الثلاثاء، 5 يناير 2021

ما الذي يريده الموصليون من الجمهورية التركية ؟

                                                                       واجهة فولدر المؤتمر 

ما الذي يريده الموصليون من الجمهورية التركية ؟

ا.د. ابراهيم خليل العلاف

استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل

قد يكون عنوان  المحاضرة غريبا ، وقد يعترض البعض من العراقيين على العنوان ...وقد يستغرب الاتراك من هكذا عنوان أو من هكذا موضوع .لكن أُسارع وانا الذي كتبت عن علاقات العراق بتركيا الكثير من الكتب والدراسات والمقالات وعبر ال ( 34) سنة الماضية الى القول ان ثمة أكثر من سبب يدعوني الى ان أبرر هكذا عنوان ، وانا احضر مؤتمرا عن العراق يعقد في العاصمة التركية انقره ينظمه مركز اورسام .

وكم انا سعيد وفرح بهكذا مؤتمر يُعتبر مكملا لمؤتمرات سابقة عقدناها في الموصل وانقرة قبل سنوات ، وكلها دارت حول العلاقات العراقية – التركية .

يعلم القاصي والداني ان الموصل وهنا اقصد مدينة الموصل مركز ولاية الموصل العثمانية  أمس ومركز محافظة نينوى  العراقية اليوم ، كانت أول مدينة عربية دخلها العثمانيون في سنة 1515 وهي آخر مدينة عربية خرج منها العثمانيون في التاسع من تشرين الثاني سنة 1918 والعثمانيون حكموا الموصل اربعة قرون وتركوا بصماتهم وآثارهم في الموصل في حياة الموصليين وعاداتهم ومبانيهم وحتى في لهجتهم المحلية وامثالهم وفولوكلورهم اي في تراثهم الشعبي .

والموصليون كانوا ولايزالون على وفاق مع التاريخ العثماني يرفضون ان تسمى الحقبة العثمانية احتلالا او غزوا ويسمونها سيطرة .. والموصليون هم من بكوا على السلطان العثماني عبد الحميد الثاني 1876-1909 حين خلع وقالوا وبشهادة المبشر ويكرام في كتابه ( مهد البشرية ) :"  اليوم سقط ركن وعمود من اعمدة الاسلام " ، ولايزال الموصليون يعتزون بالسلطان العثماني ويذكرونه بخير ويرون ان خلعه كان خِطئا كبيرا .

والموصليون وهم يعترضون على مطالب الجمهورية التركية ويعارضون فصلهم عن العراق كانوا يطمحون الى ان تنشأ بينهم وبين الاتراك علاقات جديدة قائمة على الاحترام ، وحسن الجوار ومع ان بعض الاسر الموصلية المعروفة  حبذت ان تكون مع  الاتراك في جمهوريتهم الجديدة بزعامة الرئيس المؤسس مصطفى كمال اتاتورك لاسباب دينية ولمعاداتها وقوع الموصل تحت  الاحتلال الاستعماري البريطاني كانت تفضل ان تلتحق بدولة تركيا على ان تكون مع دولة خاضعة للانكليز ومرتبطة بهم بمعاهدات جائرة .

واذا كان الشيء بالشيء يذكر فإن حزبا تركيا تأسس في الموصل في العشرينات وان ثمة تعاون مع القوى العسكرية التركية المتمثلة بقوات اوزدمير كان واضحا وملموسا وقد وجدت دعوات السيد السنوسي في ضرورة التعاون مع الجمهورية التركية صدى كبيرا في الموصل كتبت عنها قبل اكثر من  اربعين سنة في رسالتي عن (ولاية الموصل :دراسة في تطوراتها السياسية 1908-1922 ) والتي قدمتها الى كلية الاداب – جامعة الموصل سنة 1975 ) .

الشيء الذي اريد ان اقوله انني اعرف ان ثمة احزاب وقوى تركية تريد ارجاع ولاية الموصل الى حضن الجمهورية التركية والدعوات تتصاعد لان تكون العودة سنة 2023 اي لمناسبة مرور 100 سنة على  ابرام معاهدة لوزان . واعرف ، وقد كتبت الكثير عن ان الرئيس التركي السابق توركوت اوزال طالب ودعا الى ان تعود ولاية الموصل الى تركيا وكلف باحثين ومؤرخين وكتاب اتراك لان يُخرجوا الوثائق التاريخية  التي تثبت ذلك وتؤكد صيرورة ولاية الموصل جزءا من الاراضي التركية .

لكن كل ذلك لم يصمد ولن يصمد اما ثوابت الجغرافية وحقائق التاريخ فمعاهدة لوزان وخط بروكسل بين العراق وتركيا لايزال صامدا  وان ثمة قيود ومواثيق دولية واقليمية تقف دون تحقيق اي حلم لعودة الموصل الى ما كانت عليه قبل الحرب العظمى 1914-1981 .

وهنا لابد اذا من ان نبحث عن ما يربط الموصل بتركيا وما يربط الموصليين بالاتراك من علاقات واواصر ووشائج وهي كثيرة وكثيرة جدا ويأتي التاريخ المشترك في المقدمة وهناك الدين والثقافة والجوار التاريخي والقرب والهوى النفسي فهوى الناس في الموصل مع تركيا  واسمع اليوم كما كنت اسمع أمس عن صلات وعلاقات عائلية واسرية وثقافية وعشائرية تربط بين الموصل وابناء الجمهورية التركية اتراكا كانوا ام اكرادا ام ارمنا ام اثوريين .

ولااريد ان ادخل في تفاصيل هذه العلاقات فهي كثيرة لكن اقول انه ومنذ 2003 والموصليون اليوم يتعاطفون مع اخوانهم الاتراك وقد نزحت كثير من الاسر الموصلية لتعيش في المدن التركية تشتري الدور والشقق والفلل وتحصل على الاقامة والعمل والدراسة وطبيعي ان توجهات الجمهورية التركية نحو الموصل ونحو العراق وفي عهد حكم الرئيس رجب طيب اردوغان باتت تيسر كل ذلك واعرف كثيرون من الموصليين اليوم يسكنون في المدن التركية ويزورونها ويدرسون في جامعاتها .

ومن طرفنا ونحن في الموصل ومنذ سنة 1985 عندما اسسنا (مركز الدراسات التركية ) ندرس تركيا سياسة واقتصادا واجتماعا وثقافة واصدرنا المئات من الكتب عن تركيا فضلا عن مئات من البحوث والدراسات وعقدنا العديد من الندوات والمؤتمرات ومنها ماهو مشترق مع مركزي اورسام واتاتورك وكل ذلك قوى العلاقة بيننا وبين اخواننا في تركيا .

والان السؤال المهم ما الذي يريده الموصليون من الجمهورية التركية ؟ واتذكر انني تحدثت عن هذا مع الاخ الاستاذ ارشد بيك هرمز اوغلو كبير المستشارين في القصر الجمهوري التركي وكنت وبعض الاخوة الاساتذة  المشتركين في ندوة (العلاقات التركية –العراقية وآفاقها المستقبلية ) التي عقدت بين 9و10 حزيران 2010  ونظمها مركز اورسام ومركز اتاتورك في انقرة نأمل في ان نلتقي الرئيس رجب طيب اردوغان لكن الرئيس في وقتها كان مضطرا للسفر الى اسطنبول واتذكر انني قلت للاخ الاستاذ ارشد الهرمزي ان الموصل تنتظر منكم الكثير فوعدني خيرا ولكن للاسف جرت الرياح بما لاتشتهي السفر فوقعت احداث كثيرة ومنها سيطرة عناصر داعش على الموصل ثلاث سنوات من 2014 الى 2017 .

اريد ان اذكر اخواني في الجمهورية التركية شعبا وحكومة ان الموصل وكما قلت وهي المدينة العراقية الكبرى الثانية بع العاصمة الحبيبة بغداد تنتظر من الاتراك الكثير وحتلى كتابة هذه الاسطر لم نجد ما نطمح اليه واقصد مشاركة الشركات التركية في اعادة اعمار الموصل ومحافظة نينوى .

دعم المسؤولين الاتراك لقسم اللغة التركية في كلية الاداب –جامعة الموصل ولمركز الدراسات التركية الاقليمية حاليا غير واضح وضعيف جدا .

القنصلية التركية في الموصل لاتزال مغلقة وحتى عندما كانت مفتوحة لم يكن نشاطها القنصلي والثقافي والاجتماعي كبيرا كان نشاطا محدودا جدا جدا

اسهامات الشركات التركية في اعمار الموصل لايزال محدودا وضعيفا جدا مع اننا بحاجة الى ان تزج الجمهورية التركية  بكل امكانياتها لدعم حركة الاعمار وخاصة في المدينة المسورة القديمة

دعم اخواننا الاتراك للجامعات الموصلية ومنها جامعة الموصل وجامعة تلعفر وجامعة نينوى وجامعة الحمدانية لايزال ضعيفا ان لم نقل معدوما .

الطريق البري الذي وعدنا الاتراك بفتحه ويمر بمدينة تلعفر ومدينة الموصل لايزال حبرا على ورق

زيارات السفير التركي في بغداد للموصل ولمحافظة نينوى قليلة وغير ذات فاعلية ولم نر منها اية نتائج ملموسة .

دعم الاتراك للتركمان في العراق وفي محافظة نينوى لايزال محدودا وضعيفا مع اننا كنا نسمع عنه ونقرأ الكثير ولكن انا شخصيا لم اجد اي نتائج ملموسة على صعيد دعمهم ماديا ومعنويا مع انهم عانوا في مناطقهم ولايزالون الكثير من المشاكل والصعوبات .

كذلك فإن التواجد التركي العسكري في بعشيقة شمال الموصل والتهديدات التركية  لوجود قوات حزب العمال الكردستاني التركي مسائل غير محسومة وباتت تقض مضاحجعنا وتترك اثارها السبية على الامن والاستقرار في كل محافظة نينوى وفي العراق كله .

الدعم الاقتصادي والثقافي والتقني التركي للعراق وللموصل ولمحافظة نينوى غير واضح وضعيف وغير ملموس والمواطن لايحس به .

اقول ومنذ سنوات وفي كتابي ( نحن وتركيا ) ويعرفه اخواني الاساتذة والمؤرخين الاتراك والعراقيين قلت ومنذ سنين طويلة وحتى قبل الاحتلال الاميركي اننا بحاجة الت تشببيك المصالح بيننا وبين اخواننا في الجمهورية التركية وفي كل الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والشعبية لكي نتحول ونحن نعيش في عالم واحد وقرية كونية واحدة بفضل الثورة الصناعية الرابعة الى شعب واحد في دول متعددة حيث نطمح جميعا من اجل رفاهية الانسان وخيره وكلي امل في ان يدرس الاخوة المسؤولين في الجمهورية التركية هذا ويضعوه في حسبانهم وعندئذ  تتحقق بعض اهداف هذا المؤتمر ان شاء الله تعالى .

 

*ملاحظة :منذ تحرير الموصل في 10 تموز 2017 وحتى 10 ايلول 2019 لم يكن هناك قنصلية تركية في الموصل كانت متوقفة الى ان عين (مهمت كوجاك ) قنصلا عاما جديدا في الموصل (جريدة الصباح (البغدادية ) 14 من ايلول 2019

**مؤتمر دولي اقيم في انقرة بين 18-20 تشرين الثاني 2019 نظمه مركز دراسات الشرق الاوسط (اورسام ) بالتعاون مع جامعة حاجي بيرم ولي في انقرة وكان بعنوان ( العراق بعد عام 2011) وكنت احد اعضاء هيئته التحضيرية وعقد في جامعة انقرة حاجي بيرم ولي في انقرة وارسلت لهم هذا البحث  .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صورة لجانب من مجمع سيد غزال في ناحية باتيفا Batîfa (باطوفا) قضاء زاخو بإقليم كردستان العراق

                                                         مجمع سيد غزال في باتيفا - باطوفا -زاخو  صباح الخير والسعادة واهلا بكم ومرحبا : السل...