استقبال البطريارك اغناطيوس يعقوب الثالث 1912-1980 في برطلي
كنيسة مار كوركيس في برطلي
برطلي مدينة
الموازين .... من نواحي قضاء الحمدانية بمحافظة نينوى
ا.د. ابراهيم خليل
العلاف
استاذ التاريخ
الحديث المتمرس – جامعة الموصل
وناحية برطلة
ومركزها (مدينة) برطلة احدى نواحي قضاء
الحمدانية ضمن التشكيل الاداري لمحافظة نينوى اليوم .ناحية مهمة ومتميزة لها تاريخ
عريق وثر . وكما هو معروف فان قضاء الحمدانية يقع على بعد ( 35) كيلومترا من مدينة
الموصل .
كتب الاستاذ جمال
بابان المحامي في الجزء الاول من كتابه
الموسوم ( أصول اسماء المدن والمواقع العراقية عن برطلة واسماها باسمها القديم
(برطلي ) وقال عنها انها (قرية ) وهي اليوم (مدينة ) قال انها (قرية كبيرة تقع في
شرقي مدينة الموصل على بعد 25 كيلومترا منها وهي مركز الحمدانية عدد نفوسها 3116 نسمة في احصاء سنة 1957 . وحسب
احصاء سنة 2014 التقريبي فان عدد نفوسها يصل الى ( 63000 ) نسمة .
واسم برطلي من اللغة السريانية وقد اختلف الناس في تفسيره فقال الجواليقي ان كلمة برطلة كلمة نبطية وليست من كلام العرب وقال ابو حاتم قال الاصمعي (بَر : ابن ،والنبط يجعلون الظاء طاء وكأنهم ارادوا ابن الظل الا تراهم يقولون الناطور وانما هو الناضور ومثل هذا التفسير ما في الجمهرة ولسان العرب والقاموس والتاج وعلى هذا النحو . ومن الطريف ان الاستاذ يوسف غنيمة جرى في تقسير هذه الكلمة بأن برطلي تعني ابن الظل او ابن الفيء او من بيت طلا بمعنى بيت الطل او الندى ويذهب الخوري بطرس سابا البرطلي . وكما جاء ذلك في مقال بمجلة (سومر ) العدد (17) السنة 1961 ان لفظة برطلة تتألف من الباء الاولى المختزلة من با بمعنى ( بيث رطلي )اي بيت رطلي بمعنى بيت الارطال والموازين فيكون محصل اللفظة او الكلمة ان (برطلة بيث رطلي تعني بيت الموازين ) ، وهذا هو التفسير الاصح والكلمة آرامية خاصة وان لدينا الكثير من اسماء المواقع التي تبتدئ بكلمة ( بيث السريانية اي بيت ) فهناك باعقوبا وبعشيقة وبحزاني وباصخرا وبازوايا وبازكرتان وباعذرا وبافخاري وباقوفا وبافكي وبافخاري وبامردني وباهذار وباوشنايا وهكذا .
جاء في
انسكلوبيديا ويكي بيديا الالكترونية ان برطلة وباللغة السريانية تكتب هكذا (ܒܪܛܠܐ) هي (
بلدة ) عراقية تقع شرقي مدينة الموصل ضمن حدود محافظة نينوى الادارية يحدها من الشمال الشرقي جبل
اسمه (جبل مار دانيال أهلها من المسيحيين السريان الارثودكس والسريان الكاثوليك
ويسكن فيها ايضا الشبك والتركمان .
وكما
قلت فان لبرطلة تاريخ عريق يمتد الى العهد الاشوري فهي اولا وآخرا بلدة اشورية
ولها تاريخ في الوجود المسيحي والكنيسة السريانية في العراق وقد انجبت العديد من
البطاركة والمفارنة والمطارنة والرهبان كما انجبت الكثير من الادباء والشعراء
والكتاب والخطاطين والمؤرخين الذي رفعوا مكانتها التاريخية وموقعها بين البلدات
المشهورة في الموصل ضمن العصور التاريخية المختلفة .
وقد اشار اليها ياقوت الحموي المتوفى سنة 1223 ميلادية
في كتابه (معجم البلدان ) أشار
اليها وهي في عز ازدهارها في القرن الثالث عشر الميلادي السابع الهجري وقال ان
بارطلي من اعمال الموصل كالحديثة والمرج وجهينة وكرمليس وباجرمي والمحلبية ونينوى
وباهذرا .واضاف يقول : " برطلي بفتح
الباء وضم الطاء وتشديد اللام وفتحها بالعصر والإمالة، قرية كالمدينة في شرقي دجلة
الموصل من أعمال نينوى، كثيرة الخيرات
والاسواق ، والبيع والشراء يبلغ دخلها كل سنة عشرين ألف دينار حمراء. والغالب على
اهلها النصرانية ، وبها جامع للمسلمين
وأقوام من اهل العبادة والتزهد ولهم بقول وخس جيد يضرب به المثل وشربهم من الآبار."
كما
ذكرها المؤرخ الموصلي في القرن التاسع محمد امين العمري في كتابه (منهل الاولياء )
وقال ان القدماء قالوا ان من اعمال الموصل (بارطلي ) وانها ذكرت فيما بعد وفي عهد
سيطرة الاسكندر المقدوني على العراق 321-334 قبل الميلاد انها من القرى التي تقع في
الطريق بين مدينتي الموصل واربيل .
وحال
برطلة كحال الموصل واجهت الكثير من التحديات عند غزو المغول سنة 1261 واحتلالهم
الموصل وعبثهم بما كانت تضمه من مدن وقرى وقصبات وقد ضعف شأنها وهجرها عدد كبير من
سكانها ونالتها المصائب والنوائب واستمر الامر على هذا المنوال حتلا القرن الثامن
عشر الميلادي حين انتقل اليها جمع من السريان في سميل وباصخرا وباشبيتا واقام فيها
عدد من المفارنة منهم المفريان اغناطيوس لعازر بعد سنة 1164 والمفريان غريغوريوس
يعقوب بعد سنة 1215 والمفريان ديونيسيوس
صليبا بعد سنة 1271 والعلامة يوحنا بن العبري بعد سنة 1286 وشقيقه برصوم الصفي
الذي توفي فيها سنة 1307 وغريغريوس متى بن حنو البرطلي يوسف بعد سنة 1470 .
ان
من الحقائق التاريخية التي لابد أن تؤخذ بالحسبان ان برطلة من اولى البلدات التي
دخلت اليها المسيحية ويشهد بذلك ماقدمته من شهداء يقال ان عددهم اربعون شهيدا وكان
ذلك ابتداءَ من القرن الرابع الميلادي لذلك نجد انها كانت ولازالت تعج بالكنائس
فمن الكنائس التي تضمها ومعظمها كنائس تاريخية كنيسة مار احودامه المعروفة
بالكنيسة الكبرى والتي شيدها المفريان اغناطيوس الثاني سنة 1164 وكنيسة القديسة
شموني وكنيسة ماركوركيس وكنيسة السيدة العذراء وكنيسة العذراء الجديدة .
ومن
الطريف ان في كنيسة مار احودامة في برطلة
آثارا توثق ما شهدته برطلي من احداث ونكبات بعد غزو المغول 1260 وما تبعه
من تدهور واضطرابات وتخريب طوال القرنين الثالث عشر والرابع عشر الميلاديين .واقصد
بهذا الاثر الحجر السرياني الذي اكتشف في خرائبها سنة 1933 وترجمته :" غادر
هذه الحياة الشقية إلى عالم الافراح : الشماس ميخائيل في شباط سنة (1386
م)." ثم خربت على اثر الاضطرابات القاسية التي اصطلت بنارها تلك البلاد في
القرون التالية .
أما كنيسة القديسة اشموني،
فهناك من يقول انها تأسست في القرن الخامس عشر وقد جددت عدة مرات منها في سنة 1807
عند بناء ، كنيسة مار كوركيس من قبل أهالي
برطلة ثم في سنة 1869 في عهد البطريرك يعقوب الثاني ومار قولس دنحا اسقف دير مار
متى. ومنذ بضع سنوات اهتم بترميمها كاهنها الفاضل المرحوم الخوري الياس شعيا، وفتح
لها شبابيك واسعة، وشيد في مدخلها بابا كبيرا وجميلا مع قبة جرس، وحسن اوقافها،
وأنشا بجوارها مدرسة ابتدائية في عشرين غرفة كبيرة على الطراز الحديث، وكان يعاونه
اهالي برطلي. اما جرسها الكبير فقد تبرع به البطريرك يعقوب الثالث أثناء مطرنته
على ابرشية بيروت ودمشق. ولهذه الكنيسة غالبا خط المطران رزق الله الشهيد الموصلي
كتاب ( فرض الالام) في أثناء رهبانيته في سميل سنة 1736 .
فيما يتعلق بكنيسة مار كوركيس فانها قديمة كذلك وقد تجدد بناؤها مع بناء كنيسة مارت شموني سنة
1807. ولها ولكنيسة مارت شموني رسم مار قورلس عبد العزيز اسقف المشرق (1782-1816) القس متي والشماس ارشيليدوس سنة (1792 م). ولها كتب القس يعقوب بن يوحنا القرقوشي نحو سنة
1751 فرض (حسايات) في عهد البطريرك جرجس الرابع والمفريان لعازر
الرابع وايوانيس كازار مطران دير مار بهنام وايام القس دانو والقس عبد
الله والقس إبراهيم (المقدسي). وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر، اخذها
السريان الكاثوليك بعد انفصالهم عن الكنيسة السريانية الارثودكسية
.
وللأسف فان كنيسة السيدة العذراء قديمة لذلك درست معالمها. أما كنيسة العذراء الجديدة فقد تم
بناؤها في وسط القرية سنة 1892 بهمة مار قولس إلياس قدسو الموصلي مطران أبرشية دير مار متي سنة 1921
من تبرعات الاهالي في برطلة وخاصة ال عتي الكرام . وقد
بنيت هذه الكنيسة على انقاض دير مار يوحنا
ابن النجارين في برطلي ودير مار دانيال في الجبل المعروف بجبل مار دانيال .
واليوم برطلة تنهض فمنذ انتهاء العمليات العسكرية وطرد عناصر داعش
وتحرير محافظة نينوى سنة 2017 والجهود تبذل من اجل اعادة من ترك سكناه واعمار
البلدة وتبليط شوارعها وتزيينها واعادة النشاط الاقتصادي وتبذل مديرية بلديات
نينوى جهودا كبيرة في هذا المجال .
في مدينة برطلة بلدية ومستشفى ومركز صحي ودوائر حكومية وبناية لمديرية الناحية
ومدارس واسواق عامرة قديمة وجديدة واحياءها مبنية بطراز معماري جميل .
وفيما يتعلق بتاريخ النظام التعليمي في برطلة استطيع القول انه
قديم وراسخ ولعل مما نذكره ان برطلة شهدت افتتاح المدارس منذ اواخر القرن التاسع
عشر ومطلع القرن العشرين حتى ان سالنامات الموصل وهي الكتب السنوية التي كانت
تصدرها سلطات ولاية الموصل العثمانية اشارت الى وجود مدرسة ابتدائية للكلدان في
برطلة يرجع تأسيسها كما يقول الدكتور علي نجم عيسى في كتابه ( مدارس الموصل ) 2017
الى سنة 1836وكان عدد تلاميذها (50)
تلميذا وفي السنة الدراسية 1915-1916 بلغ عدد تلاميذها (87 ) تلميذا .كما اسس
السريان ايضا مدرسة اخرى للبنين سنة 1912 وكان عدد تلاميذها عند افتتاحها (49)
تلميذا وكان في برطلة ايضا مدرسة لليعاقبة كان عدد تلاميذها (20 ) تلميذا .
وبعد الاحتلال البريطاني للموصل سنة 1918 اسس احد المبشرين
الانكليز واسمه نسطوريوس سنة 1919 مدرسة في برطلة لتعليم اللغة الانكليزية لكنها لم
تصمد طويلا بسبب خلافات مع رجال الدين في برطلة .
وفي سنة 1974 شيدت لمدرسة برطلة الابتدائية للبنين بناية جديدة على
الشارع العام مقابل المركز الصحي في برطلة وبلغ عدد تلاميذها سنة 2014 ( 610)
تلميذا ومن اقدم مدراءها الاستاذ داؤد دغدو 1919-1923 والاستاذ جميل عبو اليسي
1923-1935 والاستاذ ابراهيم يعقوب 1935-1936 والاستاذ ابلحد عناية 1936-1938
والاستاذ روفائيل يوسف جبوري 1931-1941 والاستاذ عبد الاحد سليمان 1941-1950
والاستاذ زكريا شابا بولص 1950-1953 والاستاذ يوسف توما رفو 1953-1958 والاستاذ
اوغسطين اليشاع القس 1958-1960 .
ومن معلمي هذه المدرسة الاستاذ جرجيس توما منصور وهو من مواليد سنة
1920 خريج دار المعلمين الابتدائية سنة 1942 عمل معلما للغتين العربية والانكليزية
في مدرسة برطلة للبنين سنة 1941 وكان معلما ناجحا نال عدة كتب شكر منها بسبب تحقيقه
نسبة نجاح 100% في الامتحان الوزاري العام للسنة الدراسية 1941-1942 .
وفي برطلة نواد رياضية وثقافية
وفرق كشافية ومقاه وساحات وكافيهات
ومولات وهناك مواقع الكترونية مهمة اسسها عدد من مثقفي برطلة منها مثلا موقع برطلة
نت . كما ان هناك ( الملتقى الثقافي الشبابي في برطلي ) .وكثيرا ما تقام في برطلة
المعارض الفنية والامسية الشعرية والمهرجانات الشعبية ومنها مثلا مهرجان الاكلات
الشعبية التراثية الذي اقيم في برطلة يوم
14-10-2019 .
برز في برطلة عدد كبير
من الادباء والشعراء والكتاب الذين كان لهم حضورهم في الساحة الثقافية والاجتماعية والسياسية العراقية ان كان ذلك على
صعيد الشعر او القصة او المسرح او التشكيل وفي الصحافة والتاريخ والسياسة والادارة
والجيش والاقتصاد .
وقد احصى الاستاذ الدكتور صباح نوري المرزوك في كتابه (معجم
المؤلفين السريان ) 2013 عدد ممن برز في برطلي من الكتاب والمؤلفين والباحثين
والعلماء وعلماء النفس والاساتذة
والمؤرخين ورجال الدين ممن تركوا المؤلفات العديدة منهم الاستاذ اسحاق ساكا
1931-2012 والبطريارك اغناطيوس يعقوب الثالث 1912 1980 والاستاذ الياس شعيا
1895-1970 والدكتور باسيل عكولا مواليد 1932 والاستاذ باسيل فوزي مواليد 1939
والاستاذ بهنام دانيال مواليد 1944 والاب روفائيل شابا مواليد 1930 والمطران
غريغوريوس صليبا مواليد 1932 والاستاذ الدكتور يوسف حنا للو مواليد 1947 والدكتور
يوسف قوزي مواليد 1933 والدكتور يوسف متي اسحق وغيرهم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق