاته الفكرية والسياسية والاجتماعية فتحت الأبواب أمام
المرأة للإسهام والمشاركة في بناء المجتمع الجديد ، فظهر في مصر أولاً نساء اسهمن
في الحركة الأدبية وكانت لهن بصماتهن الواضحة في هذا المجال مثل : باحثة البادية
وعزيزة عصفور وعائشة عبد الرحمن ( بنت الشاطئ ) وسهير القلماوي ووداد سكاكيني
وغيرهن ..
أما في العراق فإن الحركة الأدبية النسوية
وإن تأخرت بعض الشيئ فإن المرأة بعد أن شهدت البلاد توثباً وروحاً قوية مندفعة
بدأت هي الأخرى تغشى مع الرجل الوسط الأدبي المتمثل في البداية بالكليات والمعاهد
الفتية التي انشـأت في العراق ، فظهرت في تلك الكليات وعلى وجه التحديد في دار
المعلمين العالية في بغداد ( كلية التربية فيما بعد ) ، ظهرت شاعرات وأديبات مثل
نازك الملائكة وعاتكة الخزرجي وأميرة نور الدين ومقبولة الحلي ولميعة عباس عمارة
وغيرهـن …
على أن المرأة الموصلية وإن كانت إسهاماتها
في الحركة الأدبية تعد جزءًا من إسهامات المرأة ككل خلال المرحلة المعاصرة يوم
بدأت تعيش الصراع بين القديم والحديث لتشق طريقها في رحاب الحياة الواسعة تريد أن
تثبت فيها وجودها وتؤكد قدرتها .
أقول أن المرأة الموصلية وإن كانت قد استطاعت منذ بدء الصراع
أن تغزو المجال الوظيفي بسعة وسهولة دون أن تلقى المعارضة الشديدة من البيت
والأسرة ومن الزوج والأب والأخوة ، فالتحقت بالمدارس ثم الكليات .. وأصبحت معلمة
وطبيبة وممرضة في وقت مبكر ، إلا أنها لم تستطع ولوج الميادين الأخرى إلا في
المراحل التالية .. ذلك لأن الموصل كانت مدينة محافظة يحرص أبناؤها على عدم ذكر
أسماء النساء من الأمهات والأخوات أمام الغرباء من الرجال ، وقد استمر الأمر كذلك
إلى يومنا هذا حيث يغلب على الواحد منا الحياء الآن ذكر اسم أمـه أمام الآخرين
مثلاً . كما أن التقاليد الأسرية الموروثة كانت تحرم على المرأة الكتابة في الصحف
أو ممارسـة الأدب أو التعبير عن العواطف .
ولكن على الرغم مما كان يحيط المرأة الموصلية
من قيود حدد من نشاطها وكادت أن تحول دون تطلعها لرسم إطار حياتها الجديدة وحجمت
في البداية إسهامها في الحركة الأدبية .. إلا أنها رغم كل هذا استطاعت في النهاية
الانطلاق في آفاق الكتابة والصحافة والأدب ، وإن كان هذا الإسهام محدوداً وضيقاً
حتى الآن بسبب طبيعة عمل المرأة في البيت وانشغالها في إعداد وتربية الأولاد
وانغمارها في الأعمال المنزلية من جهة ثم خضوعها واستجابتها لسيطرة الزوج الذي لا
يريدها صحفية أو كاتبة أو أديبة أو مفكرة تلاحقها اهتمامات الآخرين من الرجال .
أعود فأقول : في خضم هذا الواقع الذي كانت تعيشه
المرأة الموصلية ، والبيئة المحافظة التي ترعرعت فيها، والقيود التي كانت تحيطها
من كل جانب ، وفي الوقت الذي كان الصراع بين السفور والحجاب ، وبين الرأي المؤيد
لعمل المرأة من عدمـه ما زال قائماً.
في تلك المرحلة بالذات اقتحمت صحافة الموصل
العديد من النساء إستطعن أن يثبـتن وجودهـن في مجالات الصحافة والكتابة ، فيقدمن
نتاجاً طيباً ويناقشن قضايا المرأة والمجتمع والحياة ويساهمن في الحركة الأدبية
المعاصرة في الموصل ،مدينة العلم والأدب والعطاء والشهداء ، فكن الرائدات في هذا
المجال. وعلى الرغم من أن تاريخ الصحافة في الموصل يعود إلى عام 1885 م ، وهو عام
صدور جريدة ( موصل ) غير أننا منذ ذلك التاريخ وحتى مطلع القرن التاسع عشر لم نشهد
في صحف الموصل نتاجاً أدبياُ للمرأة الموصلية يستحق الذكر والاهتمام ..
ولعل أول كلمة لفتاة نشرت في صحيفة موصلية
كانت بعنوان : ( فتاة تخاطب قومها ـ طال الرقاد فمتى الإفاقة ؟ ) حيث نشرت في
(مجلة النادي العلمي العلمي ) في عددها الصادر بتاريخ 30 /1/ 1919 وبتوقيع ( فتاة
دجلـة ) جاء فيها : ( الوالدة هي
المربي الحقيقي وان آمال الرقي والتهذيب للأطفال معلقة على الوالدات اللائي يهذبن
رجال الغـد ... فإن أردتم نيل السعادة فاطلبوها من نسائكم وانتظروها من أمهات
أحفادكم ... ولا ينشأ هؤلاء إلا من المدارس ... وأحسن مدرسة الأم في بيتهـا .)
وفي بداية مرحلة الثلاثينيات من القرن الماضي
أخذت بعض الصحف الموصلية تنشر مقالات مقتبسة من صحف عربية تحمل تواقيع نسائية كما
فعلت جريدة ( الرقيب ) في بعض أعدادها ..
وبدأت
جريدة البلاغ في عام 1936 تنشر بعض المقالات بتوقيع (الآنسة و.ج) دون الإفصاح عن الاسم الحقيقي لكاتبتها .
ثم
نشرت جريدة الرقيب بتاريخ 21/5/1939 قصيدة للآنسة ( رمزية خليل الدباغ ) بعنوان (
في رثاء الراحل العظيم الملك غازي ) جاء في مطلعها :
يا
ابـن فيصـل الأميـن نحن أقسـمنا
اليميـن
لم
نكـن ننسـاك يومــاً لا .. ورب
العالميـن
وفي بداية مرحلة الأربعينيات بدأنا نقرأ لعدد من
الكاتبات كانت أكثرهن غزارة ( الآنسة جورجيت جميل سـكر ) التي نشرت منذ
بداية شهر أيلول 1941 سلسلة من المقالات في (جريدة الهلال ) يحمل بعضها العناوين
التالية : ( الشجاعة الأدبية ، صورة من
حياتنا الاجتماعية ، البيت أساس النجاح ، التربية والأمهات ، هل يمكن إصلاح المرأة
العراقية ، الإنشاء الكتابي .. ) ومقالات أخرى
متنوعة . والآنسة جورجيت كانت (خريجة الثانوية المركزية ) كما
أشارت إلى ذلك في بعض تواقيعها على الكلمات المنشورة .
وفي الشهر نفسه من السنة ذاتها كانت (الآنسة
نادرة سعيد جمعة ) وهي طالبة ثانوية قد سبقت جورجيت بنشر بعض المقالات في
جريدة الهلال أيضاُ منـها :
( أمـي ، واجبات
الفتاة ، الأمة تحيا بالأم ) . كما نشرت شقيقتها ( مفيـدة سعيد جمعة )
بعض الكلمـات أيضاُ .
وفد انقطعت الفتيات الثلاث عن الكتابة منذ ذلك
الحين عـدا الآنسة نادرة سعيد جمعة التي ظهرت من جديد على صفحات ( جريدة فتى
العراق ) في مرحلة الخمسينيات لتعالج قضايا المرأة وبعض المواضيع الاجتماعية بعد
أن أصبحت ( مرشـدة اجتماعيـة ) .
وفي نهاية مرحلة الأربعينيات وبداية الخمسينيات
بدأت أقلام نسائية قليلة تدخل إلى دنيا صاحبة الجلالة الصحافة بأسماء مستعارة أول
الأمر حيث نشرت جرائد فتى العراق وفتى العرب
والنضال كلمات تحمل أسماء مستعارة من بينها (الآنسة ن. و ) ثم ( فتاة القطرين ) و
( فتاة الحدباء ) وكلمات أخرى تحمل توقيع ( رقية محمد ) .
وفي النصف الأول من مرحلة الخمسينيات خصصت
جريدة فتى العراق صفحة باسم (صحيفة الأسرة
) عنيت بشؤون المرأة والبيت وقضايا الأسرة بصورة عامة .. وقد أشرفت شخصياً على
تحرير تلك الصفحة حيث لم أعثر في الوسط النسائي على من تتولى الإشراف على تلك
الصفحة أو حتى الكتابة فيها أو في غيرها من الصفحات أول الأمر مما دفعني إلى كتابة
العديد من المقالات والكلمات بتواقيع نسائية مستعارة منها : ( نوال العبيدي ،
سعاد مصطفى ، الآنسة هيفاء ، نهلة محمد صالح ، هدى عبد الله ، الآنسة س
وتواقيع عديدة أخرى ..) وكتب الأخ
الأستاذ عبد الحميد التحافي كلمات بتوقيع ( أمل الرافدي) . وكتب فاضل الشكرة الذي كان يعمل محرراً
لصحيفة الفتى الرياضية مقالات بتوقيع (
دنيا صابر ) وأخرى بتوقيع ( الآنسة أسمهان ) ..
كما كان بعض القراء
يرسلون كلمات للنشر بتواقيع نسائية مستعارة من بينهم الدكتور إبراهيم خليل أحمد
العلاف الذي اختار توقيع (هناء خليل ) والأخ عبد الحميد حسين الطائي كنا
ننشر له كلمات بتوقيع ( فريحة قصاب )
كما كانت تردنا كلمات بتواقيع نسائية نعرف مرسليها من الرجال ..
كانت
الغاية من كتاباتنا بتواقيع نسائية مستعارة جر المرأة الموصلية للإسهام في الحركة
الأدبية عن طريق النشر والكتابة في الصحف ، وفعلاً حدث ما توقعنا فقد شهدت صفحات
فتى العراق إثر ذلك نتاجات نسوية حقيقية إما بتواقيع مستعارة أو بأسماء صريحة بدأت
تنشر بكل اعتزاز وشموخ ..
وعلى ذكر الكلمات التي كنت أنشرها بتواقيع
نسائية فإن الكثير من الطرائف والحكايات والمفارقات التي حدثت منها إعجاب أو حب أو
تعلق بعض قراء فتى العراق وحتى كتابها بصاحبات تلك التواقيع الوهمية ..
ونشرت فتى العراق في
عددها الصادر بتاريخ 12 أيار 1955 خاطرة (للآنسة فخـرية الدباغ ) وكانت طالبة حينذاك في دار
المعلمين العالية ، نشرت كلمة بعنوان ( سـأمضي ) وتحت زاوية ( ثورة نفـس ) قالت
فيها :
ســـأمضـي …
ولكــن … أيــن الطــــريق ؟
أفــي
العليـــــاء الأبــــدي ؟
أم
في لجـة هـذا الـوادي المـخيـف ؟
لـم أعـد اسـتـفـيـق …
فقـد أضـعت الطريــق …
ثم
لجأت إلى أسلوب آخر لتشجيع المرأة على الكتابة ، وهو تخصيص جائزة ( فستان الأسرة )
مرة ثم خياطة ( كوستم نسائي ) مرة أخرى لأحسن موضوع تكتبه امرأة … ونجحت هذه
الطريقة هي الأخرى في جر النساء إلى الكتابة وتعددت الأسماء الحقيقية التي بدأت
ترسل نتاجها وتنشره أذكر من تلك الأسماء في مرحلة الخمسينات على سبيل المثال لا
الحصر .. ( فكرية زوجة احمد نيلة ،
لمياء علي ، شهرزاد قاسم الملا جاسم ،
نادرة سلطان الصقال ، جوليت بزوعي ، عالية ياسين ، كوكب آدمو ، خالدة احمد
نيلة ، نور الهدى الصائغ ، سهير الجلبي ،هـدية عبو اليونان ، صباح عبد الرحمن
،هناء يحيى الشبخون ،منيرة رضاعة ، إحسان نور الدين ، سعدية محمود ، منى محمد علي
، كتبية القصاب ، راجحة احمد ، سهاد عبد الحميد الكيلاني، هنيـة مصطفى ) . وأسماء
أخرى كثيرة كلها حقيقية .
على أن أبرز كاتبات تلك المرحلة ( الآنسة بشرى محمد نذير الغلامي ) التي
كانت تنشر بتوقيع مستعار هو ( الآنسة عـوالي ) لأن عائلتها المحافظة لم تكن
تسمح لها حينذاك بالنشر باسمها الصريح ..
كانت عوالي وهي (
بشرى الغلامي) كاتبة مقتدرة أسهمت في كثير
من المعالجات الأدبية والدينية والاجتماعية ونشرت العديد من المقالات من بينها
: ( فضل الإسلام على المرأة ، العيــد ،
جمـال الروح خالد ، ماذا تريد المرأة ، المرأة بين الوظيفة والزواج ، المرأة
الصالحة ، مفتاح سعادة الأسرة ، فسحة الأمل ، سلطان العقل ، الأم عماد المجتمع ،
مفهوم الحرية عندنا وعندهم ، المرأة والتحرر ، سـر الحياة ، همسة في الليل ،
أمنيتي في الحياة ) .
وكان لكتابات ( الآنسة عوالي ) صدى كبير في
الأوساط الأدبية إذ تميزت بنفسها الطويل واطلاعها الواسع في التاريخ والدين ..
تقول ( عوالي ) في كلمتها ( سلطان العقول
) المنشورة في فتى العراق بتاريخ 4/6/1956 تقول : ( ما أعذب ما تصبو إليه نفوس
الظامئين من الناس لارتشاف مناهل العلم والعرفان ، وما أشهى ما تهفوا إليه أفئدة
المتعطشين للارتواء من مناهل الحضارة والعمران .. هكذا يحلو لكل امريء في الوجود
أن يحقق أمانيه ويسعى لنيل الآمال السابحة في بحور أفكاره المتشوقة ..
وتقول في كلمة أخرى نشرت لها في فتى
العراق بتاريخ 4/10/1956 (( خلق الله لنا عقولاً
تهدينا بنورها في مسالك العيش فنميز بها الخير عن الشر ونتجنب بواسطتها
موارد التهلكة فهي أشبه بقارب النجاة يرسو بنا على شواطيء السلام فنبلغ مأمننا
آمنين مطمئنين ولا يخيب كل من تبصر في الأمور قبل الولوج في مشاكلها ))
كما مارست ( عوالي ) الشعر ونشرت لها فتى
العراق اكثر من قصيدة منها (سحر الربيع )
التي جاء في مطلعها :
غردي
يا طير في دنيـا الأماني الزاهـرة
وانشدي
لحنـك يسري في الروابي الناضرة
وابسمي
يا دنيا .. فالعيـش طيـوف عابرة
تولت (عوالي) تحرير ركن ( اسألوني ) في صحيفة
الأسرة كما تصدت للرد على الدعوات التي كانت تراها مضللة لمجتمعنا وتقاليدنا فكانت
كلماتها موضع تقدير القراء .. وقد نشرت الجريدة في حينه نص رسالة تحمل تواقيع
العديد من ( الشباب المسلم في الموصل ) يؤيد فيها مرسلوها ما تنشره الآنسة عوالي
من مقالات وكلمات دينية واجتماعية هادفة ويطالبون نشر المزيد من تلك الكلمات ..
وقد أردت في حينه أن تخرج كتابات الآنسـة
عوالي من قيودها وتنطلـق من ( قمقمها ) فاتفقت مع الكاتب الأستاذ عبد الحميد
التحافي للرد عليها بتوقيع فتاة واختار هو لنفسه توقيع (أمل الرافدي ) وبدأ ينشر
بهذا التوقيع المستعار مقالات يدعو لانطلاق المرأة وتحررها وينتقد بعض كتابات عوالي
التي انبرت هي من جانبها بالرد على أمل الرافدي ومهاجمة دعوتها التحررية .. وكانت
هناك معركة أدبية عنيفة انجر إليها قراء الفتى أيضاً فانقسموا إلى مؤيد لعوالى ..
أو مندفع لأمل الرافدي .. ولم تنته المعركة إلا بعد أن أعلنا التوقف عن نشر أية
كلمة بصدد الصراع القائم ، مع كتابتي
مقالاً بعنوان (التحرر بين مفهومين) وفقت فيها بين ما ذهبت إليه الكاتبتان .
على
أن عوالي لم تبق في ميدان الصحافة الموصلية
فقد هاجرت إلى بغداد مع أسرتها
وأكملت تعليمها العالي هناك . والتحقت بسلك التعليم .. ثم غمرتها الحياة الوظيفية
والعائلية .. فلم نعد نقرأ لها بعد ذلك إلا اليسير جداً وفي فترات متباعدة في صحف
العاصمة .
وفي النصف الثاني من مرحلة الخمسينيات بدأت
(الآنسة ناظمة عبد الله الجادر
) وكانت معلمة في مدرسة الأمير عبد الإله النموذجية ( الفتوة المختلطة حالياً
) بدأت تكتب هي الأخرى باقتدار فنشرت لها فتى العراق كلمات ( حواء والمجتمع ، مدوا
يد العون لمصر ، قصة بعنوان ( زيد ) صور من حياتهن ، السارقة ، الأمومة أنبل رسالة
، المرأة والحقوق السياسية ، لا مكان لكم في أرضنا .. وغيرها )
تميزت ناظمة عبد الله بالجرأة في طرح رأيها مع وضوح الهدف وسلامة
التعبير والالتزام الفكري .. غير أنها توقفت عن الكتابة ( اثر توقف فتى العراق عن
الصدور بعد انتكاسة ثورة الموصل في آذار عام 1959 ولم أعـد أقـرأ لها بعد ذلك في
مكان آخر .. واعتـقد أنها تفرغت لحياتها الوظيفية والعائلية ..
وفي نهاية مرحلة الخمسينيات
نشرت (الآنسة كوكب داود الخشاب ) سـلسـلة مقالات ضمنتها مشاهداتها في بلاد
الغرب في أحد عشر حلقة متتالية ..
ثم تأتي مرحلة الستينات لتشهد العديد من
الكاتبات وان كان البعض منهن قد اكتفى بمرات قليلة من النشر مثل سعاد مصطفى حلمي
وكوكب هاشم ومنيرة نقاشة وفوزية الخياط وشرقية فتحي الراوي وشرقية احمد وشرقية
عزيز و فتحية محمود وهدية عبـو اليونان و اسباهية إسماعيل الشكرجي ولطيفة توفيق
عبد القادر وأمل عبد الرحيم ونوال بدر وفاخرة الخياط وليلى يونان .. وأسماء أخرى
كثيرة …
أقول وان كانت الغالبية ممن نشرت لمرات قليلة إلا أن هناك من عملت منهن في
الصحافة وواصلت النشر في مرحلة الستينات فترة لا بأس بها مثل :
* سعاد
عبد الوهاب الشيخ :
كاتبة جريئة جداً
كانت تنشر تحت اسم مستعار هو ( وداد ) ..
وفي مرحلتها كانت من اشهر كاتبات فتى العراق .. عالجت كتاباتها التخلف الاجتماعي ،
كتبت في السياسة والأدب والاجتماع والنقد والتراث ، ما زالت كلماتها المنشورة في
فتى العراق منها : ( عفطة ، شعب العراق ، غجال ، متوبع ، زرف العنب ، الساقية ،
الرسالة اليتيمة ، مع السد وناصر والنيل ، وركوم ، هاي ما صلاة ، عينك عاللحم ، عش
اللكلك ، اشعليّ ، فردة حذاء ، وغا الحمالين ، رغم انفك وانفي ، بعض الناس ، هذا
على رأسي ، إن بعض الظن إثم ، آخ لوما الدخان ، وغيرها من الكلمات التي ما زالت في
مخيلة الكثيرممن تابع كتاباتها من القراء.
كما مارست سعاد كتابة القصة وقد نجحت فيها
إلى حد ما .. ومن قصصها المنشورة في فتى العراق ( رسالة لا تنتهي ، سألقاه ، سر
قلبي ، قسمة ، الهاربة ، بسمة ، حب ، وشرب الكأس ، مدينة تلد الرجال ، السـيسـبان
) إضافة إلى إصدارها صفحة ( حصاد الأسـبوع ) اكثر من مرة .
تقول
سعاد في كلمتها( شعب العراق ) المنشورة في فتى العراق بتاريخ 20 آب 1962 ( تثـقب
أذني كلما سمعتها .. عبارة تبعث القشعريرة في جسدي وتكهرب أعصابي .. وحسب الظروف
.. قد اجن أو أثور حانقة .. أو أجادل وأناقـش لأفنـد هذه العبارة .. أو قـد تأتي
لحظات ابتلع فيها ريقي المر وأصمت وفي بطني مرجل يغلي .. تلك العبارة العجيبة
الكبيرة ( يتمـنطق ) بها بعض رجالنا ويتغنى بترديدها جهلاؤنا ، وقد يطلقها بعض
مثقفينا في وجوه البعض كالقنبلة : ( يمـعود .. شعب العراق شعب الكفر والنفاق ، ما
يصيغ بغاسو خيغ ) .. وقد يتفضل الأفندي فيحللها إلى كلمات بالمصلاوي لنفهمها
اكثر.. بل ليجرحنا اكثر .. ليش بابا .. ليش أليس من المخجل حقا أن تتكلم عن هذا
الشعب الطاهر الأبي ؟ أليس من الكفر أن تغبن عظمة شعبنا العربي في العراق ؟ ؟) ..
وهكذا تستمر في كلمتها لتختمها قائلة : ( مد يدك يا أخي واقرص كل أذن ينطق صاحبها
مثل تلك العبارة حتى ولو أدى ذلك إلى خلعها من رأسه ..)
وسعاد بعد هذا
أصابتها هي الأخرى حمى الهجرة إلى بغداد مع عائلتها ، ومن هناك كانت ترسل لنا
نتاجها الغزير.. ثم بدأت تكتب في الصحف المصرية إلى أن اختطفتها الحياة الزوجية
لتبعدها عن النشر ثم انغمارها في مهنة التعليم .. ثم تختفي ولم نعد نسمع عنها أو
نقرأ لها شيئاً ..
*
الآنسة باسمة محمود الشيخ :
في نفس المرحلة أيضاً .كانت الآنسة باسمة محمود الشيخ قد بدأت تكتب في فتى
العراق .. وهي لا تمت بصلة قرابة إلى سعاد عبد الوهاب الشيخ إنما هو مجرد تشابه في
أسماء الشهرة .
بدأت باسمة الكتابة لأول مرة في تشرين الثاني من عام 1962 وكانت طالبة في
دار المعلمات الابتدائية بالموصل .. على أن ذلك لم يكن أول إسهام لها أو نشاط لها
. فقد سبق لباسمة وهي في مرحلة الدراسة المتوسطة أن ألقت كلمة في الاحتفال
الجماهيري الذي أقامه الشباب العربي في جامع النبي شيت عصر يوم الأربعاء 24 كانون
الأول 1958 بمناسبة ذكرى الانتصار على العدوان الثلاثي الأثيم على مصر حيث كان
عريف الحفل الشهيد فاضل الشكرة وألقيـت خلاله كلمات للشهيد هاشم عبد السلام وفخري
الخيـرو المحامي ومحمد سعيد الخياط واحمد سامي الجلبي ثم قصيدة لنديم احمد
الياسـين وقصيدة لسعيد إبراهيم قاسم إضافة إلى كلمة الطالبة باسمة الشيخ ..
نشرت باسمة العديد من الخواطر والكلمات منها ( لا تلمني ، وحدتي ، مهلا
أيها الأمل ، جولة مع القمر ، قلب الإنسان ، سأنطلق من اجل مجتمع اكثر إنسانية ،
أبتاه ، الأم ، تركة مثقلة ، مسؤولية
المرأة العربية في المرحلة الحاضرة ، محكمة ، أيـتها المتمردة ، جيل حيران ، مصلحة
الثورة ووحدة العمل ، النهضة النسوية يجب أن تنبعث فينا ) ..
وقد التحقت باسمة بأسرة تحرير فتى العراق . فآجرت تحقيقات صحفية ناجحة مع
عوائل شهداء ثورة الموصل ، وتحقيقات عن : دار العجزة ومنظمة نساء الجمهورية وجمعية
البر الإسلامية وجمعية حماية الأطفال ومعهد المعلمات ودار المعلمات الابتدائية
وعدد من المدارس والمؤسسات كما أصدرت صفحة من ( حصاد الأسبوع ) وأشرفت ولفترة
محدودة على تحرير صحيفة الأسرة ..
اتصفت كتابة باسمة بالعاطفة الجياشة
وبدعوتها للعمل والتضحية والانطلاق وتحمل الأعباء بجلد وأناة فهي تقول في كلمتها :
(من اجل مجتمع اكثر إنسانية) المنشورة في فتـى العراق بتاريخ 18 كانون الثاني 1963
، تقول وهي تخاطب زميلتها (وداد) أي سعاد الشيخ ( لنكن الضحية أختاه . أنت وأنا
لأنني آمنت بالتضحية طريقاً لي .. وسيلة لتحقيق أهدافي . فهلا قاسمتني هذا
الشرف وسرت معي في هذا الطريق ؟ إن المجتمع سيقيم لنا تمثالاً على
حطامينا، سـيذكرنا الجيل الناشئ ، وسـيعرف
عظيم تضحياتنا وقدرها مهما تنكر لنا الآن ومهما رمانا بوابل طعونه القاسية الجارحة
.. فدعي اليأس أختاه . وتعالي نعمل سويةً من اجل الأهداف السامية النبيلة ، من اجل
غدنا العربي الباسم ومن اجل مجتمع اكثر إنسانية وتفهماً وإدراكاً ) ..
وفي كلمتها ( مسؤولية المرأة العربية في المرحلة الحاضرة ) تقول باسمة (إن
المرأة مدعوة الآن للعمل الإيجابي البناء في إطـار عقيدتنا وأهداف شعبنا ، المرأة
العربية مدعوة الآن إلى الانطلاق في عمل هادف يمثل تطلعها الواعي ويعبر عن أهدافها
ومساهمتها في معركة الوجود التي يخوضها شعبنا العربي في كل مكان معركة البناء .. )
خلال إشراف باسمة محمود الشيخ على تحرير
صحيفة الأسرة تولت الرد على رسائل واستشارات القارئات . تمرست في مهنة الصحافة
فنجحت وأبدعت غير أن مهنة التعليم غلبت عليها واختطفتها من الصحافة ثم غمرتها بعد
ذلك الحياة الزوجية فتفرغت كلياً للوظيفة والبيت وتربية الأولاد بعيداً عن مهنة
المتاعب .
*
بشـرى البسـتاني :
أديبة وشاعرة وصحفية ثم أخيراً أستاذة جامعية ، بدأت مسيرتها مع الصحافة في
مطلع عام 1963 حيث نشرت لها جريدة فتى العراق بتاريخ 8 كانون الثاني 1963 قصيدتها
( العام الجديد ) كان مطلعها :
غاب عام .. هوت
الأيـام في بحـر الزمـان
غابت
الأسرار .. والنجوى .. وأطياف الأماني
لف
أشــباح الليالي .. دك أعـراق الحنـان
وطـوى
الألغـاز والأحـلام في طـي افتـتان
ثم كتبت بعد ذلك سلسلة مقالات منها ( مرحباً بك يا شهر الصيام ، المرأة في
الإسلام ، احترام الإسلام لرأي المرأة ، في أعياد الثورة تبتسم الحياة )
تقول بشرى في كلمتها ( مرحباً بشهر الصيام ) المنشورة في فتى العراق بتاريخ
25/1/1963 ( أجل ليكن رمضان دافعاً يدفعنا إلى فهم الدين العظيم فهماً عميقاً ينفذ
إلى أدوائنا التي طال سقامها فيزيلها ويحل محلها الصفاء والإيمان لان بالإسلام
عزتنا وبالإسلام كرامتنا ومتى ما تمسكنا به ودافعنا عنه وعملنا بما جاء به في ذلك
الحين يكون انتصارنا وفي ذلك الحين يكون تقدمنا) .
وتكاد الأديبة الشاعرة الأستاذة
الدكتورة بشرى البستاني تكاد تكون المرأة الموصلية الوحيدة التي واصلت نشاطها في
مجالات الصحافة والأدب منذ اكثر من ثمان وثلاثين سنة . وما زالت وقد أصدرت عدة
دواوين شعرية وواصلت النشر في غالبية الصحف العراقية وفي عدد من الصحف العربية
والتحقت بأسرة تحرير مجلة ( الجامعة ) التي كانت تصدرها جامعة الموصل .. وعملت مع
أسرة تحرير جريدة الحدباء إضافة إلى سبق
مواصلتها للدراسة العالية وحصولها على شهادة الدكتوراه وإشرافها على عدد من
الرسائل الجامعية وهي تتولى الآن التدريس في كلية الآداب في جامعة الموصل ..
إن حديثي عن الدكتورة بشرى البستاني يخص مرحلة الستينات فقط ، على أن
عطاءها الغزير كان بعد هذه المرحلة الأمر الذي يتطلب دراسة خاصة وموسعة عنها .
أرجو أن يحققها لنا قريباً أحد الباحثين أو المعنيين إن شاء الله .
*
الآنسة سـهيلة محمد فاضل الحسيني :
بدأت الآنسة سهيلة وهي معلمة تكتب أول الأمر تحت توقيع ( غادة ) فعالجت
الكثير من مشاكل المرأة وقضاياها من خلال صحيفة الأسرة التي تولت الأشراف على
تحريرها منذ عام 1964 فنشرت العديد من الكلمات والبحوث في هذا المجال منها (
الغيرة وتأثيرها في نفسية الطفل ، وليس الذكر كالأنثى ، حاجة الطفل للنقود مشكلة
كيف نعالجها ) ، كما نشرت بعض الخوالج والصور القلمية مثل ( الأنانية ، ذكاء مفرط
) إضافة إلى تناولها مواضيع أدبية ونقدية ..
ثم عكفت على كتابة القصة فنجحت فيها إذ
نشرت قصص ( الخاطئة ، مجنون ، الرهان العجيب ، ولكنه بطل ، القطة. والعذاب
والنسيان ) وغيرها ..
وقد أصدرت الآنسة سهيلة الحسيني
مجموعتها القصصية الأولى وكانت بعنوان ( الدفن بلا ثمن ) ثم أصدرت رواية طبعت في
بيروت بعنوان ( انتم يا من هناك ) .
وبعد أن توقفت جريدة فتى العرب عن
الصدور عام 1969 بدأت الكاتبة سهيلة الحسيني تنشر في جريدة الثورة .. على أن مقام
النشر لم يطل هو الآخر مع سهيلة فقد غمرتها الحياة الزوجية إلى جانب الأعباء
الوظيفية فانقطعت نهائياً عن الصحافة والكتابة وانغمرت في نفس الوقت بدراسة العلوم
الإسلامية ولم نعد نقراْ لها أي نتاج جديد ..
*
تغـريد لقمـان الجلبي :
كاتبة قصة ، نشرت في منتصف الستينات العديد من القصص في جريدة فتى العرب من
بينها ( أين أبى ، أم شهيد ،سوف يعود ، أحلاهما مر ، قطعة رسن )
كما نشرت في صحيفة الأسرة واشتركت في
مسابقة للقصة أجرتها جريدة فتى العرب . .
كان
من المؤمل ان تبرز تغـريد في مجال القصة لو واصلت المسيرة غير أنها كبقية بنات
جنسها انغمرت في مهنة التعليم وتفرغت للعمل الوظيفي ثم أشغلتها أعباء الأسـرة
والحياة فانقطعت عن الصحافة والكتابة والقصة .
*
أديبـة شريف الجـراح :
كانت باحثة اجتماعية في دائرة نائب رئيس الجامعة في الموصل حاولت في بداية
عام 1965 خلق وعي في الخدمة الاجتماعية وتوضيح أهداف ومقاصد وسبل هذه الخدمة فنشرت
سلسلة مقالات عن ( منظمات الشباب وأثرها في تنظيم أوقات الفراغ ) ثم عن ( العمل
الطبي الاجتماعي ) ومقال عن ( ضرورة تطوير الخدمات الاجتماعية ) كما ساهمت
بالكتابة في صحيفة الأسرة ..
ولم تخرج أديبـة عن قاعدة زميلاتها
السابقات فقد أبعدتها هي الأخرى الحياة الزوجية بعجل عن دنيا الكتابة والنشر فلم
نعد نقرأ لها بعد تلك المرحلة أي نتاج جديد ..
هذه ليست كل الأسماء .. فهي كثيرة لا يمكن
الإحاطة بها وبكتاباتها في هذه العجالة المهم أن الأسماء التي أوردتها كانت ضمن
أول مجموعة نقشت حروف الإسهام الأدبي
للمرأة الموصلية ورغم وجود غالبية صاحبات هذه الأسماء على قيد الحياة أطال الله في
عمرهن فأننا لم نقرأ في مرحلتنا الحالية أي نتاج لهن من غير الدكتورة بشرى
البستاني التي استمرت –
كما ذكرت – في عطائها كرائدة من رواد الأدب النسـوي
وفقها الله ..
ــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق