ناظم الغزالي
1912-1963 مجدد الاغنية العربية المعاصرة
ا.د. ابراهيم خليل
العلاف
استاذ التاريخ
الحديث المتمرس – جامعة الموصل
كثيرون لا يعرفون
ان ناظم الغزالي من اصول موصلية ، واسرته هم من ال خطاب من عشيرة الجبور ، ولقب الغزالي جاءه من جده لامه الذي كان يسمى
جهاد عبد الله الغزال ، ولقب الغزال جاء
بسبب رشاقة جسمه ، وطول قامته
الممشوقة وخفة حركته كالغزال واسم ناظم الغزالي الحقيقي هو ناظم احمد ناصر خضير الجبوري من
مواليد سنة 1912 توفي سنة 1963 وحياته حافلة بالأحداث وهو قارئ مقام ومطرب وفنان
كبير كتب عنه كثيرون واشارت اليه موسوعات وانسكلوبيديات منها ( انسكلوبيديا ويكيبيديا الالكترونية) . . ويقال انه من سامراء وثمة من قال انه من كركوك
وهكذا تعددت الروايات لكن بالنتيجة هو فنان عراقي اصيل ترك بصمة واضحة في سجل
الاغنية العراقية المعاصرة واغانيه ومقاماته يرددها الصغير والكبير وعندما كان
يغني كان يسحر القلوب والعقول لتمكنه من السلم الموسيقي ومن النغمات والمقامات
الموسيقية .
ناظم الغزالي ولد
في محلة الحيدرخانة ببغداد وهي من المحلات البغدادية العريقة وكان تلميذا في
المدرسة المأمونية وبعد ان اكمل دراسته دخل قسم المسرح بمعهد الفنون الجميلة واهتم
به عميد المعهد الرمز المسرحي العراقي الكبير الاستاذ احمد حقي وتعهده بالرعاية واراده ان يكون ممثلا مسرحيا لذلك انضم الى فرقة
الزبانية وهي فرقة مسرحية ضمت عددا من رواد المسرح العراقي الكبار الذين تميزوا
بالتمثيل على المسرح فيما بعد . وقد مثل من خلال هذه الفرقة في مسرحية عرضت سنة
1942 بعنوان ( مجنون ليلى ) التي كتبها امير الشعراء الشاعر المصري الكبير أحمد
شوقي وفي هذه المسرحية غنى ناظم الغزالي اغنية ( هلا هلا ) وعبر هذه الاغنية دخل
ناظم الغزالي ستديوهات اذاعة بغداد وهكذا وبمرور الزمن اصبح مطربا مشهورا يشار
اليه بالبنان وصار مشهورا ليس في العراق وانما في الوطن العربي كله ومما ساعده على
ذلك ولعه بالسفر الى البلدان العربية
بسيارته الخاصة .
كاتب هذه السطور كتب عن فرقة
الزبانية مقالا في جريدة ( المدى ) البغدادية عدد 3-5-2015 وقلت :"
تأسست في بغداد سنة 1947 .وكان لها دور متميز في تنشيط الحركة
المسرحية في العراق .اسسها الاستاذ الحاج نوري الراوي .وقد اطلعت على صورة نادرة
نشرتها جريدة الثورة (البغدادية ) في صفحتها الاخيرة بعنوان : " بعدسة مصور
قديم " .والصورة كما اشير اليها في عدد من الثورة يعود الى اواسط الثمانينات
من القرن الماضي من ارشيف محيي عارف .ويسعدني
اعادة نشر الصورة .وتضم، كما قال الاستاذ الفنان الموسيقار باسم حنا بطرس في موقع
بخديدا المنوعة ، الفنان حامد الاطرقجي وقوفا من الاعلى والى جانبه محمود القطان .
والاطرقجي الفنان المسرحي المعروف ومحمود القطان كان يعمل عند انشاء الفرقة مدرسا
للتربية الرياضية في المتوسطة المركزية ببغداد .أما الجالسون على الكراسي فهم من
اليمين الى اليسار كما يقول الاستاذ باسم انه البصام ولم يذكر اسم ابيه ثم الحاج
نوري الراوي والى جانبه فخري الزبيدي مؤسس متحف بغداد قرب القشلة وصاحب برنامج
:" صندوق السعادة " التلفزيوني في السبعينات .اما الجالسون على الارض
فهم من اليسار الفنان المطرب الكبير ناظم الغزالي وكان انذاك طالبا في قسم التمثيل
والى جانبه الفنان حميد المحل رسام الكاريكاتير
والجدير بالذكر ان فرقة الزبانية كانت تقدم مسرحياتها على قاعة
الملك فيصل الثاني (قاعة الشعب حاليا ) في الباب المعظم ببغداد .
ومن المسرحيات التي قدمتها مسرحية "اصحاب العقول " و
" فتح باب المقدس " .
فرقة الزبانية ، هكذا كان إسمها ، لعبت دوراً مهماً في الحياة
المسرحية العراقية، كونها (أول) فرقة بأعضائها واختصاصها ، تعود بداياتها إلى خريف
الأربعينات 1947 ، وكانت الفرقة تقدم فعالياتها على مسرح قاعة الملك فيصل الثاني
(قاعة
تشاهدون في الصورة من اليسار إلى اليمين:
وقوفا ً: حامد الأطرقجي ، ومحمود القطان (الذي كان مدرس رياضة في
المتوسطة المركزية - ثانوية النضال في السنك) .
جلوساً على الكراسي: البصّام ثم الحاج نوري الراوي (مؤسس
والرئيس الروحي للزبانية) ، ثم فخري الزبيدي (مؤسس متحف بغداد في شارع المتنبي)
ومؤسس برنامج (صندوق السعادة التلفزيوني) .
جلوساً على الأرض : ناظم
الغزالي (وكان وقتها طالباً في قسم التمثيل بمعهد الفنون الجميلة )، ثم حميد المحل
(الفنان الكاركاتيري). .
ناظم الغزالي كان
من عائلة فقيرة مكافحة ، فقد كان يشتغل وهو طالب فعلى سبيل المثال
اشتغل وهو طالب في معهد الفنون الجميلة مراقبا في امانة العاصمة وكان يحب الغناء وتتلمذ على يد الفنان ورائد المقام الكبير محمد القبانجي ، وتعلق بالمطربين
الكبار ومنهم محمد عبد الوهاب ومحمد القبانجي وام كلثوم وفريد الاطرش وراح يردد
اغانيهم مع نفسه ومن الطريف انه صار يكتب المقالات في مجلة (النديم ) وبعنوان
(اشهر المغنين العرب) كما الف كتابا بعنوان ( طبقات العازفين والموسيقيين 1900
-1962) .وقد عرف بثقافته الرفيعة واناقة
ملبسه وكياسته وروحه المرحة ومما ساعده
على ذلك شكله وجمال صورته ودقة تقاسيم
وجهه .وقد تزوج من المطربة الكبيرة سليمة باشا مراد مع انها اكبر منه اكثر من عشر سنوات ،
وقد شاركته في بعض الحفلات والتي كان لها
فضل عليه من خلال زجه في الاذاعة اذاعة بغداد بين سنتي 1947-1948 عندما انتمى الى
فرقة كانت تسمى (فرقة الموشحات ) وكان يديرها الفنان الكبير الموسيقار الشيخ علي
الدرويش وكانت تضم عددا من المطربين والمطربين .
تميز صوت ناظم
الغزالي بالقوة وكما هو معروف في السياقات
الموسيقية فان مجاله الصوتي كان يتراوح بين " اوكتاف ونصف الى اوكتافين
" والاوكتاف يتضمن ثمانية نوتات اي درجات وتنحصر حلاوة الاماكن في صوت
الغزالي بين النصف الاول والثاني من الاوكتافين وهكذا فان مساحة صوت المطرب ناظم
الغزالي زادت على اربع عشرة درجة من درجات السلم الموسيقي ولذلك ادى ناظم الغزالي
كل الوان الغناء العربي بسهولة ويبدو ان لقدراته في التمثيل دور في جذب اهتمام
المتلقي والمستمع اليه فكان رحمة الله عليه يحسن رفع وخفض الصوت حيث الحاجة ويميل
بجسمه حسب النغمات فأجاد واحسن الغناء والطرب ويقينا ان ثقافته الموسيقية وقراءاته
المتعددة ساعدته على ان يكون متمكنا في الاداء والتأثير .غنى ناظم الغزالي في
العراق وغنى للجنود العراقيين المقاتلين اثناء الحرب الفلسطينية الاولى 1948 ، وغنى في الكثير من البلدان العربية وحتى في بعض البلدان الاوربية ومنها لندن وباريس .. كان يسافر الى بيروت مثلا وهناك يقيم الحفلات وكان يحرص ان تكون معه
فرقته الموسيقية المتكاملة وسبق بهذا كثير من الفنانين العرب لهذا اكتسب شهرة
عربية وكان يغني لعدد من الشعراء العرب منهم احمد شوقي وايليا ابو ماضي ولازلنا
نتذكر انه غنى لابو فراس الحمداني الشاعر الكبير قصيدته الرائعة ( أقول وقد ناحت
بقربي حمامة ) كما لازلنا نتذكر اغنينه (شيعت احلامي بقلب باك ) وهي قصيدة الشاعر
احمد شوقي وغنى قصيدة الشاعر البهاء زهير ( يامن لعبت به شمول ) وللشاعر ايليا ابو
ماضي قصيدته ( أي شيء في العيد اهديك ياملاكي)
وقصيدة الشاعر المتنبي ( يا اعدل الناس
الا في معاملتي) وللعباس بن الاحنف (يا
ايها الرجل المعذب نفسه) .. وانا شخصيا وغيري كثيرون لازلنا نردد
اغانيه الخالدة من قبيل ( عيرتي بالشيب وهو وقار ) و(طالعة من
بيت ابوها وخاشة ببيت الجيران ) و( فوك النا خل )
و(احب كل من يحبك واحب الورد جوري عبن بلون خدك ) و(مرو علي الحلوين وعذبوني ) ..وكل ما كان
يغنيه يبدع فيه ولاتزال تلك الاغاني ترن في اذهان المستمعين وفي الذاكرة الغنائية
العربية المعاصرة .
كان ناظم الغزالي
قد وصل في سنوات الستينات الى ذروة النجاح وكان مكثرا في اقامة الحفلات وخاصة خارج
العراق فعلى سبيل المثال اقام سنة 1963 وقبل وفاته ( 35) حفلة في بيروت وحدها وسجل
لكثير من محطات التلفزيون العربية واشترك
في تمثيل عدد من الافلام العربية ومنها فيلم (سلام على الحب )مع نجاح سلام وغنى فيه اغنيته الشهيرة ( يا ام العيون السود
) وذهب الى الكويت واقام اكثر من (20) حلقة وعاد الى العراق وهو يقود سيارته بنفسه
وكان متعبا جدا ومنهكا جدا وفي صباح يوم 23 من تشرين الاول سنة 1963 توفي رحمة الله
عليه وجزاه خيرا على ما قدم لبده وفنه وامته .
كان ناظم الغزالي كما يقول الاستاذ حميد المطبعي في موسوعته (موسوعة اعلام وعلماء العراق ) ان ناظم الغزالي كان قارئ مقام من الطراز الاول ، لكنه كان مجددا في اداء الاغنية العربية ، وكان
مغني الشعب ذاع صيته بقراءته الغنائية
الشعبية وبجمعه بين القديم المحبب ، والحديث المعاصر كتبت عنه الصحافة العربية
واطلقت عليه لقب ( سفير الاغنية العراقية ) ..
ولايزال ناظم الغزالي علامة بارزة في تاريخ الموسيقى العربية ورمزا من رموز
الفن العربي الملتزم الاصيل .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق