الجمعة، 8 يناير 2021

أهمية الجغرافية للتاريخ .............................. د.سناء عبد الله عزيز الطائي


 

أهمية الجغرافية للتاريخ*

د.سناء عبد الله عزيز الطائي

قسم التاريخ – كلية التربية للعلوم الانسانية -  جامعة الموصل

 

    يحتاج المؤرخ الى انواع مختلفة من العلوم الانسانية ، لان المؤرخ يؤرخ لجميع النشاط الانساني، وهو مطالب بدراسة العديد من العلوم والمعارف لا سيما الفلسفة والقانون والمالية وعلم الاجناس وعلم الانسان وعلم الجغرافية وبما انه من الصعب على المؤرخ ان يتخصص بهذه العلوم كلها ، لكن من الضروري ان يكون واسع الثقافة وله معرفة بالعلوم ولو بشكل بسيط، وربما كانت الجغرافية في مقدمة هذه العلوم التي لها صلة وثيقة بالتاريخ حيث ان للظواهر الجغرافية المختلفة والعوامل الطبيعية تأثير مباشر على الانسان وبالتالي على التاريخ ولقداخترت موضوع (علاقة الجغرافية بالتاريخ ) ، لاؤكد على ان المؤرخ يحتاج الى علم الجغرافية ؛ فالتاريخ هو الماضي البشري والماضي البشري لايمكن ان نعرفه معرفة يقينية الا بعدما نقف على المسرح الذي جرت عليه احداثه والتاريخ هو حصيلة تفاعل الانسان مع المكان والانسان والانسان يتحرك على هذه الارض وينتج عن حركته احداثا تغير وجه الارض وتحدث الكثير من التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتكون الحضارات الانسانية

فالحضارة والتاريخ ماهما الا تفاعل بين البيئة والانسان ،ولقد ادرك المؤرخون هذه الحقيقة فأهتموا كثيرا بالعوامل الطبيعية وخصصوا لكتبهم التاريخية مقدمات جغرافية ذكروا فيها الخصائص والعناصر التي اثرت في سير تاريخ تلك البلاد التي يكتبون عنها ، لذلك   لم يكن عالم الجغرافية المعروف (كوردن ايست)  يجانب الصواب عندما اطلق على كتابا الفه عنوان ( الجغرافية توجه التاريخ) ومعنى هذا ان عوامل الجغرافية الطبيعية من تضاريس ومناخ وحركة الجغرافية التاريخية والجغرافية الاقتصادية وحتى الجغرافية السياسية هي نتاج تفاعل الانسان مع الجغرافية .

النقطة التي اريد ان اثيرها في هذه الورقة هي ان طالب التاريخ لايمكن ان  يغفل  ما تعلمه  في مناهج البحث التاريخي عن ما يسمى ( العلوم الموصلة او العلوم المساعدة ) ، فالمؤرخ لكي يكتب التاريخ بحاجة الى ان يعرف علوما كثيرة منها الجغرافية والاقتصاد والعلوم السياسية والاحصاء وعلم الاجتماع وعلم النفس وغير ذلك من العلوم .

وهو عندما يريد مثلا ان يتناول تاريخ حرب من الحروب،  او ثورة من الثورات عليه ان يكون على اطلاع تام بمسرح تلك  الاحداث ،  ومسرح تلك الاحداث هي الارض التي وقعت عليها تلك الحرب او تلك الثورة . وفهم الارض طوبوغرافيتها وتضاريسها وطبيعة المناخ وما تحويه من غابات وبحار وسهول وهضاب مسألة مهمة لفهم الحدث التاريخي ، لهذا لم يكن الرئيس الامريكي روزفلت ايام الحرب العالمية الثانية مخطئا عندما طلب من كل امريكي يسمعه وهو يلقي بيانه  في الراديو عن موقف الولايات المتحدة الامريكية من الحرب ان يمسك بيده خارطة العالم ليعرف طبيعة الموقف الامريكي وما يحدث من معارك على جبهات القتال في اوربا وغير اوربا .

ومن الامثلة الاخر على اهمية العوامل الجغرافية هو سبب فشل بعض الحملات العسكرية التي شنها العرب المسلمون على اوربا وذلك انهم لم يكونوا متعودين على القتال في تلك المناطق الوعرة التي تتميز بالبرودة القارسة وشدة الامطار والاجواء المناخية الصعبة ، فتوقف النشاط العسكري في حدود تلك المناطق.

 والحضارات التي قامت على ضفاف الانهار نهر النيل ونهري دجلة والفرات ونهر السند، وهجرات القبائل العربية من الجزيرة العربية وانسحابها نحو الهلال الخصيب بعد تعرض الجزيرة العربية للجفاف، والفتوحات العربية الاسلامية واتساع رقعة الاسلام عبر القارات الثلاث اسيا وافريقيا واوربا، وما نقوله عن الاقليم والمناخ فيها وتأثير ذلك على سحنة من يسكن فيها وشكله وعاداته فعلى سبيل المثال ماذكره ابن العديم في كتابه بغية الطلب في تاريخ حلب في باب ذكر الاقليم الرابع حيث قال انه من احسن الاقاليم وانه اقليم الانبياء والحكماء لانه وسط الاقاليم السبعة ، ثلاثة جنوبية وثلاثة شمالية ، وان اهل هذا الاقليم اصحهم طباعا واتممهم اعتدالا واحسنهم وجوها واخلاقا ، كما ويذكر ابن العديم "والاقليم الاوسط هو الذي فيه الموصل اكثر الاقاليم السبعة مدنا وعمارة، وانه واسطة الاقاليم واطيبها ماء، واعدلها هواء ، واحسنها أهلا ........"

ويعتبر العامل الجغرافي سببا من اسباب تحرك المغول وتقدمهم من اواسط اسيا ، نحو العراق .

وطبيعة العراق  الجغرافية جعلت منه بلد مفتوح على الجيران بينما الطبيعة الجغرافية لمصر واحاطتها بالبحار والصحراءجعلتها مغلقةوكان لذلك تأثيرفي احداث التاريخ وشخصية الانسان .

الجغرافية  كعلم ،  وكتوجه معرفي ايضا ، تحتاج الى التاريخ لهذا نرى ان هناك فرعا مهما من فروع الجغرافية هو الجغرافية التاريخية ، ولفهم ما حدث من تطور على الارض او الكوكب الذي نعيش عليه لابد من معرفة تاريخ هذه الارض والعهود والمراحل التي مرت بها البشرية .

اذا هناك علاقة تبادلية تفاعلية بين التاريخ والجغرافية ؛ فالجغرافية هي المسرح : الارض الذي تقع عليه الاحداث وفهم خفايا وتفاصيل ومعالم هذا المسرح أمر ضروري من اجل تفسير الاحداث ، وهنا لابد ان نقف عند ما يسمى ( التفسير الجغرافي للتاريخ ) ، وهو تفسير يأخذه الباحثون بنظر الاعتبار وقدم المؤرخ البريطاني الكبير آرنولد توينبي صاحب كتاب (دراسة للتاريخ ) عندما تحدث في نظريته المعروفة (التحدي والاستجابة ) عن الحضارات القديمة ومنها حضارة وادي الرافدين وحضارة وادي النيل وقال ان تلك الحضارات قامت استجابة لتحديات الطبيعة القاسية .

لهذا كله لم يكن اساتذتنا الرواد مخطئين وهم يقررون حاجة طالب التاريخ في دراسته لأنواع الجغرافية ومنها الجغرافية الطبيعية والجغرافية الاقتصادية والجغرافية السياسية  والجغرافية الاقليمية، وطالب التاريخ لا يُعتبر مؤهلا لتدريس التاريخ ، الا اذا تسلح بعدد من العلوم وعلم الجغرافية يقف بالمقدمة من ذلك .

____________________________________

*محاضرة القيت في الندوة الالكترونية التي اقامها قسم التاريخ بكلية الاداب وقسم التاريخ بكلية التربية الانسانية - جامعة الموصل والتي انعقدت مساء يوم 5-1-2021

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صورة لجانب من مجمع سيد غزال في ناحية باتيفا Batîfa (باطوفا) قضاء زاخو بإقليم كردستان العراق

                                                         مجمع سيد غزال في باتيفا - باطوفا -زاخو  صباح الخير والسعادة واهلا بكم ومرحبا : السل...