كنيسة مار توما
الرسول في محلة خزرج في الموصل
ا.د. ابراهيم
خليل العلاف
استاذ التاريخ
الحديث المتمرس - جامعة الموصل
كما هو معروف فان
مدينة الموصل القديمة تزخر بالكنائس والاديرة واريد اليوم ان اتحدث لكم عن كنيسة
مار توما التي تقع في محلة خزرج بالجانب الايمن من مدينة الموصل . وتاريخ هذه
الكنيسة يرجع الى سنة 1859 ميلادية وهي قريبة من محلة الساعة التي كانت تسمى ايضا
في العهد العثماني بمحلة الجولاق واليوم تسمى محلة الاوس . وقد تعرضت هذه الكنيسة
لكثير من الاضرار والتدمير وخاصة في جدرانها الخارجية وأعمدتها الداخلية خلال
سيطرة عناصر داعش وتعهدت اليونسكو ودولة الامارات العربية المتحدة بعد التحرير سنة
2017 بتعميرها كما سنرى .
والكنيسة آية في
الجمال فيها باب ملوكي ومذبح وايقونات على الجدران وصور غاية في الروعة .
كنيسة مار توما
للسريان الأرثودكس كما تقول المدونات التاريخية المتوفرة بأيدينا تعتبر من اقدم
كنائس الموصل لا بل اقدم كنيسة موجودة فيها في الوقت الحاضر.. وللأسف لا يوجد لدينا
تاريخ دقيق لتأسيسها لكن مما نجده في كتب التاريخ العربي الاسلامي وخاصة في العصور
العباسية نستطيع ان نؤكد وجودها في عهد الخليفة العباسي المهدي وتأكيد وجودها
نربطه برسالة شكوى حول قطعة ارض مجاورة للكنيسة ادعى ملكيتها كل من المسلمين
والمسيحيين ولم يتوصلوا الى حل بشأنها لذلك رفعت الشكوى الى الخليفة العباسي محمد
المهدي سنة 770 ميلادية خلال زيارته للموصل وقد درس الموضوع وبت فيه وهو في طريقه
الى مدينة (اسكي موصل) اي ( بلد أو بلط ) ، ونص حله على اعطاء (400) ذراع من الارض
لمسجد بني اسباط الصيرفي والبقية لكنيسة مار توما وانتهى الموصل .
ومعنى هذا ان
كنيسة مار توما اي القديس توما كانت موجودة في القرن الثامن الميلادي اي الثاني
الهجري .
هذا من جهة ومن
جهة اخرى يقول المطران صليبا شمعون مطران الموصل وتوابعها السابق للسريان
الارثوددس في كتابه ( تاريخ ابرشية الموصل السريانية )الصادر سنة 1984 ان المدونات
التاريخية المسيحية تشير ايضا الى انها كانت في القرن السابع الميلادي في عهد
المطران خريسطفورس .
وثمة قصة
يتداولها الناس ان الكنيسة كانت بالاصل لرجل مجوسي من الموصل آمن فحول داره الى
كنيسة هي كنيسة مار توما كما ان القديس توما الرسول لما وصل الموصل وهو في طريقه
من فلسطين الى الهند حل فيها ومهما يكن من امر فكنيسة مار توما كنيسة تاريخية
اثرية جميلة كما ترون في الصور المرفقة وينزل اليها بدرج فهي تقع تحت مستوى سطح
الارض بنحو ثلاثة امتار ويبدو ان ارتفاع تبليط الطريق المار امامها وحولها وعبر
السنين الطويلة جعل منها ان تكون تحت مستوى الطريق وطول الكنيسة في المخطط الذي
بيدنا يبلغ (23) مترا وعرضها ( 26) مترا اي ان مساحتها تبلغ (598) مترا مربعا .
عند ملاحظتنا
لمخطط الكنيسة نجد ان الكنيسة فيها قسمان قسم كبير وقسم صغير فالقسم الصغير اقدم واكثر
انخفاضا وكما يعرف المعنيون ان القسم الاكبر عندما تأسس ردم القسم الاصغر وسويت
الارض بينهما واصبح القسمان بمستوى واحد .
تاريخ كنيسة مار
توما الرسول فيها من الاحداث الجميلة ما يتصل بها فمثلا الشماس كريم بن حوشاب
البرطلي انجز فيها كتابا الفه بالسريانية سنة 1168 وهو كتاب ديني في المواعظ
والتراتيل ولايزال مخطوطا .
النقطة المهمة
الاخرى انني عندما كتبت مقالتي عن (هرزفيلد في الموصل) وأرنست
هرزفيلد
Ernst Herzfeld الباحث الآثاري الالماني الكبير زار
الموصل واقام بها مرتان الاولى بين سنة 1907-1908 الثانية بين سنة 1915-1916 وله
كتاب بعنوان : ( Archacolo gische Reis im Euphrat-und Tigrisg ebiet 11
Berlin 1920 وكما هو معروف فانه اهتم بها ووصفها وكتب عنها ووضع
مخططا لها كما ان المس بل السكرتيرة الشرقية لدار الاعتماد البريطاني ببغداد
زارتها قبل اندلاع الحرب العالمية الاولى وكتبت عنها ووضعت مخططا لها في كتابها
(من مراد الى مراد) والذي ترجمه الصديق الدكتور برهان خليل غزال ولدي نسخة منه .
وممن كتب عنها
ايضا الاب جون فييه في كتابه (الاثار المسيحية في الموصل )
في الكنيسة كما
قلت زخارف ورسوم وايقونات وهناك الباب الملوكي والرسوم المنقوشة عليه ومن ذلك
الاسدان الرابضان على رأس مربع حاملين نيصا على ظهرهما .
شهدت كنيسة مار
توما كثيرا من الترميمات عبر التاريخ فهناك ترميمات جرت سنة 1896 وقد ارخت الترميمات
بكتابات عربية موجودة تحت رواق الكنيسة في الباحة الرئيسة وهذا تم في عهد المطران
بهنام سمرجي والترميم تم على نفقة الدولة العراقية رسميا بتوسط من السيد جرجيس
سرسم لدى والي الموصل عزيز باشا الذي حصل على موافقة من المسؤولين في الباب العالي
في استانبول لتعمير كنيسة مار توما والمسجد المحاذي لها .
في سنة 1929 رممت
ايضا بتوجيه من البطريارك الياس الثالث وفي سنة 1971 رممت بعد ان تسربت المياه
الجوفية اليها واقيمت فيها دعامات جديدة وهم سقفها وتم صبه بالكونكريت المسلح
وشيدت عليها كنيسة حديثة جميلة نقل اليها من الكنيسة القديمة شيئان مهمان هما :
الباب الملوكي والمذبح .
في 19 شباط سنة
2019 اعلنت وكالة انباء (فيدس) الفاتيكانية خبرا يفيد ببدء عملية إعادة إعمار
وترميم ( كنيسة القديس توما في الموصل) بحلول شهر نيسان 2019 هذه الكنيسة التي
تعرضت لأضرار كبيرة لكن لم يتم تدميرها بالكامل، عندما كانت المدينة الواقعة شمال
العراق تحت سيطرة تنظيم (داعش).ونقلت وكالة هذه عن محللين محليين اعتبارهم “إعادة
بناء مكان العبادة المسيحي، إشارة إلى نهضة الموصل”، حيث “تدعم اليونسكو أعمال
الترميم، قبل كل شيء، بفضل التمويل الكبير الذي قدمته دولة الإمارات العربية
المتحدة”.هذا ويندرج المشروع ضمن مبادرة “إحياء روح الموصل”، التي تم إطلاقها عام
2018، وتهدف إلى جمع الأموال لإعادة بناء المعالم الأثرية وأماكن العبادة التي
ترمز للهوية التعددية والعرقية والمتعددة الأديان لعاصمة محافظ نينوى”، وقد “تلقى
برنامج الترميم تمويلا بـ (50 ) مليون دولار من سلطات الإمارات العربية المتحدة”.
وذكرت الوكالة
انه وفي مراحل الصراع التي انتهت باستعادة القوات المسلحة العراقية للمدينة في
كانون الأول 2017، تعرضت كنيسة مار توما التي تقع في حيّ الساعة التاريخي، الكائن
على الضفة الشرقية لنهر دجلة لأضرار جسيمة في جدرانها الخارجية وأعمدتها الداخلية”
وقالت (فيدس) إنه “تم إبراز الأهمية الرمزية لإعادة إعمار الكنيسة في بيان
لليونسكو، وصف مكان العبادة المسيحي باعتباره رمزًا لتاريخ الموصل”، التي “كانت في
الماضي مفترق طرق للثقافات وملجأً سلميًا لمختلف المجتمعات الدينية على مر القرون
“.وبهذا الصدد، قال كاهن الكنيسة الاب بيوس عفّاص في تصريح لموقع (عنكاوا كوم)، إن
“الكنيسة شهدت إقامة أول قداس كونها تقع بالجانب الايمن من المدينة وذلك بعد تحرير
الموصل في عيد شفيع الكنيسة القديس توما في 3 تموز 2018 ، وذلك على مذبح مهدّم،
وقدمنا صلاة الشكر على نجاة الكنيسة من الدمار والانهيار”.وكانت دولة الإمارات
العربية المتحدة ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، قد
أعلنتا في 10 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، تجديد تعاونهما ضمن مبادرة المنظمة
لاستعادة المواقع التراثية والثقافية بمدينة الموصل العراقية، والتي انطلقت تحت
شعار "إحياء روح الموصل" .
وقد وقعت وزيرة
الثقافة وتنمية المعرفة في الإمارات، نورة بنت محمد الكعبي، والمديرة العامة
لمنظمة اليونسكو، ( أودري أزولاي) ، اتفاقية جديدة تخص المشاركة الإماراتية، في
جهود إعادة إعمار المعالم التاريخية في مدينة الموصل، التي تعتبر محطات فارقة في
مسيرة الحضارة الإنسانية”.
وتأتي الاتفاقية
الموقعة بين الجانبين، في إطار "عام التسامح"، الذي أطلقته دولة
الإمارات شعاراً لسنة 2019، والذي يؤكد قيمة التسامح كمفهوم عالمي، ومشروع مؤسسي
مستدام، بهدف إعلاء قيم التسامح والحوار والعيش المشترك، والانفتاح على الآخر لدى
مختلف الثقافات. وتنص الاتفاقية، على أن تقود دولة الإمارات جهود إعادة بناء عدد
من المواقع الثقافية المدمرة في الموصل، وهي كنيسة الطاهرة، وكنيسة الساعة، والتي
شملت كنيسة مار توما أيضاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق