الثلاثاء، 12 أبريل 2022

جذورالقراءات الموصلية من خلال ما كتب عنها









جذورالقراءات الموصلية من خلال ما كتب عنها

بقلم :الاستاذ الدكتور أُبي سعيد الديوه جي
رئيس جامعة الموصل سابقا

كثر الحديث عن القراءات الموصلية، وباتت تأخذ حيزًا مهمًا عند المعنيين والمستمعين على حد سواء ، وبخاصة عندما انتقلت القراءات من السماع المتواتر عبر فترات زمنية بعيدة ، الى تسجيل القراءات صورة وصوتًا، وبدأ الحديث عن روادها الذين كان لهم الفضل في ترسيخ جذورها، أمثال الملا عثمان الموصلي ، والشيخ محمد صالح الجوادي ، والشيخ عبد الفتاح الجومرد، والذين تخرج من مدارسهم مجموعة من الرواد الذين كانوا ولا زالوا يعملون في هذا الحقل الرحب، وكتب الأستاذ الدكتور إبراهيم العلاف تفصيلا مسهبًا عن القراءات هذه، وروادها وكل ما له علاقة بالأمر، وهذا ما دعاني لأن أضيف إضافة تاريخية بسيطة عن القراءات دون الدخول في التفاصيل.
فنقول أولا: أن القراءات ، وكيفية الأداء ووفق اختيار اللحن – إن صح القول – جاءت متواترة، ولم تكن هناك وسيلة لحفظها أو كتابتها، فقد كُتبت ألحان وأنغام ومقطوعات موسيقية في الغرب من خلال رسم النغمة برموز معينة، ولم تستخدم هذه الرموز في البيئة العربية حتى مطلع القرن الماضي، فالخطاط حفظت لوحاته في الكتب ، أو في جدران المساجد ، أو في البنايات، والشاعر كتبت وتناقلت قصائده في المدونات، والمؤرخ كذلك، ولكن لا علم لنا عن الأداء كيف كان وما درجة الإتقان أو أية اعتبارات تستند على السماع. إلى أن ظهرت وسائل التسجيل الصوتي، وكان لنصيب الشيخ عثمان الموصلي والقاريء السيد أحمد عبد القادر (الكفر) ، وتسجيلات أخرى احتفظ به المعنيون، وبوسائل تسجيل بدائية.
لقد كان المرحوم الدكتور محمد صديق الجليلي – والذي كان يحتفظ بمجموعة تسجيلات نادرة - قد أسمعنا تسجيلات نادرة، وتسجيلات للقاريء أحمد الكفر، والذي يهمني أن أقول: أن المدرسة الموصلية جذورها عميقة، وتمتد الى فترات زمنية قديمة، ويظهر ذلك من خلال المخطوطات التي كُتبت عن المقامات والألحان التي كانت في الماضي، ويكفينا القول أن الشيخ محيي الدين بن عربي 558هـ - 638هـ = 1164م – 1240م وهو أندلسي ، وعندما زار الموصل سنة 601هـ = 1204م ومكث فيها من (7-9 ) أشهر ألف كتابًا بأسم ( التنزيلات الموصلية) ، والعديد من الباحثين اعتبرت الكتاب هذا ، من المواد المعنية في أداء التنزيلات الصوفية، والمرحوم الوالد الاستاذ سعيد الديوه جي عارض ما قاله الجليلي وأن الكتاب لا ُيعنى بالألحان، لكن العنوان يكفي في الإشارة الى أن البيئة كانت تشير الى وجود ما يخص الألحان والأشعار الدينية. كما أني أتذكر أن الاستاذ سلمان شكر كان قد قدم الى جامعة درهام Durham في بريطانيا للفترة 1974-1977 لدراسة مخطوطة عباسية عن الموسيقى، وكنا نشاهده في التلفزيون البريطاني ، وقدّم مجموعات من الألحان من خلال مهرجان The Tradition of Islam في لندن.
أمّا عن البيئة الموصلية ، فقد وصلتنا دلائل تدل على اهتمام المدينة في إقامة اللقاءات الدينية وما يصاحبها من نشاطات، وفي مقدمة ذلك مخطوط أو مخطوطة بعنوان "الدر النقي في علم الموسيقى" لمؤلفه الشيخ أحمد بن عبد الرحمن القادري الرفاعي الشهير ب ( المسلم الموصلي) ، والذي توفي سنة 1150هـجرية – 1737 ميلادية ، فقد كان الكتاب موضع اهتمام من قبل العديد من المعنيين بشؤون التراث، وتتوفر نسخ عديدة من المخطوط في المكتبات العالمية ، وأشار إليه الدكتور مصطفى جواد، والاستاذ الحسني والدكتور حسين محفوظ وكذلك أشار اليه الدكتور داؤد الجلبي في كتابه عن المخطوطات الموصلية، وتوجد نسخة من المخطوط في مكتبة بليرمتن في ألمانيا، وقد وجد الوالد سعيد الديوه جي أن من الأهمية نقل المخطوطة ، فقد قام بنقل مجموعة من المخطوطات كاملة أو أجزاء منها، ومنها هذه المخطوطة، كاملة وبمخططاتها التي وردت فيها سنة 1941م ، واحتفظ بها ولم ينشرها، لكون تحقيق المخطوطة يتطلب أن يقوم بها من له المعرفة المستفيضة في المقامات والألحان، وكان الوالد تربطه علاقة طيبة مع الشيخ جلال الحنفي 1914-2006 فأشار الى أهمية تحقيق المخطوطة، وبخاصة وأن الشيخ الحنفي كانت اهتماماته متعددة وله أكثر من مائة مؤلف، ومن ذلك ما يخص الألحان القراءات والمقام، وفعلا تحقق ذلك، وأشار الحنفي في تحقيقه: "والنسخة التي جرى طبع هذه الرسالة عليها إنما هي نسخة الأستاذ سعيد الديوه جي مدير متحف الموصل، وقد كان قد نقلها عن نسخة النقيب في 20 ذي القعدة 1361هـ الموافق 9 كانون الأول 1941م، فلقد أتاح لي متفضلا أنْ أكتب لنفسي نسخة عنها يوم كنت في 8/9/1964م ثم قابلنا ذلك على نسخة السيد عبد الغني النقيب في دار نجله عبد المطلب في 10/9/1964م بمدينة الموصل".
ولا أريد الدخول في تفاصيل المخطوطة، إذ يمكن الاطلاع عليها وهي متاحة في عشرات المواقع، فيقول مثلا عن المقامات: "اعلم أن هذه المقامات الاثني عشر مركبة من الأربع طبائع : نارية ، ومائية ، وترابية ، وهوائية، فالراست طبعه ناري، وبرجه الحمل، ساعته الزهرة في الفلك الثالث يوم الجمعة، وله من الشعب النيريز، ويقال له بلغة الفارسية "مايه" وبنجكاه ويقال له "مرغك" وهو أول المقامات... وذكر ما يخص المجالس وما يوافق كل مجلس حسب طبائع المستمعين، فيقول مثلا ما يقرأ في مجالس العلماء: فلتكن قراءتك بالعشاق والعراق والحجازي لأنهم في غاية الحرارة من علومهم لأن هذه المقامات ترابية وهوائية، كذلك ما يجب أن يقرأ في مجالس الصوفية أو في مجالس العوام وغيرها من المجالس الأخرى."
ونود الإشارة الى أن مساجد الموصل ، كانت ولا زالت تقرأ ليلة الجمعة ومع التكبيرات أو ما يسمى ( التمجيد) بين المغرب والعشاء بلحن الحجاز أو الرسات، وهي متواترة من وقت طويل، فالكل اعتادت على السماع وتدرك أنها ليلة الجمعة، فالمؤذن أو القاريء يقرأ وربما يعرف أو لا يعرف اسم المقام كونه سمع اللحن من شخص أو قاريء قبله، ويشير في الكتاب مثلا الى : "أن الحجازي طبعه هوائي، برجه الحوت، ساعته المشتري في الفلك السادس يوم الخميس، وله من الشعب "المعا" ويقال له "دوكاه حجازي" والحزين ويقال له "كوجك" وهو رابع المقامات". كما أن الكتاب يتطرق الى المقامات الأخرى التي كانت في البيئة الموصلية ومسمياتها، كالراست والنوى وغيرها من المقامات السائدة.
وأود الاكتفاء لما ذكرته لعدم معرفتي بهذه الناحية المهمة، لكني أقول أن مثل هذه المخطوطات يُفترض أن يتناولها المعنيون من ذوي الاختصاص، وتضاف الى النشاط السمعي والمرئي الذي توسع على نحو واسع، وأن مدينة الموصل كانت الرائدة في هذا الجانب الحيوي، ويذكر محقق الكتاب الشيخ جلال الحنفي الاتي: "وذكر لي الأستاذ البحاثة سعيد الديوه جي ، أن للشيخ أحمد بن المسلم ، رسالة صوفية المنحى عنوانها : ( ناشرة الفرح وطاوية الترح) ، منها نسخة في خزانة جامع النبي شيت بالموصل، وكلي ثقة أن هناك إضافات كثيرة تناولها المعنيون أن الدراسة ستخرج بحقائق واقعية ما يمكن من زيادة التعمق في المقامات والألحان والقصائد الدينية، مستندة على تجارب ذُكرت قبل 300 سنة، وألّف بها العديد من الكتب، ولم تكن الإشارة الى المخطوطة من علماء – أنها جاءت على نحو عرضي - علمًا أن المخطوطة لا تتجاوز في عدد صفحاتها الثلاثين صفحة بعد أن استبعدنا الفهرست الخاص بالأعلام والأماكن والملخص باللغة الانكليزية، وللعلم أن مكتبات الموصل هي الوحيدة التي تحتفظ بنسخ كاملة، كما أن (مدرسة الحجيات) كانت تحتفظ بنسخة من المخطوطة، ولا يفوتني القول أن المخطوطة فيها من الأقوال غير المفهومة حسب معرفتي البسيطة. والرسالة نشرت ضمن فعاليات (المؤتمر الدولي للموسيقى العربية) الذي انعقد في بغداد يوم 24 رجب 1384 هـ = 28 تشرين الثاني 1964م. وهي دعوة للمختصين في جوانب التراث الى البحث عن مداخل جديدة والتعمق بها ، كما أن لا علم لنا ما حلّ بالمخطوطات التي كانت في مكتبة الأوقاف، بعد هجمة أعداء العلم والمعرفة على تراث الموصل.
وللتذكير فإن العديد من الأعمال للملا عثمان الموصلي ، كانت في متناول المنشدين والفنانين ولم نكن نعلم أنها من ألحانه، وهذا ما حصل فعلا. وكلنا أمل أن ينال الموضوع كل الإهتمام من قبل المعنيين بالأمر.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق