الاثنين، 18 أبريل 2022

التأريخ للمدن العربية والاسلامية ا.د. ابراهيم خليل العلاف


 

التأريخ للمدن العربية والاسلامية
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل
اولا تحياتي واعتزازي بالجهود العلمية التي تبذلها منظمة الالكسو Alecso أي ( المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ) في مجال تنشيط الفعاليات العلمية ، والثقافية ، والفكرية التي تتناول جوانبا مختلفة من الحضارة العربية والاسلامية ، وعندما اقترحت الاخت الاستاذة سالي حسن اقامة ندوة الكترونية اقترحت عليها ان تكون حول موضوع يتعلق بالتأريخ للمدن العربية والاسلامية ، وهو موضوع مهم لدينا حوله كثيرا من الكتب والمصادر . فالمدينة ؛ هي الركيزة الاساسية في اقامة الحضارة ، والحضارة والمدنية ترتبط دوما بإقامة المدن . والمدنية من المدن ، و( مَدَنَ بالمكان أي أٌقام به ) ، وهي بعكس البداوة ، وفي صفحات تاريخنا القديم والممتد لأكثر من عشرة الاف سنة هناك ما نسميه ب(دويلات المدن ) ، والتي كان لها تأثيرها في تشكيل الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية في العصور القديمة ليس في العراق فحسب بل وفي مصر وبلاد الشام ايضا .
وفي العصور الوسطى في اوربا ، وعندنا في الوطن العربي بمشرقه ومغربه (المدن) ، هي الركيزة الاساسية في قيام الحضارة . وقد اهتم المؤرخون في الغرب وعندنا في الوطن العربي والعالم الاسلامي بالتأريخ للمدن ونحتاج الى وقت طويل لكي نذكر اسماء وعناوين الكتب التي تناولت التأريخ للمدن العربية والاسلامية .لكن لابد من الاشارة الى ما الفه ابو زكريا الازدي (توفي 334 هجرية -945 ميلادية ) عن (تاريخ الموصل) ، وما الفه اسلم بن سهل الرزاز (توفي سنة 292 هجرية -) عن تاريخ واسط ، وما الفه الحافظ ابو بكر احمد بن علي الخطيب البغدادي (توفي 463 هجرية – 1070 ميلادية ) عن تاريخ بغداد مدينة السلام ، وما الفه علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي المكنى بأبن عساكر (المتوفى سنة 571 هجرية – 1175 ميلادية ) عن تاريخ دمشق ، وما الفه كمال الدين عمر بن احمد المكنى بابن العديم (المتوفى سنة 660 هجرية -1261ميلادية ) عن تاريخ حلب ، وما الفه جمال الدين يوسف بن تغري بردي ( توفي 874 هجرية -1469 ميلادية ) عن تاريخ القاهرة ، وما الف عن مدن فاس والقيروان وبخارى وسمرقند وقرطبة وغرناطة ، وما تركه المستشرقون من دراسات عن الكوفة والحيرة والمدينة المنورة ومكة المكرمة وبغداد ومدن قديمة في المشرق والمغرب الاسلاميين . وقد يكون من المناسب ايضا ان نذكر ما قدمه الباحثون والاساتذة المتخصصون العرب من دراسات عن مدن عربية واسلامية كثيرة من قبيل طرسوس ، والبصرة ، وحماة ، ومؤتة ، والاسكندرية ، وتونس ، والرباط ، وسمرقند .
ورحم الله استاذنا الدكتور شاكر مصطفى وهو مؤرخ سوري كبير ، عندما الف كتابا يتكون من ( 1000 )، صفحة بعنوان ( المدن في الاسلام حتى العصر العثماني) ، ويقع في جزئين ، وطبع في الكويت سنة 1988 .

كان الاستاذ الدكتور شاكر مصطفى في تأليفه عن المدن في الاسلام ، مدفوعا بفكرة اساسية ، وهي انه عندما يهتم بالتأريخ للمدن العربية والاسلامية ، فانه يؤرخ للحضارة العربية الاسلامية في زاوية من أنبل زواياها ، وابرزها زاوية التمدن Urbanisation والحياة الحضارية . ومن الجميل انه زين صدر كتابه بالآية الكريمة (67) من سورة الحجر في القرآن الكريم وتقول :بسم الله الرحمن الرحيم " وجاء أهل المدينة يستبشرون " . ويقينا ان ظاهرة المدينة تعد ارقى انجاز توصل اليه الانسان في استقراره على ظهر هذا الكوكب ، فالمدينة وليدة الحضارة او انها في الحقيقة هي الحضارة نفسها .ولا أُريد ان ادخل في تفاصيل هذا الموضوع ومن هم رواده من المفكرين ، والمؤرخين ، ومنهم المؤرخ البريطاني ارنولد توينبي ، والذي توفي سنة 1975 صاحب كتاب (دراسة للتاريخ) .
وما الفه الاستاذ الدكتور شاكر مصطفى ، يعد استمرارا لجهود عدد كبير من المؤرخين والباحثين العرب والمسلمين والاجانب ، ومنهم المستشرقون عن المدن العربية والاسلامية سواء ما يتعلق بخصائصها ، او وظائفها ، او ميادين مؤسساتها السياسية والاقتصادية والعسكرية والادارية والاجتماعية والثقافية .
شيء جميل ان يهتم عدد من الباحثين الغربيين بالتأريخ للمدينة العربية والاسلامية ويكفي فقط ان اشير الى جورج مارسيه في بحثه (الاسلام والتمدن) ، وموريس لومبارد في كتابه (العصر الذهبي للإسلام ) واندريه ريمون في كتابه (المدن الكبرى في الشرق الاوسط) ، وروبير منتران في دراساته ومنها دراسته عن (القاهرة العثمانية ) .ومما يُفرح حقا ان هؤلاء وغيرهم من الباحثين اكدوا في كتبهم ودراساتهم على حيوية المدينة العربية والاسلامية ، وقدرتها على التجاوب مع التطور من جهة ، وحاجات المجتمع العربي الاسلامي من جهة اخرى .
والمدينة العربية الاسلامية ارتبطت في جوانب تخطيطها بالمسجد والسوق والمحاكم والتنظيمات المهنية والحرفية والخانات والقيصريات والحمامات والسبيلخانات ومتطلبات الحياة من قبيل توفير الماء والطعام فضلا عن اقامة (السلطة ) ومستلزماتها من قبيل العسكر والشرطة وغالبا ما كانت المدينة العربية والاسلامية مسورة وفي السور ابواب ويحيط بالسور الخندق لأغراض دفاعية .وهكذا اقول ان المدينة العربية والاسلامية لم تكن احادية في طابعها كأن تكون مدينة عسكرية بل هي متعددة في طبيعتها تخدم اغراضا عسكرية واقتصادية ودينية .
انا شخصيا كتبت الكثير في مجال التاريخ المحلي واسهمت في مشاريع موسوعية تتعلق بمدينتي الموصل والفت كتبا عن الموصل واصدر قبل فترة قصيرة كتابا بعنوان (مؤرخو المدن العراقية) وقفت فيه عند كل المؤرخين العراقيين الذين كتبوا عن المدن العراقية ومنها بغداد والبصرة والموصل والحلة والديوانية وكركوك والكوت والناصرية والعمارة ودهوك والسليمانية والرمادي واربيل والمدن والقصبات العراقية الكثيرة .
اخيرا اقول ان العرب وهم في عز ازدهار حضارتهم وقد حكموا بعد البيزنطيين والساسانيين قدموا الى العالم ما يقرب من 450 مدينة اضافوها كمدن اسلامية الى التراث المديني العالمي بحكم ما حصل من تطورات سكانية وصحية واقتصادية وعمرانية وسياسية حتى ان المستشرقة لابيدوس Lapidus الاستاذة في جامعة كاليفورنيا في دراستها عن (مدن الشرق الاوسط Middle Eastern Cities ) ونشرت سنة 1969 في لوس انجيلوس بالولايات المتحدة الامريكية قالت ان الاسلام حقق نجاحات متقدمة جدا في مجال التمدن الإنساني من خلال ما اتبعه من سياسات تنموية زراعية وتجارية وصناعية ساعدت في نمو المدن وتحديثها وتطورها ولاانس ابدا ما قاله لي البروفيسور روبير منتران وهو يزور الموصل بدعوة من قسم التاريخ بكلية التربية – جامعة الموصل وكنت رئيسه ان العرب اقاموا في القاهرة افضل مشروع لإسالة الماء كما لاانس ايضا ما قاله البروفيسور اندريه ريمون وهو ايضا كان ضيفنا في قسم التاريخ ونحن نقف امام منارة جامع الاغوات في الموصل وتاريخها يعود الى القرن 18 انها اجمل منارة من حيث العمران والريازة رآها في العالم الاسلامي.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق